الاثنين، 8 فبراير 2021

المرأة ليست لعبة الرجل: مراجعة

الكتاب: المرأة ليست لعبة الرجل
الكاتب: سلامة موسى
اللغة: العربية
الصيغة: كتاب إلكتروني
التقييم: 2.5/5

في العادة، لا أقرأ كتبًا ذات عناوين رنانة كهذه، خاصة فيما يتعلق بالقضية النسوية؛ فأنا أحرص على اختيار الكتب التي تنصف القضية. لكنني كنت أشعر بالملل على متن الباص العمومي، فوجدتني أتصفح تطبيق "رفوف"، الذي أرشحه بشدة بالمناسبة، فإذا بي أنهي نصف الكتاب في أول جلسة.

لم أقرأ من قبل لسلامة موسى، وإن كنت سمعت من قبل عن أفكاره التقدمية، ولذلك فقد كانت تجربة مثيرة للاهتمام. هذا الكتاب هو مجموعة من المقالات نشرت في أوائل القرن العشرين، وهي الفترة التي بدأت فيها حركة النسوية في مصر.

وعليّ هنا أن أوضح شيئًا هامًا: أنا أؤمن بالفعل بالقضية النسوية، وأعتقد أن مجتمعاتنا العربية جميعًا في حاجة إلى ثورة تنوير حقيقية فيما يتعلق بقضية المرأة (يكفي دليلًا على هذا أن بعض الناس يرون كلمة "فيمينست" الآن مسبة!). ولكن، لدي مشاكل مع الحجج التي يطرحها سلامة في هذا الكتاب، وإن كنت أتفق مع أغلب أفكاره.

في المقالات، يدافع سلامة عن فكرة المساواة بين الرجل والمرأة، لكن ليس انطلاقًا من مبدأ المساواة ذاته وإنما بسبب اقتصادي ومادي بحت! فهو يكرر في أكثر من موضع أنه من العبث أن يضيع نصف حجم القوى العاملة في البلد لأن المرأة لا تعمل. وهي وجهة نظر تحترم، بالطبع، لكنها في رأيي ليست خلاصة المشكلة؛ فقضية المرأة لا تختزل أبدًا في حق العمل، ونحن لا نريد الدفاع عن حق المرأة في العمل انطلاقًا فقط من الفائدة التي تعود على المجتمع من عملها!

وبالحديث عن حق العمل فإننا أيضًا يجب أن ندافع عن حق اختيار طبيعة هذا العمل؛ فسلامة يرى أن المرأة لا حاجة لها لأن تتفرغ لرعاية المنزل، لأن في عصره أصبحت أعمال المنزل بسيطة وهينة بفضل التكنولوجيا! ومن هنا يمكنني الحكم بضمير مستريح بأن سلامة موسى لم يقم قط بأعمال منزلية؛ لم يقم بالطبيخ والغسيل وتنظيف المنزل والعناية بالأطفال وأبي الأطفال! فحتى بعد قرن كامل من كتابة كلماته، ومع كل التقدم التكنولوجي في منازلنا، لا يمكن أن يجزم أحدنا بأن العناية بالمنزل وبالأطفال أمر هين. 

من المهم أن ندعم حق المرأة في العمل والمساواة في الأجور، ومن المهم أيضًا أن ندعم المرأة حين تقرر وتختار طوعًا أن تتفرغ للعناية بالمنزل والأطفال. عكس ما يعتقده الجميع، كون المرأة ربة منزل هو أيضًا صورة من صور العمل.

والأمر الآخر الذي أزعجني في هذا الكتاب هو اللهجة المنبهرة بالحضارة الغربية أشد الانبهار! حتى في أتفه مواضع المقارنة. فهو مثلًا يقارن الرقص الشرقي بالغربي؛ ويحكم على الشرقي بأنه رقص منحط وهو محض حركات لاستعراض الجسد، بينما الغربي هو رقص راق لا يثير الشهوات. الباليه والفالس فن راق، بينما الرقص الشرقي منحط. وهي بالطبع مقارنة ساذجة! فرغم أنني أقر بأن الرقص الشرقي قد اعتراه استعراض الأجساد حديثًا، فإن ذلك ليس خطأ الرقص بذاته كفن، وإنما خطأ من استخدموه كاستعراض جنسي في الأفلام والأغاني. ولست بحاجة لأن أقول أن بعض الرقص الغربي المستحدث لا يخلو من انحطاط.

لكن بشكل عام، وإنصافًا للكتاب، فإنه كانت هناك كثير من الأمور الإيجابية والآراء التقدمية التي احترمتها كثيرًا. أعتقد أن سلامة موسى لو كان بيننا الآن لأطلقوا عليه لقب "فيمينست" (وكأنها مذمة!)، ثم لهاجموه هجومًا شنيعًا. 

أعجبني في الكتاب أيضًا مناهضة سلامة موسى للفصل بين البنين والبنات في التعليم الأساسي والجامعي، وطالما استغربت أنا كذلك هذا الفصل، فكيف للشاب أو الفتاة أن ينظر للجنس الآخر على أنه شخص عادي مثله تمامًا، بينما يتعلم منذ نعومة أظافره أن اجتماع الذكور والإناث في مكان واحد ممنوع! 

اقتباسات

"والرجل لا يتخصص للزواج، وكذلك المرأة يجب ألا تتخصص للزواج. ذلك لأن حياتنا، نحن الرجال والنساء، أغلى من هذا وأرحب من أن يحتويها هذا التخصص."

"إن الرجال يتهمونك بأنك غير ذكية، غير شجاعة، غير سخية، غير بصيرة، لم تتفوقي في الاختراع أو الاكتشاف، ولم تبرزي في العلوم أو الفنون. وكل هذه التهم صحيحة. ولكنها صحيحة لأنك تمضين حياتك محبوسة بين أربعة جدران في البيت. ولو قدر لنا نحن الرجال أن نحبس كذلك لكنا في هذه الحال التي تتهمين أنت بها".

"الرجل الفارغ الثري، أي المعطل الثري، هو أسوأ الطرز الاجتماعية للإنسان. وقد كان الإقطاعيون على هذا الحال في بلادنا. وكان فسادهم يتجاوزهم إلى فساد من يحيطون بهم. وكانوا يفسدون لأنهم معطلون فقدوا الكرامة الذاتية بسبب التعطل. ولو أنك فاجأت واحدًا منهم وهو قاعد في استرخاء الكسل، لوجدت أفكاره وخواطره التي تشغله إما إجرامية أو مؤذية."

"الطلاق وتعدد الزوجات هما كارثة المجتمع المصري. إذ ليس لنا عائلة لوجودهما. والعائلة هي الأساس الذي تبنى عليه المجتمعات."

"ويجب ألا يفصل الجنسان مدة التعليم. وليست المدرسة، وليست الجامعة، مكانًا للتعليم فقط، وإنما هما مكان للتربية أيضًا. والتلميذ والطالب يتعلمان من المدرس أو الأستاذ، لكنهما لا يتربيان بالدرس أو المحاضرة. وإنما يحصلان على التربية من الزمالة بين الجنسين. ذلك أن الزمالة هي الاجتماع والحديث والعمل المشترك والمناقشة المثيرة. وكل هذا تربية للأخلاق وتكبير للشخصية."


