الثلاثاء، 22 فبراير 2022

صخب

 أعرفك، مثلي لا تحب الزحام. يوترك الصوت العالي والحركة المفاجئة وتكرار الكلام واللف والدوران. تجلس منكمشًا على ذاتك، كأنما تحتضن جسدك الذي أنهكه المرض. يتفوه أحدهم بنكتة سخيفة لكنها تضحكك، وتضحكني. علّني ورثت منك حب النكات السخيفة. أرمقك بنظرة في وسط الزحام فتبادلني إياها، بلغة لا يفهمها في الجمع غيرنا. ألاحظ كيف تصبح عيناك الرماديتان داكنتين عندما تحزن، نفس العينين اللتين تلمعان زرقة عندما تضحك. يزداد توترك بازدياد صخب الجمع، فتخرج مبتعدًا، تتناول سيجارة وينكسر قلبي مرة أخرى.

الاثنين، 14 فبراير 2022

حب

 "وإن مت الليلة، أتمنى أن أبعث غدًا في صورة قهوتك الصباحية. بنفس القوة، بنفس الأهمية". - تايلر نوت جريجسون

"عندما أكون معك، نسهر طوال الليل. عندما لا تكون هنا، لا أستطيع النوم. حمدًا لله على الأرقين! وعلى الفرق بينهما." - جلال الدين الرومي

"رغم كل الكتب التي قرأتها في عمرها بأكمله، كان أصعب شيء على الإطلاق هو إيجاد الكلمات المناسبة لقول "أحبك" للشخص الذي أمضت معه أسعد سنوات حياتها." - سارة نيشا آدامز

"أثار باراك فضولي. لم يكن مثل أي رجل واعدته من قبل، وذلك لأنه كان واثقًا من نفسه. كان يظهر المشاعر بأريحية. كان يخبرني بأنني جميلة. كان يشعرني بمشاعر جيدة. بالنسبة لي، كان مثل مخلوق خيالي، شخص غير عادي لدرجة شبه مستحيلة. لم يكن يتحدث عن الأشياء المادية، مثل شراء منزل أو سيارة أو حتى حذاء جديد. كان ينفق أمواله على الكتب، التي كانت بالنسبة له أغراض مقدسة، توفر لعقله الاستقرار والثبات." - ميشيل أوباما

"ضحكت وقلت: الحياة سهلة. ما عنيته هو: الحياة سهلة عندما تكون هنا، وعندما ترحل، ستعود صعبة مجددًا." - ميراندا جولاي

"أتعلم ما يسعدني؟ مكالمات الهاتف غير المتوقعة في وسع اليوم. أو أن تتذكر ما أعجبني في ذلك المطعم الذي زرناه يومًا. أو زهور نصف ذابلة تباع في السوبرماركت، تحضرها لي في وقت التخفيضات. أو رسالة صباحية تقول: استمتعي بيومك وحاولي ألا تحرقي المكان في أحد نوبات غضبك". - سامانتا إربي

"ما نحن عليه وما نصبح عليه يعتمد، بشكل جزئي، على من نحب." - توماس لويس

"الحب هو أن أريدك موجودًا." - فريدريك باكمان

"كلمة "أنا" ما تحلاش إلا بدفا الجماعة. زى لمّا تخبط على باب الحبايب ويسألوا "مين؟" تقول "أنا" ويعرفوك من حسك.." - فؤاد حداد


الأحد، 13 فبراير 2022

وبعد... مراجعة

الكتاب: Et après
الكاتب: جيوم ميسو
لغة القراءة: الفرنسية
صيغة القراءة: كتاب hardcover
التقييم: 3 من 5

انتهيت الشهر الماضي من قراءة "وبعد.."، أحد روايات الكاتب الفرنسي الشهير جدًا في العالم العربي، جيوم ميسو. 
اشتريت الرواية من مكتبتي المفضلة في باريس، Boulinier، الواقعة بالحي الأول. وجدت المكتبة بالصدفة، أثناء تجوالي في باريس بعد قضاء بعض المصالح الحكومية، فبقيت فيها ساعتين أو أكثر، مأخوذة تمامًا بالأسعار المخفضة للكتب المستعملة المعروضة؛ ما لم أراه في مكان آخر غير سور الأزبكية وشارع النبي دانيال! انتقيت الرواية وبضعة كتب أخرى، ولم أدفع يومها أكثر من يورو واحد للكتاب.



صور من زيارتي الأخيرة إلى بولينييه

عودة إلى الرواية: جيوم ميسو معروف برواياته المصنفة تحت تصنيف الأدب الرومانسي وقصص الحب، وهو تصنيف شعبيته كبيرة كما نعلم لكنه يشاع عنه قلة الجودة الأدبية في أغلب الأحيان. لم أقرأ لميسو من قبل، ولست خبيرة تمامًا بتصنيف الأدب الرومانسي، فبدأت الرواية دون الكثير من التوقعات المسبقة.

تدور معظم أحداث الرواية في مدينة نيويورك، وهي ثيمة متكررة في أعمال ميسو الذي عاش فترة في "التفاحة الكبيرة" فأغرم بها. بطل الرواية هو ناثان، محامٍ ناجح وثري، يعيش وحده بعدما انفصلت عنه زوجته. ناثان شخص عملي، يعيش حياة عملية، لا يفكر في الروحانيات والمشاعر وما إلى ذلك من الأشياء غير المادية. تتغير نظرته للحياة فجأة عندما يقابل طبيب عجوز، يخبره بأنه يمكنه التنبؤ بوفاة الناس، ويساعدهم على تصفية حساباتهم الدنيوية ليعبروا بسلام إلى الجانب الآخر. 

لن أحرق الرواية بسرد المزيد من التفاصيل، فالحبكة جيدة والأحداث سريعة فعلًا، فلن أفسدها عليكم. بيت القصيد هو أن الرواية تتحدث عن الموت، الحتمية الوحيدة التي تحكم وجودنا، والتي، بقدرة آدمية غريبة، نتجاهل وجودها تمامًا في وسط أحداث حياتنا اليومية. 

علي الاعتراف بإعجابي بالحبكة، لم أتوقع النهاية إطلاقًا، مع أني عادةً ما أكون جيدة في توقع النهايات في مثل تلك الروايات. أحببت أسلوب السرد السريع، لكن كثير من أحداث الرواية والحوار كانت "كليشيه" أكثر من اللازم، ما أحبطني قليلًا. 

اقتباسات

"بلا شك، هناك تشابه بين الحب والكراهية. يمكننا حتى القول بأن الحب ما هو إلا جنون الكراهية".

السبت، 5 فبراير 2022

ذاكرة



تعلمت اليوم أنه، وفقًا للأبحاث، عندما تلتقط صورة لمكان ما لتحفظ ذكراه فإن عقلك في تلك اللحظة ينتبه للمؤثرات البصرية، ويخفض انتباهه للحواس الأخرى كالسمع والشم. يمكنك اعتبارها ضريبة الاحتفاظ بالصورة؛ فأنت بانشغالك بالتقاط الصور تحرم نفسك من الاستمتاع بباقي المؤثرات الحاضرة في تلك اللحظة.

عندما أجد نفسي داخل لحظة أحب تخليدها للأبد فإن هاتفي هو آخر ما أفكر فيه. ساعتها أحب أن أتعمد ممارسة الوعي: أن أغمس حواسي كلها في التجربة. أحاول أن أترك ملاحظات في رأسي لكي أتذكر كل صوت ولقطة ورائحة. عندما أقلب في هاتفي لأستعيد ذكريات طيبة، لا أجد صورًا كثيرة لبورتو، مدينتي المفضلة في أوروبا. لكنني أتذكر تمامًا كيف كان الوقوف على ذلك الجسر، وأتذكر غروب الشمس فوق نهر دورو. أتذكر وجبة الأسماك التي تناولتها مع صديقتي في مطعم شعبي، وأتذكر وجه الكهل اللطيف الذي قدم لنا الطعام، وإنجليزيته الأنيقة.

ليس معي غير صورة واحدة ليوم عيد مولدي السادس والعشرين، هي المرفقة في التدوينة، لكني أتذكر طعم البيتزا، وشكّات العشب الأصفر الذي جلسنا عليه، تصلني عبر قماش فستاني الرقيق. أتذكر الأغاني الفرنسية الصاخبة وشلة المراهقين التي كانت على مقربة منا. أتذكر شكل السماء ولون الغروب، وأتذكر ضحكنا. 

ليس معي صور من مساء الثلاثين من أكتوبر الماضي لكنني أتذكر سطح فيلا التجمع، زجاجتي بيبسي، وbean bags. أتذكر صفو السماء على عكس ما اعتدت عليه في القاهرة، كنا حينها نرى النجوم. أتذكر ضحك وبكاء وبرد قاهري خفيف. أتذكر نعاسي الذي أقاومه لكي ألحق بطائرة الرابعة فجرًا. 

ليس معي صورًا كثيرة من جلساتي مع أصدقاء عمري لكني أتذكر الضحك والبكاء والقهوة الفرنسية التي ليس لها علاقة بفرنسا واللاتيه رديء الصنع ورائحة الشيشة بالنعناع ودخان الفيب بنكهة الكوكيز. أتمنى لو كانت هناك طريقة لتخزين الروائح والأصوات والجو على هواتفنا ذات السعة اللانهائية، لكن إلى أن يأتي ذلك الوقت سأكتفي بذاكرة مخي. 

الثلاثاء، 1 فبراير 2022

دائمًا نقابلهم مرتين

 


كان اليوم آخر يوم عمل لمسئولة الموارد البشرية لدى محل عملي، امرأة ألمانية أربعينية وواحدة من ألطف من قابلت على الإطلاق. بعد أن تمنيت لها حظًا طيبًا في وظيفتها الجديدة، أوقفتني لتخبرني بأن هناك قولًا مأثورًا بالألمانية يقول: دائمًا يتقابل الناس مرتين في الحياة. استوقفتني العبارة لأنني وجدتها جميلة حقًا، وبسيطة وبليغة بعض الشيئ، على عكس ما يشاع من كون اللغة الألمانية غير شاعرية.

أعتقد أن بإمكاننا النظر لهذا القول ثم الاختيار ما بين الأخذ بالمعنى الشاعري أو بالمعنى السيء (وأعتقد أن بإمكانكم تخمين أي المعنيين أقرب إلي). المعنى الشاعري يعطيك قليلًا من الطمأنينة والسلوى: قابلت أحدهم بالمصادفة ووددت أن تتقاطع سبلكما مرة أخرى؟ أو اضطررت لتوديع أحد المقربين لأن الحياة وقفت في الطريق بينكما؟ لا بأس، فالبشر يلتقون مرتين. أما المعنى السيء يحمل نغمة مهددة بعض الشيء: ماذا إن دُست على قدم أحدهم في المترو فأعطاك نظرة مهددة؟ من الأفضل أن تحذر، فالناس دائمًا ما يلتقون مرتين.