الاثنين، 18 مايو 2020

بقايا القهوة: مراجعة

بقايا القهوة by Mario Benedetti

الكتاب: بقايا القهوة
الكاتب: ماريو بينيديتي
المترجم: محمد العشيري
اللغة: العربية، مترجم عن الإسبانية
الصيغة: كتاب إلكتروني/ كيندل
التقييم: 4/5

مرحبًا مرة أخرى. كنت قد نويت تخصيص شهر مايو لاستكشاف كتاب أمريكا اللاتينية، تلك القارة التي ما زالت مجهولة بالنسبة لي باستثناء بعض أعمال جابرييل جارسيا ماركيز تُعد على أصابع اليد الواحدة. ها قد مضى ما يزيد عن نصف الشهر، ويا للمفاجأة، لم أتمكن سوى من قراءة كتاب واحد فقط من قائمتي الأولية لخمس كتب! يمكنني أن أتحجج بالانشغال برمضان والمذاكرة، ولكن الحقيقة هي أنني كنت كسولة فحسب.

ماريو بينيديتي هو كاتب من الأوروجواي وواحد من عمالقة الأدب اللاتيني. هو في الأصل شاعر، ونشرت إحدى رواياته كاملة على شكل قصيدة (رواية شعرية). وفي رأيي، تظهر سمته الشعرية بوضوح في هذه الرواية أيضًا.

لا أعرف الكثير عن الأوروجواي. في الحقيقة، أعرف القليل جدًا من خلال عملي مع زميل أوروجواني: أعرف مثلًا أنهم يتكلمون الإسبانية بلهجة صعبة وسريعة الإيقاع، وأنهم يكرهون أن يقارنوا بأهل الأرجنتين، ويحبون مشروب المتة كما يحب المصريون أكل الفول والطعمية. لكل هذه الأسباب، كنت متحمسة لهذا الكتاب، ولم يخب ظني.

أعتقد أن أبسط وصف لهذه الرواية هي أنها حكاية عادية، لا يكاد يحدث فيها شيء على الإطلاق. لا يمكنني أن "أحرق" الرواية، ببساطة لأنها خالية من الأحداث. وهنا تكمن عبقرية بينيديتي: أن يخلق نصًا رقيقًا من الحياة اليومية، يمكن للقارئ أن يجد نفسه فيه بسهولة. 

وبالفعل، أظن أن "كلاوديو"، بطلنا، يمثلنا كلنا. كلاوديو هو الإنسان بشكل عام، بعلاقاته بمن حوله وبنفسه وبالأشياء. كل منا لديه لحظة حاسمة تغيرت فيها الحياة عما كانت من قبلها (لحظة وفاة أم كلاوديو في الرواية)، وكل منا لديه "ريتا" الخاصة به: شبح من الماضي، سراب يغريه بمطاردة لا طائل لها، يظهر له في أكثر لحظات حياته الحاسمة ليثير في نفسه الشك والحيرة. ويومًا ما، عندما يتغلب المرء على شبحه، تنتهي لعبة المطاردة، كما ينبغي لها أن تفعل.

في حالة كلاوديو، وفي رأيي الشخصي، كانت "ريتا" الخاصة به ترمز إلى الموت. أعتقد أن الكاتب قد نجح في توظيف ظهورها في نقاط مختلفة في الرواية بشكل بارع، فهي تظهر في مراحل نمو شخصية كلاوديو منذ الطفولة إلى الشباب. نرى كيف يتعامل معها في مختلف مراحل تطور شخصيته، فهو في البداية يسعى إليها، ثم يخشاها، ثم يتجنبها، ثم لا يبالي بها على الإطلاق، وهنا ينتصر.

كانت تلك أول تجربة لي مع بينيديتي، وأتمنى ألا تكون الأخيرة. أنصح بها بشدة لمن يريد قراءة خفيفة لاستكشاف أدب أمريكا اللاتينية المعاصر، وأشيد بالترجمة العذبة للمترجم محمد العشيري.


مقتبسات

"كان الحاضر يحتلني أكثر فأكثر. فالماضي سلسلة حواضر مختومة، والمستقبل سلسلة حواضر لم ترسل بعد، والتاريخ بأسره ما هو إلا حاضر يطول ويطول إلى ما لا نهاية. وكذلك تاريخي أنا أيضا."

الجمعة، 1 مايو 2020

كتاب المواصلات: مراجعة


الكتاب: كتاب المواصلات - حكايات شخصية لقتل الوقت
الكاتب: عمر طاهر
اللغة: العربية
الصيغة: كتاب صوتي على Storytel
التقييم: 3/5

مرحبًا وكل عام وأنتم بخير. استكمالًا لقراءات شهر إبريل، الذي خصصته للكتب المصرية المعاصرة (أنظر التدوينات السابقة)، اخترت كتابًا غير روائي هذه المرة. استمعت إلى الكتاب عبر منصة ستوري تيل Storytel وسأذكر رأيي في الآداء الصوتي سريعًا بعد مراجعتي للكتاب.

 قرأت مقالات عمر طاهر على صفحات الجرائد وأنا في الثانوية، ثم على صفحات الفيسبوك بعد ذلك. هو واحد من كتاب قلائل يشعرونك أن الدنيا لسة بخير. أرى أن عمر طاهر كاتب لا بأس به، لكنه إعلامي ممتاز. يكفيك أن تشاهد برنامجه التلفزيوني "وصفولي الصبر: عن الكتابة وأهلها"، لتدرك أننا بحاجة للمحتوى الذي يقدمه.

ربما لا يعجبني في عمر طاهر شيء واحد فقط: لعِبُه الدائم على وتر النوستالجيا، بالضبط مثل إعلانات كوكاكولا وفودافون في رمضان التي سئمنا تكرارها لنفس نغمة الحنين إلى الماضي في كل سنة. لا تزعجني النغمة بذاتها وإنما يزعجني تكرارها. أؤمن تمامًا بمقولة الراحل أحمد خالد توفيق: "للماضي ميزة واحدة: هي أنه صار ماضيًا، لهذا نشعر بالحنين له".

على أي حال، لندخل في تفاصيل الكتاب.


هذه هي مجموعة من المقالات عن مواضيع متنوعة. رغم ذلك، ليست جميعها "حكايات شخصية"، لذلك فإن العنوان الفرعي مضلل قليلًا. يحكي لنا طاهر عن مطربي الزمن الجميل، وهي ثيمة متكررة في أعماله وجزء من شخصيته بلا شك.  أحببت حديثه عن محمد فوزي، واكتشفت من خلاله عماد عبد الحليم وعمر فتحي: نجمان لم يكتب لهما القدر عمرًا فنيًا طويلًا، لكنهما تركا أثرًا لا ينكر في فترة الثمانينات المصرية.

هناك كذلك حكايات عن رحلاته، وعن صعوده العسير إلى عالم الصحافة، وعن أيام صباه. وكلما كان يتحدث عمر عن نفسه، وخاصة عن حبه للكتابة، كان يصيبني إحساس بالانزعاج. ربما لأنني بطبيعتي أنفر من هذا النمط من الشخصيات. أتعرف زميلك الذي لا يكف عن الحديث عن شغفه بشيء ما، ثم بعد أن تقترب منه، تُدرك أنه أقل الناس سعيًا وراء ذلك الشيء في الحقيقة؟ أظن أنها حقيقة كونية: أكثر الناس حديثًا عن الشغف هم أقلهم طلبًا له. وفي ذلك أذكر قول عمنا إبراهيم أصلان: “لا يجب أن تتحدث عن الحب بل عليك أن تتحدث بحب، فكل النصابين يجيدون أحاديث الهوى.. ولا يجب أن تتحدث عن العدل بل يجب عليك أن تتحدث بعدل لأنه لا يجيد الحديث عن العدل مثل الظالمين.”

في فصول أخرى، لم يعجبني رأي عمر في العلاقات على الإطلاق. فهو يرى مثلًا أنه لا بأس من أن يشكو لصديقه من زوجته، أو أن يشكو من الصديق للزوجة، فالشكوى علامة الحب. وأنا أرى ذلك محض هراء.

هناك نبرة متكررة أيضًا تتمثل في فكرة الحنين لأيام العزوبية، حيث لم يكن مسؤولًا عن شيء. أعرف أن كل من سبق له الزواج على وجه الأرض قد شعر بهذا الحنين بدرجة ما أو بأخرى، وأنا أتفهم هذا. ولكن هذه الفكرة تتكرر في الكتاب على نحو يشعرك بأنه نادم على تكوين أسرة، وهذا ما وجدته مزعجًا. تخيلوا لو أن امرأة كانت قد كتبت هذا الكتاب.. لا أظن أن المجتمع سيتقبل كثيرًا تكرارها التعبير عن حنينها لأيام الشقاوة. لكنه مع ذلك يبدي امتنانه لزوجته في أحد فصول الكتاب.. تبدو لي كامرأة صبورة عظيمة.

الآداء الصوتي

الآداء الصوتي للكتاب على منصة ستوري تيل جيد، لكنه "مصري" زيادة عن اللزوم. لا بأس في أن ينطق المؤدي الكلمات العامية كما هي باللهجة المصرية، لكن لماذا يُغير الكلمات الفصحى أيضًا لتنطق بلهجة؟ ولماذا ينطق الأرقام بالمصرية؟ هذا ما لم أفهمه ووجدته مشتتًا. 

استنتاجات

بدأت تجربتي لقراءة كتب المؤلفين المصريين المعاصرين بنية استكشاف مواهب لم أعرف بوجودها من قبل، أو أعرفهم ولكن لم تتسن لي فرصة قراءة كتبهم كاملة. عمر طاهر في رأيي هو كاتب موهوب، وأنا أنوي الاستمرار في قراءة مقالاته التي من السهل الوصول إليها على الفيسبوك، لكنني على الأرجح لن أقرأ له كتابًا كاملًا مرة أخرى.

منصة ستوري تيل كذلك متميزة، لكن لا أرى أنني سأستمر في استخدامها. من تجربتي حديثة العهد بالكتب الصوتية، أرى أنه من الأفضل لي قراءة الكتب بصيغتها المكتوبة، وحينها فقط أستطيع استيعاب الكلام وتحديد الفقرات التي تعجبني والخناق مع الكاتب بتعليقاتي في الهوامش. القراءة بالنسبة لي هي تجربة تفاعلية في المقام الأول، والكتب الصوتية تحرمني ذلك التفاعل. لكنها مع ذلك حل جيد لأشخاص كثيرين.. كانت تجربة جيدة ولكن مافيش نصيب.