الثلاثاء، 3 ديسمبر 2019

في رثاء صالح علماني

ولد صالح علماني لأبوين فلسطينيين في مدينة حمص السورية في عام 1949. انتقل في شبابه إلى برشلونة لدراسة الطب، لكنه سرعان ما تحول لدراسة الصحافة. أمضى سنوات شاقة أثناء دراسته في إسبانيا نظرًا لحاجته المادية، فكان يعمل بجانب دراسته. وفي برشلونة، نصحه صديق بقراءة "مائة عام من العزلة"، فسحره عالم جابرييل جارسيا ماركيز الفاتن، ومن هنا بدأت قصته مع أدب أمريكا اللاتينية.



"إنني أؤمن بأنه توجد فرص في الحياة يتوجب علينا فيها الانقياد لتيار ما يحدث، كما لو أننا نفتقر إلى القوة اللازمة للمقاومة، ولكننا نكتشف فجأة أن النهر قد تحول لمصلحتنا، ولا ينتبه إلى ذلك أحد سوانا. وقد يظن من ينظر إلينا أننا مشرفون على الغرق، في حين أن مركبنا يكون أكثر ثباتًا من أي وقت آخر. عسى أن يكون الوضع الذي نحن فيه واحدة من هذه الحالات."
جوزيه ساراماجو، الكهف. ترجمة: صالح علماني

قرر صالح أن يترجم مائة عام من العزلة، وبالفعل ترجم فصلين منها قبل أن يتركها لانشغاله بترجمة قصص قصيرة لماركيز. نشر بعد ذلك ترجمته للرواية القصيرة "ليس لدى الكولونيل من يكاتبه"، التي حازت على إعجاب النقاد.

وبالرغم من أن صالح كان يريد نشر روايته الأولى، إلا أن الثناء الذي حازت عليه ترجماته دفعه إلى الانخراط في الترجمة بدلًا من التأليف، فيذكر أنه قال: "أن تكون مترجمًا مُهماً أفضل من أن تكون روائيًا سيئًا". ومعه حق بالطبع.

عاد بعد ذلك إلى سوريا واستمر في نشر ترجماته للأدب اللاتيني والبرتغالي، فقدم لنا ما يزيد عن مائة عمل، تجدون الكثير منها في سلسلة الجوائز من الهيئة المصرية العامة للكتاب.


يرى صالح أن الصعوبة في ترجمة الأدب اللاتيني تكمن في مدى اختلاف اللهجات بين دول أمريكا اللاتينية - (وأنا أتفهم معاناته تمامًا، حيث أعمل يوميًا مع أربعة زملاء يتحدثون الإسبانية.. بلهجات مختلفة!)، ولكنه يرى أن المترجم الجيد هو من يجيد استيعاب النص والمعاني، فالمترجم موجود في أعماله وهو شريك للكاتب في العمل، على حد تعبيره.

"ولحسن الحظ أن الكتب موجودة. ويمكن أن ننساها في خزانة أو صندوق، أو نتركها للغبار والعثة، أو نتركها في عتمة الأقبية، يمكن لنا ألا نمر عليها بعيوننا ولا نلمسها لسنوات وسنوات، لكنها لا تهتم بذلك كله، وتنتظر بهدوء منطبقة على نفسها كيلا يضيع شيء مما تحتويه في داخلها."
جوزيه ساراماجو، الكهف. ترجمة: صالح علماني

انتقل صالح علماني إلى إسبانيا بعد اندلاع الحرب السورية، فمنحته الحكومة الإسبانية الإقامة تكريمًا لجهوده في نقل الأدب اللاتيني للعربية. وفي مدريد صباح اليوم، انتقل صالح علماني إلى رحمة الله عن عمر يناهز السبعين عامًا. نسأل له الرحمة والمغفرة، وأن يجازيه الله خيرًا على ما أفاد به المكتبة العربية.

"وعندئذ أحس بأنه متعب جدًا، ليس لأنه أجهد دماغه كثيرًا، وإنما لتأكده من أن العالم هكذا، وأن الأكاذيب كثيرة والحقائق غير موجودة أو قليلة إلى حد لا يتاح لنا الوقت للتفكير فيها على أنها حقيقة محتملة؛ لأنه علينا أن نتحرى أولًا إذا لم تكن كذبة محتملة."
جوزيه ساراماجو، الكهف. ترجمة: صالح علماني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق