الأحد، 31 أكتوبر 2021

تدوينات صغيرة #16

الثالثة والنصف صباحًا، محطة قطار مدينة كارلسروه. الجو بارد، ومعي كوب قهوة رديئة الصنع من الماكينة يبقيني دافئة. أظن أن الألمان لو جربوا القهوة العربية بطريقة "الكنكة" المعتادة لما اخترعوا ماكينات القهوة السريعة من الأساس. 

المحطة آمنة، حتى في تلك الساعة المتأخرة. أشعر بالونس والاطمئنان رغم أن أحد السكارى يحوم المكان ويبدو متألمًا. مسكين.

ما زلت أعمل على الورقة البحثية، وأجد نفسي أخيرًا أستمتع حقًا بكتابتها. كأنني تزوجتها زواجًا تقليديًا فأدركت أن الحب يأتي فعلًا بعد الزواج. 

غدًا وبعد غد عطلة رسمية، وذلك يعني أن لن تكون المتاجر مفتوحة. عرض عليّ مالك الشقة التي استأجرتها أن يحضر لي طلباتي من السوبر ماركت. أعتقد أن ذلك كان ألطف شيء فعله لي شخص غريب منذ فترة. 

الاثنين، 25 أكتوبر 2021

تدوينات صغيرة #15

هناك أيام أستيقظ فيها وكل ما أريده هو أن تتوقف الأرض عن الدوران. أن تتعطل قوانين الفيزياء، ولو لبضع دقائق. أريد أن أتنفس، أريد ألا أكون دائمًا في منتصف سباق لا أعرف متى بدأ ولا متى ينتهي. أريد أن أشم الزهور وأمشي في الشمس وأستمتع بكوب من القهوة لأنني أحب طعم القهوة وليس لأني بحاجة إلى الكافيين. أريد أن أذهب إلى حفلة لفرج سليمان لأردد معه:

"بديش قصّة نجاح
بدّي أمل ما بخيّب
بديش نوكُل العالم
بدي نوكل أكل طيّب"

السبت، 23 أكتوبر 2021

تدوينات صغيرة #14

 

اليوم أمضيت عشر دقائق وحدي. وكلمة "وحدي" هنا أعني بها "بلا ولا شي" كما قال زياد الرحباني. لا موسيقى، لا قراءة، لا إنترنت ولا مهام منزلية. أنا، وأريكة مريحة، وأفكاري، ولا شيء غير ذلك. 
كانت التجربة مذهلة، جلست مع نفسي واتضح أنها ليست بالسوء الذي تخيلته. في الواقع هي لطيفة حقًا، وأعتقد أننا سنصير أصدقاء. حدثتها عن مخاوفها وصارحتني أنها تعاني في الفترة الماضية من نوبات هلع طفيفة توقظها في منتصف الليل، تتذكر فيها كل ما أذاها يومًا وينتابها شعور بالرعب غير المبرر من المستقبل. شرحت لها أن دماغها يعمل بطريقة مختلفة في الليل، ويصور لها الحياة بصورة ديستوبية عنيفة. ربما يتعلق الأمر بكيمياء الدماغ. ثم نصحتها، حين تتكرر نوبات الهلع الليلية، أن تتذكر قول أحدهم: "غدًا ستشرق الشمس، وأنا أحب الصباح كثيرًا". شكرتني نفسي وقالت لي أنني أعطي نصائح جيدة.


الأربعاء، 20 أكتوبر 2021

مراجعة: 10 دقائق و 38 ثانية في هذا العالم الغريب


الكتاب: 10 دقائق و 38 ثانية في هذا العالم الغريب
الكاتبة: أليف شافاك
اللغة: العربية، مترجم من الإنجليزية
صيغة القراءة: كتاب ورقي
التقييم: 3 نجوم من 5

مرحبًا. انتهيت منذ بضعة أيام من قراءة واحد من أحدث أعمال الروائية التركية البريطانية أليف شافاك، وهي رواية خيالية تقع في حوالي 460 صفحة. أحب أعمال شافاك لأنها عادة تتضمن أبطالًا من النساء في مجتمعات شرقية، وتتناول بطريقتها الخاصة تعبيرًا عن صراع الأفراد بين الثقافتين الشرقية والغربية. 

تدور أحداث الرواية حول "ليلى التيكيلا"، فتاة تنتقل إلى إسطنبول هربًا من ظروف عائلية عصيبة في قريتها، لتجد نفسها في إسطنبول كواحدة من عاملات الجنس بشوارع المواخير. نتعرف خلال الرواية على دائرة الأصدقاء المقربين من ليلى، الذين على اختلاف شخصياتهم وخلفياتهم إلا أنهم يجتمعون على صداقتهم القوية ودعمهم لبعضهم البعض. 

اسم الرواية مشتق من الحقيقة العلمية القائلة بأن مخ الإنسان يستمر في العمل لمتوسط عشر دقائق بعد الموت، ومن خلال رؤية المؤلفة نرى كيف يمر شريط حياة ليلى خلال تلك الدقائق العشر.

