الجمعة، 5 فبراير 2021

وفي عمق الشتاء البارد.. صيف لا يقهر

 مضى زمن طويل منذ آخر مرة استشعرت فيها دفء البشر تجاه من لا يعرفونهم. ربما وقت طويل أكثر من اللازم.

لا شيء يقرب البشر بعضهم ببعض كالسفر. (وربما لذلك السبب اخترت لنفسي، دون وعي مني، حياةً على ظهر حقيبة سفر؟ أكان ذلك لأنني أريد أن أقترب من البشر؟ هأنذا أحلل نفسيتي مرة أخرى..).



 في رحلتي السابقة من شمال فرنسا إلى جنوبها، تعثرت ببعض الأشخاص في غاية اللطف، جعلوا رحلة الـ12 ساعة تمضي بسرعة كبيرة. 

ابتداءًا من الرجل ضخم الهيئة الذي ساعدني في حمل حقيبتي الثقيلة عبر سلالم سكك القطار.

ثم السيدة اللطيفة التي صاحبتني في انتظار الباص. إنها تعيش بالقرب من ديزني لاند باريس، يا لحسن حظها!

ثم الشاب الذي ساعدني في حمل حقيبتي عبر إحدى حدائق باريس ليلًا بعدما رفضت مساعدته كثيرًا، فقال إنه يتفهم كون باريس مكانًا مخيفًا في المساء لفتاة بمفردها. وكان معه حق، فكنت خائفة منه بالفعل!

ثم السيدة التي كانت تحيك "الكروشيه" في مقعد خلفي في الباص، استضاء وجهها واحمر خجلًا لما قلت لها إن ما تصنعه جميل حقًا. 

قد تكون الصفة المنتشرة عن الفرنسيين هي أنهم متكبرون ولا يقدمون المساعدة، لكنني على استعداد للجدال ضد هذه الفكرة.

هناك ألفة غريبة تجمع أشخاصًا لا يشتركون في شيء غير جلوسهم معًا في باص متجه إلى مدينة واحدة. مدينة جنوبية يتحدث أهلها بلكنة مضحكة في نظر باقي أهل فرنسا، ويجلسون كل يوم على ضفاف النهر وقت الغروب. مدينة تحبها الشمس كثيرًا، حتى في الشتاء. مدينة تشعرني أن مقولة ألبير كامو الشهيرة: "وفي عمق الشتاء البارد، اكتشفت أن في داخلي صيف لا يقهر"، قد كُتبت من أجلها.

في السفر، ننسى من نحن في الحقيقة. ننسى من أين أتينا ومم نخاف؛ ننسى أننا نخاف المشي في الحدائق ليلًا وأننا نستحي من طلب المساعدة ومن اختلاق حديث عابر مع الغرباء. وننسى أننا وحدنا. 

"يقول مسافر في الباص: كل شيء يعجبني، حتى مسافة الثمانمائة كيلومتر!"، عذرا درويش..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق