الجمعة، 24 ديسمبر 2021

إذن أنت تريد أن تتحدث عن العرق: مراجعة

 

الكتاب: إذن أنت تريد التحدث عن العرق
الكاتبة: إيجيوما أولو
اللغة: الإنجليزية
صيغة القراءة: كتاب صوتي
التقييم: 4/5

مرحبًا. منذ اندلاع حركة black lives matter المهتمة بقضايا الأقليات ذات البشرة السوداء في الولايات المتحدة، وأنا أريد أن أعرف المزيد عن مشكلة العنصرية في الغرب. في الغرب، عادة ما يكون موضوع العرق موضوعًا حساسًا، يتناوله البيض والسود على حد سواء بكثير من الحذر. 

إيجيوما أولو هي كاتبة وناشطة أمريكية في مجال الدفاع عن الأقليات العرقية. هذا الكتاب هو مجموعة من المقالات، تشرح فيها أولو بعض المفاهيم التي يغفل عنها الناس عند التحدث عن العرق والعنصرية. أسلوب كتابة أولو حاد، جريء، وغاضب في كثير من تلك المقالات، لكن هذا هو المطلوب تمامًا: أن يعِ المتلقي أن ليس من السهل الكتابة عن العنصرية بواسطة شخص يتعرض لها بشكل شبه يومي.

تابعت أحداث حملة black lives matter عند بداية اندلاعها في الولايات المتحدة، وعندها رأيت الكثير من "البيض" يقولون إنهم يحاولون أن يثقفوا أنفسهم فيم يتعلق بهذا الأمر. وقتها وجدت الأمر غريبًا وسألت نفسي: تثقف نفسك حيال ماذا؟ هل عليك أن تقرأ كتابًا لتدرك أنه من الخطأ استهداف الأقليات، أو الوصول إلى افتراضات عن الأشخاص بناء على لون بشرتهم؟ لكن، في الحقيقة، الإجابة هي نعم: ربما عليك أن تقرأ كتابًا أو اثنين بواسطة كتاب من أصحاب البشرة السوداء، وحينها فقط قد تتفهم أن أبعاد المشكلة تتخطى فكرة أن هناك أشخاص سيئون يحكمون على الناس من خلال لون بشرتهم.

أعجبني في الكتاب شرح أولو لمسألة التقاطعية intersectionality. التقاطعية تعني أن نأخذ في الاعتبار أن هويتنا لا تتشكل فقط ببعد واحد من أبعاد شخصياتنا، كاللون مثلا، بل تتشكل تجاربنا الشخصية من خلال تقاطع كثير من الأبعاد. على سبيل المثال، عندما تتعرض امرأة شرق أوسطية مسلمة للتميز في مجتمع غربي، عندها ينبغي أن نأخذ في الاعتبار ليس فقط كونها امرأة، ولا شرق أوسطية، ولا مسلمة؛ بل كل ما سبق. وقد تختلف تجربتها اختلافًا شديدًا مع رجل شرق أوسطي مسلم.

تعلمت أيضًا من هذا الكتاب أهمية الحديث عن الاستحواذ الثقافي cultural appropriation. تشير هذه الكلمة إلى استحواذ الثقافة السائدة على بعض العناصر من ثقافة مقهورة أو مهمشة. على سبيل المثال، وجدت اليوجا منذ آلاف السنين في شبه القارة الهندية، لكنها لم تصبح "تريند" إلا عندما طبقها الغرب كرياضة روحانية. ذكرني ذلك بتجربة لي في بولندا، حيث ذهبت مع جماعة من الأصدقاء العرب إلى مطعم يُقدم أكلات فلسطينية تقليدية، ثم ما لبثت أن اكتشفت أن المطعم في الواقع إسرائيلي، ويروّج الطعام والزي التقليدي الفلسطيني كتراث إسرائيلي. مثل هذه المحاولات منتشرة جدًا في أوروبا، فترى مثلًا مطاعم الفلافل (طبق رخيص للغاية ومشهورة في مصر والشام) يقدم هذا الطبق بواسطة أوروبيين يبيعونه لك مع تسميته vegan، فتدفع فيه أضعاف تكلفته الحقيقية. هذا ما يعنيه الاستحواذ الثقافي، وهو يختلف كل الاختلاف عن أن تطبخ السباجيتي بولونيز في مطبخك لأنك تحب الأكل الإيطالي، مثلًا. 

على كل حال، أنصح بهذا الكتاب لمن يريد أن يعرف كيف يصير إنسانًا أفضل. يمكن تطبيق المبادئ المذكورة هنا على الأقليات بشكل عام، حتى وإن لم يكونوا من أصحاب البشرة السمراء. 

الأربعاء، 22 ديسمبر 2021

وداعًا يا فيتامين: مراجعة

الكتاب: Goodbye, Vitamin
الكاتبة: Rachel Khong
اللغة: الإنجليزية
التقييم: 4/5

مرحبًا. منذ أن انتقلت إلى مدينتي الجديدة وبدأت وظيفتي التي تضرني إلى قضاء 40 دقيقة في المواصلات ذهابًا ومثلهن إيابًا، منذ ذلك الحين وأنا أخيرًا لدي الوقت الكافي لكي ألتهم كتبًا كانت مؤجلة على قائمتي منذ زمن. رواية "وداعًا يا فيتامين" كانت على قائمتي لسبب لا أتذكره الآن، لكني ما إن بدأتها حتى صرت أجد نفسي كل يوم متشوقة لركوب القطار لأتابع تطور الأحداث. 

بطلة الرواية، "روث"، هي امرأة اقتربت من الثلاثين. مازالت تعيش تخبط حياة العشرينات الذي نعرفه جميعًا: وظيفة غير مرضية، علاقات عاطفية فاشلة، وعلاقة متوترة بأبويها وصديقتها المفضلة. تبدأ الرواية بحدثين يهزان أي استقرار في حياتها هزًا شديدًا: ينفصل عنها خطيبها الذي كانت تربطها معه علاقة امتدت لسنوات طويلة، ويصاب والدها بالزهايمر. تضطر روث إلى ترك مدينتها ووظيفتها للانتقال للعيش مع والديها، بعد أن صارت أمها غير قادرة على العناية بالأب وحدها.

نعيش مع "روث" إعادة اكتشاف كيف يكون العيش مع الأبوين مرة أخرى. أعتقد أن كل من استقل للعيش بعيدًا عن أسرته لوقت من الزمن سيرى هذا الكتاب دقيقًا حقًا في وصف مشاعر العودة للمنزل، وكيف تتغير رؤيتنا لأبوينا عبر الزمن، من كائنات خارقة مثالية، إلى مسببات لقمع الحرية، وأخيرًا إلى بشر عاديين وغير عاديين في الوقت ذاته.. بكل ما يحملونه من عيوب وانتصارات ومزايا وندوب. 

تحاول روث بكل ما في وسعها أن تمنع سقوط والدها نحو هاوية الزهايمر. تعتني بحميته الغذائية وبصحته العقلية. وبعنايتها به، تعيد اكتشاف نفسها أيضًا، ومدينتها القديمة في نفس الوقت. 

الرواية دافئة وحميمية جدًا، مع لمسة من الدعابة الساخرة التي راقت لي كثيرًا. هناك روايات تحاول أكثر من اللازم أن تكون مضحكة، فينتهي بها الأمر سخيفة وغير مسلية. هنا جاءت النكات لطيفة وغير مصطنعة. أنصح به كقراءة سريعة خفيفة ومؤثرة في نفس الوقت. 

اقتباسات:
"أتعلم ما الأمر غير العادل في علاقتي بجويل؟ أنه أنا من قامت بإرخاء الغطاء عن قلبه، لكي تكشفه امرأة أخرى."

"منذ زمن طويل، توقفت عن التساؤل عن سبب كثرة الأشخاص المجانين. ما يدهشني الآن هو كثرة العقلاء."

"أعتقد أنه لا يهم من منا يتذكر أي شيء، المهم أن هناك أحد ما، يتذكر شيئًا ما."

"يا لنا من أوعية غير مثالية لحمل الحب، ويا لنا من أشخاص غير مثاليين لإعطاؤه. يدهشني أن السبب الذي نهتم من أجله بشأن أحدهم، ليس له أي علاقة بالشخص ذاته؛ بل له علاقة بمن نحن عليه بينما نكون مع ذلك الشخص، أي ما نشعر تجاهه."

"يخبرك عقلك بمن أو ماذا تحب، ثم تقع أنت في حبه، لكن أحيانًا لا يقول لك عقلك شيئًا: أحيانًا يتلاعب بك عقلك، وأحيانًا هو أسوأ ما يمكنك سماع كلامه على الإطلاق."

"تبدأ العلاقات بمشاركة الأشياء، وتنتهي العلاقات بعدم مشاركتها."


