الأحد، 30 أغسطس 2020

قصة موت معلن: مراجعة

الكتاب: قصة موت معلن
الكتاب: جابرييل جارسيا ماركيز
المترجم: صالح علماني
لغة القراءة: العربية، مترجم عن الإسبانية
التقييم: 4/5

"ساعة القدر يعمى البصر"، قالتها صديقتي عندما أبديت لها إعجابي بقول ماركيز في الرواية:

 "القدر يجعلنا غير مرئيين".

قصة موت معلن هي رواية قصيرة لماركيز، نتبع فيها وقائع جريمة قتل حقيقية حدثت في الريف الكولومبي في خمسينات القرن الماضي. من كان يعرف أن جرائم الشرف يمكن أن تحدث في الجزء المقابل من العالم أيضًا؟ ولكن هذه المرة، الضحية هو الرجل، محور قصتنا: سانتياجو نصّار.

سانتياجو نصّار هو ابن لمهاجرين لبنانيين قدموا إلى أمريكا اللاتينية، واستقروا هناك. ذات يوم، في الصباح التالي لحفل زفاف أحد بنات القرية "أنخيلا فيكاريو" على أحد الأثرياء، يشيع في القرية خبر مضمونه إن شقيقا "أنخيلا" يخططان لقتل سانتياجو، لأنها وجدت ليلة زفافها غير عذراء، و"سانتياجو نصار" هو المتهم. سرعان ما تعرف القرية كلها نيّة الشقيقان، ما عدا سانتياجو نفسه.

"الشرف هو الحب، هكذا كنت أسمع أمي تقول".

تُروى الأحداث على لسان راوٍ مجهول، لعله الصديق الشخصي لجابرييل جارسيا ماركيز، الذي عاصر الأحداث وقت حدوثها. يروي لنا الأحداث بطريقة سرد تشبه استجواب الشهود: فالراوي المجهول يحاور أهل القرية الشهود على الجريمة؛ وهنا يمكنك أن ترى اختلاف روايات الشهود عن هذا اليوم المشئوم. بعض الشهود ذكروا أن اليوم كان مشمسًا، وآخرون ذكروا أنه كان ممطرًا كئيبًا. بعضهم كان يحاول التدخل لإنقاذ سانتياجو، وآخرون تركوا الأمور تجري كما خُطط لها.

ولماذا لم يُنقذ سانتياجو؟ كل لديه عُذره؛ ففي نفس يوم مقتله كان موكب المطران يمر في شوارع المدينة، والكل يسعى لينال بركته. 

لعل عبقرية ماركيز تتجلى هنا في أنه خلق رواية بوليسية الأجواء، شديدة التشويق، من حدث تم وانتهى وعٌرفت نهايته فعلًا، أي أن النهاية محروقة من قبل أن نفتح الكتاب أصلًا. نبدأ الرواية بيوم مقتل سانتياجو نصار، ونحن نعرف كيف سينتهي اليوم، ولكن مع ذلك لا تستطيع أن تمنع رغبتك في أن ينجو سانتياجو من الشقيقين، لآخر لحظة.

أنصح بالكتاب بشدة لمن يبحث عن مدخل مبسط إلى عالم ماركيز السحري.. وترجمة صالح علماني تزيده جمالًا، كما اعتدنا. 

الأحد، 2 أغسطس 2020

قنديل أم هاشم: مراجعة


الكتاب: قنديل أم هاشم
الكاتب: يحيى حقي
اللغة: العربية
صيغة القراءة: كتاب إلكتروني Kindle
التقييم: 4/5

مرحبًا. انتهى نادي القراءة من مناقشة كتاب "قنديل أم هاشم" الأسبوع الماضي. رائعة يحيى حقي الخالدة التي تحولت إلى عمل سينيمائي مشهور، لا تزال تستحق القراءة الآن، بعد أكثر من 80 سنة من تاريخ الطبعة الأولى.

عن الكاتب


يحيى حقي هو واحد من كتابي المفضلين على الإطلاق. ليس فقط بفضل أسلوبه القصصي الشيق ولغته السلسة، ولكن أيضًا بسبب شخصيته اللطيفة الهينة، المقربة من النفس. 

ولد يحيى حقي في القاهرة لأسرة من أصول تركية، وهو الأمر الذي سبب له بعض المتاعب في رحلته ككاتب وصحافي - فالكثير كانوا يرونه بصفة "الخواجة" الدخيل على الهوية المصرية. درس المحاماة واشتغل ببعض الوظائف الإدارية في أقاليم مصر، وتزوج من فتاة من "المعادي" أحبها كثيرًا، أنجبت له ابنته السيدة نهى يحيى حقي، ثم توفيت زوجته بعد الولادة بشهر واحد، أي أقل من سنة من زواجهما. 