الجمعة، 5 فبراير 2021

وفي عمق الشتاء البارد.. صيف لا يقهر

 مضى زمن طويل منذ آخر مرة استشعرت فيها دفء البشر تجاه من لا يعرفونهم. ربما وقت طويل أكثر من اللازم.

لا شيء يقرب البشر بعضهم ببعض كالسفر. (وربما لذلك السبب اخترت لنفسي، دون وعي مني، حياةً على ظهر حقيبة سفر؟ أكان ذلك لأنني أريد أن أقترب من البشر؟ هأنذا أحلل نفسيتي مرة أخرى..).



 في رحلتي السابقة من شمال فرنسا إلى جنوبها، تعثرت ببعض الأشخاص في غاية اللطف، جعلوا رحلة الـ12 ساعة تمضي بسرعة كبيرة. 

ابتداءًا من الرجل ضخم الهيئة الذي ساعدني في حمل حقيبتي الثقيلة عبر سلالم سكك القطار.

ثم السيدة اللطيفة التي صاحبتني في انتظار الباص. إنها تعيش بالقرب من ديزني لاند باريس، يا لحسن حظها!

ثم الشاب الذي ساعدني في حمل حقيبتي عبر إحدى حدائق باريس ليلًا بعدما رفضت مساعدته كثيرًا، فقال إنه يتفهم كون باريس مكانًا مخيفًا في المساء لفتاة بمفردها. وكان معه حق، فكنت خائفة منه بالفعل!

ثم السيدة التي كانت تحيك "الكروشيه" في مقعد خلفي في الباص، استضاء وجهها واحمر خجلًا لما قلت لها إن ما تصنعه جميل حقًا. 

قد تكون الصفة المنتشرة عن الفرنسيين هي أنهم متكبرون ولا يقدمون المساعدة، لكنني على استعداد للجدال ضد هذه الفكرة.

هناك ألفة غريبة تجمع أشخاصًا لا يشتركون في شيء غير جلوسهم معًا في باص متجه إلى مدينة واحدة. مدينة جنوبية يتحدث أهلها بلكنة مضحكة في نظر باقي أهل فرنسا، ويجلسون كل يوم على ضفاف النهر وقت الغروب. مدينة تحبها الشمس كثيرًا، حتى في الشتاء. مدينة تشعرني أن مقولة ألبير كامو الشهيرة: "وفي عمق الشتاء البارد، اكتشفت أن في داخلي صيف لا يقهر"، قد كُتبت من أجلها.

في السفر، ننسى من نحن في الحقيقة. ننسى من أين أتينا ومم نخاف؛ ننسى أننا نخاف المشي في الحدائق ليلًا وأننا نستحي من طلب المساعدة ومن اختلاق حديث عابر مع الغرباء. وننسى أننا وحدنا. 

"يقول مسافر في الباص: كل شيء يعجبني، حتى مسافة الثمانمائة كيلومتر!"، عذرا درويش..


الخميس، 4 فبراير 2021

مراجعة واقتباسات: أشخاص قلقون



الكتاب: Anxious People
الكاتب: فريدريك باكمان
لغة القراءة: الإنجليزية، مترجم عن السويدية
صيغة القراءة: كيندل
التقييم: 5/5

مضى عامين تقريبًا منذ قرأت لفريدريك باكمان لأول مرة، عمله الأشهر "رجل يدعى أوف"، ومنذ ذلك الوقت ظللت أترقب أعماله الجديدة. فريدريك باكمان هو كاتب سويدي، كتاباته لها طابع مميز لا أجده في كثير من كتب اليوم. باكمان يحدثك عن العائلة، وعن الحب، وعن معنى أن تكون إنسانًا، كل ذلك دون نبرة وعظ أو حكم، ودون ابتذال أيضًا. 

ماذا يحدث عندما يجتمع مجموعة من الحمقى (كما يصفهم الكاتب) معًا في شقة ليتخذهم لص أحمق كرهائن؟ وماذا سيحدث لرجلي الشرطة الأحمقين عند محاولتهما حل اللغز وإنقاذ الرهائن؟ هذه هي رواية عن الحمقى، لكن لا تقلق كثيرًا عزيزي القارئ! فكلنا حمقى، بطريقة أو بأخرى. وهذه هي عبقرية باكمان: أنه يرى التشابهات بين البشر أكثر مما نرى نحن الاختلافات.

باكمان يجمع أشخاصًا من فئات عمرية وطبقات اجتماعية مختلفة ليخبرك أن في نهاية المطاف، ما يوحدنا جميعنا هو أننا "أشخاص قلقون". كلنا نخشى أن نفشل في الحياة، أيًا كان ما يعني لنا هذا الفشل: الفشل في الحب، في الزواج، في تربية الأبناء. الفشل في الوظيفة، أو في شراء شقة جديدة. الفشل في أن تكون مهمًا في نظر أحدهم، أو في أن تتمكن من إنقاذ حياة.

الأشخاص في روايات باكمان هم أشخاص عاديون، لديهم ذلك المزيج الطبيعي بين الخير والشر، ولعل تلك أهم ميزات كتاباته.

ربما يذكرنا هذا بأن الأشياء ليست دائمًا كما تبدو: كل فرد تقابله هو "شخص قلق" أيضًا، يحمل ما يحمله من المخاوف التي لا يظهرها لك على الفور.

هذا الكتاب أضحكني كثيرًا، وأبكاني بالطبع. أخذت منه عدة اقتباسات أرسلتها لأصدقائي، مع تأكيد مني على أهمية قراءة هذا الكتاب إن اتسع لهم الوقت.

أترككم في النهاية مع بعض اقتباساتي المفضلة، ترجمتها بنفسي؛ فالتمسوا لي العذر إن ارتكبت أخطاءًا لغوية.

اقتباسات

 "لأنك على الأرجح كنت مكتئبًا ذات يوم أيضًا، وربما مررت بأيام حينها كنت تشعر بألم في أماكن لا يمكن رؤيتها بالآشعة المقطعية، وربما لم تجد الكلمات المناسبة لتشرح ذلك الألم للأشخاص الذين يحبونك".

"الكبار نادرًا ما يعرفون ماذا يقولون للشباب ليعبروا لهم أنهم يكترثون لأمرهم. من الصعب أن تجد الكلمات المناسبة عندما يكون ما تريد قوله فعلًا هو: يمكنني أن أرى أنك تتألم".

"إن اختيار الكلمات يصبح صعبًا عندما تكون كبيرًا في السن وتريد أن تقول لمن هو أصغر منك سنًا: أنا أرى أنك تتألم، وذلك يؤلمني".

"أتعلم ما هو أسوأ ما في الأبوة؟ إنه عندما يُحكم عليك دائمًا من خلال أسوأ لحظاتك. يمكنك أن تفعل مليون شيئًا بطريقة صائبة، ولكن إن ارتكبت خطءً واحدًا فإنك تقضي بقية عمرك بوصمة عار: ذلك الأب الذي كان يلعب بهاتفه في الحديقة بينما يرتضم رأس ابنه بالأرجوحة".

"لأن مهمة الأبوين هي توفير سند للأبناء. كتف يجلسون عليه وهم صغار ليروا العالم، ثم ليقفوا عليه عندما يكبرون ليصلوا إلى السحب، وأحيانًا ليستندوا عليه عندما يتعثرون أو يصيبهم الشك. إن الأبناء يثقون بنا، وهذه مسئولية ساحقة، لأنهم لم يدركوا بعد أننا لا نعرف ماذا نفعل في الحقيقة."

"إن أسوأ شيء في كوننا كبارًا هو أننا نجبر على إدراك حقيقة أن لا أحد على الإطلاق يكترث لأمرنا، ويجب أن نتعامل مع كل شيء بأنفسنا الآن، وأن نكتشف كيفية عمل العالم. علينا أن نعمل وندفع الفواتير، وأن نستخدم غسول الأسنان، وأن نصل إلى الاجتماعات في الوقت المناسب، وأن نقف في الطابور ونملأ الاستمارات، وأن ننظم أسلاك الكهرباء وننسق الآثاث، وأن نقوم بشحن هواتفنا المحمولة وأن نطفئ ماكينة صنع القهوة وألا ننسى أن نسجل للأطفال في دروس السباحة".

"نحن نعطي من نحب ألقابًا مصغرة، لأن الحب يتطلب كلمة نمتلكها نحن وحدنا".

"على الأرجح هناك شخص ما في حياتك أنت على استعداد أن تقوم بشيء أحمق من أجله".

"ولكن ربما وقعت في الحب ذات يوم؟ تقريبًا كلنا قد وقعنا في الحب يومًا، على أي حال. والحب يجعلك تقوم بكثير من الأشياء السخيفة، كالزواج مثلًا. أو كإنجاب الأطفال، ولعب لعبة العائلة السعيدة، والزواج السعيد. أو هكذا تعتقد على أي حال. ربما ليس "سعيدًا" بالضبط، لكن بالأحرى "معقول". زواج معقول. لأن كيف يمكن أن يكون الشخص سعيدًا في كل وقت؟ كيف يملك أي شخص الوقت لهذا؟ أغلب الوقت، نحاول فقط أن يمر يومنا بسلام."

"الحقيقة هي أنه إذا كان الناس سعداء حقًا كما يبدون على الإنترنت، فلن يقضوا وقتًا طويلًا هكذا على الإنترنت، لأن لا يوجد شخص يستمتع بيوم جيد حقًا يقضي نصفه في التقاط الصور لنفسه." 

"بعض الناس يتقبلون حقيقة أنهم لن يتخلصوا قط من التوتر، فيتعلمون فقط أن يحملونه. حاولت هي أن تكون واحدة منهم. قالت لنفسها أن لهذا السبب عليها أن تكون لطيفة مع الأشخاص الآخرين، حتى الحمقى منهم، لأنك لا تعرف قط مقدار العبء الذي يحمله الآخر. في أعماقهم، يريد الناس جميعًا أن يكونوا جيدين، وطيبين. المشكلة، بالطبع، أنه ليس من الممكن دائمًا أن تكون لطيفًا مع الحمقى، لأنهم حمقى".

"فقط لأنك لا تحب الحياة كثيرًا، لا يعني أنك تريد الخيار البديل".

"- هل حدث من قبل أن أخذت بيد طفل في الثالثة بينما توصله من الحضانة إلى المنزل؟ 
- لا.
- لا يكون المرء مهما في أي لحظة كتلك."

"يمكنك أن تغرس الدين في عقول الناس لكنك لا تستطيع أن تعلمهم الإيمان".

"لا يمكننا تغيير العالم، وفي أغلب الوقت لا يمكننا حتى تغيير الناس. لا أكثر من مقدار قليل كل مرة. لذلك فإننا نفعل ما بوسعنا لنساعدهم كلما حانت الفرصة يا عزيزي. ننقذ من نستطيع إنقاذهم. نفعل ما بوسعنا. ثم نحاول أن نجد طريقة لنقنع أنفسنا أن هذا سيكون كافيًا. لنتمكن من العيش مع فشلنا دون أن نغرق".

"بالنسبة لأولئك الذين لا يفعلون شيئًا بأنفسهم، لا شيء أسهل من انتقاد شخص يبذل مجهودًا بالفعل."

"السفن التي تبقى في المرسى تظل آمنة، يا عزيزي، لكن ليس لهذا الغرض تبنى السفن".

"يتزوج المرء في النهاية من الشخص الذي لا يفهمه. ثم يقضي ما بقى من عمره محاولًا فهمه".

"هذه هي قوة الأدب. يمكنه أن يلعب دور خطابات غرامية بين اثنين لا يستطيعان التعبير عن مشاعرهما إلا عن طريق الإشارة إلى مشاعر أشخاص آخرين".

"لا يمكنك العيش طويلًا مع أشخاص حسني المظهر، يا ابنتي. أما الأشخاص المضحكين، يدومون عمرًا بأكمله".

"كل الأشخاص المثيرين للاهتمام ارتكبوا فعلًا غبيًا للغاية على الأقل مرة واحدة!"

"كلنا نيام إلى أن نقع في الحب".

"الحب هو أن أريدك موجودًا".

"هناك شيٌ شديد الشاعرية في عدد كل الشقق غير المعروضة للبيع".

"يقول الناس أن شخصية المرء هي حصيلة تجاربه. لكن هذا ليس حقيقيًا، على الأقل ليس بالكامل، لأن إن كان الماضي هو كل ما يعبر عنّا، فلن نتمكن أبدًا من احتمال أنفسنا. يجب أن تكون لنا القدرة على إقناع أنفسنا أننا لسنا مجرد الأخطاء التي ارتكبناها البارحة. إننا أيضًا كل اختياراتنا المستقبلية."


الأربعاء، 30 ديسمبر 2020

كتب هذا العام: 2020 في 27 كتاب


 مرحبًا بالجميع. انتهى العام الذي ترقب الجميع انتهاءه، ورغم كل شيء إلا أن سنة 2020 كانت سنة قرائية ممتازة. يكفي أنني قد بدأت ناد للقراءة مع بعض الأصدقاء، وهو ما أصبح واحدًا من نشاطاتي المفضلة على الإطلاق. 

قمت بقراءة 27 كتابًا هذا العام، وكان هدفي في الأساس 20 فقط. ورغم أني أؤمن بأن الكيف أهم من الكم في عادة القراءة بالذات، إلا أنني أحرص على زيادة معدل قراءتي السنوي، ببساطة لأن هناك الكثير من الكتب الجيدة التي لا أريد أن أموت قبل أن أقرأها! 

هنا نبذة عن قراءات هذا العام، فيها مختصر وتقييم سريع لكل كتاب:

1. ربما عليك التحدث إلى شخصٍ ما، لوري جوتليب


هذا الكتاب يذكرني ببرشلونة، فقد قرأته أثناء رحلتي إلى هناك، حين كان الترحال سهلًا وقبل أن يبدأ كابوس كورونا الذي لم نستيقظ منه بعد. لوري جوتليب هي طبيبة نفسية، مرت خلال الأربعينيات من العمر بفترة عصيبة من فشل علاقتها بحبيبها وتعثر حياتها العملية، وفي هذا الكتاب تُخبرنا برحلتها النفسية. من المثير للاهتمام أن نر كيف أن الجميع يمرون بأزمات نفسية، حتى الأطباء النفسيين أنفسهم. التقييم: 5/5.

2. قصة الطالب، أنطون تشيخوف


رشح لي أحد الأصدقاء هذا الكتاب عندما علم بولعي الشديد بتشيخوف، وتفاجأت أنا لأنني لم أسمع عن القصة من قبل، ولا أعتقد أنها توجد في مجموعة الأعمال الكاملة المترجمة للعربية. في هذه القصة ملامح من أسلوب تشيخوف السهل العميق دون ادعاء. قرأت أن هذه القصة هي المفضلة لدى تشيخوف نفسه، وأنوي الرجوع إليها مرة أخرى. التقييم: 5/5.

3. في مديح النساء الصعبات، كارين كاربو

استمعت لهذا الكتاب في صيغته الصوتية، ورغم أنني أعجبت بفكرة الكتاب في بادئ الأمر، فهو يتناول قصة حياة 29 امرأة غيرن العالم بكونهن "صعبات"، أي عنيدات أو غير مطيعات للتقاليد والقواعد المجتمعية. لكن، ما لم يعجبني في الكتاب هو تناول الكاتبة لنساء غير ملهمات، يكسرن القواعد ليحظين بالمزيد من المال أو الشهرة أو الرجال! التقييم: 2/5.

4. على هواك: مقالات لزيدي سميث

لم أكمل هذا الكتاب لآخره، لأنني ببساطة فقدت الاهتمام ببعض المواضيع التي تناولتها في المقالات، فهي تحكي أحيانًا عن أشخاص وأحداث لا أعرفها بأسلوب نقدي. لكنني أحببت كثيرًا مقالة بعينها اسمها Generation Why، تتحدث عن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي (وخاصة فيسبوك) من خلال نقد فيلم الشبكة الاجتماعية The Social Network. كذلك استمتعت بمراجعتها لبعض الأعمال السينمائية. التقييم: 3/5.

5. أرز باللبن لشخصين، لرحاب بسام

الكتاب هو مجموعة تدوينات للمدونة المصرية رحاب بسام، تتميز بالبساطة والرقة، بعضها أضحكني كثيرًا وبعضها أعاد إلي غصة في حلقي. كتاب لا بأس به بشكل عام وإن كنت الآن لا أتذكر منه الكثير. التقييم 2/5.

6. ما أعرفه على وجه اليقين، لأوبرا وينفري

أوبرا وينفري هي من الشخصيات شديدة التأثير في العالم، ولم تكن حياتها سهلة أبدًا. استمعت إلى هذا الكتاب بصوت أوبرا نفسها، في خضم فترة الحجر المنزلي الإجباري، وكان صوتها الأمومي الحنون يبعث الكثير من الأمل في نفسي اليائسة. ربما يعيب الكتاب التكرار في بعض المواضع، كأغلب كتب التنمية الذاتية. التقييم: 3/5.

7. وردة للخونة، محمد عبد النبي

كنت قد خصصت شهر إبريل لقراءة الأعمال المصرية المعاصرة، وجاءت وردة للخونة، مجموعة قصصية للكاتب المصري محمد عبد النبي، واحدة من اختياراتي لهذا الشهر. الكتاب هو مجموعة من القصص القصيرة كُتبت في مطلع الألفية الجديدة أو قبلها بقليل. يغلب على القصص لغة رقيقة وسرد سلس ومشوق. القصص المتضمنة هنا متباينة في الجودة، لكن ما يمكن استنتاجه هو أن محمد عبد النبي هو كاتب ذو شخصية مميزة تظهر في كتاباته، وقلم مبدع. التقييم: 4/5.

8. كتاب المواصلات، عمر طاهر
استمعت لهذا الكتاب أيضًا بصيغته الصوتية، وهو، كأغلب أعمال عمر طاهر، يلعب على وتر الحنين إلى الماضي. هو كما العنوان بالضبط، كتاب للمواصلات، لا تتوقع منه أن يكون معجزة أدبية مبهرة ولا أن يؤثر على رؤيتك للحياة. التقييم: 3/5.

9. بقايا القهوة، لماريو بينيديتي
كنت قد نويت تخصيص شهر مايو لاستكشاف كتاب أمريكا اللاتينية، تلك القارة التي ما زالت مجهولة بالنسبة لي باستثناء بعض أعمال جابرييل جارسيا ماركيز تُعد على أصابع اليد الواحدة. أعتقد أن أبسط وصف لهذه الرواية هي أنها حكاية عادية، لا يكاد يحدث فيها شيء على الإطلاق. لا يمكنني أن "أحرق" الرواية، ببساطة لأنها خالية من الأحداث. وهنا تكمن عبقرية بينيديتي: أن يخلق نصًا رقيقًا من الحياة اليومية، لا تكلف فيه ولا ادعاء، يمكن للقارئ أن يجد نفسه فيه بسهولة. التقييم: 4/5.

10. أخف من الهواء، فيديريكو جانمير
رواية مفاجئة بكل ما تحمل الكلمة من معنى.. فالفكرة جديدة وكذلك التنفيذ، والحوار.. من الأعمال المميزة بالتأكيد في أدب أمريكا اللاتينية. التقييم: 4/5.

11. رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك، الأمير محمد علي
كانت هذه أولى قراءات نادي القراءة، واستمتعت كثيرًا بثراء اللغة ودقة الوصف. الكتاب من أدب الرحلات. التقييم: 4/5.

12. قنديل أم هاشم، يحيى حقي
قراءتي الثانية لقنديل أم هاشم، بعد ثلاث سنوات من القراءة الأولى. هذه المرة، شاهدت الفيلم بعدها مباشرة. التقييم: 4/5.

13. الفيروسات: مقدمة قصيرة جدًا، لدوروثي كروفورد

في ظل ما كان يحدث في العالم، كان ينبغي علي القراءة عن علم الفيروسات. مقدمة جيدة وإن كانت معقدة قليلًا للقارئ غير المتخصص. التقييم: 3/5.

14. قصة موت معلن، جابرييل جارسيا ماركيز
قرأت هذا الكتاب أثناء إقامتي في إسبانيا للعمل، وتحدثت عنه كثيرًا مع مشرفي الإسباني، الذي صادف أنه أيضًا من عشاق ماركيز، فكانت ذكرى لطيفة. الكتاب مدخل مهم إلى عالم ماركيز لمن يخشى البدء مباشرة في مائة عام من العزلة، وهو مقتبس من قصة حقيقية تراجيدية. ترجمة صالح علماني، رحمه الله، زادت الرواية جمالًا. التقييم: 4/5.

15. ماذا يقول غاندي؟ نورمان فنكلستاين
الكتاب هو مقدمة لآراء غاندي في فلسفة اللا عنف، التي اشتهر بها كثيرًا. فنكلستاين أكاديمي ممتاز وهو يتناول آراء غاندي بعين نقدية خبيرة. التقييم: 3/5.

16. قرية ظالمة، محمد كامل حسين

هذه الرواية كانت من أفضل ما قرأت هذا العام. قصة اجتماع اليهود على صلب المسيح عليه السلام، لا تتناول الحدث نفسه بقدر ما تتناول الصراع بين الخير والشر، ونفسية البشر التي لم تتغير منذ فجر التاريخ. التقييم: 4/5.

17. سيكولوجية الجماهير، جوستاف لو بون

هذا الكتاب المثير للجدل سيء السمعة هو من أهم قراءات هذا العام، بالرغم من اختلافي مع الكاتب في أكثر من موضع، إلا أنه كان محقًا في أكثر من موضع أيضًا. التقييم: 3/5.

18. كل صباح يصبح طريق العودة إلى المنزل أطول فأطول، فريدريك باكمان
من أجمل القراءات الروائية بالنسبة لي هذا العام. رواية قصيرة عن جد وابن وحفيد، وعلاقة الثلاثة ببعضهما البعض. هي رواية عن الفقد، والحب، والأسرة؛ أي عن الأشياء المهمة حقًا في الحياة. التقييم: 5/5.

19. اللص والكلاب، نجيب محفوظ
رواية اللص والكلاب هي أول تجاربي مع "النجيب"، ولن تكون الأخيرة. التقييم: 4/5.

20. الحب وقصص أخرى، أنطون تشيخوف
لا يكتمل عامي القرائي بدون كاتبي المفضل على الإطلاق، أنطون تشيخوف. في هذه المجموعة القصصية الصادرة عن مشروع جوتنبرج، قرأت بعض القصص لأول مرة، ومع الأسف لم أجدها في الترجمة العربية. التقييم: 5/5.

21. سيدة الزمالك، أشرف العشماوي
من أجمل تجارب القراءة هذا العام، أول قراءاتي للكاتب المصري القدير أشرف العشماوي. استمتعت كثيرًا برواية ذات حبكة ذكية عن فترة من تاريخ مصر قلما كتب عنها الروائيون المعاصرون. التقييم: 4/5.

22. إلى ولدي، أحمد أمين

مجموعة من رسائل الوعظ كتبها المفكر الشهير أحمد أمين لولده ورد ولده عليها. تجربة جيدة وإن كان يشوب الكتاب بعض التكلف في النصح. التقييم: 3/5.

23. أضواء خضراء، ماثيو ماكونهاي
سيرة ذاتية بصوت النجم ماثيو ماكونهاي نفسه. كانت أفضل مما توقعت، وإن كان يظهر فيها الجانب المنفر من شخصية المشاهير بوضوح صارخ. التقييم: 3/5، ولعل الآداء الصوتي كان أفضل من الكتاب ذاته.

24. الزوجة التي بيننا، جرير هيندريكس وسارة بيكانين

كتاب صوتي آخر بآداء جيد للغاية. الرواية قصة من أدب الغموض والإثارة، ولكن الأحداث متوقعة نوعًا ما. التقييم: 2/5.

25. الليالي البيضاء، دوستويفسكي
الليالي البيضاء هي واحدة من أجمل روايات دوستويفسكي وأقلها كآبة! كانت هذه قراءتي الثانية لها، وأحببتها في هذه المرة أكثر فأكثر. ملاحظة جانبية: أليس اختيار لوحة فان جوخ: الليلة المرصعة بالنجوم على الغلاف، هو اختيار مثالي بالنظر إلى السطر الأول من الرواية؟ أحيانًا تبهرني هذه التفاصيل البسيطة. التقييم: 4/5.

26. المرأة ليست لعبة الرجل، لسلامة موسى
لدي الكثير من المشاعر تجاه هذا الكتاب ولا أعرف من أين أبدأ.. بدأت في كتابة مراجعة منفصلة، تجدونها على المدونة قريبًا. التقييم: 2/5.

27. خلوة الغلبان، إبراهيم أصلان

كنت قد تحدثت مطولًا عن إبراهيم أصلان، بصفته واحدًا من كتابي المفضلين، هنا. قرأت خلوة الغلبان للمرة الثانية لأنني افتقدت أحاديث العم إبراهيم كثيرًا، وأنوي خلال السنة القادمة أن أقرأ أعماله الكاملة، إن قدرت على هذا إن شاء الله. التقييم: 4/5.

28. الإعلان الإسلامي، لعلي عزت بيجوفيتش
كتاب مهم للغاية للفهم (السليم) لدور الإسلام في سياسة الدولة، ومعنى أن يكون المجتمع إسلاميًا بحق وليس على الورق فحسب. (قيد القراءة).

29. رحلة إلى الغد، توفيق الحكيم


مسرحية تجمع بين الخيال العلمي والفلسفة، يقدمها توفيق الحكيم رائد المسرح الذهني بلغة سهلة وحوار ممتع. (قيد القراءة).

الجمعة، 25 ديسمبر 2020

لماذا عليك أن تقرأ لإبراهيم أصلان

 من يعرفني جيدًا يعرف حبي لأدباء الستينات المصريين، وعلى رأسهم عمنا، عم الكل، إبراهيم أصلان. ورغم أن الكثير من أبناء جيلنا الآن يجهلونه للأسف، إلا أن للرجل أفضالًا عظيمة على القصة القصيرة والرواية المصرية. من العجيب أن نر أغلب الشباب يعرفون فيلم "الكيت كات" لمحمود عبد العزيز بينما يجهلون العقل العبقري صاحب الرواية الأصلية!

محمود عبد العزيز (الشيخ حسني) في فيلم الكيت كات

ولد أصلان في أحد قرى طنطا، لكنه عاش في القاهرة أغلب حياته، تحديدًا في امبابة والكيت كات، ومن هذه الأماكن استلهم أبرز أعماله، منها رواية "مالك الحزين" التي تحولت فيما بعد إلى فيلم "الكيت كات" الشهير. 

عمل أصلان كبوسطجي قبل احترافه للكتابة، ومن المثير للاهتمام أنه قد قابل الكثير من مشاهير الأدب والكتابة في المجتمع المصري أثناء عمله كموظف بسيط في البوسطة، قبل أن يشتهر ككاتب. 

عاش أصلان حياة بسيطة، حياة مصرية بامتياز. لم يكن أصلان قط ذلك الكاتب المتأنق ذو البذلة المهندمة والنظارة الشمسية السميكة والبايب الفاخر، بل كان دائمًا قريبًا من الشارع، يعيش فيه ويكتب عنه. في مؤلفاته دفء عجيب، وعندما أصفه بـ"عمنا" فذلك لأنني أشعر أمام كتاباته كأنني في حديث سمر مع عمي. فهو بسيط، دافئ، "مصري"، ولا يخلو من عمق.

يقول نجله إن أصلان أراد أن يصبح كاتبًا عندما قرأ قصة "موت موظف" لتشيخوف. أتدرون الآن لم أحب تشيخوف كثيرًا؟ 

وقيل عنه أيضًا: "كان بيكتب بالأستيكة مش بالقلم، من كتر ما بيمسح". في كتاباته نرى عبقرية الإيجاز (أيضًا كتشيخوف)، فكل لفظة مختارة بعناية، لا تزيد ولا تقل عن الضروري للتعبير عن المعنى. 

هذا وثائقي قصير شاهدته منذ قريب عن إبراهيم أصلان، أنصح به بشدة.


أحببت أن أتحدث عن أصلان اليوم لأنني قرأت "خلوة الغلبان" مجددًا هذا الأسبوع. خلوة الغلبان هي مجموعة مقالات، هي أقرب للذكريات والسيرة، كتبها أصلان بلغة سهلة عذبة كعادته، وبشعور من الحنين إلى الماضي لا تملك تجاهه إلا أن تبتسم.. رحمة الله عليك يا طيب.


