‏إظهار الرسائل ذات التسميات نص أعجبني. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات نص أعجبني. إظهار كافة الرسائل

الثلاثاء، 14 فبراير 2023

حب

 "كأنني كنت أتضور جوعًا لسنين طويلة، وهو وليمتي"، جودي بيكو.

"لا أريد آشعة شمس جميلة ولا قاعات رخامية فخمة، أريدك أنت"، ل. م. مونتجومري.

"إن كنتي واقعة في الحب، من المفترض أن يجعلك ذلك سعيدة، من المفترض أن تضحكي"، ف. سكوت فيتزجيرالد.

"يكفيني أن أعرف أنك مشيتي وتنفستي في نفس العالم معي"، ف. سكوت فيتزجيرالد.

"في هذا العالم نُمنح نعمتين: القدرة على الحب، والقدرة على طرح الأسئلة. هاتان النعمتان هما، في الوقت ذاته، النار التي تدفئنا والنار التي تحرقنا"، ماري أوليفر.

"هناك خمسة أشياء علينا قولها لمن نحب قبل أن يموتوا: أنا أسامحك، أرجوك سامحني، شكرًا لك، أحبك، وداعًا"، جودي بيكو.

******

عيد حب سعيد :)

تدوينة عيد الحب الماضي

الاثنين، 2 مايو 2022

مختارات من كتاب اللاطمأنينة

 هذه مقاطع من كتاب اللاطمأنينة للعزيز فيرناندو بيسوا. ترجمتها منذ ثلاثة أعوام من الإنجليزية، وأعيد نشرها الآن بعدما اكتشفت أني لم أرفعها على المدونة. علمًا بأن الكتاب منشور بالفعل بترجمة عربية احترافية، لكني أحببت أن أقدم ترجمتي الخاصة لمقاطعي المفضلة من الكتاب. قراءة ممتعة.


"أنا لا أتذمر بشأن العالم. لا أحتج على الكون. أنا لست متشائمًا. أنا أعاني وأشكو، لكني لا أعرف إن كانت المعاناة هي القاعدة العامة، لا أعرف إن كانت المعاناة سلوك بشري. لِم عليّ أن أهتم بمعرفة ذلك؟" 

"لقد طالبت الحياة بأقل القليل، ومع ذلك حُرمت منه. طالبت بحقلٍ قريب، بشعاعٍ من الشمس، بقليل من الهدوء مصحوبًا بكسرة خبز، بألا يقهرني إدراكي بالوجود، بألا أحتاج شيئًا من الآخرين، وألا يحتاج مني الآخرون شيئًا. حرمت من كل هذا، بالضبط كما يُحرم الشحاذ من عملات الفضة: ليس لأن المارة قساة القلوب، ولكن لأنهم لا يرغبون في فك أزرار معاطفهم."

"إن الشخص الحساس صادق الفكر، إن كان قلقًا بشأن تفشي الشر والظلم في العالم حقًا، سوف يبدأ حملته ضدهما عن طريق القضاء عليهما من أقرب مصدر لهما: من نفسه. وتلك المهمة ستستغرق منه عمره كاملًا."

"البعض يقول أن الحياة بدون أمل مستحيلة، والآخرون يقولون أن الأمل يجعلها فارغة. بالنسبة لي، بما أنني توقفت عن الأمل وعن اليأس، الحياة ببساطة هي صورة خارجية تحتويني، أشاهدها كمسرحية عديمة الحبكة، غرضها فقط تسلية الناظرين. الحياة بالنسبة لي هي رقصة غير منظمة، هي صوت حفحفة أوراق الأشجار في الريح، هي سُحب يمر خلالها ضوء الشمس فيتغير لونه، هي شوارع عتيقة تتفرع في كل اتجاه عبر المدينة."

 "قد نكون على علمٍ بأن العمل الذي نؤجل إكماله دومًا هو سيء. لكن الأسوأ منه هو العمل الذي لا نشرع فيه أبدًا. العمل المكتمل هو على الأقل قد اكتمل. قد يكون رديئًا، لكنه موجود، مثل النبتة البائسة المزروعة في الإصيص الوحيد لجارتي القعيدة. تلك النبتة هي كل سعادتها، وأحيانًا هي كل سعادتي أيضًا. إن ما أكتبه، على كل ما فيه من سوء، قد يوفر لروحٍ جريحة أو حزينة بضعة لحظات من التشاغل عما هو أسوأ. هذا يكفيني، أو ربما لا يكفيني، ولكنه يؤدي غرضًا، وهكذا هو الأمر مع كل نواح الحياة."

"أرى الحياة كفندق على الطريق، وأنا مضطر للبقاء فيه إلى أن تصل العربة القادمة من الهاوية. لا أعرف إلى أين ستأخذني العربة؛ لأنني لا أعرف شيئًا. يمكنني أن أعتبر الفندق سجنًا؛ لأنني مجبرٌ على الانتظار فيه، أو يمكنني أن أعتبره ملتقًا اجتماعيًا؛ لأنني أقابل الآخرين هنا. ولكنني لست جزوعًا ولا اجتماعيًا. أترك أولئك الذين يريدون أن يختلوا بأنفسهم في حجراتهم مستلقين على أسرتهم حيث ينتظرون في أرق، وأترك أولئك الذين يدردشون في الصالات حيث تتردد أصواتهم وأغانيهم لتصل إلى مسمعي هنا في الخارج. أما أنا، فأقف على عتبة الباب، أُمَتّع بصري وسمعي بألوان وأصوات الطبيعة، وأغني بعذوبة - في سري فحسب - أغانٍ رقيقة ألحنها أثناء الانتظار.
يحل الليل علينا جميعًا، وتصل العربة. أستمتع بالنسيم الذي يُمنَح لي والروح التي مُنِحت إياها للاستمتاع به، وأكف عن التساؤل والسعي. إن كان ما أكتبه في سجل المسافرين سوف يقرؤه أحدهم في المستقبل ويستمتع به، فلا بأس. وإن لم يقرأه أحدهم، أو لم يستمتع به، فلا بأس أيضًا."

 "أحمل إدراكي بهزيمتي كمن يحمل راية نصر."

" لم أطمح قط لأن أكون أكثر من شخص حالم. لم أعر انتباهًا لمن حدثوني عن الحياة. لطالما شعرت بالانتماء إلى مكان لا أتواجد فيه وإلى حالة لم أكن عليها. كل ما هو ليس لي، مهما كان حقيرًا، يحمل نوعًا من الشاعرية بالنسبة لي.
الشيء الوحيد الذي أحببته هو اللاشيء على الإطلاق. الشيء الوحيد الذي رغبت فيه هو ما استحال عليّ حتى مجرد تخيله. كل ما طلبته من الحياة هو أن تستمر، لكن دون أن أشعر بها. كل ما طلبته من الحُب هو ألا يكف عن كونه حلمًا بعيدًا."

"يكفينا غموض الكون لأن نفكر فيه؛ لأن رغبتنا في أن نفهمه تنتقص من آدميتنا، بما أنه من الطبيعة الإنسانية أن ندرك استحالة فهمه.
الإيمان يُقدم إليّ كعُلبة محكمة الغلق على طبقٍ غريب الشكل، والمفترض أن أتقبله كما هو دون أن أفتح العلبة. والعلم يُقدم إليّ كسكين على طبق، لأقطع به طيات كتاب صفحاته بيضاء فارغة. والشك يُقدم إليّ كترابٍ داخل صندوق. لكن لِم يعطونني صندوقًا كل ما يحويه هو التراب؟"

"بعض الناس يحكمون العالم، والبعض الآخر هم العالم. هناك فرق كمي لا كيفي ما بين مليونير أمريكي، أو قيصر، أو نابليون، أو لينين، بينهم وبين القائد الاشتراكي لمدينة صغيرة. وأسفل هؤلاء نقع نحن، غير الملحوظين: الكاتب المسرحي المتهور ويليام شكسبير، المُدرس جون ميلتون، المتسول دانتي آليجييري، فتى التوصيل الذي قام بمشاوير لي في الأمس، الحلاق الذي يخبرني بالنكات، والنادل الذي أظهر لي مودته بتمنيه الخير لي، بعد أن لاحظ أنني شربت نصف زجاجة النبيذ فقط."

" للأسف، أو ربما لحسن الحظ، أدرك أن لي قلبًا قاحلًا. الكلمات تثير اهتمامي أكثر من النحيب الحقيقي لروح إنسان.
لكن أحيانًا أكون مختلفًا. أحيانًا أبكي دموعًا دافئة كأولئك الذين حرموا من أمهاتهم منذ الولادة، والعيون التي تلتهب بدموعها الميتة تحرق قلبي من داخله."

" لندعي أننا أساطير، مهما كان زعمنا خاطئًا، إلى أن نتوقف عن معرفة من نكون. لأننا، في واقع الأمر، أساطير زائفة، ليست لدينا أدنى فكرة عما نكونه في الحقيقة. الطريقة الوحيدة لنكون في وفاقٍ مع الحياة هي أن نختلف مع ذواتنا. السخافة صفة مقدسة.
لنضع النظريات، لنجتهد بصبرٍ وبصدق، لنتصرف عكس ما تمليه علينا نظرياتنا، لنتصرف ونبرر تصرفاتنا بنظريات جديدة تدينها. لنشق طريقًا في الحياة فنمشي فورًا في الطريق المخالف. لنعتنق وضعيات وإيماءات دالة على شيء لسنا عليه ولا نتمنى أن نصبحه، ولا حتى نتمنى أن يعاملنا الناس وفقًا له.

لنشتري الكتب ثم لا نقرؤها، لنذهب إلى الحفلات بغير اكتراث لسماع الموسيقى أو رؤية الحاضرين، لنذهب للتمشية لمسافات طويلة لأننا سئمنا المشي، ولنمضي أيامًا طويلة في الريف لمجرد أنه يصيبنا بالملل."

"روحي نافذة الصبر مع ذاتها، كطفلٍ مزعج يزداد هياجه يومًا بعد يوم ولا يتغير. كل شيء يثير اهتمامي، ولكن لا شيء يستحوذني. أنتبه لكل شيء، بينما أحلم طول الوقت. ألاحظ أدق تعابير وجه من أتحدث إليه، أسجل كل تغير في نبرة نطقه لكلماته، لكنني أسمع دون أن أستمع؛ فأنا أفكر في شيء آخر."

السبت، 9 أبريل 2022

ثلاثة أسئلة - كيتلين سيهل



تقول لي أمي:
لما أجد شخصًا يعجبني، 
عليّ أن أسأله ثلاثة أسئلة:
1. ماذا يُخيفك؟
2. هل تحب الكلاب؟
3. ماذا تفعل عندما تمطر؟
تقول لي إن من بين هذه الأسئلة، الأول هو الأهم.
"على المرء أن يخاف من شيء ما. كلنا نخاف. ومن لا يخاف من أي شيء، 
لا يؤمن بأي شيء أيضًا."

قابلتك يوم أحد،
بعد الصلاة في الكنيسة،
ومن نظرة واحدة غادر قلبي جوفي.
في موعدنا الثاني،
سألتك: ماذا يخيفك؟
قلت لي: العناكب، غالبًا. والوحدة. والأطفال الصغار، في السن التي
يتعلمون فيها دفع بعضهم البعض أثناء اللعب. والفضاء الخارجي، نعم، الفضاء اللعين!
سألتك إن كنت تحب الكلاب.
"لديّ ثلاثة".
سألتك ماذا تفعل عندما تمطر السماء.
"أنام غالبًا. وأحيانًا أجلس بقرب النافذة وأراقب سباق قطرات المطر.
أشيّد خيمة بلاستيكية في حديقتي الخلفية لتحتمي بها الحيوانات الضالة وأترك لهم الطعام ومرقدًا مناسبًا للنوم."

ابتسم لي كأنما يعرف،
كأنما أخبرته أمه أيضًا بنفس الشيء.

"ماذا عنك؟"
أنا؟
أنا أخاف من كل شيء.
من ثقب الأوزون،
من جارتي التي لا تبتسم لكلبها قط،
وأخاف بشكل خاص من كل الأسرار التي تحاول الحكومة إخفاؤها عنا.
أحب الكلاب كثيرًا، لا تتصور إلى أي حد.
أنام عندما تُمطر.
أريد أن أقول للجميع أني أحبهم.
أريد أن أعثر على كل الحيوانات الضالة وآخذهم معي للمنزل.
أريد أن أستيقظ تائهة في شعرك،
وأن أصنع لك قهوة رديئة في الصباح،
وأقبّل عنقك،
وأرسمنا في صورة خربشات سخيفة. 
وأريد ألا أسأل أي أحد الأسئلة الثلاثة مجددًا.