أعتقد أن الرواية تلمح إلى فكرة الاختيار والقدر، فكم من 



 اقتباسات

"إن اعتقادك أن هذا المكان آمن لا يعني بالضرورة أنه مناسب لك. في بعض الأحيان، يكون المكان الذي تشعرين أنه الأكثر أمانًا هو أقل الأمكنة التي تنتمين إليها".

"وما إن ادخرت مبلغًا كافيًا من المال حتى راحت تحلم بترك كل شيء من خلفها، وبالسفر إلى منطقة تستطيع أن تبدأ فيها حياتها بداية جديدة. ألم تحمل كل القصص التي سمعتها منذ أن كانت طفلة صغيرة الرسالة نفسها: أن في إمكان المرء عبور الصحاري، وتسلق الجبال، والإبحار في المحيطات، وإلحاق الهزيمة بالعمالقة، ما دام يملك ذرة من الأمل في جيبه؟ كان الأبطال في تلك القصص، ومن غير استثناء، من الذكور، ولم يكن فيهم من هو قصير القامة مثلها، لكن هذا غير مهم. فإذا كانت لدى هؤلاء الجرأة، فإنها تمتلكها هي أيضًا".

"ما أجمل تلك العبارة: (اعرفي نفسك). لطالما كان القدماء مولعين بهذا الشعار، ونقشوه على جدران معابدهم. كانت ليلى ترى حقيقته، لكنها رأت أن النصيحة غير كاملة، ويجب أن تكون (اعرفي نفسك، واعرفي الأحمق حين ترينه). فلا بد أن تتلازم معرفة النفس ومعرفة الحمقى."

"القانون أشبه بمناخل ذات ثقوب تبلغ من الاتساع ما يسمح لكل الأشياء بالمرور من خلالها. إنه أشبه بعلكة فقدت مذاقها منذ زمن بعيد، ولكن لا يمكن التخلص منها. القانون في هذا البلد، وعلى امتداد الشرق الأوسط كله، يمثل كل شيء إلا القانون".

"لعل الموت يثير الرعب في نفس كل فرد، لكنه يثير رعبًا أكبر في نفس من يعلم في قرارة نفسه أنه عاش حياة ملؤها الالتزامات والتظاهر والتصنع، حياة تصنعها حاجات غيره من الناس ومتطلباتهم".

"لأنه كان يعتقد أن الحب لا يعني شيئًا إن لم يكن مداواة لألم غيره وكأنه ألمه هو."

"وفكرت نالان أن إحدى مآسي تاريخ البشر التي لا نهاية لها إنما تكمن في أن المتشائمين أفر حظًا بالحياة من المتفائلين، ما يعني، منطقيًا، أن البشرية حملت جينات من لم يؤمنوا بها".



الثلاثاء، 19 أكتوبر 2021

تدوينات صغيرة #13


باريس، الرابعة عصرًا، كافيه "بريوش دوريه" المعتاد لدي في أي مدينة. عشرات من صفحات المتصفح مفتوحة أمامي لإنهاء الورقة البحثية التي لن تنتهي أبدًا وملف word واحد، وصوت وديع الصافي في أذني يعيدني إلى رشدي بعد أسبوع حافل.  

"لو جالي يوم مرسالك، 
طمني يوم عن حالك،
لأطرب الفؤاد كرمالك،
واسجد على أبواب الله
واسجد على أبواب الله".

الأحد، 17 أكتوبر 2021

تدوينات ‏صغيرة ‏#١٢

تروق لي لفظة العائلة المختارة "chosen family" في اللغة الانجليزية. وعائلة المرء المختارة هي دائرته المقربة من الأصدقاء، بالطبع. ما أجمل فكرة أن يكون للمرء عائلة من اختياره الخاص!
أقابل اليوم عائلتي المختارة. ذهلت عندما ذكرتني أمي بأنه قد مضى على بداية صداقتنا ثمان سنوات! تغيرنا فيها كثيرا، وفي نفس الوقت لم يتغير بيننا شيء على الإطلاق. 

السبت، 16 أكتوبر 2021

تدوينات ‏صغيرة ‏#١١

الثامنة مساءا بتوقيت أم الدنيا. لا صوت حولي سوى صوت المروحة. كوب شاي أخضر، إضاءة نيون خافتة، وقلب يسبح بحمد الله. أقرأ كتابا عن الحب، عن "كل شيء عن الحب"، ويغمرني شعور بالامتنان لكل من قلت لهم "أحبكم" يوما، ولكل من لم أقلها لهم بعد. 

الثلاثاء، 12 أكتوبر 2021

تدوينات ‏صغيرة ‏#١٠

أقرأ رواية أليف شافاك الجديدة. كثير من الأفكار عن الموت وعن الصداقة، عن قسوة البشر والبطريركية، وعن كل التعساء المجهولين الذين عاشوا في صمت، ثم رحلوا في صمت فلم يكترث لهم العالم.
أفكر في كل أولئك الذين أحبوا الحياة فلم تحبهم هي كما ينبغي، سلامًا طيبا لأرواحهم، ووردة.

