الأحد، 24 أبريل 2022

لماذا يجب عليك أن تقرأ عزازيل: مراجعة بدون حرق، وخواطر

 

الكتاب: عزازيل
الكاتب: يوسف زيدان
لغة القراءة: العربية
صيغة القراءة: كتاب ورقي
التقييم: 4/5

مرحبًا مرة أخرى. في فبراير الماضي انتهيت من قراءة رواية عزازيل ليوسف زيدان. استغرقت بعض الوقت لأستجمع أفكاري حول الرواية وأضعها في صورة تدوينة مترابطة، فها نحن ذا. 
يوسف زيدان هو كاتب مصري مثير للجدل. لم أكن قد قرأت له من قبل، وكنت على دراية بالانتقادات الموجهة إليه، بالادعاءات التي وجهت لكتاباته بوصفها شديدة الإباحية أو حتى مزدرءة للأديان. قررت أن أحكم بنفسي، فاشتريت عزازيل من معرض الكتاب السنوي بمدينة بورسعيد، وقرأت الكتاب في طبعته ذات الحجم المصغر من دار الشروق.

تدور أحداث عزازيل على لسان هيبا، راهب مصري في القرن الخامس الميلادي، يترك قريته في صعيد مصر ويذهب طالبًا للعلم في الإسكندرية، ثم الشام والقدس وغيرها من المناطق. حدثان يتركان جرحًا لا ينسى في حياة هيبا: الأول هو مقتل والده الوثني على يد متطرفين في قريته، والثاني هو مقتل هيباتيا، عالمة الرياضيات السكندرية، على يد متطرفي المسيحية في الإسكندرية. نرى إذن أن ثيمة الصراع الموحدة في الرواية - وفي حياة هيبا - هي الصراع المذهبي والتطرف الديني.

لغة يوسف زيدان جميلة، عذبة، مليئة بالجماليات البديعة. أحببت كثيرًا الصلوات ونصوص المناجاة المتضمنة في النص، وأبكاني تصويره لمشهد قتل هيباتيا. أما عن حكمي فيما يخص أسباب إثارته للجدل، فأنا لم تزعجني كثيرًا المشاهد الجنسية في الرواية - وهي كثيرة -، بصراحة توقعت ما هو أسوأ! المشاهد لم تكن فجة كثيرًا. ربما مطوّلة أكثر من اللازم فقط. على ذكر ذلك، قرأت ذات مرة أن تهمة "خدش الحياء العام" لا تنطبق على الأدب، ببساطة لأن القراءة هي فعل فردي بامتياز، والقارئ ليس بينه وبين نفسه حياء ليخدش. لا أذكر أين قرأت ذلك، ولكني أتفق.

مأخذي الوحيد على تقديم الشخصيات النسائية في الرواية هو أنها قدمت بصورة حسية، وكنت أتمنى لو قدمت بصورة متكاملة. المرأة الوحيدة التي تذكر في الرواية بصفاتها العقلية وليس فقط الجسدية هي هيباتيا. ما عداها من نساء في حياة هيبا كانوا قد كتبوا في صورة حسية شديدة الجنسنة hypersexualized. هذه الظاهرة منتشرة في الأدب المكتوب بأقلام الرجال، حيث تصور الشخصيات النسائية عادةً في قالب جنسي بحت. أوكتافيا مثلًا، شعرتُ بأن دورها في الرواية يتمثل في إغراء هيبا فحسب. لا بأس لدي في المشاهد الشاعرية، وتصويرها كامرأة جميلة فعلًا، ولكني تمنيت لو أن الكاتب أعطى اهتمامًا أكبر بقصتها وتاريخها. كذلك الأمر مع مرتا.

وأخيرًا، لم عليك أن تقرأ الرواية؟ لأننا نعيش الآن عصر تطرف ديني لا يقل خطورة عمّا عاصره بطل الرواية في القرن الخامس. أقرأ الأخبار وتريندات المواقع الاجتماعية كل يوم فيخيفني ما وصلنا إليه من هوس بالدين، أو بصورة معينة منه. أرى نبرة كراهية في حديث الناس عن الأقليات الدينية، ويكسر قلبي أن تكفير الآخر قد صار أمرًا هينًا. أرى شخصًا يسمي نفسه داعية، له الكثير من المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو لا يتبع في "دعواه" المزعومة غير أسلوب البلطجة وازدراء الآخر والتطاول على النساء. أرى مدافعين عن التعدي على حريات الأشخاص المفطرين في رمضان، بعذر أو بغير. أرى هوس بمظاهر الدين الخارجية، وترك تام للجوهر. أرى كل ذلك وأتسائل متى وصلنا إلى هذا الحد؟ إن مصر التي أتذكرها منذ عشر سنين لم تكن هكذا. 
في هذا الصدد قرأت منذ قريب كتاب "محنة الدين والدنيا في مصر"، للمفكر الراحل جلال أمين. في الفصول الأولى للكتاب يستنتج جلال أمين أن ما نراه الآن هو نتيجة لتحول في رؤية المصريين للدين، فبعدما كان جزءًا مهما من الحياة، أصبح الحياة نفسها. ربما أتحدث عنه في تدوينة منفصلة قريبًا.

اقتباسات

"شعرت بقلبي يسيل كماء بين ضلوعي، ثم يصير هواءً".

"كان هذا هو الدرس الأول الذي تعلمته في هذا الدير، وأفادني كثيرًا على نحو خفي. لا ينبغي أن أن نخجل من أمر فرض علينا، مهما كان، ما دمنا لم نقترفه. ساعدني ذلك، كثيرًا، على نسيان ما فعلته بي أمي زمن طفولتي، وعلى تناسي ما فعلتُه، وما لم أفعله، بسبب خوفي وقلة استطاعتي".

"كان يجب علي أن أتكلم بأي شيء، لكن الحروف فرت من طرف لساني. كنت أقول في نفسي، إن جمالها ظالم لمن يعرفه، ظالم لأنه أعمق من أن يحتمل، وأبعد من أن ينال".

"أنا لا أعرف الكثير عنها.. لم أرها من الداخل، ولم أر أي شيء من داخله، أنا أطوف دومًا بظاهر الأشياء ولا أغوص فيها. بل أراني أخشى الغوص في باطني، لكي أعرف حقيقة ذاتي الملتبسة".

السبت، 9 أبريل 2022

ثلاثة أسئلة - كيتلين سيهل



تقول لي أمي:
لما أجد شخصًا يعجبني، 
عليّ أن أسأله ثلاثة أسئلة:
1. ماذا يُخيفك؟
2. هل تحب الكلاب؟
3. ماذا تفعل عندما تمطر؟
تقول لي إن من بين هذه الأسئلة، الأول هو الأهم.
"على المرء أن يخاف من شيء ما. كلنا نخاف. ومن لا يخاف من أي شيء، 
لا يؤمن بأي شيء أيضًا."

قابلتك يوم أحد،
بعد الصلاة في الكنيسة،
ومن نظرة واحدة غادر قلبي جوفي.
في موعدنا الثاني،
سألتك: ماذا يخيفك؟
قلت لي: العناكب، غالبًا. والوحدة. والأطفال الصغار، في السن التي
يتعلمون فيها دفع بعضهم البعض أثناء اللعب. والفضاء الخارجي، نعم، الفضاء اللعين!
سألتك إن كنت تحب الكلاب.
"لديّ ثلاثة".
سألتك ماذا تفعل عندما تمطر السماء.
"أنام غالبًا. وأحيانًا أجلس بقرب النافذة وأراقب سباق قطرات المطر.
أشيّد خيمة بلاستيكية في حديقتي الخلفية لتحتمي بها الحيوانات الضالة وأترك لهم الطعام ومرقدًا مناسبًا للنوم."

ابتسم لي كأنما يعرف،
كأنما أخبرته أمه أيضًا بنفس الشيء.

"ماذا عنك؟"
أنا؟
أنا أخاف من كل شيء.
من ثقب الأوزون،
من جارتي التي لا تبتسم لكلبها قط،
وأخاف بشكل خاص من كل الأسرار التي تحاول الحكومة إخفاؤها عنا.
أحب الكلاب كثيرًا، لا تتصور إلى أي حد.
أنام عندما تُمطر.
أريد أن أقول للجميع أني أحبهم.
أريد أن أعثر على كل الحيوانات الضالة وآخذهم معي للمنزل.
أريد أن أستيقظ تائهة في شعرك،
وأن أصنع لك قهوة رديئة في الصباح،
وأقبّل عنقك،
وأرسمنا في صورة خربشات سخيفة. 
وأريد ألا أسأل أي أحد الأسئلة الثلاثة مجددًا.

- كيتلين سيهل

الاثنين، 4 أبريل 2022

لائحة رغباتي: مراجعة


الكتاب: لائحة رغباتي
الكاتب: جريجوار دولاكور
لغة القراءة: الفرنسية
صيغة القراءة: كتاب ورقي
التقييم: 4/5

مرحبًا ورمضان كريم. انتهيت الشهر الماضي من قراءة "لائحة رغباتي"، للفرنسي الحبيب جريجوار دولاكور. كانت هذه قراءتي الثانية للرواية، هذه المرة بلغتها الأم، بعد أن كانت المرة الأولى منذ ثلاث أو أربع سنوات بالعربية. 

ينتمي جريجوار دولاكور إلى نوع فريد من الروائيين المعاصرين، فرواياته سريعة الإيقاع، page-turners كما يطلق عليها، ولكنها بعيدة كل البعد عن التفاهة والابتذال. قصصه خفيفة الظل مع جرعة لا يستهان بها من التراجيديا أيضًا. بالنسبة لي، هو نسخة أكثر سوداوية قليلًا من فريدريك باكمان، الذي تحدثت عنه كثيرًا على المدونة (وخارجها.. لا أستطيع التوقف عن ترشيحه لكل من أقابل، على الرجل أن يعطيني نسبة من المبيعات). يكسر دولاكور قلبي في منتصف كل رواية، ثم يصلحه مجددًا في نهايتها.  

تدور أحداث الرواية في بلدة فرنسية صغيرة لا يحدث فيها أي شيء. بطلتنا هي "جوسيلين"، امرأة أربعينية عادية، تدير متجرًا للأقمشة وأدوات الخياطة، وتعتني بأبيها الذي يعان من مرض شيخوخة يجعل ذاكرته تدوم لست دقائق. جوسيلين متزوجة ولديها ابن وابنة ناضحين يعيشان بعيدًا عن المنزل. حياة جوسيلين مع زوجها عادية أيضًا، مرا معًا بعدة تحديات من أصعب ما يكون، لكنهما نجحا في الاستمرار معًا بفضل التغافل أو الحظ أو بحكم العادة. وذات يوم، تفوز جوسيلين بالياناصيب بعد أن أقنعتها صديقاتها بشراء تذكرة على سبيل المزاح. تتغير حياة جوسيلين تمامًا، فالمال يعقد كل شيء.

إن سألتك عزيزي القارئ الحكيم، ماذا ستفعل لو فزت بعشرين مليون يورو في الياناصيب؟ أعتقد أن الإجابة على هذا السؤال أعقد مما نظن، فأنا مثلًا لا أعرف ماذا سأفعل بهم. شخصيًا، "لائحة رغباتي" لا تتضمن عددًا كبيرًا من الأشياء التي تُشترى بمال. ربما شقة صغيرة على البحر ستكون لطيفة لكني لا أحتاج عشرين مليون يورو لتحقيق ذلك، ثم أنني لن أجد الوقت الكافي للاعتناء بها. وربما سيارة جيدة أيضًا، لكني أكره السيارات. وكل الكتب التي أريدها، بالإصدارات الخاصة، لكنها أيضًا لا تتطلب عشرين مليون يورو. ثم أنني سأصاب بالذعر لأن منظر الكتب غير المقروءة يوترني. أرجو أن تكون لائحتك هكذا أيضًا. وهكذا هي لائحة جوسيلين: كل ما يرغب المرء في شراؤه حقًا لا يحتاج إلى هذا المبلغ الخيالي من المال. وإن حصل عليه، فماذا بعد؟ المتعة - في رأيي - ليست في الحصول على منزل الأحلام في غمضة عين، بل في ادخار المال شهرًا بعد شهر لشراؤه بعد بضع سنين.

ربما تبدو فكرة "الفلوس مش كل حاجة" ساذجة لك بعض الشيء عزيزي القارئ الواقعي، لكن أعطني فرصة: ليس الأمر متعلقًا بالمال فقط، إنه أسلوب حياتنا كله. هناك خطب ما حدث لمنحنى تطور البشر على مدار القرون فجعل أعظم أحلامنا سيارة فيراري، أو حذاء جديد من أغلى الماركات، أو إقامة في فندق خمس نجوم يبدو كل المقيمين فيه كأسماك التونة المرصوصة في ثلاجات السوبرماركت، بلا شعور، بلا دفء وبلا حياة. 

أعجبتني الرواية بكل بساطتها ورسالتها الكليشيهية. أعجبتني لغة دولاكور وصوره البديعة، وربما أبكتني جوسيلين مرة أو اثنين لكنها أضحكتني طويلًا. أتطلع لقراءة أعمال دولاكور الأحدث، الأقل شهرة: "يومًا ما سيأتي اللون البرتقالي"، و"أول شيء تراه". 