اقتباساتي المفضلة لإبراهيم أصلان:

"لا يجب أن تتحدث عن الحب بل عليك أن تتحدث بحب، فكل النصابين يجيدون أحاديث الهوى... ولا يجب أن تتحدث عن العدل بل يجب عليك أن تتحدث بعدل لأنه لا يجيد الحديث عن العدل مثل الظالمين."

"كان حريصا على أن يختلي بي لكي يخبرني بأن على الواحد أن يعيش ويراقب ما شاء، شرط أن يحرص على بقاء مسافة بينه وبين الواقع، مسافة يأمن معها أن لا ينكسر قلبه. وأنا لا أنسى هذه الوصية لأنها، شأنها شأن الوصايا التي لا تنسى، قيلت في وقتها تماما، لم يقلل من قيمتها أن القلب انكسر فعلا."


الجمعة، 18 ديسمبر 2020

اللص والكلاب: مراجعة

الكتاب: اللص والكلاب
الكاتب: نجيب محفوظ
اللغة: العربية
صيغة القراءة: كتاب إلكتروني
التقييم: 4/5 

مرحبًا. منذ شهرين تقريبًا حدث ما كنت أنتظره من فترة ليست بقليلة: قرأت أخيرًا لنجيب محفوظ! المصري الحائز على نوبل في الآداب، وربما أبرز أعلام الأدب العربي المعاصر، لم أقرأ له قط قبل هذا العام. أعلم، أنا متأخرة كثيرًا!

قرأت اللص والكلاب في محاولة للتعرف على عالم محفوظ الذي أخافني نوعًا ما. كان لدي اعتقاد خاطئ أن لغة محفوظ صعبة وتركيباته معقدة، وأنني أحتاج إلى حصيلة لغوية أقوى من تلك التي عندي للاستمتاع بأعماله. لكن، كالعادة كنت مخطئة؛ فاللغة جاءت سهلة شديدة السلاسة، تنساب من صفحات الكتاب كما ينساب الماء من الصنبور. 

إن اللص والكلاب هي أحد أشهر روايات محفوظ، وقد تم تحويلها إلى فيلم سينمائي، كغيرها الكثير من أعماله. الفكرة الرئيسية في الكتاب هي الانتقام وتحقيق العدالة المفقودة، وهي تيمة متكررة في أعمال هذه الفترة (بداية الستينات، حيث شهد المجتمع المصري تحولات سياسية واجتماعية كثيرة). 

تدور أحداث اللص والكلاب حول "سعيد مهران"، اللص المثقف القارئ الذي خرج للتو من السجن بعد أن حُبس غدرًا. يحاول سعيد الانتقام من معاونه الذي أوشى به، الذي تزوج من طليقته. نرى خلال الرواية كيف يتطور سعي سعيد مهران نحو العدالة إلى عبث وفساد في الأرض، فهل يحقق انتقامه فعلًا؟

لعل أجمل ما في الرواية هو أنها لا تحاول أن تعطي مواعظَ متكلفة لتخبرنا بأن الانتقام لا يفيد؛ وإنما ترينا كم أن رغبة المرء في الانتقام والثأر تغشي بصيرته، فيصبح مهووسًا بتحقيق العدالة إلى أن يؤدي بنفسه إلى التهلكة. 

يرى بعض النقاد إن محفوظ قد استلهم هذه الرواية من "الجريمة والعقاب" لدوستويفسكي، وأنا أرى الشبه واضحًا؛ ففي شخصية سعيد مهران وشخصية راسكلونيكوف كثير من المشابهات، بل ربما المتطابقات. كلاهما مثقف قارئ، وكلاهما مجرم في نفس الوقت، وكلاهما يحاولان في مرحلة ما أن يحاربوا ضميرهم ليبرروا أفعالهم، ولعل تبرير المرء لجريمته هو أبشع من الجريمة نفسها. من المثير للاهتمام أيضًا مقارنة تحليل الكاتبين لنفسية المجرم في الروايتين. 

كذلك نرى كثير من الرمزية في اختيار الألفاظ، ففي أسماء الأبطال لدينا "سعيد" الذي لم يسعد قط، و"نور" التي جاءت لتنير حياة سعيد. و"الكلاب" هي رمز للخونة والانتهازيين، والظلام الذي تنتهي به مشاهد الرواية هو رمز للسوداوية والظلم. 

يقول المثل الانجليزي إن الانتقام طبق يقدم باردًا revenge is a dish best served cold، ما يعني أن الانتقام يكون أكثر إرضاءًا عندما يتأخر أوانه. ولكن أنا شخصيًا أرى أن الانتقام هو طبق فاسد يجب التخلص منه. لا أريد أن أفسد عليكم الرواية، لذا أنصحكم بقراءتها فهي خير مدخل إلى عالم نجيب محفوظ.

اقتباسات

"ما أجمل أن ينصحنا الأغنياء بالفقر!"

"أنت تعيس جدًا يا بني. نمت نومًا طويلًا ولكنك لا تعرف الراحة، كطفل ملقى تحت نار الشمس، وقلبك المحترق يحن إلى الظل ولكن يمعن في السير تحت قذائف الشمس، ألم تتعلم المشي بعد؟!"

"والدنيا بلا أخلاق ككون بلا جاذبية، ولست أطمع فى أكثر من أن أموت موتا له معنى."

الأحد، 13 ديسمبر 2020

أضواء خضراء: مراجعة

الكتاب: Greenlights
الكاتب: ماثيو ماكونهي
صيغة القراءة: كتاب صوتي
اللغة: الإنجليزية
التقييم: 3/5

مرحبًا. منذ شهر تقريبًا سمعت عن السيرة الذاتية لماثيو ماكونهي، بعنوان "أضواء خضراء". من يعرفني يعرف جيدًا أنني لست من هواة الأفلام، وبالأخص أفلام هوليوود (ربما شاهدت 5 أفلام فقط هذا العام؟ لا أتذكر حتى). لذلك، صدقوني عندما أقول أنني لست من جيش المعجبات الخاص بماكونهي، برغم أنني أتذكر آداؤه الظريف للغاية في How to Lose a Guy in 10 Days. 

الآن نعرف أنني لست من معجبات ماثيو ولا أكترث لأمر هوليوود. لماذا قرأت أضواء خضراء إذن؟ لأنني مررت بفترة لطيفة من القراءات الصوتية العشوائية؛ فكنت أستمع إلى أي كتاب فور قراءتي لمراجعة جيدة له. وعلي أن أعترف أن هذا الكتاب تحديدًا كان شديد الإتقان من ناحية الآداء الصوتي، فلم يسعني إلا إنهاء السبع ساعات في يومين فقط.

الكتاب هو سيرة ذاتية لماثيو، الذي نشأ في أسرة ذات طابع خاص. تطلق أبواه مرتين وتزوجا ثلاث مرات - من بعضهما البعض. كان ماثيو طفلًا مشاغبًا ومراهقًا جامحًا. لكن لعل المتاعب التي أدخل نفسه فيها في طفولته وصباه كانت ما شكل شخصيته في النهاية.

