الثلاثاء، 24 ديسمبر 2019

سيكون هذا مؤلمًا: مراجعة


This Is Going to Hurt: الكتاب 
المؤلف: آدم كاي
اللغة: الانجليزية
التقييم: 4/5


43562724. sy475

أرهقني هذا الكتاب كثيرًا لدرجة أنني لا أعرف حتى من أين أبدأ. حسنًا، هذا الكتاب هو مذكرات طبيب بريطاني صغير السن يتخصص في أمراض النساء والتوليد، ويعمل في هيئة الخدمات الصحية الوطنية في بريطانيا. يصحبنا آدم كاي في رحلته المهنية منذ تخرجه في كلية الطب وحتى يوم قراره بترك المهنة. وكما هو متوقع من اسم الكتاب، لم تكن الرحلة سعيدة تمامًا. 

لستُ طبيبة ولم أحلم يومًا بالطب كمهنة، وليس لدي أي أصدقاء من فئة الأطباء. لذلك كان الكتاب بمثابة نافذتي إلى عالم المستشفيات والأطباء، عالم ساعات العمل الطويلة والأعصاب الفولاذية. ظروف الكاتب ومعاناته في عنبر الولادة لا تنطبق فقط على أطباء بريطانيا والغرب، بل أظن أن الوضع هو ذاته - أو ربما أسوأ - في بلادنا. 

في اليوم الواحد يمر على آدم كاي مرضى خفاف الظل وآخرون مزعجون أو قساة. هناك حالات غريبة - مقززة تمامًا - وحالات أخرى عادية. يختلف المرضى أيضًا في نظرتهم لإقامتهم في المستشفى ويختلفون في تحملهم للألم وإلى آخره. الكتاب ببساطة هو مجموعة حكايات عن أولئك المرضى، بعضها طريف والبعض الآخر مؤلم ومؤثر. 

"الشيء الآخر الذي لاحظته هو أن رغم همومها العديدة، لم يكن أي منهم متعلقًا بشخصها. كانت دومًا قلقة بشأن أطفالها، وزوجها، وأختها، وأصدقائها. ربما كانت هي تعريف الشخص الطيب."

ما أعجبني في الكتاب هو أنه رغم لهجته الساخرة إلا أنه حقيقي. كل تلك القصص هي أحداث حقيقية لمرضى حقيقيين. ربما كانت الطريقة الوحيدة للتغلب على صعوبة المهنة هي عبر السخرية. بالإضافة إلى ذلك، يعمل الكتاب كرسالة قوية ضد أولئك - في المملكة المتحدة وغيرها - من يتهمون أطباء المستشفيات الحكومية بالجشع والتقصير، وهي ادعاءات انتشرت في السنين القليلة الماضية. 

ما لم يعجبني - ولعلها مشكلتي أنا وليست مشكلة الكتاب - هو الوصف الدقيق الـgraphic للإصابات والأمراض. في كثير من الأحيان اضطررت لتخطي أجزاء أو التوقف عن القراءة تمامًا بسبب بشاعة بعض الإصابات. أتذكر أنني كنت أقرأ في الباص العام عندما لاحظ أصدقائي وجهي الممتقع! 

اشتريت هذا الكتاب من متجر الكتب TheBooks.pl الواقع في مدينة وارسو. كل الشكر للمالك على حسن استقباله. يمكنكم زيارة موقعهم الإلكتروني هنا: https://thebooks.pl/

الثلاثاء، 3 ديسمبر 2019

في رثاء صالح علماني

ولد صالح علماني لأبوين فلسطينيين في مدينة حمص السورية في عام 1949. انتقل في شبابه إلى برشلونة لدراسة الطب، لكنه سرعان ما تحول لدراسة الصحافة. أمضى سنوات شاقة أثناء دراسته في إسبانيا نظرًا لحاجته المادية، فكان يعمل بجانب دراسته. وفي برشلونة، نصحه صديق بقراءة "مائة عام من العزلة"، فسحره عالم جابرييل جارسيا ماركيز الفاتن، ومن هنا بدأت قصته مع أدب أمريكا اللاتينية.