الأربعاء، 15 ديسمبر 2021

تدوينات صغيرة #19

قد تكون أغنية "على حسب وداد" أشهر أغاني حليم وأنجحها، لكني دائمًا أتوقف عندها مندهشة من عبقرية مزج التضادين: اللحن شديد البهجة، ولكن الكلمات في المجمل حزينة حقًا: "رح آقول للزين سلامات .. ضيعت عليه العمر يابويا.. واهي دنيا بتلعب بينا.. إلخ". لكن سرعان ما أفهم لماذا يناسبها اللحن البهيج: دائمًا ترتسم ابتسامة بلهاء على وجهي عند سماع البيت الأخير: "ونغني أغاني جديدة، مليانة حكاوي سعيدة، وهنغزل ثوب الفرحة يابويا، وأقول يا حبيبي سلامات"، فأفهم ما كان يدور في ذهن بليغ، البليغ حقًا.

الأربعاء، 24 نوفمبر 2021

تدوينات صغيرة #17

 اليوم لاحظت أشياء كثيرة لأول مرة. 

لاحظت كم هو جميل منظر الجليد فوق فروع الأشجار العارية. خط أبيض لامع يتماشى جيدًا مع اللون البني الداكن لفروع الشجر.

لاحظت كم تبدو السماء صافية بعد انتهاء هطول الثلج. كأنها تتنفس لأول مرة، حمل وانزاح. 

السبت، 6 نوفمبر 2021

كل شيء عن الحب: مراجعة

الكتاب: كل شيء عن الحب: رؤى جديدة
الكاتبة: بيل هوكس
لغة القراءة: الإنجليزية
صيغة القراءة: كتاب إلكتروني - كيندل
التقييم: 3 نجوم من 5

مرحبًا. انتهيت الاسبوع الماضي من قراءة كتاب بعنوان: كل شيء عن الحب من تأليف المفكرة والأستاذة الأمريكية بيل هوكس. لا أتذكر من رشح لي هذا الكتاب تحديدًا، لكنني سعيدة بقراءته. لا يمكنني القول إنه عمل كلاسيكي خالد، فقد وجدت كثير من أفكار هوكس متكررة نوعًا ما وليست بالعمق الذي تدعيه.

تدافع هوكس في هذا الكتاب عن مفهوم الحب، الذي تشوه كثيرًا في ثقافتنا المعاصرة بسبب النزعة الرومانسية romanticism التي ترى هوكس أنها قد خربت مفهوم الحب في العلاقات العاطفية. هذا الجدل قائم منذ فترة بالفعل، وقد تناوله آلان دو بوتون في عدة محاضرات رائعة مسجلة على يوتيوب. 


بالإضافة إلى ذلك، أحببت تعريف هوكس للحب على أنه فعل، لا مجرد اسم، كما تناولت الجانب اللغوي من تعبيرنا عن الحب بشكل ممتاز، وأننا يجب أن نتعامل مع الحب باعتباره قرارٍ واع، لا شعور عابر، واتضحت في تلك النقاشات اللغوية فعلًا قوتها كأكاديمية.

ربما ما أزعجني قليلًا في هذا الكتاب هو التكرار غير المبرر لبعض الأفكار، هناك إطناب لا داع له في بعض الفقرات جعلها رتيبة نوعًا ما. هناك أيضًا نبرة خطابية في أسلوب الكتابة نفسه، أعني أن الكاتبة تستخدم عبارات رنانة للتعبير عن جمل ليست عميقة بالضرورة، كأنها تريد أن تلقي خطابًا قويًا أمام جمع، فخرج النص براقًا يمكن استخراج عدة اقتباسات منه، لكن ليس عميقًا كفاية لتذكر تلك الاقتباسات. كنت أتمنى لو اقترب هذا الكتاب أكثر من تصنيف الفكر والفلسفة، لكني وجدته يميل نحو التنمية الذاتية. وهو ليس شيئًا سيئًا بالضرورة، لكنه فقط خيب توقعاتي.

الاقتباسات

"لكن غياب الحب هو بالضبط ما جعلني أدرك كم هو مهم".

"كان من الصعب عليّ أن أؤمن بما يعدني به الحب بينما أرى حولي هيمنة القوة أو سيطرة الخوف على رغبة المرء في الحب."

"الرجال يضعون النظريات حول الحب، بينما النساء هم غالبًا من يمارسنه. أغلب الرجال يشعرون أنهم يتلقون الحب ولذلك يعلمون شعور أن يكون المرء محبوبًا، بينما النساء غالبًا تعيش في حالة توق، رغبة في الحب لا تٌلبى".

"في كتاب عالم النفس سكوت بيك بعنوان (الطريق الأقل ازدحامًا)، يعرف الحب بأنه الرغبة في تنمية وإشباع حاجة المرء، أو حاجة الآخر، للنمو الروحاني. يستسرد قائلًا: الحب هو ما يفعله الحب. الحب هو فعل إرادي، أي أنه نية وفعل في نفس الوقت. النية تعني أنه يتضمن القدرة على الاختيار. لسنا مضطرين أن نحب، بل نحن نختار أن نحب".

"لكي نحب حقًا علينا أن نمزج معًا عدة مكونات: الاهتمام، العطف، التقدير، الاحترام، الالتزام، والثقة، بالإضافة إلى التواصل الصريح الشفاف".

"عندما نفهم أن الحب هو الرغبة في إشباع وتغذية نمونا الروحاني ونمو الطرف الآخر، يتجلى واضحًا لنا أنه لا يمكن أن ندعي الحب ما دمنا جارحين أو مسيئين. لا يمكن أن يتعايش الحب والإساءة معًا".

"من الخرافات الاجتماعية التي علينا أن نمحوها لكي نصبح مجتمعًا محبًا هي تلك الخرافة التي تعلم الآباء أن الإساءة والإهمال يمكن أن يتعايشا جنبًا إلى جنب مع الحب. الإساءة والإهمال هما عكس الحب. الاهتمام وتأكيد الثقة، وهما عكس الإساءة والمهانة، هما الداعمان الأساسيان للحب. لا يمكن لأي شخص أن يدعي أنه محب عندما يتصرف بإساءة. ومع ذلك، يقوم الآباء بذلك طول الوقت في ثقافتنا. الأطفال يُقال لهم أنهم يتلقون الحب رغم أنهم يساء إليهم".

"في أحد الفصول المعنونة: كيف يمكننا أن نحظى بعلاقات أفصل مع النساء في حياتنا؟ يقول المؤلف ستولينبرج: إن العدالة الموجودة في الحب بين الرجل والمرأة لا قيمة لها عندما تكون الرجولة أهم في نظر الرجل. عندما يحب الرجل رجولته أكثر مما يحب العدل في العلاقة، يمكننا أن نتوقع عواقب هذا السلوك في كل علاقاته مع النساء."

"أن تعيش بقيم الحب يعني أن نتعلم أن نقدر قيمة الإخلاص والالتزام بالروابط في حياتنا، أكثر مما نقدر قيم الممتلكات المادية".

"إن الاعتقاد السائد بأن الالتزام بسلوك أخلاقي في الحياة يسلب منها المتعة هو  اعتقاد خاطئ. في الحقيقة، العيش بسلوك أخلاقي يضمن لنا أن العلاقات في حياتنا، بما في ذلك تعاملاتنا مع الغرباء، تغذي نمونا الروحاني. إن التصرف بطريقة غير أخلاقية، بدون اعتبارات لتبعيات أفعلنا، يشبه تمامًا أن نأكل أطنانًا من الوجبات السريعة. قد يكون طعمها جيدًا، لكن في النهاية يظل الجسم دون غذاء حقيقي، في حالة مستمرة من النقص والتوق".

"في الثقافة البطريركية، يميل الرجال إلى اعتبار الحب كشيء عليهم أن يستقبلوه دون بذل مجهود. عادة لا يريد الرجال بذل الشغل الذي يتطلبه الحب".

"في كثير من الأحيان، تظن النساء أنه من علامات الالتزام والتعبير عن الحب هي أن تحتمل القسوة والشر، أن تسامح وتنسى الإساءة.  لكن في الواقع، عندما نحب بشكل صحيح، نعلم جيدًا أن رد الفعل الصحيّ السليم ضد القسوة والإساءة هو أن نبعد أنفسنا عن مصدر الأذى".

"لن يسود الحب في أي علاقة طالما يريد أحد الطرفين، أكان الرجل أو المرأة، أن يمسك بزمام الأمور، أن يحافظ على السيطرة".

"إن اختيار أن نكون صرحاء هو أول خطوة في  عملية الحب. لا يوجد ممارس للحب يمكنه أن يخدع. في اللحظة التي يٌتخذ فيها القرار لأن نكون صرحاء، تصبح الخطوة التالية هي التواصل".

"ربما كنا سنعيش في عالم أكثر قسوة وعنفًا لو لم تكن النساء تقوم بدور تعليم الرجال الذين فقدوا تواصلهم مع أنفسهم كيف يحبون مرة ثانية. هذا العمل المبني على الحب يكون بلا جدوى فقط إذا رفض الرجال تلك اليقظة والنمو. في تلك الحالة، يكون من ضمن أفعال حب الذات التي على النساء فعلها هي أن تترك العلاقة وتمضي قدمًا بحياتها."