- كيتلين سيهل

الجمعة، 1 أبريل 2022

أسهم وقفازات

هذا نص لكاتب اسمه لوكاس ريجاتزي. تعثرت به ذات يوم لا أذكر أين، ترجمته من الإنجليزية ونشرته منذ ثلاث سنوات على المدونة ثم مسحته. أعيد ترجمته الآن وأنشره مرة أخرى، لأنه لم يفارق ذهني كل هذا الوقت: 

"أنت لست على ما يرام، وأنا -أخيرًا- لستُ مضطرة للتظاهر بالاهتمام بأحزانك المستمرة، 
ولكني
سأسطو على البنك الذي أوهمك بأن المال أفيدُ من الكلمات،
سأقطع ثقوبًا في طبقة الأوزون، إن كان هذا سيمنحك يومًا آخر بدون مطر،
سأرافقك إلى المستشفى،
سأنتظر في غرفة تفوح برائحة الكحول المطهر وقفازات اللاتيكس، مترقبًا نتائج الآشعة المقطعية التي تحاول تحديد المرض الذي حيرك
و..
أريد أن أكتب لك قصيدة، كل يوم، إلى أن تنكسر يدي،
لأطمئنك أنك سوف تجد مكانك المناسب،
كل ما في الأمر.. 
هو أن العالم لديه طرق عجيبة في إخفاء أراضيه الخصبة
المناسبة لضرب جذور جسد كجسدك.
وأنا أفتقدك.
مثلما يفتقد السهم هدفه،
ومثلما تصرخ تذكرة قطار قائلة "4:30" في الساعة "4:47"، أنا فقط
أردت أن أخبرك بأن عيد ميلادي يوم الخميس،
ووددت لو قدمت لي شجاعتك هدية، مرة واحدة أخيرة،
لأرى إن كانت ما زالت موجودة.

أرجو ألا تأكلك أشباح ماضينا حيًا.
إن أردت رأيي، سأقول لك إن حجم الكون في الواقع ضعف ما نعتقده،
وأنت الشخص الوحيد الذي جعل تلك الفكرة
أقل تدميرًا."

ترجمة، بتصرف، من النص الأصلي للوكاس ريجاتزي Lucas Regazzi

الثلاثاء، 13 يوليو 2021

مثل باريس، مثل روما

تولوز، التاسع من يوليو 2021، الحادية عشرة مساءًا

 الساعة الثالثة صباحًا

وأنا أتصل بك

وأنا أشعر كأنني روما،

وتبدين أنتِ في ذهني كباريس؛

أنا مبنيّ على حطام

وأنتِ مشيدة على وعود 

بالحب. 


أريد أن أتحدث إليكِ

لأخبرك كيف حملت المجد بيديّ

لأن ما تبقى مني أصبح ماضٍ سحيق.


أتتذكرين عندما احترقت

ليومٍ كامل؟


أحسست بأنني جميل ذاك اليوم

وكنت أتمنى لو أن لديكِ 

ما تقولينه لي الليلة، يا مدينة الأضواء.


أتمنى لو كان بإمكانك الرد

على الهاتف اللعين، لكن 

أنتِ نائمة، على الأرجح، وأنا أنتحب.


- نص لجوانسين ريني ديزون، شاعر هاو  Juansen Ryne Dizon

الأحد، 11 أكتوبر 2020

وكل صباح يصبح طريق العودة إلى المنزل أطول فأطول


مرحبًا. انتهيت للتو من قراءة And Every Morning the Way Home Gets Longer and Longer، رواية قصيرة لفريدريك باكمان، الكاتب السويدي المعروف صاحب الرواية الأكثر مبيعًا: رجل يدعى أوف.

لباكمان طريقة مذهلة في رسم مشاعر كبار السن. لا أعرف حقًا كيف يفعلها وهو في الثلاثينات من العمر. كما أبدع في تصوير مراحل العزاء والحزن في "رجل يدعى أوف"، يبدع هنا أيضًا في سرد علاقة جد وحفيد وابن، وكيف تتداخل ثلاثة أجيال عندما يصاب الجد بالزهايمر. 

ليس لدي ما يقال غير إن هذا الكتاب كان رائعًا. لا مراجعة هذه المرة، فقط اقتباسات، أحاول ترجمتها لكم هنا:

"كانت لديها أقوى المشاعر التي رأيتها في أي إنسان. عندما تغضب يمكنها أن تخيف رجالًا أقوياء، وعندما تفرح.. لا يمكنك الاختباء من فرحتها، يا حفيدي العزيز. لقد كانت قوة من قوى الطبيعة. كل ما أنا عليه الآن، هو بسببها. لقد كانت هي انفجاري العظيم".

"لطالما عرفت من أنا معكِ. لطالما كنتِ أنت طريقي المختصر."

"لقد عشنا سويًا حياةً عادية بشكل مذهل."

"حياةً مذهلة بشكل عادي".

"أنا غاضبة لأنك تعتقد أن كل شيء هو محض صدفة ولكن هناك مليارات من البشر على هذا الكوكب ومع ذلك قد وجدتك أنت، فلو قلت لي أنه كان من الممكن أن أجد شخصًا آخر، إذن فأنا لا أطيق علم الرياضيات اللعين هذا!"

كانت يداها مقبوضتين. وقف ينظر إليها لعدة دقائق، ثم قال إنه يحبها. كانت تلك أول مرة. لم يتوقفا عن الشجار قط، ولم يناما قط مفترقين. قضى هو حياته كلها يحسب الاحتمالات، وكانت هي أكثر شخص من غير المحتمل أن يلقاه، وقد قلبت عالمه رأسًا على عقب."

"تضحك هي، بعينين طاعنتين في السن وضوء شمس نهار جديد، ويتذكر هو كيف كان شعور الوقوع في الحب."
"كأنني أقرأ كتابًا باستمرار وينقصه صفحة، وهي دائمًا الصفحة الأهم."
"إنه كونٌ أكبر من أن نغضب منه، وحياةٌ طويلة نحتاج فيها إلى الرفقة."
"أعرف أن طريق العودة إلى المنزل يصبح أطول فأطول كل صباح، لكنني أحببتك لأن عقلك، ولأن عالمك، كانا دومًا أكبر من عقل وعالم الجميع. لا زال الكثير منهما باق."
"أفضل أن أصبح عجوزًا لا أن أصبح كبيرًا. كل الكبار غاضبون، أما الصغار والعجائز هم فقط من يضحكون."
يقول لها: "كنتِ معي لغمضة عين". 
تضحك هي، "لقد كنت معك لعمرٍ كامل. عمري كله."
"لم يكن كافيًا".
"البشر سلالة غريبة؛ فخوفنا من التقدم في السن يفوق خوفنا من الموت".


الأربعاء، 19 فبراير 2020

عالم جديد شجاع

"ما فائدة الحقيقة أو الجمال أو المعرفة عندما تنهمر قنابل الجمرة الخبيثة فوق رأسك؟"، يتساءل ألدوس هكسلي في روايته الديستوبية الشهيرة عالم جديد شجاع.



يمر بذهني نفس التساؤل وأتذكر أحداث الرواية بينما أقف في المطر، مطأطأة الرأس، منتظرة زميلتي بينما تشتري طلباتها من السوبرماركت. السماء تمطر بعنف اليوم ومزاجي معتل، تمامًا كالطقس أو ربما بسببه. حذائي مبتل وفقدت أحساسي بأطراف أصابع قدميّ. كان يومًا طويلًا فحسب، وكنت أشتاق للشمس. شمس مصر تحديدًا، وكأنما لا توجد الشمس في غيرها.
ثم أتذكر أيضًا، بدون سبب واضح، مقولة بطل الرواية في نهايتها: "أنا لا أريد الراحة. أريد أن أعرف الله. أريد الشِعر، أريد الخطر الحقيقي، أريد الحرية، أريد الخير، أريد الخطيئة. أنا أطالب بحقي في أن أكون تعيسًا". 