تأثر يحيى بوفاة زوجته تأثرًا شديدًا وظل عازفًا عن الزواج لمدة عشر سنوات، في خلالها قرر الالتحاق بالبعثة الدبلوماسية لمصر في الحجاز، ثم في إسطنبول وعواصم أوروبا. وفي باريس، التقى بفنانة تشكيلية وقررا الزواج. كانت الأعراف المصرية في ذلك الوقت تمنع زواج الدبلوماسيين المصريين من أجانب، فاضطر إلى التخلي عن منصبه الدبلوماسي للزواج من حبيبته الفرنسية، وعاد معها إلى مصر حيث ظلا معًا حتى وفاته. 

في مصر، اشتغل حقي بالصحافة وحصل على عدة جوائز أدبية. 

أجمع المعاصرون لحقي على أنه كان رقيقًا، شديد الحياء والخجل، خفيف الظل مع لمعة من الذكاء في عينيه. ألا يبدو شبيهًا بشخصية أنطون تشيخوف؟ هذا صحيح، وهو متأثر أدبيًا أيضًا بأسلوب ذلك الروسي العظيم.

الكتاب


تدور أحداث الكتاب في حي السيدة زينب (أم هاشم)، فنرى بطلنا "إسماعيل"، طالب من أسرة متواضعة الحال، تؤمن ببركة الست "أم هاشم" وزيت قنديلها في علاج الأمراض وفك الكرب. لا يتمكن إسماعيل من الالتحاق بكلية الطب في مصر، فتقرر أسرته أن ترسله لدراسة الطب في أوروبا، وتوصيه بالالتزام بدينه وعاداته الشرقية. وقبل السفر، تقرر الأسرة خطبة إسماعيل على ابنة عمه فاطمة، التي تعاني من مرض في عينيها وتتداوى بزيت قنديل أم هاشم. 

في انجلترا، يتعرف إسماعيل على فتاة انجليزية تعرفه على الفن والجمال والموسيقى والتحرر، وتسخر من عاداته الشرقية ومن رغبته في الزواج منها. وبسببها، ينسلخ إسماعيل تدريجيًا من هويته، وينفر من كل ما هو شرقي، فيؤمن بدين العلم والعلم وحده، ويصبح يومًا بعد يوم شبيهًا بالأوروبيين. أخيرًا، تمل الفتاة منه وتتركه لتنتقل إلى غيره.

يعود إسماعيل إلى مصر بعد سبع سنوات شخصًا آخر: طبيب عيون لامع، يلبس أفخم الملابس الأوروبية، ويطمح إلى تغيير الطب في مصر وإنقاذ المصريين من متاهات الجهل. يٌصدم أهله بالتغيير الذي طرأ عليه، فهو متعال عليهم يراهم مجرد حفنة من الجهلة. يتعرض إسماعيل لصدمة حضارية عندما يكتشف أن أهله لا يزالون يعالجون خطيبته "فاطمة" بزيت القنديل، فيثور عليهم ويقتحم المسجد لتحطيم القنديل، فينال "علقة محترمة" من أهل الحي. 

ما يزيد الطين بلة هو أنه يحاول علاج خطيبته بالطب الحديث متحديًا زيت القنديل، فتفقد بصرها تمامًا. يجد إسماعيل نفسه في حالة صدمة وتيه بعد الحادثة، وينعزل بعيدًا عن أهله، بعدما اكتشف أن علمه ونجاحه في أوروبا لا يضمن له القبول في الشارع المصري. وتدريجيًا وبمرور الوقت ومعاشرة أهل الحي، يتعلم إسماعيل أن يؤمن بالعلم والتراث معًا، فتشفى فاطمة بفضل علمه وزيت القنديل بنفس الوقت.

نقد


أحب هذا الكتاب كثيرًا، وتلك هي قراءتي الثانية له. لكن لا أحب النهاية على الإطلاق. أعتقد أن حقي وقع في خطأ جسيم، فهو في النهاية ينتصر للخرافات، وهذا ما أزعجني كثيرًا. أتفهم أنه يريد أن يقول إن العلم لا قيمة له دون الإيمان، ولكن كان عليه التفرقة بين الإيمان والخرافة. كنت أود لو أن حقي انتصر للعلم في النهاية.

ولكن على الجانب الإيجابي، أظن أن الفيلم قد أصلح هذا الخطأ. في الفيلم، يعالج "إسماعيل" خطيبته فاطمة بالطب الحديث سرًا، ويُقنعها بأنه يُقطر لها زيت القنديل في عينيها، بينما في الحقيقة هو يقطر لها الدواء. أي أنه وجد طريقًا لينفذ خطته لمداواة الناس بالعلم، ولكن دون المساس بمعتقداتهم. ليس هذا ما تخيلته بالضبط، فهذه سلبية لا أكثر، ولكن على أي حال أراها معالجة ذكية من صناع الفيلم. بشكل عام، الفيلم جيد جدًا وأنصح به بعد قراءة الرواية.


اقتباسات

"إن أخشى ما تخشاه هي: القيود. وأخشى ما يخشاه هو: الحرية."

"وكلما قوى حبه لمصر، زاد ضجره من المصريين. ولكنهم أهله وعشيرته، والذنب ليس ذنبهم. هم ضحية الجهل والفقر والمرض والظلم الطويل المزمن".