"إذا سألني أحدهم: ما هو السبب الأكثر شهرة وتكرارًا لفشل العلاقات؟ لأجبت بأنها الأنانية. نحن نعيش في عصر من النرجسية، وكثير من الناس لم يتعلموا، أو نسوا، كيف يستمعون لحاجات الآخرين. الحقيقة هي التالي: إذا أردت أن تغير شيئًا واحدًا فقط يمكنه أن يحسن علاقتك في يوم وليلة - حرفيًا - فذلك الشيء هو أن تضع مصلحة شريكك جنبًا إلى جنب مع مصلحتك الشخصية، على نفس المستوى".
 
"إن العطاء بكرم في العلاقات العاطفية، وفي العلاقات الأخرى كلها، يعني أن نٌميز متى يحتاج الشخص الآخر إلى اهتمامنا. الاهتمام هو من أهم مواردنا".

"أن تحب أحدهم ليس فقط شعورًا قويًا، بل هو قرار، هو حكم، هو وعد. لو أحببنا بناءًا على المشاعر فقط، لن يكون هناك أي أساس لنبني عليه وعدًا بأن نحب الآخر للأبد. إن المشاعر تذهب وتأتي طول الوقت".

"كم ستكون الأمور مختلفة إن بدلًا من "أظن أنني واقع في الحب"، قلنا "لقد تواصلت مع شخص بطريقة تجعلني أظن أنني في طريقي لمعرفة الحب". أو بدلًا من "أنا واقع في الحب" قلنا "أنا أحب"  أو "أنا سوف أحب".

"أغلب الوقت، نظن أن الحب يعني أن نتقبل الشخص الآخر كما هو. ولكن كم منا لم يتعلم بالطريقة الصعبة أننا لا نستطيع أن نغير أحدهم، ولا أن نضعهم في قالب لنصنع منهم المحب المثالي الذي نريدهم أن يكونوا عليه. لكن عندما نلتزم بالحب الحقيقي، نلتزم أيضًا بالرغبة في التغير، بأن يمارس علينا شريكنا بعض التعديلات (بطريقة محبة)، لنصبح أشخاصًا أكثر اكتمالًا".

"الحب الحقيقي لا يقيد بشروط، لكن لكي ينمو حقًا فإنه بحاجة إلى الالتزام المستمر بالجهد البناء والتغيير".

"لا يستطيع الجميع تحمل ثقل الحب الحقيقي. القلوب الجريحة تهرب من الحب لأنها لا تريد بذل الجهد اللازم للتعافي ولاستمرار وتغذية الحب. كثير من الرجال تحديدًا يهربون من الحب الحقيقي ويلجأون إلى علاقات يكونون فيها بخلاء عاطفيًا لكن مع ذلك يتلقون الحب من الطرف الآخر. في النهاية، هم يختارون السيطرة بدلًا من الحب. لكي نعرف الحب الحقيقي ونحافظ عليه، علينا أن نكون على استعداد للتخلي عن رغبتنا في السيطرة".
 
لشراء الكتاب من أمازون (رابط إعلاني):
All About Love: New Visions (Love Song to the Nation)

الأحد، 31 أكتوبر 2021

تدوينات صغيرة #16

الثالثة والنصف صباحًا، محطة قطار مدينة كارلسروه. الجو بارد، ومعي كوب قهوة رديئة الصنع من الماكينة يبقيني دافئة. أظن أن الألمان لو جربوا القهوة العربية بطريقة "الكنكة" المعتادة لما اخترعوا ماكينات القهوة السريعة من الأساس. 

المحطة آمنة، حتى في تلك الساعة المتأخرة. أشعر بالونس والاطمئنان رغم أن أحد السكارى يحوم المكان ويبدو متألمًا. مسكين.

ما زلت أعمل على الورقة البحثية، وأجد نفسي أخيرًا أستمتع حقًا بكتابتها. كأنني تزوجتها زواجًا تقليديًا فأدركت أن الحب يأتي فعلًا بعد الزواج. 

غدًا وبعد غد عطلة رسمية، وذلك يعني أن لن تكون المتاجر مفتوحة. عرض عليّ مالك الشقة التي استأجرتها أن يحضر لي طلباتي من السوبر ماركت. أعتقد أن ذلك كان ألطف شيء فعله لي شخص غريب منذ فترة. 

الاثنين، 25 أكتوبر 2021

تدوينات صغيرة #15

هناك أيام أستيقظ فيها وكل ما أريده هو أن تتوقف الأرض عن الدوران. أن تتعطل قوانين الفيزياء، ولو لبضع دقائق. أريد أن أتنفس، أريد ألا أكون دائمًا في منتصف سباق لا أعرف متى بدأ ولا متى ينتهي. أريد أن أشم الزهور وأمشي في الشمس وأستمتع بكوب من القهوة لأنني أحب طعم القهوة وليس لأني بحاجة إلى الكافيين. أريد أن أذهب إلى حفلة لفرج سليمان لأردد معه:

"بديش قصّة نجاح
بدّي أمل ما بخيّب
بديش نوكُل العالم
بدي نوكل أكل طيّب"

السبت، 23 أكتوبر 2021

تدوينات صغيرة #14

 

اليوم أمضيت عشر دقائق وحدي. وكلمة "وحدي" هنا أعني بها "بلا ولا شي" كما قال زياد الرحباني. لا موسيقى، لا قراءة، لا إنترنت ولا مهام منزلية. أنا، وأريكة مريحة، وأفكاري، ولا شيء غير ذلك. 
كانت التجربة مذهلة، جلست مع نفسي واتضح أنها ليست بالسوء الذي تخيلته. في الواقع هي لطيفة حقًا، وأعتقد أننا سنصير أصدقاء. حدثتها عن مخاوفها وصارحتني أنها تعاني في الفترة الماضية من نوبات هلع طفيفة توقظها في منتصف الليل، تتذكر فيها كل ما أذاها يومًا وينتابها شعور بالرعب غير المبرر من المستقبل. شرحت لها أن دماغها يعمل بطريقة مختلفة في الليل، ويصور لها الحياة بصورة ديستوبية عنيفة. ربما يتعلق الأمر بكيمياء الدماغ. ثم نصحتها، حين تتكرر نوبات الهلع الليلية، أن تتذكر قول أحدهم: "غدًا ستشرق الشمس، وأنا أحب الصباح كثيرًا". شكرتني نفسي وقالت لي أنني أعطي نصائح جيدة.


الأربعاء، 20 أكتوبر 2021

مراجعة: 10 دقائق و 38 ثانية في هذا العالم الغريب


الكتاب: 10 دقائق و 38 ثانية في هذا العالم الغريب
الكاتبة: أليف شافاك
اللغة: العربية، مترجم من الإنجليزية
صيغة القراءة: كتاب ورقي
التقييم: 3 نجوم من 5

مرحبًا. انتهيت منذ بضعة أيام من قراءة واحد من أحدث أعمال الروائية التركية البريطانية أليف شافاك، وهي رواية خيالية تقع في حوالي 460 صفحة. أحب أعمال شافاك لأنها عادة تتضمن أبطالًا من النساء في مجتمعات شرقية، وتتناول بطريقتها الخاصة تعبيرًا عن صراع الأفراد بين الثقافتين الشرقية والغربية. 

تدور أحداث الرواية حول "ليلى التيكيلا"، فتاة تنتقل إلى إسطنبول هربًا من ظروف عائلية عصيبة في قريتها، لتجد نفسها في إسطنبول كواحدة من عاملات الجنس بشوارع المواخير. نتعرف خلال الرواية على دائرة الأصدقاء المقربين من ليلى، الذين على اختلاف شخصياتهم وخلفياتهم إلا أنهم يجتمعون على صداقتهم القوية ودعمهم لبعضهم البعض. 

اسم الرواية مشتق من الحقيقة العلمية القائلة بأن مخ الإنسان يستمر في العمل لمتوسط عشر دقائق بعد الموت، ومن خلال رؤية المؤلفة نرى كيف يمر شريط حياة ليلى خلال تلك الدقائق العشر.

أعتقد أن الرواية تلمح إلى فكرة الاختيار والقدر، فكم من 



 اقتباسات

"إن اعتقادك أن هذا المكان آمن لا يعني بالضرورة أنه مناسب لك. في بعض الأحيان، يكون المكان الذي تشعرين أنه الأكثر أمانًا هو أقل الأمكنة التي تنتمين إليها".

"وما إن ادخرت مبلغًا كافيًا من المال حتى راحت تحلم بترك كل شيء من خلفها، وبالسفر إلى منطقة تستطيع أن تبدأ فيها حياتها بداية جديدة. ألم تحمل كل القصص التي سمعتها منذ أن كانت طفلة صغيرة الرسالة نفسها: أن في إمكان المرء عبور الصحاري، وتسلق الجبال، والإبحار في المحيطات، وإلحاق الهزيمة بالعمالقة، ما دام يملك ذرة من الأمل في جيبه؟ كان الأبطال في تلك القصص، ومن غير استثناء، من الذكور، ولم يكن فيهم من هو قصير القامة مثلها، لكن هذا غير مهم. فإذا كانت لدى هؤلاء الجرأة، فإنها تمتلكها هي أيضًا".

"ما أجمل تلك العبارة: (اعرفي نفسك). لطالما كان القدماء مولعين بهذا الشعار، ونقشوه على جدران معابدهم. كانت ليلى ترى حقيقته، لكنها رأت أن النصيحة غير كاملة، ويجب أن تكون (اعرفي نفسك، واعرفي الأحمق حين ترينه). فلا بد أن تتلازم معرفة النفس ومعرفة الحمقى."

"القانون أشبه بمناخل ذات ثقوب تبلغ من الاتساع ما يسمح لكل الأشياء بالمرور من خلالها. إنه أشبه بعلكة فقدت مذاقها منذ زمن بعيد، ولكن لا يمكن التخلص منها. القانون في هذا البلد، وعلى امتداد الشرق الأوسط كله، يمثل كل شيء إلا القانون".

"لعل الموت يثير الرعب في نفس كل فرد، لكنه يثير رعبًا أكبر في نفس من يعلم في قرارة نفسه أنه عاش حياة ملؤها الالتزامات والتظاهر والتصنع، حياة تصنعها حاجات غيره من الناس ومتطلباتهم".

"لأنه كان يعتقد أن الحب لا يعني شيئًا إن لم يكن مداواة لألم غيره وكأنه ألمه هو."

"وفكرت نالان أن إحدى مآسي تاريخ البشر التي لا نهاية لها إنما تكمن في أن المتشائمين أفر حظًا بالحياة من المتفائلين، ما يعني، منطقيًا، أن البشرية حملت جينات من لم يؤمنوا بها".



الثلاثاء، 19 أكتوبر 2021

تدوينات صغيرة #13


باريس، الرابعة عصرًا، كافيه "بريوش دوريه" المعتاد لدي في أي مدينة. عشرات من صفحات المتصفح مفتوحة أمامي لإنهاء الورقة البحثية التي لن تنتهي أبدًا وملف word واحد، وصوت وديع الصافي في أذني يعيدني إلى رشدي بعد أسبوع حافل.  

"لو جالي يوم مرسالك، 
طمني يوم عن حالك،
لأطرب الفؤاد كرمالك،
واسجد على أبواب الله
واسجد على أبواب الله".

الأحد، 17 أكتوبر 2021

تدوينات ‏صغيرة ‏#١٢

تروق لي لفظة العائلة المختارة "chosen family" في اللغة الانجليزية. وعائلة المرء المختارة هي دائرته المقربة من الأصدقاء، بالطبع. ما أجمل فكرة أن يكون للمرء عائلة من اختياره الخاص!
أقابل اليوم عائلتي المختارة. ذهلت عندما ذكرتني أمي بأنه قد مضى على بداية صداقتنا ثمان سنوات! تغيرنا فيها كثيرا، وفي نفس الوقت لم يتغير بيننا شيء على الإطلاق. 

السبت، 16 أكتوبر 2021

تدوينات ‏صغيرة ‏#١١

الثامنة مساءا بتوقيت أم الدنيا. لا صوت حولي سوى صوت المروحة. كوب شاي أخضر، إضاءة نيون خافتة، وقلب يسبح بحمد الله. أقرأ كتابا عن الحب، عن "كل شيء عن الحب"، ويغمرني شعور بالامتنان لكل من قلت لهم "أحبكم" يوما، ولكل من لم أقلها لهم بعد. 

الثلاثاء، 12 أكتوبر 2021

تدوينات ‏صغيرة ‏#١٠

أقرأ رواية أليف شافاك الجديدة. كثير من الأفكار عن الموت وعن الصداقة، عن قسوة البشر والبطريركية، وعن كل التعساء المجهولين الذين عاشوا في صمت، ثم رحلوا في صمت فلم يكترث لهم العالم.
أفكر في كل أولئك الذين أحبوا الحياة فلم تحبهم هي كما ينبغي، سلامًا طيبا لأرواحهم، ووردة.

الاثنين، 11 أكتوبر 2021

تدوينات ‏صغيرة ‏#٩

تقول صديقتي إن الأشياء الجيدة تحدث هكذا، دون تخطيط، دون أكشن أو دراما.. مما سبب لي نوعًا من الاندهاش، فأنا أخطط دائما. 

علي التحضير لكلمة ألقيها للطلاب المهتمين ببرنامج الماجستير الخاص بي وأن أجيب عن أسئلتهم. علي كذلك أن أنهي العمل على ورقتي البحثية قبل نهاية الشهر.. وأنا التي ظننت أن بوسعي الحصول على اجازة!

أحيانا أنسى أن من حقي أن أتمهل قليلا وأن أخصص بضع دقائق في اليوم لنفسي، دون الشعور بالذنب.

السبت، 9 أكتوبر 2021

تدوينات صغيرة #8

 
  • صوت محمد فوزي مبهر رغم بساطته، أو ربما بسببها. ثمة دفء مألوف أشعر به في كل مرة أستمع إلى ألحانه الخالدة. محمد فوزي هو المحب المخلص، لا يكترث لاعتبارت الإيجو والتُقل والتمهل. "ليّ عشم وياك يا جميل إن بُحت بالسر تصونه". 
  • لي صديقة أستطيع أن أقول لها بكل جدية "أنا أحبك"، دون الشعور بالحرج، دون انتظار "وأنا أيضًا" في المقابل، ودون أن أضطر إلى التعبير عن هذا الحب عبر المزاح (عادة سيئة أحاول التخلص منها). 
  • هناك أغنية لفرقة The Script اسمها This = Love، يحاولون فيها تحدي الصورة النمطية للحب المكون من رجل وامرأة، فيذكروننا أن الحب هو أيضًا في علاقة الأم بأطفالها والأب ببيته والجندي بوطنه. ذكرتني الأغنية بحوار دار بيني وبين زميل لي في استراحة قهوة، كان قد يأس من رحلته الأكاديمية فسألني يومًا: لماذا نفعل ما نفعله هذا، وما الجدوى حقًا؟ فقلت دون تفكير: من أجل الحب، بالطبع. نحتمل كل هذا من أجل الحب. فاقتنع وذهب لاستكمال عمله في مختبره. 

الخميس، 7 أكتوبر 2021

تدوينات صغيرة #7

"وإن مت اليوم، أتمنى أن أبعث غدًا في صورة فنجان قهوتك الصباحية. بنفس القوة، وبنفس الأهمية." 

- تايلر نوت جريجسون

الثلاثاء، 5 أكتوبر 2021

تدوينات صغيرة #6

يقول باولو كويلو إنك إن أردت شيئًا بحق، فإن الكون كله يتآمر معك من أجل أن تناله. وأقول أنا إن المرء إن أراد شيئًا بحق، حرك جبالًا وفرّق بحورًا ليناله، وهنا يكمن الفرق بين شخص ينتظر من الكون أن يساعده، وآخر يصنع كونه الخاص.

السبت، 2 أكتوبر 2021

تدوينات صغيرة #4

بدأت رحلة البحث عن شقة. الناس هنا متحفظون قليلًا ومهذبون، كطبع الألمان عامة، لكنهم شديدي الطيبة والشهامة. تعلمت اليوم أن فكرة المجاملات لا توجد في العقلية الألمانية. لا يوجد لديهم ما نقول عليه "عزومة مراكبية"، لذا فإن عرض أحدهم مساعدة أو خدمة، فهو يعنيها حقًا. حتى عبارة "سررت بمعرفتك" التي نقولها عفويًا فور مقابلة أحدهم، لا يوجد لها مكافئ في اللغة؛ فهم يقولون "سررت بمعرفتك" عندما يعنون قولها لشخص مميز حقًا. تروق لي فكرة أن يقول الشخص ما يعنيه ويعني ما يقوله.

تعجبني المدينة، ويعجبني الطقس، رغم أنها تثلج في الشتاء كثيرًا وأنا أحب الشمس. لا بأس، سنجد حلًا.

في بالي أغنية فرج سليمان: "شويّ بتوجع برلين، حلوة ومليانة ناس.. بس بشتاق لأم صبري وبشتاقلك إنتي بالأساس". لكن الحياة تستمر. 

الجمعة، 1 أكتوبر 2021

تدوينات صغيرة #3

 


العاشرة مساءًا، قطار ميونخ. الكهل الجالس أمامي مضطرب، يبدو أنه قد نسي كمامته ويبحث عنها بقلق في جيوب حقيبته. ألاحظ قلقه فأعطيه كمامة من معي. يندهش قليلًا، ثم يبتسم ويأخذها. بعد قليل يقول لي إنه سوف يساعدني في حمل حقيبتي الثقيلة عندما نصل إلى المحطة. أدرك أنه ربما هكذا هي أوروبا - أو ألمانيا تحديدًا؛ الناس يرون أفعال المساعدة البسيطة كما يرون المعاملات التجارية.. خذ وهات. 

أصل إلى وجهتي في الواحدة صباحًا، أصعد درج خشبي إلى شقتي في العلية. النجوم هنا ساطعة ويبدو أنني سأحب هذه المدينة.

الأربعاء، 29 سبتمبر 2021

تدوينات صغيرة #2


  • الليلة هي ليلتي الأخيرة في فرنسا (كمقيمة). مشاعر متضاربة، ما بين الحزن على فراق كل ما بنيته خلال العامين الماضيين، الخوف من المستقبل، والحماسة لبدء موسم جديد، صفحة جديدة، في مكانٍ (يشاع عنه أنه) أفضل. يتزامن انتقالي مع بداية فصل الخريف؛ فصل التغيرات الكبيرة، للأفضل أو للأسوأ. لنرى.
  • لا شيء في العالم أكثر جاذبية من شخص يجعلك تضحك أثناء شجارك معه - حكمة ألفتها للتو.

الثلاثاء، 28 سبتمبر 2021

تحدي مائة يوم من التدوينات الصغيرة #1

يقول هاروكي موراكامي إن قراراته عفوية سريعة، فهو لم يخطط لأن يصبح كاتبًا، بل قرر يومًا أن يشتري مجموعة أوراق وأقلام للكتابة وشرع في كتابة أول قصصه القصيرة، ولم يتوقف منذ حينها. مثل موراكامي، أحيانًا أتخذ قرارات سريعة، فقط لأنني أشعر في تلك اللحظة برغبة عارمة في تنفيذ هذا الشيء أو ذاك. والتدوينات القصيرة (بنظام الخواطر أو اليوميات) واحدة منها.

أفكر الآن في عملي، في المخططات والتجارب وكتابة الأوراق البحثية التي لا تنتهي. من المحزن أنني أفكر دائمًا بالعمل، حتى بينما أستمتع بشهر من الإجازة. يدور في رأسي أنني ربما اخترت أسوأ مجال عمل على الإطلاق؛ فالأكاديميا غير مجدية ماديًا، شاقة نفسيًا، ومحطمة للمعنويات أحيانًا. قرأت يومًا إن المجال الأكاديمي هو المجال العملي الأكثر ضررًا بالصحة النفسية على الإطلاق..

لكن العمل في الأكاديميا، شأنه شأن كل الأفعال الغبية التي يرتكبها البشر بأنفسهم، فهم يرتكبونه باسم الحب. والحب هو العذر الأقوى على الإطلاق، كما نعرف جميعًا. 





الجمعة، 6 أغسطس 2021

صاحب الظل الطويل: مراجعة


الكتاب: صاحب الظل الطويل
الكاتبة: جين ويبستر، ترجمة بثينة الإبراهيم
لغة القراءة: العربية، مترجم عن الإنجليزية
صيغة القراءة: كتاب إلكتروني - كيندل
التقييم: 4/5

انتهيت منذ شهر تقريبًا من قراءة واحدة من الكتب الأكثر شهرة في الأدب الأمريكي: صاحب الظل الطويل للكاتبة جين ويبستر. 

جين ويبستر هي كاتبة أمريكية نشأت في أسرة تنتمي إلى الوسط الثقافي، فقد كان والدها مدير أعمال الكاتب الساخر مارك توين، وكانت جدتها نشطة في مجالات الحقوق ومن المحاربات الأوائل من أجل حق المرأة في الانتخاب.

كانت كتابات جين دائمًا تتضمن بناتًا يافعات، يتميزن بخفة الدم والذكاء ويحاولن شق طريقهن في العالم بكل ما يحمل من صعوبات. اهتمت جين بقضايا ملاجئ الأيتام ورعاية النساء، وكانت صاحبة دعوى للإصلاح تهدف إلى تحسين الأوضاع في الملاجئ، ولعل ذلك يظهر جليًا في الرواية هنا؛ حيث نجد البطلة تشق طريقها من صلف الحياة في الملجأ إلى بريق حياة الجامعة والوسط الثقافي. 

ورغم اهتمامها بقضايا الأطفال إلا أنها ماتت قبل أن يتاح لها فرصة الاستمتاع بالأمومة، فقد توفاها الله بعد ساعات من ولادة ابنتها الوحيدة.

صدرت رواية صاحب الظل الطويل في عام 1912، وفيها نتتبع حياة المراهقة جودي آبوت التي نشأت في دار للأيتام. عندما تبلغ جودي سن السابعة عشرة، يلاحظ أحد رعاة دار الأيتام موهبتها الكتابية الطريفة، فيقرر أن يتكفل بدراستها الجامعية، على شرط أن تكتب له رسالة شهرية تخبره فيها بتطور دراستها، وألا تعلم بهويته أبدًا. 

نرى خلال الأحداث كيف تتطور العلاقة بين جودي والراع المجهول لدراستها، الذي تسميه "صاحب الظل الطويل"؛ فهي لم ترى منه غير ظله. ورغم أن صاحب الظل لا يرد على رسائلها أبدًا، إلا أن العلاقة تتطد بين الاثنين، في شد وجذب وحب وعند، إلى أن يتم الكشف عن هوية صاحب الظل في نهاية الرواية. 

أحببت آراء جودي الناقدة، اللاذعة، وحس دعابتها الطريف، وفلسفتها "الرواقية" في الحياة، إن صح التعبير. قدمت لنا جودي نموذجًا حيًا للمرأة المؤمنة بالحركة النسوية في ذلك الوقت، وإن كان ذلك غير مصرح به بشكل علني في الرواية. (رغم أن الحبكة نفسها قد تبدو "معادية للنسوية" بمعايير اليوم - انظر المرجع). قد يكون العيب الوحيد في الرواية هو النهاية المتوقعة.

اقتباسات:

"أتمنى لو كان بمقدوري أن أشرح لك كيف يبدو وكم نحن منسجمان. إذ لدينا الآراء نفسها حيال كل شيء، وأخشى أن يكون لدي ميل لتغيير آرائي لتماثل آراءه! لكنه محق على الدوام. نتفق كلانا دومًا على طرافة الأشياء نفسها، وهذا كثير جدًا؛ لا بد أن يكون الأمر كئيبًا إن كان حس الدعابة متعارضًا لدى شخصين، فلا أرى أي شيء قد يجسر هذه الهوة!"

"حين ينسجم شخصان، ويشعران بالسعادة حين يكونان معًا، ويحسان بالوحدة حين يفترقان، فليس عليهما السماح لشيء في العالم بالوقوف بينهما."

"لقد اكتشفت السر الحقيقي للسعادة يا عزيزي، ويكمن هذا في أن تعيش اللحظة، وألا تتحسر على الماضي على الدوام، أو تفكر في المستقبل، بل أن تحصل على أكبر قدر من هذه اللحظة. سأستمتع بكل لحظة، وسأعرف أنني سأستمتع أثناء ذلك."

"معظم الناس لا يحيون، بل يكتفون بالجري، ويحاولون بلوغ هدف ما بعيد في الأفق، وفي حرارة الجري تنقطع أنفاسهم ويلهثون فيخسرون رؤية الريف الجميل الهادئ الذي يجتازونه، ثم يكون أول ما يكتشفونه أنهم صاروا مسنين ومنهكين، ولن يحدث بلوغهم هدفهم أو عدمه أي فرق."

"هذه هي الشخصية التي أنوي تنميتها. سأتظاهر بأن الحياة كلها ليست سوى لعبة علي أن ألعبها بمهارة وإنصاف قدر استطاعتي. وإن خسرت، فسأرفع كتفي وأضحك، وسأفعل ذلك إن ربحت أيضًا"

المراجع:

https://www.readings.com.au/news/retro-reads-daddy-long-legs-by-jean-webster#

الثلاثاء، 13 يوليو 2021

مثل باريس، مثل روما

تولوز، التاسع من يوليو 2021، الحادية عشرة مساءًا

 الساعة الثالثة صباحًا

وأنا أتصل بك

وأنا أشعر كأنني روما،

وتبدين أنتِ في ذهني كباريس؛

أنا مبنيّ على حطام

وأنتِ مشيدة على وعود 

بالحب. 


أريد أن أتحدث إليكِ

لأخبرك كيف حملت المجد بيديّ

لأن ما تبقى مني أصبح ماضٍ سحيق.


أتتذكرين عندما احترقت

ليومٍ كامل؟


أحسست بأنني جميل ذاك اليوم

وكنت أتمنى لو أن لديكِ 

ما تقولينه لي الليلة، يا مدينة الأضواء.


أتمنى لو كان بإمكانك الرد

على الهاتف اللعين، لكن 

أنتِ نائمة، على الأرجح، وأنا أنتحب.


- نص لجوانسين ريني ديزون، شاعر هاو  Juansen Ryne Dizon

الاثنين، 28 يونيو 2021

تجربتي مع تيلور جينكنز ريد

تيلور جينكنز ريد هي كاتبة أمريكية معاصرة، لها عدة كتب من فئة روايات أدب النساء والرومانسية (مع أنني أتحفظ على لفظ "أدب النساء" لأنه عادة يلمح إلى محاولات إبداعية أقل جدية من محاولات الرجال!، إما ذلك أو أنه يشير إلى الأدب القائم على قصص حب وردية مخصصة للمراهقين). سمعت عن ريد كثيرًا، لكن بسبب نفوري المعهود من أدب الرومانسية كنت أؤجل قراءة أعمالها.

لكن في الفترة السابقة، اتجهت لاستماع الكتب صوتيًا لضيق الوقت وقلة الطاقة. اخترت كتابًا قصيرًا عشوائيًا، وشرعت في قراءته دون معرفة مسبقة بموضوعه.
كان اسم الكتاب Evidence of the Affair - أو "دليل الخيانة" لكاتبتنا. لاحظت من البداية القوية أني أمام كاتبة متمكنة حقًا من أدوات السرد. استخدمت تيلور في هذه النوفيلا أسلوب القص عن طريق الرسائل المتبادلة بين امرأة متزوجة، وزوج عشيقة زوجها.



يحب البشر قصص الخيانة الزوجية. لسبب ما في طبيعتنا، تأسرنا فكرة مثلثات الحب love triangles. أيحدث ذلك لأن أغلب الناس حياتهم العاطفية مملة، فيبحثون عن الإثارة في قصص الآخرين؟ أم أن هذا بسبب أن الخيانة نفسها مشكلة شديدة الانتشار - خصوصًا في مجتمعاتنا المعاصرة، حيث يمكنك استبدال شريك حياتك بشخص عشوائي من الإنترنت في غمضة عين، ما يضع الإنسان في حالة من ال paradox of choice "معضلة الاختيارات المتعددة"، ولكن ليس هذا موضوعنا اليوم.

لنعد إلى الكتاب مرة أخرى. أعجبني أسلوب ريد في هذا الكتاب، وإن كنت أنتظر حبكة أكثر دراماتيكية في النهاية. فاجأتنا ريد بالفعل بنهاية قوية تمامًا كالبداية، لكن شيئا ما كان ناقصًا. في المجمل، يحدثنا الكتاب عن الأمل في إيجاد السلوى في أصعب لحظات حياة المرء. يحدث أن يبعث لك القدر شخصًا يكون كنسمة صيف بعد أن مشيت أميالًا في حر الصحراء.

أسلوب الكتابة سهل وبسيط، كأنك تستمع لصديقين يتحدثان بكل حرية. قد أكون متحيزة قليلًا، ولكني أعشق أدب الرسائل، لا أعتقد أنني قرأت يومًا كتاب مراسلات إلا وحاز على إعجابي.
تقييمي العام: 4 نجوم من 5

اقتباسات:
"من المضحك أن عقولنا تختلق أشياءًا مجنونة لتنقذنا من الحقيقة".

"تدهشني فكرة أن المرء لا يسعد بعودة شيء إلا إذا غاب عنه الشيء في المقام الأول".

"أحيانًا أشعر أن قلبي سيتحول إلى حجر في أي لحظة، ولكن كلما رأيتك أصبح أكثر لينًا، متذكرًا كيف أنك تختارين اللطف بدلًا من الغضب في كل خطوة".


الرواية الثانية التي استمعت إليها اسمها One True Loves، وتدور أحداثها حول فكرة فقدان الحب. هل يقع المرء في الحب مرة واحدة فقط، فإن فقده، مختارًا أو مضطرًا، ضاعت عليه فرصة الحب للأبد؟ تجادل الكاتبة أن هذه الرؤية غير صحيحة، في رواية جميلة سريعة الأحداث، وإن كانت مليئة بالكليشيه قليلًا.

مما أعجبني في الرواية أيضًا هو فكرة أن تعريف المرء للحب يختلف على مدار سنين حياته، فالبطلة تقع في حب شاب مغامر طموح في شبابها، ثم لما تتقدم في العمر وتمر بتجارب حياتية مختلفة تقع في حب الرجل الهادئ "العادي"، مدرس الموسيقى الذي يعيش في نفس المدينة التي نشأ بها منذ صغره.

ربما ما أزعجني قليلًا هو المثالية الزائدة للبطلة. رأيت هذا النمط كثيرًا في الكتب وحتى المسلسلات ذات الحبكة الرومانسية، فهي عادةً تقع في فخ تصوير البطلة كملاك يمشي على الأرض، يقع في حبها جميع الرجال وتغار منها كل النساء. أرى هذا التجسيد غير ناضج بعض الشيء ويفتقر إلى الواقعية؛ فنحن "لا قديسون ولا ملائكة" كما يذكرنا عنوان رواية إيفان كليما.

تقييمي العام: 2 نجوم من 5

اقتباسات
"الأشياء الجيدة لا تنتظرك حتى تكون مستعدًا، بل هي أحيانًا تحدث قبل أن تصل إلى تلك المرحلة. وقد اكتشفت أنه عندما يحدث ذلك، يمكن أن تدع الفرصة تمر كأنها لم تكتب لك، أو يمكنك أن تستعد لها. ولذلك استعددت لها."

"لقد وضعت خطة لحياتي بناء على رغبتي في أن أرى كل الأماكن المذهلة، لكنني أدركت أخيرًا أن الأشياء المذهلة في كل مكان".

"كنت أظن أن الحزن كالمرض المزمن، كل ما يمكنك فعله تجاهه هو أن تُقدر الأيام الجيدة وتتقبل معها الأيام السيئة. ثم بدأت أفكر أن ربما الأيام الجيدة ليست مجرد أيام، قد تصبح أيضًا أسابيع جيدة، شهورًا جيدة، أعوامًا جيدة. والآن أتسائل، ألا يشبه الحزن صَدَفة تحملها معك لوقت طويل، وذات يوم تُدرك أنك كبرت عليها؟ فتقرر حينها أن تضعها أرضًا".

الأحد، 13 يونيو 2021

إعادة اكتشاف الضحك



عينان بنيتان تحملان طيبة العالم

أعلق عينيّ بهما تعلق الغريق بقشة.

وابتسامة تدفئ برد ليال الشمال.

نضحك معًا،

في الشارع المعتم،

في الساعة المتأخرة،

فيخيل لي أننا وحدنا على هذه الأرض.

أو أننا أول من عرف الضحك.

أريد أن أسألك: كيف تظن كان شعور آدم وحواء،

حين اكتشفا الضحك لأول مرة؟

ثم أتراجع.

أحاول، بكل طاقتي، أن أحمل قلبك برفق.


الحياة تبدو سهلة.

لا، انتظر، ليست سهلة أبدًا. أنت تعرف ذلك جيدًا.

كلانا نعرفه.

لكن ما أعنيه هو، إنها سهلة.. معك.

وعندما نفترق، 

ستعود صعبة مرة أخرى.

الجمعة، 16 أبريل 2021

والجنة فرط حنان

هناك لحظة في حياة كل منا تقسم عندها حكايته إلى نصفين، "ما قبل" و "ما بعد" الحادث. في كثير من الأحيان، تكون تلك اللحظة مصحوبة بفقدان المرء لبرائته، وإدراكه أنه أصغر، وأضعف، بكثير مما اعتقد. الحادث هو ما يجعله يكفر بقول مكسيم جوركي بأن "الناس جهلة وليسوا أشرارًا"، ليدرك أن الشر موجود بالفعل، وتلك سنة الله في الأرض.

بالنسبة إلي، كانت تلك اللحظة عندما رأيت القسوة مجسدة في عينين بشريتين. في الإنجليزية تعبير يقول looked the devil in the eye، وهو كناية عن الشجاعة أمام موقف صعب. لكنني أحب أن أستخدمه كناية عن لحظة فقدان البراءة، وهي لحظة أبعد ما تكون عن الشجاعة.

قبل غروب الشمس فوق أحد تلال جنوب فرنسا

يقول فؤاد حداد، في سطرين من أجمل ما كتب:

 "الجحيم يساوي قسوة بني آدم، 

والجنة فرط حنان".

ولا أظن أن هناك من عبر عن الصراع بين الخير والشر في إيجاز أكثر رقة. 

أما عن الشجاعة الحقيقية، فهي أن تقرر أن تؤمن بالسطر الثاني، رغم أن قلبك ما زال ينزف كلما تذكرت السطر الأول.

الاثنين، 8 فبراير 2021

المرأة ليست لعبة الرجل: مراجعة

الكتاب: المرأة ليست لعبة الرجل
الكاتب: سلامة موسى
اللغة: العربية
الصيغة: كتاب إلكتروني
التقييم: 2.5/5

في العادة، لا أقرأ كتبًا ذات عناوين رنانة كهذه، خاصة فيما يتعلق بالقضية النسوية؛ فأنا أحرص على اختيار الكتب التي تنصف القضية. لكنني كنت أشعر بالملل على متن الباص العمومي، فوجدتني أتصفح تطبيق "رفوف"، الذي أرشحه بشدة بالمناسبة، فإذا بي أنهي نصف الكتاب في أول جلسة.

لم أقرأ من قبل لسلامة موسى، وإن كنت سمعت من قبل عن أفكاره التقدمية، ولذلك فقد كانت تجربة مثيرة للاهتمام. هذا الكتاب هو مجموعة من المقالات نشرت في أوائل القرن العشرين، وهي الفترة التي بدأت فيها حركة النسوية في مصر.

وعليّ هنا أن أوضح شيئًا هامًا: أنا أؤمن بالفعل بالقضية النسوية، وأعتقد أن مجتمعاتنا العربية جميعًا في حاجة إلى ثورة تنوير حقيقية فيما يتعلق بقضية المرأة (يكفي دليلًا على هذا أن بعض الناس يرون كلمة "فيمينست" الآن مسبة!). ولكن، لدي مشاكل مع الحجج التي يطرحها سلامة في هذا الكتاب، وإن كنت أتفق مع أغلب أفكاره.