ثم تقترب مني عجوز لطيفة بابتسامة تذكرني بجدتي - رحمها الله. لا يبدو أنها تجد مظهر حجابي غريبًا على نقيض أهل البلد هنا، فتشير لي أن أقترب. أحاول أن أقول لها إني لا أتكلم البولندية؛ لكن سرعان ما أفهم ما تريد أن تقوله على أي حال: تريدني أساعدها في وضع "تربون" خفيف على شعرها الفضي؛ في محاولة لحماية تصفيفة شعرها من المطر. هذا أيضًا يذكرني باهتمام جدتي بأناقتها. أستغرب طلبها لوهلة، لكن بعد أن أقترب منها، أرى كيف ترتعش يداها. كانت المسكينة تكافح لتغطية رأسها: مُهمة أنفذها أنا في بضع ثوان. بعد أن أساعدها في المهمة، تبتسم لي تلك الابتسامة التي تذكرني بجدتي مرة أخرى، وفجأة يصبح الجو أكثر دفءًا، ولا يزعجني المطر كثيرًا.

ربما لا نفع من الحقيقة والجمال والمعرفة بينما ينهار العالم من حولنا. ربما لا ضرورة في مطالبة المرء بحقه في التعاسة. ربما كل ما يسعنا تقديمه لبعضنا البعض هو بعض التعزية، ليصبح فناؤنا حدثًا أقل ديستوبيّة.

كتب في وارسو، أكتوبر 2019.

الأحد، 10 نوفمبر 2019

خطاب قائد قبيلة من الهنود الحمر لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية


كنت أتناقش مع زميلة لي قضت الست سنوات الأخيرة في الولايات المتحدة. بدافع فضولي عن السكان الأصليين لأمريكا الشمالية، "الهنود الحمر"، سألتها عن أوضاعهم هناك، فقرأت عليّ هذا الخطاب التاريخي للقائد سياتل. 

القائد سياتل هو رئيس قبيلة من الهنود الحمر عاشت على جزيرة بوجيت. كان سياتل قائدًا شجاعًا، واحتفظ بعلاقات طيبة مع السكان البيض للولايات المتحدة. النص التالي هو خطاب من المعتقد أن القائد سياتل قدمه في ديسمبر 1854. مع ذلك، وجب التنبيه أن هناك الكثير من الجدل حول هذا الخطاب؛ حيث أنه طُبع لأول مرة وانتشر في سبعينات القرن الماضي. لذلك، يرجح الكثير من المؤرخين أن الخطاب هو من نسج خيال أحد المدافعين عن القضايا البيئية. على كل حال، وجدته جميلًا ومؤثرًا، فقررت أن أنقله لكم:

"يرسل لنا الرئيس من واشنطن مُعلنًا رغبته في شراء أرضنا. لكن كيف يمكنك بيع أو شراء السماء؟ أو الأرض؟ تلك الفكرة غريبة بالنسبة لنا. إذا كنا نحن لا نملك طراوة الهواء ولا بريق المياة؛ فكيف يمكنه شرائهما؟

بحيرة مورسكي أوكو، سلسلة جبال التاترا، على الحدود البولندية - السلوفاكية

إن كل جزء من الأرض مُقدس لشعبي. كل إبرة لامعة لأشجار الصنوبر، كل ساحل رملي، كل حبة من الندى في الغابات المظلمة، كل روضة زاهية، وكل حشرة طنانة. جميعم مقدسون في ذاكرة وتجارب شعبي.

نحن نعرف العصارة التي تجري في الأشجار كما نعرف الدم الذي يجري في عروقنا. نحن جزء من الأرض، وهي جزء منا. الزهور العطرة هي أخواتنا. الدب، الغزال، النسر العظيم، كل هؤلاء هم أخواتنا. القمم الصخرية، والمروج الندية، وحرارة جسد المهر الصغير، والإنسان: جميعهم ينتمون إلى نفس العائلة.

المياة اللامعة التي تجري في الجداول والأنهار ليست مجرد مياة، بل هي دماء أجدادنا. إن بعنا لكم أرضنا، يجب أن تتذكروا أنها مقدسة. كل انعكاس لامع في المياة العذبة للأنهار يحكي أحداثًا وذكريات من حياة شعبي. صوت خرير الماء هو صوت همس جدي.

الأنهار هي أخواتنا، وهي تطفئ ظمأنا. هي من تحمل قواربنا وتغذي أبنائنا. لذا، فعليكم أن تقدموا للأنهار نفس العطف الذي تقدمونه لأخواتكم. 

إن بعنا لكم أرضنا، تذكروا أن الهواء ثمين بالنسبة لنا، وأنه يشارك روحه مع كل صور الحياة التي يغذيها. الريح التي أعطت جدنا أول أنفاسه، هي نفسها التي استقبلت آخر تنهيداته. الريح كذلك هي من أعطى لأطفالنا روح الحياة. إن بعنا أرضنا، يجب أن تحفظوها حيث تكون مقدسة، فتظل مكانًا يلجأ له الإنسان ليستمتع بطعم الريح المحلاة بأزهار المروج.

هل ستعلموا لأبنائكم ما علمناه لأبنائنا؟ أن الأرض هي أمنا؟ ما يقع على الأرض يقع على جميع أبنائها. 

هذا هو ما نعرفه: الأرض لا تنتمي للإنسان؛ بل هو من ينتمي إليها. كل شيء متصل بالآخر، كالدم الذي نشترك فيه جميعًا. لم يحيك الإنسان نسيج الحياة، بل هو مجرد خيط رفيع فيه. أيا ما يفعله في النسيج، يقع عليه ذاته في نهاية الأمر. 
خريف وارسو


شيء واحد نعرفه: إلهنا هو أيضًا إلهكم. الأرض ثمينة لديه، وإيذاؤها يعني ازدراء خالقها. 

إن مصيركم لغز بالنسبة لنا. ماذا سيحدث عندما يُذبح كل الجاموس؟ عندما تُروّض كل الأحصن البرية؟ ماذا سيحدث عندما تزدحم الأركان السرية للغابة بروائح الناس؟ عندما يُحجب منظر التلال بأسلاك الهاتف؟ إلى أين ستذهب الأدغال؟ ستزول! إلى أين ستذهب النسور؟ سترحل! وماذا يعني عندما نودع المهر السريع ونبدأ ممارسة الصيد؟ سيعني ذلك نهاية العيش، وبداية محاولة النجاة.

عندما يرحل آخر رجل من الهنود الحمر مع زوال هذه الحياة، وعندما تصبح ذكراه محض ظل سحابة عابرة فوق المروج، هل ستبقى هذه الشواطئ والغابات؟ هل سيبقى أي جزء من روح شعبي؟

نحن نحب هذه الأرض كما يحب الرضيع نبض قلب أمه. لذلك، إن بعنا لكم أرضنا، أحبوها كما أحببناها. اعتنوا بها، كما اعتنينا. احفظوا في عقولكم ذكرى الأرض كما تسلمتوها. احفظوا الأرض من أجل كل أبنائها، وأحبوها، كما يحبنا الله.

بما أننا نحن جزء من الأرض، كذلك أنتم أيضًا. هذه الأرض غالية لدينا. هي أيضًا غالية لديكم.

هناك شيء واحد نعرفه: هناك إله واحد. لا إنسان - لا من الهنود الحمر ولا من البيض - يمكنه العيش وحيدًا. نحن كلنا أخوة في نهاية المطاف."

الاثنين، 30 سبتمبر 2019

وعندما أموت، ادفنوني في أوكرانيا الخضراء

مرحبًا مرة أخرى. في ختام محاضرة اللغة البولندية الأسبوع الماضي، أسمعتنا الأستاذة أغنية شعبية من التراث البولندي. الأغنية بالغة الرقة والجمال، أردت أن أنقلها لكم هنا.

في الحقيقة، مصدر الأغنية غير معلوم؛ فهي تتواجد في تراث بولندا، أوكرانيا، التشيك، سلوفاكيا، وبيلاروس. تحكي الأغنية عن جندي يودع حبيبته الأوكرانية، وكذلك أوكرانيا نفسها، للمرة الأخيرة، ويطلب أن يُدفن هناك عندما يموت.



يشاع أن الأغنية كتبت في منتصف القرن التاسع عشر، وقد اعتاد الجنود البولنديون أن يغنوها في الحرب البولندية - السوفييتية، وكذلك الحرب العالمية الثانية. إليكم كلمات الأغنية بالعربية:

هناك، من مكان ما أعلى المياة السوداء
يعتلي شاب من القوزاق جواده
بأسى، يودع فتاته
وبأسى أشد يودع أوكرانيا

مرحى، مرحى، مرحى يا صقور!
طيروا عاليًا عبر الجبال والغابات والأنهار والوديان
رني، رني، رني يا أجراسي الصغيرة
يا منحدري ويا عصفوري الصغير

هناك الكثير من الفتيات في العالم
لكن أفضلهن في أوكرانيا
هناك، تركت قلبي
مع فتاتي المحبوبة

مرحى، مرحى، مرحى يا صقور!
طيروا عاليًا عبر الجبال والغابات والأنهار والوديان
رني، رني، رني يا أجراسي الصغيرة
يا منحدري ويا عصفوري الصغير

حزن، حزن، حزن لتلك الفتاة
حزن لأوكرانيا الخضراء
حزن، حزن، القلب يبكي
لن أراها مرة أخرى

مرحى، مرحى، مرحى يا صقور!
طيروا عاليًا عبر الجبال والغابات والأنهار والوديان
رني، رني، رني يا أجراسي الصغيرة
يا منحدري ويا عصفوري الصغير

خمر، خمر، أعطوني خمرًا
وعندما أموت ادفنوني
في أوكرانيا الخضراء
مع فتاتي العزيزة

مرحى، مرحى، مرحى يا صقور!
طيروا عاليًا عبر الجبال والغابات والأنهار والوديان
رني، رني، رني يا أجراسي الصغيرة
يا منحدري ويا عصفوري الصغير




الجمعة، 22 مارس 2019

استعارات

 هذا نص أحبه، وجدته منذ ثلاثة أعوام تقريبًا على الإنترنت، مقرونًا باسم كاتبه لوكاس ريجاتزي. للأسف، لم أجد لهذا الشخص أي وجود على الإنترنت، لا نصوص أخرى، ولا أي كتب قام بتأليفها، لذلك أعتقد أنه هاو مغمور لسوء الحظ. لكن النص بديع، وأردت أن أترجمه -وأنا لست خبيرة في الترجمة الأدبية إطلاقًا- لأشاركه معكم.

اللوحة: الأرملة، للروسي فيدوتوف



"أنت لست بخير وأنا أخيرًا لست مضطرًا 
لادّعاء الاهتمام بمأساتك المستمرة،

ولكن،

أنا مستعد للسطو على البنك الذي أوهمك
بأن المال أهم من الكلمات، ومستعد لأن
أمزق ثقبًا بطبقة الأوزون إن كان هذا سيمنحك يومًا آخر بدون مطر.
سأرافقك مشيًا إلى المستشفى،
سأجلس في الغرفة البيضاء التي تفوح برائحة مطهر اليدين و القفازات الطبية، منتظرًا نتائج فحص الرنين المغناطيسي الذي يحاول
تحديد موقع المرض الذي أرهق عقلك من أمره عسرًا، وأنا
أريد أن أنظم لك قصيدة كل يوم حتى تتكسر يدي
وأؤكد لك أنك ستجد مكانك،
كل ما في الأمر هو فقط
أن العالم لديه طريقة غريبة
في إخفاء المناطق الخصبة بما فيه الكفاية
ليضرب جسدًا كجسدك بجذوره

و

أنا أفتقدك كالسهم حينما يخطئ الهدف على لوحة التصويب،
أو كتذكرة قطار تصرخ 4:30 في الساعة 4:47، أنا
أردت أن أخبرك أن عيد ميلادي في يوم الخميس
وكنت أريدك أن 
تظهر شجاعتك أمامي كهدية، مرة واحدة أخيرة،
لأرى إن كنت ما زلت محتفظَا بها.

أرجو ألا تلتهمك أشباحنا حيًا.
إذا أردت رأيي، سأقول أن
حجم الكون هو في الحقيقة ضِعف ما نظن،
وأنت هو الشخص الوحيد الذي جعل تلك الفكرة
أقل تحطيمًا."




السبت، 28 أبريل 2018

“ذهول ورعدة”: عن المرأة اليابانية

هذا نص من رواية "ذهول ورعدة" للكاتبة البلجيكية آميلي نوتومب، عن اضطهاد المرأة اليابانية. نوتومب تكتب بالفرنسية، وقد نشأت في آسيا في بداية حياتها. أعتقد أن النص مهم، وينطبق على أغلبنا نساء العالم العربي. لذا، أنقله لكم كما هو، بترجمة أبو بكر العيادي:

ليست كل اليابانيات جميلات، ولكن إذا قدر لإحداهن أن تكون جميلة، فما على الأخريات إلا أن يحسبن لها حسابًا.