اسم الكتاب، "أضواء خضراء"، يشير إلى الفرج بعد الضيق، والصعود الذي -دائمًا- يتبع التعثر، والانتصار الذي يتبع الهزيمة. كل منا لديه "ضوء أحمر" في حياته؛ حدثٌ ما تسبب في عرقلة سيره نحو الحياة التي يرجوها ويرسمها لنفسه. لأننا بشر، وليس في مقدرتنا التحكم في الأحداث التي يفرضها علينا الأشخاص الآخرون أو حتى الطبيعة نفسها. لكن الأمر في يدينا بأن نترقب دائمًا الضوء الأخضر، المنحة في كل محنة.


لم يحلم ماثيو بشيء أكثر من أن يكون أبًا. نرى خلال الكتاب كيف تبدلت حياته بفضل الأبوة، وكيف ضحى بأدوار هائلة في هوليوود ليكون أكثر ترابطًا مع العائلة.

ربما كان مأخذي الوحيد على الكتاب هو النغمة المتكبرة أحيانًا التي يستشفها المرء من وراء كلمات ماثيو. أو ربما هذه هي مشكلتي الشخصية مع كل من يمتلكون "كاريزما" عالية؛ فهم عادةً يظهرون لي كنرجسيين بشكلٍ ما أو بآخر. إن تفاخره بالمرات التي هرب فيها من الملاحقة القانونية يثير خنقي أحيانًا، فأتنهد وأفكر في ذهني: "حسنًا، تريد أن تقول أنك bad boy للغاية، فهمنا الآمر، شكرًا". نفس هذا الإحساس قد راودني عند قراءة Surely You're Joking, Mr. Feynman، للفيزيائي المعروف ريتشارد فاينمان.

اقتباسات:

"كل دمار في النهاية يتبعه عمار، وكل موت يتبعه ميلاد، وكل ألم يتبعه لذة، في هذه الحياة أو في الحياة القادمة، كل سقوط يتبعه صعود. ما يهم هو كيف نرى التحديات أمامنا وكيف نتعامل معها".

"جميعنا لدينا جروح، ولا مفر من أن نكتسب المزيد منها. فبدلًا من الصراع ضد الزمن وتضييعه، لنرقص مع الزمن ونستغله. لأن المرء لا يعيش عندما يحاول تجنُب الموت، إنما يعيش عندما يشغل وقته بالحياة".

السبت، 21 نوفمبر 2020

الليالي البيضاء: مراجعة


الكتاب: الليالي البيضاء
المؤلف: فيودور دوستويفسكي
لغة القراءة: العربية، مترجم عن الروسية
الصيغة: كتاب إلكتروني - كيندل
التقييم: 4/5

انتهيت للتو من قراءتي الثانية للنوفيلا القصيرة: الليالي البيضاء، وكنت قد قرأتها منذ عامين تقريبًا بالإنجليزية. من المثير للاهتمام دائمًا أن ألاحظ اختلاف الانطباع الذي أكونه عن الكتب التي أقرؤها أكثر من مرة باختلاف حالتي المزاجية! فأنا أتذكر عندما قرأتها منذ عامين أنني لم أحبها كثيرًا، بل ووجدتها أقرب "للإكليشيهية" (هل هذه كلمة أصلًا؟). ولكن هذه المرة، وبعد أن قرأتها في مزاج جيد أحببتها كثيرًا. إليكم القصة باختصار: شخص حالم يلتقي بفتاة لا تريد له أن يقع في حبها. هذا هو ذوقي!

في هذه الرواية لا شيء يحدث على الإطلاق، فهي مثلها مثل أغلب أعمال دوستويفسكي، يغلب عليها المذهب الوجودي الذي يحاول فهم دوافع الإنسان ومشاعره. وبطلنا هنا هو، كأغلب أبطال دوستويفسكي أيضًا، شخص حالم غريب الأطوار، وحيد، يصبح غارقًا في الأحلام الوردية، ويمسي متنزهًا في الطرقات ليرى الناس عن بعد ويتخيل صداقتهم. هل يذكركم هذا بشيء؟ أجل؛ هو بالفعل يشبه بطل قصة "مذكرات قبو".

في أحد نزهاته الليلية، يلتقي صاحبنا بفتاة بسيطة يراها أول الأمر وهي تبكي، ثم ينقذها من رجل يحاول التحرش بها. فتصبح هذه الفتاة أول صديق له في سنواته الست وعشرين. ولكن هل تتطور الصداقة لأمور أخرى؟ وما هو سبب بكاء الفتاة؟

في الرواية نرى براعة دوستويفسكي في اختيار طريقة تعبير مختلفة للبطلين، فبطلنا حريص، يختار ألفاظه بعناية ويتكلم كأنه يقرأ من كتاب، في حين أن البطلة عفوية تلقائية، تخرج الكلمات من فمها بلا حرص ولا تنمق زائف. ولعل ذلك يصف بالفعل نفسية الرجل والمرأة في بداية أي علاقة، فهو يعمل جاهدًا على إثارة إعجابها، في حين أنها هي تكون على طبيعتها في معظم الوقت.

اقتباسات

تحمل "الليالي البيضاء" في أول صفحاتها أحد الجمل الافتتاحية الأقرب لقلبي على الإطلاق:

 "كانت الليلة جميلة، جميلة جمالًا لا نراه إلا حين نكون في ريعان الشباب أيها القراء الأحبة! السماء تتلألأ فيها النجوم، وهي تبلغ من الصفاء أن المرء يتساءل بالرغم منه حين ينظر إليها: هل يمكن تحت مثل هذه السماء أن يعيش أناس يملأ قلوبهم البغض وتعبث بنفوسهم النزوات؟" 

 "لماذا لا نكون جميعًا كأخوة مع أخوة؟ لماذا يحتفظ دائمًا أفضلنا بسر في نفسه؟ لماذا هو يلزم الصمت؟ لماذا لا يقول أحدنا فورًا كل ما في قلبه حين يكون واثقًا أن الآخر سيفهمه؟ إن جميع الناس يبدون أقسى كثيرًا مما هم قساة في الواقع، ويتخيلون أنهم يخفضون قيمة عاطفتهم إذا هم عبروا عنها بسرعة مسرفة."

الأغنية المرافقة

الأربعاء، 28 أكتوبر 2020

سيدة الزمالك: مراجعة


الكتاب: سيدة الزمالك
الكاتب: أشرف العشماوي
لغة القراءة: العربية
الصيغة: كيندل
التقييم: 4/5

مرحبًا مرة أخرى. بعد عدة شهور من التردد والقراءة البطيئة، انتهيت أخيرًا من "سيدة الزمالك" لأشرف العشماوي. كدت أترك الكتاب أكثر من مرة، لكنني سعيدة لأنني قررت استكماله، فالرواية فاقت توقعاتي لحسن الحظ. 

يسرد لنا العشماوي قصة "عباس المحلاوي"، الذي جاء من أحد قرى الدلتا لكسب الرزق في الإسكندرية. يتعرف هناك على مجموعة تخطط للاستيلاء على فيلا الخواجة "شيكوريل" في الزمالك، ومن هنا تبدأ رحلة صعود عباس عبر الاحتيال أحيانًا والتملق والمداهنة أحيانًا أخرى. 

بعد أن يستقر عباس في الزمالك، يجلب أخته زينب من قريتهم لتعمل معه. وهنا تبدأ موازين القوى في الاختلال، فبعد أن كان عباس هو الآمر الناهي فيما يتعلق بمصالحه، تبدأ زينب تدريجيًا في فرض سيطرتها على أعمال وأملاك أخيها. 