الاثنين، 11 أكتوبر 2021

تدوينات ‏صغيرة ‏#٩

تقول صديقتي إن الأشياء الجيدة تحدث هكذا، دون تخطيط، دون أكشن أو دراما.. مما سبب لي نوعًا من الاندهاش، فأنا أخطط دائما. 

علي التحضير لكلمة ألقيها للطلاب المهتمين ببرنامج الماجستير الخاص بي وأن أجيب عن أسئلتهم. علي كذلك أن أنهي العمل على ورقتي البحثية قبل نهاية الشهر.. وأنا التي ظننت أن بوسعي الحصول على اجازة!

أحيانا أنسى أن من حقي أن أتمهل قليلا وأن أخصص بضع دقائق في اليوم لنفسي، دون الشعور بالذنب.

السبت، 9 أكتوبر 2021

تدوينات صغيرة #8

 
  • صوت محمد فوزي مبهر رغم بساطته، أو ربما بسببها. ثمة دفء مألوف أشعر به في كل مرة أستمع إلى ألحانه الخالدة. محمد فوزي هو المحب المخلص، لا يكترث لاعتبارت الإيجو والتُقل والتمهل. "ليّ عشم وياك يا جميل إن بُحت بالسر تصونه". 
  • لي صديقة أستطيع أن أقول لها بكل جدية "أنا أحبك"، دون الشعور بالحرج، دون انتظار "وأنا أيضًا" في المقابل، ودون أن أضطر إلى التعبير عن هذا الحب عبر المزاح (عادة سيئة أحاول التخلص منها). 
  • هناك أغنية لفرقة The Script اسمها This = Love، يحاولون فيها تحدي الصورة النمطية للحب المكون من رجل وامرأة، فيذكروننا أن الحب هو أيضًا في علاقة الأم بأطفالها والأب ببيته والجندي بوطنه. ذكرتني الأغنية بحوار دار بيني وبين زميل لي في استراحة قهوة، كان قد يأس من رحلته الأكاديمية فسألني يومًا: لماذا نفعل ما نفعله هذا، وما الجدوى حقًا؟ فقلت دون تفكير: من أجل الحب، بالطبع. نحتمل كل هذا من أجل الحب. فاقتنع وذهب لاستكمال عمله في مختبره. 

الخميس، 7 أكتوبر 2021

تدوينات صغيرة #7

"وإن مت اليوم، أتمنى أن أبعث غدًا في صورة فنجان قهوتك الصباحية. بنفس القوة، وبنفس الأهمية." 

- تايلر نوت جريجسون

الثلاثاء، 5 أكتوبر 2021

تدوينات صغيرة #6

يقول باولو كويلو إنك إن أردت شيئًا بحق، فإن الكون كله يتآمر معك من أجل أن تناله. وأقول أنا إن المرء إن أراد شيئًا بحق، حرك جبالًا وفرّق بحورًا ليناله، وهنا يكمن الفرق بين شخص ينتظر من الكون أن يساعده، وآخر يصنع كونه الخاص.

السبت، 2 أكتوبر 2021

تدوينات صغيرة #4

بدأت رحلة البحث عن شقة. الناس هنا متحفظون قليلًا ومهذبون، كطبع الألمان عامة، لكنهم شديدي الطيبة والشهامة. تعلمت اليوم أن فكرة المجاملات لا توجد في العقلية الألمانية. لا يوجد لديهم ما نقول عليه "عزومة مراكبية"، لذا فإن عرض أحدهم مساعدة أو خدمة، فهو يعنيها حقًا. حتى عبارة "سررت بمعرفتك" التي نقولها عفويًا فور مقابلة أحدهم، لا يوجد لها مكافئ في اللغة؛ فهم يقولون "سررت بمعرفتك" عندما يعنون قولها لشخص مميز حقًا. تروق لي فكرة أن يقول الشخص ما يعنيه ويعني ما يقوله.

تعجبني المدينة، ويعجبني الطقس، رغم أنها تثلج في الشتاء كثيرًا وأنا أحب الشمس. لا بأس، سنجد حلًا.

في بالي أغنية فرج سليمان: "شويّ بتوجع برلين، حلوة ومليانة ناس.. بس بشتاق لأم صبري وبشتاقلك إنتي بالأساس". لكن الحياة تستمر. 

الجمعة، 1 أكتوبر 2021

تدوينات صغيرة #3

 


العاشرة مساءًا، قطار ميونخ. الكهل الجالس أمامي مضطرب، يبدو أنه قد نسي كمامته ويبحث عنها بقلق في جيوب حقيبته. ألاحظ قلقه فأعطيه كمامة من معي. يندهش قليلًا، ثم يبتسم ويأخذها. بعد قليل يقول لي إنه سوف يساعدني في حمل حقيبتي الثقيلة عندما نصل إلى المحطة. أدرك أنه ربما هكذا هي أوروبا - أو ألمانيا تحديدًا؛ الناس يرون أفعال المساعدة البسيطة كما يرون المعاملات التجارية.. خذ وهات. 

أصل إلى وجهتي في الواحدة صباحًا، أصعد درج خشبي إلى شقتي في العلية. النجوم هنا ساطعة ويبدو أنني سأحب هذه المدينة.