كل جمال فاتن، ولكن الجمال الياباني أشد فتنة. أولًا، لأن ذلك البياض الزنبقي الناصع، وتينك العينين الحلوتين، وذلك الأنف ذا الجناحين الفريدين، وتلك الشفاة المرسومة بدقة، وتلك القسمات ذات الرقة المركبة، يجعلها تبز أكثر الوجوه اكتمالًا. ثانيًا، لأن أنماطه تصبغ عليه أسلوبها وتجعل منه لوحة فنية صعبة الإدراك. أخيرًا، وخصوصًا، لأن جمالا يصمد أمام هذا العدد من المشدّات الجسدية والذهنية، وهذا القدر من الإرغام والسحق والمحظورات العبثية والعقائد والخنق والتدمير والسادية والصمت المتواطئ والإهانات - جمال كهذا إذًا هو معجزة بطولية.

ليس لأن اليابانية ضحية، كلا، فمن بين نساء الأرض جميعًا هي ليست أدناهن مرتبة، لأن سلطانها هائل، وأنا أتحدث من موقع العارفة.

كلا، إذا كان للمرء أن يعجب باليابانية - وهو حتمًا سيعجب بها - فلأنها لا تنتحر. يقع التآمر على مثلها العليا منذ نعومة أظافرها، حيث يسكبون الجصّ في دماغها: “إذا بلغتِ الخامسة والعشرين ولم تتزوجي، سيكون لك أسباب وجيهة كي تخجلي من نفسك.”، “إذا ضحكتِ فلن تكوني مميزة”، “إذا عبر وجهك عن إحساسِ ما فأنتِ مبتذلة”، “إذا تحدثت عن وجود شعرة على جسدك فأنت مدنسة”، “إذا قبلك شاب على خدك في الطريق العام فأنت فاجرة”، “إذا استحليت أكلك فأنت خنزيرة”، “إذا استطبت النوم فأنت بقرة”، إلخ. قد تكون تلك التعاليم غير ذات قيمة لولا أنها تصيب الذهن.



لأن ما يهال على رأس اليابانية عبر هذه العقائد التافهة في النهاية هو ألا تعقدي الأمل على ما هو جميل. لا تأملي المتعة؛ لأن متعتك تدمرك، لا تأملي الحب، لأن ذلك لا يستحق جهدك، فالذين سيحبونك سيحبون السراب الذي من حولك وليس ما أنت عليه. لا تأملي أن تجيئك الحياة بأي شيء، لأن كل عام يمر يأخذ منك بعض الشيء. لا تأملي أي شيء حتى ما كان بسيطًا كالاطمئنان، فليس لك أي مبرر كي تكوني مطمئنة.

علقي أملك على العمل. حظوظك ضعيفة في الارتقاء نظرًا لجنسك، فلتعلقي أملك إذًا على خدمة شركتك. سوف يكسبك العمل مالًا لن تفرحي به كثيرًا، ولكن قد يصلح عند الزواج مثلًا - لن تكوني من الغباء كي تتوقعي رجلًا ما يريدك لذاتك.

عدا ذلك، يمكن أن تأملي العيش حتى سن الشيخوخة، رغم أن ذلك لا قيمة له على الإطلاق، وعدم ارتكاب ما يخل بالشرف الذي يعتبر غاية في حد ذاته. هنا تنتهي قائمة آمالك المشروعة.

وهنا تبدأ نظرية واجباتك العقيمة التي لا تنتهي. عليك أن تكوني منزهة عن المآخذ، لسبب بسيط وهو أنه الحد الأدنى. أن تكوني خالية من العيوب لن يفيدك في شيء سوى أنك فوق الشبهات، وهو في حد ذاته ليس مفخرة أو حتى متعة.

لن أستطيع أبدًا تعداد واجباتك، فما من دقيقة في حياتك إلا وهي خاضعة لواحد منها. مثلًا، حتى وأنت تختلين بنفسك في المرحاض لقضاء حاجة بسيطة هي تخفيف مثانتك، فأنت مطالبة بالحرص على ألا يسمع شخص ما خرير جدولك. عليك إذا أن تسحبي طرادة الماء باستمرار.

أذكر هذه الفرضية كي تفهمي ما يلي: إذا كانت حتى المجالات الحميمية البسيطة خاضعة لتوصيات، فما بالك بالقواعد القسرية الجسيمة التي سوف ترضخ الفترات الأساسية من حياتك.

تشعرين بالجوع؟ كلي بمقدار ضئيل، لكي تظلي رقيقة العود، فجمالك لن يحقق لك أية متعة حسية. المدائح الوحيدة التي قد تتلقينها لن تصدر إلا عن الغربيين، وكلنا نعرف أنهم يفتقدون الذوق الرفيع. إعجابك بحسنك أمام المرآة ينبغي أن يتم في إطار الخوف لا في إطار اللذة، فلن تجني من جمالك غير الرعب من فقده. إذا كنت فتاة جميلة فلن تكوني شيئًا يذكر، وإن لم تكوني كذلك فأنت أقل من لا شيء.

واجبك أن تتزوجي، وحبذا قبل بلوغك سن الخامسة والعشرين، فهو تاريخ انتهاء صلاحيتك. زوجك لن يحبك إلا إذا كان أبله، ولا سعادة لامرأة في أن يحبها رجل أبله. على أية حال، أن يحبك أو لا يحبك، فلن تشهدي منه ذلك. في الثانية بعد منتصف الليل، يلتحق بك رجل مجهد، سكران في الغالب، ليتهالك على السرير، ويغادره في السادسة صباحًا دون أن يقول لك كلمة.

من واجبك أن تنجبي أطفالًا تعاملينهم كأرباب حتى سن الثالثة، فهو العمر الذي تطردينهم فيه من الجنة بشكل قاطع، لتسجيلهم في الخدمة العسكرية التي تدوم من سن الثالثة حتى الثالثة عشرة ثم من سن الخامسة والعشرين حتى مماتهم. أنت مضطرة أن تلدي كائنات ستكون تعسة بشكل رهيب لا سيما أنها لقنت خلال أعوامها الأولى مبدأ السعادة.

هذا فظيع في رأيك؟ لست أول من خامر ذهنه هذا الرأي. أخواتك يفكرن فيه منذ 1960 - وها أنت ترين أنه لم يأت بنتيجة. تمرد عدد منهن وقد تتمردين أنت أيضًا أثناء الفترة الحرة الوحيدة في حياتك، أي ما بين الثامنة عشرة والخامسة والعشرين. ولكنك حينما تبلغين هذه السن، ستكتشفين أنك لم تتزوجي، وسينتابك الخجل. ستتركين لباسك الغريب وترتدين بذلة نسوية نظيفة وجوربين بيضاوين وخفين بشعين، وتخضعين شعرك البهي الأملس لتسريحة بائسة، وتشعرين بالارتياح إذا رضي بك رجل ما، زوجًا كان أم رب عمل.


إذا صادف أن تزوجت عن حب - وهذا احتمال ضعيف - فسوف تكونين أكثر تعاسة؛ لأنك ستكتشفين بنفسك أن زوجك يتعذب. والأفضل ألا تحبيه، فذلك سوف يجعله لا يبالي كثيرًا عند سقوط مثله العليا، لأن زوجك لا يزال يحفظ بعضًا منها، فقد عاش على وهم امرأة تحبه، ثم يكتشف أنك لا تحبينه، إذ كيف تحبين رجلًا ولك كل هذا الجص الذي يجمد قلبك؟

لقد فرضوا عليك من القيود ما يجعلك عاجزة عن الحب. إذا أحببت رجلًا فذاك ناجم عن سوء تربية. ستتصنعين خلال الأيام الأولى من زواجك أمورًا كثيرة. ولا بد من الإقرار بألا وجود لامرأة تستطيع التصنع باقتدار مثلك.

واجبك أن تضحي من أجل غيرك، ولكن لا يذهب بك الظن أن تضحيتك ستجعل من افتديتهم سعداء، لأن ذلك سيجعلهم يخجلون منك. لا حظ لك إذًا أن تَسعدي أو تُسعدي.

وإذا صادف - لأمر خارق - أن أفلت مصيرك من تلك التوصيات فلا تستنتجي أنك انتصرت، بل أنت أخطأت. على أية حال، ستتحققين منه في أسرع وقت، لأن انتصارك لن يكون إلا مؤقتا. وإياك أن تستمتعي باللحظة: دعي خطأ التقدير هذا للغربيين. اللحظة لا تساوي شيئا، بل إن حياتك لا تساوي شيئا، فلا قيمة للزمن إذا كان دون عشرة آلاف سنة.

لا أحد يعتبرك دون الرجل مرتبة، إذا كان هذا يمكن أن يواسيك. أنت لامعة، هذا باد للعيان جميعًا، بمن فيهم أولئك الذين يعاملونك باحتقار. ولو أمعنّا النظر رغم ذلك، فهل تجدين فيه عزاء؟ إذا ما اعتبروك دونه، فهذا على الأقل سيجعل جحيمك مفهومًا، لأنك سوف تتمكنين من الخروج منه بإقامة الدليل على رجاحة عقلك، اعتمادًا على مبادئ المنطق. إلا أنهم يعلمون أنك مساوية للرجل إن لم تكوني متفوقة عليه: وعندئذ يغدو جحيمك عبثيًا، وهو ما يعني ألا سبيل لمغادرة ذلك الجحيم.

بل، ثمة سبيل، سبيل وحيد لك الحق فيه، إلا إذا كنت ارتكبت حماقة اعتناق الديانة المسيحية: لك الحق في الانتحار. في اليابان، نحن نعرف أنه عمل مشرف جدًا. ولكن لا تتخيلي أن الآخرة فردوس من تلك الفراديس البهيجة التي يصفها الغربيون الظرفاء، فلا وجود في الجهة الأخرى لشيء مدهش. في المقابل، فكري فيما يجعلك تقدمين عليه: ذكرك بعد الوفاة. إذا انتحرت فسوف يصبح عملًا متألقًا يفخر به أقاربك. سيكون لك مكان متميز في قبو المدفن العائلي، هناك حيث للإنسان أن يعلل النفس بأمل كبير.

لن تستطيعي الانتحار بطبيعة الحال، ولكنك ستضعفين، طال الزمان أم قصر، وتقعين في فضيحة ما: كأن تتخذي لك عشيقًا، أو تفرطي في الأكل، أو تصابي بالكسل - لست أدري - لقد لاحظت أن البشر بصفة عامة، والنساء بصفة خاصة، لا يستطيعون العيش طويلًا دون أن يقعوا في أحد الانحرافات المرتبطة باللذة الجسدية. ونحن لا نتوقى هذا الانحراف بدافع الطهرية، فنحن بعيدون كل البعد عن هذا الهوس الأمريكي.

في الحقيقة، ينبغي تجنب الشهوة الحسية، لأنها تجعلنا ننضح عرقًا، ولا شيء معيبًا أكثر من العرق. إذا أكلت طبق مكرونتك الساخنة في لقم كبيرة، إذا استسلمت لسعار الجنس، إذا قضيت شتاءك في النعاس قرب الموقد فسوف تعرقين، عندئذ لن يشك أحد في ابتذالك.

لا مجال للتردد بين الانتحار وسيلان العرق فبقدر ما تكون إراقة الدم باهرة، يكون سيلان العرق شيئا مقززًا. إذا انتحرت فلن تتفصدي عرقًا بتاتًا، وسوف ينتهي قلقك إلى الأبد.

لا أحسب أن مصير الياباني أكثر مدعاة للحسد، بل إن الواقع يثبت العكس. أما اليابانية فهي على الأقل تملك إمكانية مغادرة جحيم الشركة بالزواج. وعدم العمل في الشركة يبدو لي غاية في حد ذاتها.

غير أن الياباني ليس مختنقًا، إذ لم يدمر فيه كل أثر للمثل العليا منذ صغر سنه، فهو يتمتع بأكثر حقوق الإنسان جوهرية: حقه في أن يحلم ويأمل. وهو لا يمنع نفسه من ممارسته، حيث يتخيل عوالم وهمية يكون فيها سيدًا حر الإرادة.

في حين أن اليابانية لا تتمتع بهذا الحق إلا إذا كانت حسنة التربية - وهي حال أغلبهن. لقد سلبت منها تلك الملكة الجوهرية. ولهذا أعرب عن إعجابي العميق بكل يابانية لم تقدم على الانتحار، فبقاؤها على قيد الحياة يعد فعل مقاومة يتسم بشجاعة مترفعة وجليلة في الوقت نفسه.
________________


السبت، 7 أكتوبر 2017

هل تستطيع الإنساليات الفهم أو الإحساس؟ “مستقبل العقل”

هذا مقطتف من كتاب “مستقبل العقل: الاجتهاد العلمي لفهم العقل وتطويره وتقويته”، تأليف ميشيو كاكو، وترجمة سعد الدين خرفان. كان الكتاب من أهم ما قرأت هذه السنة، وأنصح به لكل مهتم بعلوم الأعصاب والتكنولوجيا وعلم النفس كذلك.




عبر قرون، قدم عدد كبير من النظريات بشأن ما إذا كان في إمكان الآلة التفكير أو الشعور. فلسفتي الخاصة تدعى “البنائية"؛ أي بدلا من مناقشة هذا السؤال إلى ما لا نهاية وبلا فائدة، علينا تكريس طاقتنا لخلق إنسالي لمعرفة إلى أي مدى يمكننا الوصول. وإلا فسوف ننتهي في نقاشات فلسفية لا نهاية لها ولا حل. ميزة العلم هي أنه بعد قول وفعل كل شيء، يمكن للمرء أن يجري تجارب لحل مشكلة ما بصورة قاطعة.

لذا من أجل حل مسألة فيما إذا كان الإنسالي يستطيع التفكير، قد يكون القرار النهائي هو بناء واحد منها. حاجج البعض أن الآلات لن تتمكن على الإطلاق من التفكير كالبشر. كانت أقوى حجة لديهم هي أنه على الرغم من أن الإنسالي يمكنه معالجة الحقائق أسرع من الإنسان، لكنه "لا يفهم” ما يقوم به. وعلى الرغم من أنه يستطيع معالجة حواس (كاللون والصوت) أفضل من الإنسان، فإنه لا يستطيع أن “يحس” أو “يختبر” بشكل حقيقي فحوى هذه الأحاسيس.

على سبيل المثال، قسم الفيلسوف ديفيد تشالمرز مسائل الذكاء الصنعي إلى صنفين، المسائل السهلة والمسائل الصعبة. بالنسبة إليه فإن المسائل السهلة هي تصنيع آلات يمكنها تقليد قدرات البشر أكثر فأكثر، كلعب الشطرنج وجمع الأعداد والتعرف على نماذج معينة… إلخ. أما المسائل الصعبة فتشمل صنع آلات يمكنها أن تفهم المشاعر والإحساسات الموضوعية.

وكما أن تعليم معنى اللون الأحمر لشخص أعمى مستحيل، لن يستطيع إنسالي على الإطلاق أن يختبر الإحساس باللون الأحمر كما يقولون. أو يمكن للحاسوب أن يترجم كلامت صينية إلى الإنجليزية بطلاقة كبيرة، لكنه لن يستطيع مطلقا فهم ما يقوم بترجمته. بهذه الصورة، تشبه الإنساليات مسجلات شريطية أو آلات جمع حسابية قادرة على تذكر معلومات ومعالجتها بدقة هائلة، لكن من دون فهم على الإطلاق.

يجب أخذ هذه الحجج بجدية، لكن هناك أيضا طريقة أخرى للنظر إلى الخبرة الموضوعية. في المستقبل، من المحتمل جدا أن تستطيع آلة معالجة الإحساس باللون الأحمر مثلا أفضل بكثير من أي إنسان. ستستطيع وصف المواصفات الفيزيائية للون الأحمر، وحتى أن تستخدمه شعريا في جملة أفضل من الإنسان. ولكن هل “يشعر” الإنسالي باللون الأحمر؟ تصبح المسألة بلا قيمة بما أن الكلمة “يشعر” ليست مُعرفة جيدا. في مرحلة ما ربما يتجاوز وصف إنسالي للون الأحمر وصف البشر له، وربما سيسأل: هل يفهم البشر حقا اللون الأحمر؟ ربما لا يستطيع البشر أن يفهموا حقا اللون الأحمر بالتفاصيل والتعقيدات كلها التي يمكن لإنسالي معرفتها.

قال عامل التربية سكينر مرة “المشكلة الحقيقية ليست فيما إذا كانت الآلات تفكر، لكن فيما إذا كان البشر يفكرون”.

بالمثل، إنها مسألة وقت فقط قبل أن يستطيع الإنسالي أن يعرف الكلمات الصينية ويستخدمها في سياقها أفضل بكثير من أي إنسان. عند تلك المرحلة يصبح من غير المهم معرفة ما إذا كان الإنسالي “يفهم” اللغة الصينية. من الناحية العملية، سوف يعرف الحاسوب اللغة الصينية أفضل من أي إنسان. بعبارات أخرى فالكلمة “فهم”  ليست محددة جيدا.

يوما ما، مع تفوق الإنساليات علينا في التحكم بتلك الكلمات والأحاسيس، سيصبح من غير المهم ما إذا كانت الإنساليات “تفهم” أو “تحس” بها. لن تكون هناك أي أهمية لهذا السؤال.

وكما قال الرياضي جون فون نيومان “في الرياضيات، أنت لا تفهم الأشياء. إنك تتعودها فقط”. لذا فالمشكلة لا تقع في الآلة بل في طبيعة اللغة البشرية، حيث تعني الكلمات غير المحددة أشياء مختلفة لأشخاص مختلفين. سئل فيزيائي الكم الشهير نيلز بوهر مرة كيف يمكن للمرء أن يفهم المسائل المعقدة العميقة لنظرية الكم. الجواب كما قال يقع في كيف تحدد معنى كلمة “يفهم”.

كتب الدكتور دانييل دينيت، وهو فيلسوف في جامعة تافت، ما يلي: “ليس فيٍ الإمكان إيجاد اختبار موضوعي للتمييز بين إنسالي ذكي وشخص واع. الآن لديك خيار: يمكنك إما التشبث بالمسألة الصعبة، وإما يمكنك هز رأسك بتعجب وطرحها جانبا. استسلم فقط”.

بعبارات أخرى، ليس هناك ما يسمى “مسألة صعبة”. بالنسبة إلى الفلسفة البنائية، ليست المسألة في النقاش حول ما إذا كانت آلة تستطيع الإحساس باللون الأحمر، لكن في بناء الآلة. بهذه الصورة، هناك استمرار لمستويات وصف الكلمة “فهم” و"شعور". هذا يعني أنه ربما من الممكن إعطاء قيم رقمية لدرجة الفهم والشعور. من جهة، لدينا الإنساليات الخرقاء الموجودة اليوم، والتي يمكنها أن تتلاعب ببعض الرموز لكن ليس أكثر من ذلك. ومن جهة أخرى لدينا بشر يفخرون بالشعور الموضوعي. لكن مع مرور الزمن ستستطيع الإنساليات في النهاية أن تصف الأحاسيس أفضل منا على أي مستوى. وعندها سيكون من الواضح أن الإنساليات تفهم.

كانت هذه هي الفلسفة وراء اختبار تورنغ الشهير لألان تورنغ. لقد تنبأ بأن آلة ستبنى يوما ما يمكنها الإجابة عن أي سؤال، بحيث لا يمكن تمييزها عن الإنسان. قال: “يستحق حاسوب ما أن يدعى ذكيا لو استطاع خداع إنسان للاعتقاد بأنه إنسان”.

عبر الفيزيائي وحامل جائزة نوبل فرانسيس كريك عن ذلك بشكل أفضل. في القرن الأخير، كما لاحظ، دارت مناقشات حامية بين علماء الأحياء حول السؤال “ما الحياة؟”. وبفهمنا للدنا اليوم يدرك العلماء أن السؤال غير محدد تماما. هناك اختلافات وطبقات وتعقيدات عديدة لذلك السؤال البسيط. لذا فالسؤال “ما الحياة” قد تلاشى ببساطة. ربما سينطبق الشيء نفسه في النهاية على الشعور والفهم. 

من كتاب “مستقبل العقل: الاجتهاد العلمي لفهم العقل وتطويره وتقويته”، تأليف ميشيو كاكو، ترجمة سعد الدين خرفان.