الرواية متوفرة في المكتبات بالترجمة العربية.

اقتباسات

"تقابلنا لأول مرة في المتجر، حيث أرسلته أمه لشراء ثلاثين سنتيمترًا من دانتيل مدينة فالنسيان، دانتيل بانحناءات من خيط طويل منسوج بلا انقطاع، شديد الرقة، بنقشات بألوان مط.. كان تحفة فنية. "بل هي أنت التحفة الفنية"، هكذا قال لي، فاحمرت وجناتي ودق قلبي. ثم ابتسم. يعرف الرجال الكوارث التي يلحقونها بقلوب الفتيات، ونحن المسكينات نحوم ونحوم ونسقط في الفخ، سعيدات لأن أحدهم أخيرًا قد قرر أن ينصبه لنا".

"أظن أن كل شيء يتحرك بسرعة. نتحدث بسرعة، نفكر بسرعة (إن فكرنا!)، نرسل رسائل إلكترونية، رسائل نصية دون إعادة قراءتها، نفقد أناقة الخط المكتوب، نفقد الذوق والأدب، وإحساسنا بالأشياء. لقد رأيت أطفالًا على فيسبوك ينشرون صورًا لهم وهم يتقيأون. لا، أنا لست ضد التقدم، أنا فقط أخشى أنه سوف يعزلنا عن بعضنا البعض".

"هناك أحزان ثقيلة للغاية لدرجة أن المرء يضطر للسماح لها بالرحيل".

"أنا ابنتك يا أبي. أنا ابنتك الوحيدة. طفلتك الوحيدة. نشأت في انتظارك لحين عودتك من العمل أثناء مشاهدة أمي وهي ترسم العالم. كبرت في خوف من أن ألا أكون جميلة في عينيك، ألا أكون ساحرة كأمي، ألا أكون ذكية مثلك. حلمت بأن أرسم وأصمم الفساتين، أن أجعل كل النساء جميلات. حلمت بفارس على حصان أبيض، بقصة حب مطلقة، حلمت بالبراءة، بالفردوس المفقود، بالبحيرات، حلمت بأن لدي جناحين، حلمت بأن يحبني أحدهم لما أنا عليه، لا على سبيل الشفقة".


الجمعة، 1 أبريل 2022

أسهم وقفازات

هذا نص لكاتب اسمه لوكاس ريجاتزي. تعثرت به ذات يوم لا أذكر أين، ترجمته من الإنجليزية ونشرته منذ ثلاث سنوات على المدونة ثم مسحته. أعيد ترجمته الآن وأنشره مرة أخرى، لأنه لم يفارق ذهني كل هذا الوقت: 

"أنت لست على ما يرام، وأنا -أخيرًا- لستُ مضطرة للتظاهر بالاهتمام بأحزانك المستمرة، 
ولكني
سأسطو على البنك الذي أوهمك بأن المال أفيدُ من الكلمات،
سأقطع ثقوبًا في طبقة الأوزون، إن كان هذا سيمنحك يومًا آخر بدون مطر،
سأرافقك إلى المستشفى،
سأنتظر في غرفة تفوح برائحة الكحول المطهر وقفازات اللاتيكس، مترقبًا نتائج الآشعة المقطعية التي تحاول تحديد المرض الذي حيرك
و..
أريد أن أكتب لك قصيدة، كل يوم، إلى أن تنكسر يدي،
لأطمئنك أنك سوف تجد مكانك المناسب،
كل ما في الأمر.. 
هو أن العالم لديه طرق عجيبة في إخفاء أراضيه الخصبة
المناسبة لضرب جذور جسد كجسدك.
وأنا أفتقدك.
مثلما يفتقد السهم هدفه،
ومثلما تصرخ تذكرة قطار قائلة "4:30" في الساعة "4:47"، أنا فقط
أردت أن أخبرك بأن عيد ميلادي يوم الخميس،
ووددت لو قدمت لي شجاعتك هدية، مرة واحدة أخيرة،
لأرى إن كانت ما زالت موجودة.

أرجو ألا تأكلك أشباح ماضينا حيًا.
إن أردت رأيي، سأقول لك إن حجم الكون في الواقع ضعف ما نعتقده،
وأنت الشخص الوحيد الذي جعل تلك الفكرة
أقل تدميرًا."

ترجمة، بتصرف، من النص الأصلي للوكاس ريجاتزي Lucas Regazzi