نتابع من خلال الرواية أيضًا تطور المجتمع المصري من العشرينات وصولًا إلى ثورة يوليو، وهي تطورات هائلة! على الصعيد السياسي والاجتماعي على حد سواء. كثيرًا ما وددت أن أتعرف على مصر في هذه الفترة بشكلٍ أعمق، خاصة من الجانب الاجتماعي، وأعتقد أن هذا الكتاب كان موفقًا جدًا من هذه الناحية.

لعل العيب الوحيد للكتاب هو بطء سير الأحداث في النصف الأول تحديدًا، وهذا بالضبط ما جعلني أتردد في تكملته. مع ذلك، أحببت كثيرًا وجود راوٍ مختلف لكل فصل، فكان من الممتع رؤية الأحداث من وجهة نظر أبطال القصة. 

إذن فمن هي سيدة الزمالك؟ من الأفضل أن تقرأ لتعرف! ففي رأيي، لم تكن الشخصية الرئيسية هي عباس، ولا زينب، بل هي شخصية أخرى دفع بها القدر نحوهما. 

اقتباسات

 «مكبل بطموحاتي كتمثال وسط ميدان خالٍ من المارة، تنقر الشمس رأسه كل صباح».

«كلانا تعذّب بقدر ما أراد مسارًا لحياته، كلانا بحث عمّا ظن أنه ينقصه فلم يجد سوى ما يُشقيه».

«فليذهب كل منّا في اتجاهه، أنا نحوكِ وأنتِ نحوي».

«لم أفقد عقلي بعد، وإن كنت أرقد باستهتار غير عابئ على حافة الجنون».

«احنا عايشين في جمهورية القصر العيني العربية، كل شوية يجيلك واحد لابس بالطو أبيض ويقولك أنا الدكتور، أنا عارف مرضك كويس وأنا حاعالجك بطريقتي، ويجرب فيك وتاخد أدوية غلط وتمرض أكتر ويزيد وجعك لغاية ما تموت، وغيرك يشكره ويصقف له، وبعدين ييجي الدور عليهم ويطلع غيرهم وهكذا، وحوالين كل دكتور جيش كبير من تمرجية وصبيان وبياعين عطارة ودجالين وسحرة بتعابين، وشوية موظفين بختم النسر لزوم إن الصورة تكمل وتحس إنك في مستشفى بحق وحقيقي وبرضه بنموت! عارف كل ده بيحصل ليه يا طارق؟  لأنه مش دكتور ولا بيفهم في الطب!!».

«هناك أفعال تأتي في غير موعدها مثل قُبلة اعتذار على جبين ميت».


الأحد، 25 أكتوبر 2020

الحب وقصص أخرى: مراجعة

 


الكتاب: Love and Other Stories
الكاتب: أنطون تشيخوف
لغة القراءة: الإنجليزية، مترجم من الروسية
صيغة القراءة: كيندل
التقييم: 5/5


مرحبًا. من على ارتفاع حوالي عشرة كيلومترات، وعلى متن طيارة تعبر المتوسط، انتهيت أخيرًا من مجموعة القصص القصيرة لتشيخوف، المقدمة من مشروع جوتنبرج، وكالعادة يتركني تشيخوف ببسمة على شفتاي وكثير من الأسئلة في ذهني. 

يجب علي التنويه أولًا بأن تشيخوف هو كاتبي المفضل (على الإطلاق)، لذلك سيشوب هذه المراجعة بعض التحيز! تعرفت على تشيخوف لأول مرة منذ 6 سنوات تقريبًا، ومنذ ذلك الوقت لم أتوقف عن قراءة أعماله. ولكن، مما يعيب المكتبة العربية هو عدم وجود ترجمة لكل أعماله! ربما كانت أشهر الإصدارات هي مجموعة الأعمال المختارة من إصدار دار الشروق وترجمة الراحل الدكتور أبو بكر يوسف، لكن مع ذلك ينقصنا الكثير من الأعمال الشهيرة.

في الفترة الأخيرة، بدأ الاهتمام بترجمة الأعمال الأخرى، وكنتُ في العام الماضي قد أشدت بترجمة قصة "نصر لا لزوم له" للمترجمة هبة حمدان، تجدون التدوينة هنا.

ومن الأخبار السارة أيضًا صدور قصص جديدة تترجم لأول مرة من قبل مترجم شاب، تصدر قريبا من دار خطوط للنشر.

لنعد إلى الكتاب: لعل أكثر ما يميز هذه المجموعة القصصية هو تنوعها في الطول وفي الموضوع والمزاج، فبعضها ساخر مرح (كأغلب أعمال تشيخوف)، والبعض الآخر حزين نوعًا ما، لكنها لا تخلو من معنى. ليس تشيخوف بالكاتب الذي يثير مشاعرك لمجرد استعراض أدواته التعبيرية، بل هو ينقل لك عبرة، أو على الأقل يحاول. 


كانت قصة "Lights" من أجمل القصص الواردة في الكتاب، تناقش بعض الأفكار العدمية التي يتبناها بعض الشباب بدون وعي حقيقي. هنا اقتباسات منها:

"عندما يجد الرجل نفسه في مزاج كئيب، وهو بينما ذلك أمام البحر أو أي مشهد يبدو له عظيمًا، فإننا نجده دومًا وبسبب ما، يقتنع بأنه سوف يعيش ويموت في غموض، فإذا به، بدون وعي، يأخذ قلمًا رصاصيًا ويكتب اسمه على أول شيء يجده أمامه".

"إن سيطرة المنطق على العاطفة قد أصبحت ظاهرة غامرة في أوساطنا، إن الأحاسيس المباشرة، الإلهام، كل شيء أصبحنا نضيق عليه الخناق بالتحليل ضيق الأفق. وحيثما توجد العقلانية، لا بد أن يوجد البرود، والأشخاص الباردون - كما نعرف جميعًا - لا يعرفون شيئًا عن العفة. إن فضيلة العفة يعرفها فقط أولئك الدافئون، الرقيقون، القادرون على الحب."

"والآن عبر معاناتي، أدركت أنني ليس لدي لا قناعات ولا معيار أخلاقي ثابت، ولا عاطفة ولا منطق؛ وأدركت أن ثروتي المعرفية والأخلاقية كلها تكونت من معرفة بعض الخبراء، واقتباسات، وذكريات عديمة النفع، وأفكار لأناس آخرين، ولا شيء غير ذلك."

ونرى سخرية تشيخوف من النظام الذكوري للمجتمع الروسي في ذلك الوقت في قصة A Pink Stocking، فالزوجة بسيطة التعليم تواجه زوجها دائم السخرية من جهلها:

"أنت غاضب لأنني لستُ متعلمة، وفي نفس الوقت أنت تكره النساء المتعلمات! أنت منزعج لأنني لا أجد أفكارًا أكتبها في رسائلي، ومع ذلك أنت تعترض على تعليمي!"

وغيرها الكثير. في النهاية، أتمنى حقًا أن تصدر ترجمة كاملة لكل أعمال تشيخوف بالعربية، ولعلنا الآن محظوظون بحركة الترجمة المبشرة التي يقوم بها مترجمون شبان.