"إنني أؤمن بأنه توجد فرص في الحياة يتوجب علينا فيها الانقياد لتيار ما يحدث، كما لو أننا نفتقر إلى القوة اللازمة للمقاومة، ولكننا نكتشف فجأة أن النهر قد تحول لمصلحتنا، ولا ينتبه إلى ذلك أحد سوانا. وقد يظن من ينظر إلينا أننا مشرفون على الغرق، في حين أن مركبنا يكون أكثر ثباتًا من أي وقت آخر. عسى أن يكون الوضع الذي نحن فيه واحدة من هذه الحالات."
جوزيه ساراماجو، الكهف. ترجمة: صالح علماني

قرر صالح أن يترجم مائة عام من العزلة، وبالفعل ترجم فصلين منها قبل أن يتركها لانشغاله بترجمة قصص قصيرة لماركيز. نشر بعد ذلك ترجمته للرواية القصيرة "ليس لدى الكولونيل من يكاتبه"، التي حازت على إعجاب النقاد.

وبالرغم من أن صالح كان يريد نشر روايته الأولى، إلا أن الثناء الذي حازت عليه ترجماته دفعه إلى الانخراط في الترجمة بدلًا من التأليف، فيذكر أنه قال: "أن تكون مترجمًا مُهماً أفضل من أن تكون روائيًا سيئًا". ومعه حق بالطبع.

عاد بعد ذلك إلى سوريا واستمر في نشر ترجماته للأدب اللاتيني والبرتغالي، فقدم لنا ما يزيد عن مائة عمل، تجدون الكثير منها في سلسلة الجوائز من الهيئة المصرية العامة للكتاب.


يرى صالح أن الصعوبة في ترجمة الأدب اللاتيني تكمن في مدى اختلاف اللهجات بين دول أمريكا اللاتينية - (وأنا أتفهم معاناته تمامًا، حيث أعمل يوميًا مع أربعة زملاء يتحدثون الإسبانية.. بلهجات مختلفة!)، ولكنه يرى أن المترجم الجيد هو من يجيد استيعاب النص والمعاني، فالمترجم موجود في أعماله وهو شريك للكاتب في العمل، على حد تعبيره.

"ولحسن الحظ أن الكتب موجودة. ويمكن أن ننساها في خزانة أو صندوق، أو نتركها للغبار والعثة، أو نتركها في عتمة الأقبية، يمكن لنا ألا نمر عليها بعيوننا ولا نلمسها لسنوات وسنوات، لكنها لا تهتم بذلك كله، وتنتظر بهدوء منطبقة على نفسها كيلا يضيع شيء مما تحتويه في داخلها."
جوزيه ساراماجو، الكهف. ترجمة: صالح علماني

انتقل صالح علماني إلى إسبانيا بعد اندلاع الحرب السورية، فمنحته الحكومة الإسبانية الإقامة تكريمًا لجهوده في نقل الأدب اللاتيني للعربية. وفي مدريد صباح اليوم، انتقل صالح علماني إلى رحمة الله عن عمر يناهز السبعين عامًا. نسأل له الرحمة والمغفرة، وأن يجازيه الله خيرًا على ما أفاد به المكتبة العربية.

"وعندئذ أحس بأنه متعب جدًا، ليس لأنه أجهد دماغه كثيرًا، وإنما لتأكده من أن العالم هكذا، وأن الأكاذيب كثيرة والحقائق غير موجودة أو قليلة إلى حد لا يتاح لنا الوقت للتفكير فيها على أنها حقيقة محتملة؛ لأنه علينا أن نتحرى أولًا إذا لم تكن كذبة محتملة."
جوزيه ساراماجو، الكهف. ترجمة: صالح علماني