في المقالات، يدافع سلامة عن فكرة المساواة بين الرجل والمرأة، لكن ليس انطلاقًا من مبدأ المساواة ذاته وإنما بسبب اقتصادي ومادي بحت! فهو يكرر في أكثر من موضع أنه من العبث أن يضيع نصف حجم القوى العاملة في البلد لأن المرأة لا تعمل. وهي وجهة نظر تحترم، بالطبع، لكنها في رأيي ليست خلاصة المشكلة؛ فقضية المرأة لا تختزل أبدًا في حق العمل، ونحن لا نريد الدفاع عن حق المرأة في العمل انطلاقًا فقط من الفائدة التي تعود على المجتمع من عملها!

وبالحديث عن حق العمل فإننا أيضًا يجب أن ندافع عن حق اختيار طبيعة هذا العمل؛ فسلامة يرى أن المرأة لا حاجة لها لأن تتفرغ لرعاية المنزل، لأن في عصره أصبحت أعمال المنزل بسيطة وهينة بفضل التكنولوجيا! ومن هنا يمكنني الحكم بضمير مستريح بأن سلامة موسى لم يقم قط بأعمال منزلية؛ لم يقم بالطبيخ والغسيل وتنظيف المنزل والعناية بالأطفال وأبي الأطفال! فحتى بعد قرن كامل من كتابة كلماته، ومع كل التقدم التكنولوجي في منازلنا، لا يمكن أن يجزم أحدنا بأن العناية بالمنزل وبالأطفال أمر هين. 

من المهم أن ندعم حق المرأة في العمل والمساواة في الأجور، ومن المهم أيضًا أن ندعم المرأة حين تقرر وتختار طوعًا أن تتفرغ للعناية بالمنزل والأطفال. عكس ما يعتقده الجميع، كون المرأة ربة منزل هو أيضًا صورة من صور العمل.

والأمر الآخر الذي أزعجني في هذا الكتاب هو اللهجة المنبهرة بالحضارة الغربية أشد الانبهار! حتى في أتفه مواضع المقارنة. فهو مثلًا يقارن الرقص الشرقي بالغربي؛ ويحكم على الشرقي بأنه رقص منحط وهو محض حركات لاستعراض الجسد، بينما الغربي هو رقص راق لا يثير الشهوات. الباليه والفالس فن راق، بينما الرقص الشرقي منحط. وهي بالطبع مقارنة ساذجة! فرغم أنني أقر بأن الرقص الشرقي قد اعتراه استعراض الأجساد حديثًا، فإن ذلك ليس خطأ الرقص بذاته كفن، وإنما خطأ من استخدموه كاستعراض جنسي في الأفلام والأغاني. ولست بحاجة لأن أقول أن بعض الرقص الغربي المستحدث لا يخلو من انحطاط.

لكن بشكل عام، وإنصافًا للكتاب، فإنه كانت هناك كثير من الأمور الإيجابية والآراء التقدمية التي احترمتها كثيرًا. أعتقد أن سلامة موسى لو كان بيننا الآن لأطلقوا عليه لقب "فيمينست" (وكأنها مذمة!)، ثم لهاجموه هجومًا شنيعًا. 

أعجبني في الكتاب أيضًا مناهضة سلامة موسى للفصل بين البنين والبنات في التعليم الأساسي والجامعي، وطالما استغربت أنا كذلك هذا الفصل، فكيف للشاب أو الفتاة أن ينظر للجنس الآخر على أنه شخص عادي مثله تمامًا، بينما يتعلم منذ نعومة أظافره أن اجتماع الذكور والإناث في مكان واحد ممنوع! 

اقتباسات

"والرجل لا يتخصص للزواج، وكذلك المرأة يجب ألا تتخصص للزواج. ذلك لأن حياتنا، نحن الرجال والنساء، أغلى من هذا وأرحب من أن يحتويها هذا التخصص."

"إن الرجال يتهمونك بأنك غير ذكية، غير شجاعة، غير سخية، غير بصيرة، لم تتفوقي في الاختراع أو الاكتشاف، ولم تبرزي في العلوم أو الفنون. وكل هذه التهم صحيحة. ولكنها صحيحة لأنك تمضين حياتك محبوسة بين أربعة جدران في البيت. ولو قدر لنا نحن الرجال أن نحبس كذلك لكنا في هذه الحال التي تتهمين أنت بها".

"الرجل الفارغ الثري، أي المعطل الثري، هو أسوأ الطرز الاجتماعية للإنسان. وقد كان الإقطاعيون على هذا الحال في بلادنا. وكان فسادهم يتجاوزهم إلى فساد من يحيطون بهم. وكانوا يفسدون لأنهم معطلون فقدوا الكرامة الذاتية بسبب التعطل. ولو أنك فاجأت واحدًا منهم وهو قاعد في استرخاء الكسل، لوجدت أفكاره وخواطره التي تشغله إما إجرامية أو مؤذية."

"الطلاق وتعدد الزوجات هما كارثة المجتمع المصري. إذ ليس لنا عائلة لوجودهما. والعائلة هي الأساس الذي تبنى عليه المجتمعات."

"ويجب ألا يفصل الجنسان مدة التعليم. وليست المدرسة، وليست الجامعة، مكانًا للتعليم فقط، وإنما هما مكان للتربية أيضًا. والتلميذ والطالب يتعلمان من المدرس أو الأستاذ، لكنهما لا يتربيان بالدرس أو المحاضرة. وإنما يحصلان على التربية من الزمالة بين الجنسين. ذلك أن الزمالة هي الاجتماع والحديث والعمل المشترك والمناقشة المثيرة. وكل هذا تربية للأخلاق وتكبير للشخصية."


الجمعة، 5 فبراير 2021

وفي عمق الشتاء البارد.. صيف لا يقهر

 مضى زمن طويل منذ آخر مرة استشعرت فيها دفء البشر تجاه من لا يعرفونهم. ربما وقت طويل أكثر من اللازم.

لا شيء يقرب البشر بعضهم ببعض كالسفر. (وربما لذلك السبب اخترت لنفسي، دون وعي مني، حياةً على ظهر حقيبة سفر؟ أكان ذلك لأنني أريد أن أقترب من البشر؟ هأنذا أحلل نفسيتي مرة أخرى..).



 في رحلتي السابقة من شمال فرنسا إلى جنوبها، تعثرت ببعض الأشخاص في غاية اللطف، جعلوا رحلة الـ12 ساعة تمضي بسرعة كبيرة. 

ابتداءًا من الرجل ضخم الهيئة الذي ساعدني في حمل حقيبتي الثقيلة عبر سلالم سكك القطار.

ثم السيدة اللطيفة التي صاحبتني في انتظار الباص. إنها تعيش بالقرب من ديزني لاند باريس، يا لحسن حظها!

ثم الشاب الذي ساعدني في حمل حقيبتي عبر إحدى حدائق باريس ليلًا بعدما رفضت مساعدته كثيرًا، فقال إنه يتفهم كون باريس مكانًا مخيفًا في المساء لفتاة بمفردها. وكان معه حق، فكنت خائفة منه بالفعل!

ثم السيدة التي كانت تحيك "الكروشيه" في مقعد خلفي في الباص، استضاء وجهها واحمر خجلًا لما قلت لها إن ما تصنعه جميل حقًا. 

قد تكون الصفة المنتشرة عن الفرنسيين هي أنهم متكبرون ولا يقدمون المساعدة، لكنني على استعداد للجدال ضد هذه الفكرة.

هناك ألفة غريبة تجمع أشخاصًا لا يشتركون في شيء غير جلوسهم معًا في باص متجه إلى مدينة واحدة. مدينة جنوبية يتحدث أهلها بلكنة مضحكة في نظر باقي أهل فرنسا، ويجلسون كل يوم على ضفاف النهر وقت الغروب. مدينة تحبها الشمس كثيرًا، حتى في الشتاء. مدينة تشعرني أن مقولة ألبير كامو الشهيرة: "وفي عمق الشتاء البارد، اكتشفت أن في داخلي صيف لا يقهر"، قد كُتبت من أجلها.

في السفر، ننسى من نحن في الحقيقة. ننسى من أين أتينا ومم نخاف؛ ننسى أننا نخاف المشي في الحدائق ليلًا وأننا نستحي من طلب المساعدة ومن اختلاق حديث عابر مع الغرباء. وننسى أننا وحدنا. 

"يقول مسافر في الباص: كل شيء يعجبني، حتى مسافة الثمانمائة كيلومتر!"، عذرا درويش..


الخميس، 4 فبراير 2021

مراجعة واقتباسات: أشخاص قلقون



الكتاب: Anxious People
الكاتب: فريدريك باكمان
لغة القراءة: الإنجليزية، مترجم عن السويدية
صيغة القراءة: كيندل
التقييم: 5/5

مضى عامين تقريبًا منذ قرأت لفريدريك باكمان لأول مرة، عمله الأشهر "رجل يدعى أوف"، ومنذ ذلك الوقت ظللت أترقب أعماله الجديدة. فريدريك باكمان هو كاتب سويدي، كتاباته لها طابع مميز لا أجده في كثير من كتب اليوم. باكمان يحدثك عن العائلة، وعن الحب، وعن معنى أن تكون إنسانًا، كل ذلك دون نبرة وعظ أو حكم، ودون ابتذال أيضًا. 

ماذا يحدث عندما يجتمع مجموعة من الحمقى (كما يصفهم الكاتب) معًا في شقة ليتخذهم لص أحمق كرهائن؟ وماذا سيحدث لرجلي الشرطة الأحمقين عند محاولتهما حل اللغز وإنقاذ الرهائن؟ هذه هي رواية عن الحمقى، لكن لا تقلق كثيرًا عزيزي القارئ! فكلنا حمقى، بطريقة أو بأخرى. وهذه هي عبقرية باكمان: أنه يرى التشابهات بين البشر أكثر مما نرى نحن الاختلافات.

باكمان يجمع أشخاصًا من فئات عمرية وطبقات اجتماعية مختلفة ليخبرك أن في نهاية المطاف، ما يوحدنا جميعنا هو أننا "أشخاص قلقون". كلنا نخشى أن نفشل في الحياة، أيًا كان ما يعني لنا هذا الفشل: الفشل في الحب، في الزواج، في تربية الأبناء. الفشل في الوظيفة، أو في شراء شقة جديدة. الفشل في أن تكون مهمًا في نظر أحدهم، أو في أن تتمكن من إنقاذ حياة.

الأشخاص في روايات باكمان هم أشخاص عاديون، لديهم ذلك المزيج الطبيعي بين الخير والشر، ولعل تلك أهم ميزات كتاباته.

ربما يذكرنا هذا بأن الأشياء ليست دائمًا كما تبدو: كل فرد تقابله هو "شخص قلق" أيضًا، يحمل ما يحمله من المخاوف التي لا يظهرها لك على الفور.

هذا الكتاب أضحكني كثيرًا، وأبكاني بالطبع. أخذت منه عدة اقتباسات أرسلتها لأصدقائي، مع تأكيد مني على أهمية قراءة هذا الكتاب إن اتسع لهم الوقت.

أترككم في النهاية مع بعض اقتباساتي المفضلة، ترجمتها بنفسي؛ فالتمسوا لي العذر إن ارتكبت أخطاءًا لغوية.

اقتباسات

 "لأنك على الأرجح كنت مكتئبًا ذات يوم أيضًا، وربما مررت بأيام حينها كنت تشعر بألم في أماكن لا يمكن رؤيتها بالآشعة المقطعية، وربما لم تجد الكلمات المناسبة لتشرح ذلك الألم للأشخاص الذين يحبونك".

"الكبار نادرًا ما يعرفون ماذا يقولون للشباب ليعبروا لهم أنهم يكترثون لأمرهم. من الصعب أن تجد الكلمات المناسبة عندما يكون ما تريد قوله فعلًا هو: يمكنني أن أرى أنك تتألم".

"إن اختيار الكلمات يصبح صعبًا عندما تكون كبيرًا في السن وتريد أن تقول لمن هو أصغر منك سنًا: أنا أرى أنك تتألم، وذلك يؤلمني".

"أتعلم ما هو أسوأ ما في الأبوة؟ إنه عندما يُحكم عليك دائمًا من خلال أسوأ لحظاتك. يمكنك أن تفعل مليون شيئًا بطريقة صائبة، ولكن إن ارتكبت خطءً واحدًا فإنك تقضي بقية عمرك بوصمة عار: ذلك الأب الذي كان يلعب بهاتفه في الحديقة بينما يرتضم رأس ابنه بالأرجوحة".

"لأن مهمة الأبوين هي توفير سند للأبناء. كتف يجلسون عليه وهم صغار ليروا العالم، ثم ليقفوا عليه عندما يكبرون ليصلوا إلى السحب، وأحيانًا ليستندوا عليه عندما يتعثرون أو يصيبهم الشك. إن الأبناء يثقون بنا، وهذه مسئولية ساحقة، لأنهم لم يدركوا بعد أننا لا نعرف ماذا نفعل في الحقيقة."

"إن أسوأ شيء في كوننا كبارًا هو أننا نجبر على إدراك حقيقة أن لا أحد على الإطلاق يكترث لأمرنا، ويجب أن نتعامل مع كل شيء بأنفسنا الآن، وأن نكتشف كيفية عمل العالم. علينا أن نعمل وندفع الفواتير، وأن نستخدم غسول الأسنان، وأن نصل إلى الاجتماعات في الوقت المناسب، وأن نقف في الطابور ونملأ الاستمارات، وأن ننظم أسلاك الكهرباء وننسق الآثاث، وأن نقوم بشحن هواتفنا المحمولة وأن نطفئ ماكينة صنع القهوة وألا ننسى أن نسجل للأطفال في دروس السباحة".

"نحن نعطي من نحب ألقابًا مصغرة، لأن الحب يتطلب كلمة نمتلكها نحن وحدنا".

"على الأرجح هناك شخص ما في حياتك أنت على استعداد أن تقوم بشيء أحمق من أجله".

"ولكن ربما وقعت في الحب ذات يوم؟ تقريبًا كلنا قد وقعنا في الحب يومًا، على أي حال. والحب يجعلك تقوم بكثير من الأشياء السخيفة، كالزواج مثلًا. أو كإنجاب الأطفال، ولعب لعبة العائلة السعيدة، والزواج السعيد. أو هكذا تعتقد على أي حال. ربما ليس "سعيدًا" بالضبط، لكن بالأحرى "معقول". زواج معقول. لأن كيف يمكن أن يكون الشخص سعيدًا في كل وقت؟ كيف يملك أي شخص الوقت لهذا؟ أغلب الوقت، نحاول فقط أن يمر يومنا بسلام."

"الحقيقة هي أنه إذا كان الناس سعداء حقًا كما يبدون على الإنترنت، فلن يقضوا وقتًا طويلًا هكذا على الإنترنت، لأن لا يوجد شخص يستمتع بيوم جيد حقًا يقضي نصفه في التقاط الصور لنفسه." 

"بعض الناس يتقبلون حقيقة أنهم لن يتخلصوا قط من التوتر، فيتعلمون فقط أن يحملونه. حاولت هي أن تكون واحدة منهم. قالت لنفسها أن لهذا السبب عليها أن تكون لطيفة مع الأشخاص الآخرين، حتى الحمقى منهم، لأنك لا تعرف قط مقدار العبء الذي يحمله الآخر. في أعماقهم، يريد الناس جميعًا أن يكونوا جيدين، وطيبين. المشكلة، بالطبع، أنه ليس من الممكن دائمًا أن تكون لطيفًا مع الحمقى، لأنهم حمقى".

"فقط لأنك لا تحب الحياة كثيرًا، لا يعني أنك تريد الخيار البديل".

"- هل حدث من قبل أن أخذت بيد طفل في الثالثة بينما توصله من الحضانة إلى المنزل؟ 
- لا.
- لا يكون المرء مهما في أي لحظة كتلك."

"يمكنك أن تغرس الدين في عقول الناس لكنك لا تستطيع أن تعلمهم الإيمان".

"لا يمكننا تغيير العالم، وفي أغلب الوقت لا يمكننا حتى تغيير الناس. لا أكثر من مقدار قليل كل مرة. لذلك فإننا نفعل ما بوسعنا لنساعدهم كلما حانت الفرصة يا عزيزي. ننقذ من نستطيع إنقاذهم. نفعل ما بوسعنا. ثم نحاول أن نجد طريقة لنقنع أنفسنا أن هذا سيكون كافيًا. لنتمكن من العيش مع فشلنا دون أن نغرق".

"بالنسبة لأولئك الذين لا يفعلون شيئًا بأنفسهم، لا شيء أسهل من انتقاد شخص يبذل مجهودًا بالفعل."

"السفن التي تبقى في المرسى تظل آمنة، يا عزيزي، لكن ليس لهذا الغرض تبنى السفن".

"يتزوج المرء في النهاية من الشخص الذي لا يفهمه. ثم يقضي ما بقى من عمره محاولًا فهمه".

"هذه هي قوة الأدب. يمكنه أن يلعب دور خطابات غرامية بين اثنين لا يستطيعان التعبير عن مشاعرهما إلا عن طريق الإشارة إلى مشاعر أشخاص آخرين".

"لا يمكنك العيش طويلًا مع أشخاص حسني المظهر، يا ابنتي. أما الأشخاص المضحكين، يدومون عمرًا بأكمله".

"كل الأشخاص المثيرين للاهتمام ارتكبوا فعلًا غبيًا للغاية على الأقل مرة واحدة!"

"كلنا نيام إلى أن نقع في الحب".

"الحب هو أن أريدك موجودًا".

"هناك شيٌ شديد الشاعرية في عدد كل الشقق غير المعروضة للبيع".

"يقول الناس أن شخصية المرء هي حصيلة تجاربه. لكن هذا ليس حقيقيًا، على الأقل ليس بالكامل، لأن إن كان الماضي هو كل ما يعبر عنّا، فلن نتمكن أبدًا من احتمال أنفسنا. يجب أن تكون لنا القدرة على إقناع أنفسنا أننا لسنا مجرد الأخطاء التي ارتكبناها البارحة. إننا أيضًا كل اختياراتنا المستقبلية."