السبت، 25 يوليو 2020

الجورنيكا

مدريد، يوليو عام 2020، متحف الملكة صوفيا الوطني للفنون، السابعة والنصف مساءا. هناك طابور طويل لدخول المتحف، وشمس صيف مدريد الحارقة لا ترحم.

بعد أن نتخطى التفتيش الأمني، نمشي مسافة لا بأس بها لنصل في النهاية إلى قاعة فسيحة مطلية بالكامل باللون الأبيض، ويتوسطها أقوى ما رأيت من صور الفن على الإطلاق: لوحة الجورنيكا لبابلو بيكاسو. 



يقع الحشد كله في صمت مطبق من هول المنظر. خمسون زائر، ولا حركة، كأن على رؤوسهم الطير. كان المشهد مهولًا، لم أر في حياتي مثله. 

اختلف الناس في تعريف الفن. يرى البعض أن الفن هو كل جميل، كما تقول أم كلثوم القلب يعشق كل جميل. لكن بالنسبة لي الفن لا ينبغي أن يعشق في الأساس. أرى أن الفن هو كل ما له القدرة على أن يبث شعورًا ما، وإن كان ذلك الشعور سلبيًا. لوحة الجورنيكا ليست جميلة؛ في الواقع هي بشعة. لكن بمجرد رؤيتها، لا تنكر أنها تبعث إليك إحساسًا مقيتًا ببشاعة الحرب.

قصة اللوحة

الجورنيكا هي جدارية رسمها بيكاسو تخليدًا لقصف مدينة جورنيكا في شمال إسبانيا بإقليم الباسك. في عام 1937 أثناء الحرب الأهلية الإسبانية، قامت قوات سلاح الجو الألماني النازي بقصف المدينة مساندةً لقوات الفاشيين الإسبان بقيادة الجنرال فرانكو. كانت المدينة وقتها مأهولة بالأطفال والنساء لانشغال الرجال بالانضمام إلى قوات المقاومة الجمهورية في أماكن أخرى، وهذا ينعكس على عناصر اللوحة.


أصبحت الجورنيكا رمزًا لتجسيد بشاعة الحرب، وعُلقت نسخة منها في قاعة مؤتمرات الأمم المتحدة.

رغم كل هذا، وبعد قرن من الزمان، لم يتغير شيء. لا تزال أحداث الجورنيكا تتكرر، ولكن في أماكن أخرى من العالم. يكفي هنا أن نتأمل، فكم من "جورنيكا" تحدث الآن ولا يحفل بها أحد؟ أنظر حولك.


"إياك أن تظن أن الحرب، مهما كانت ضرورية أو مبررة، ليست جريمة". - إرنست هيمنجواي

السبت، 18 يوليو 2020

رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك: مراجعة



الكتاب: رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك
الكاتب: الأمير محمد علي
اللغة: العربية
صيغة القراءة: Kindle
التقييم: 3/5

منذ شهر تقريبًا، بدأت ناد افتراضي للقراءة مع بعض الأصدقاء، في محاولة لإيجاد مساحة للقراءة الجماعية والنقاش في أمور أدبية (وهو أمر افتقدته كثيرًا منذ مغادرتي لمصر، وزاد سوءًا مع تفشي الوباء). وقع اختيارنا الأول على كتاب "رحلة الصيف"، للأمير محمد علي. والأمير محمد علي هو شقيق الخديو عباس الثاني، ولد في القاهرة ودرس فيها، ثم تعلم في أوروبا وعرف بحبه للسفر والترحال. له قصر في المنيل وآخر في زيزينيا، الإسكندرية.

الكتاب من إصدار مؤسسة هنداوي، وفي مجمله يقع في 67 صفحة، يمكن الانتهاء منه في جلستين أو ثلاثة. ورغم ضجري بكتب أدب الرحلات أحيانًا؛ إلا أنه أعجبني في المطلق. يأخذنا محمد علي في رحلة عبر مدن البوسنة والهرسك: سراييفو، هيشا، ياسي، وبنيالوقا.

لعل أول ما لفت نظري  - وآخرين في نادي القراءة - هو جمال اللغة وإتقان البلاغة. يظهر من كتابات محمد علي أنه ذو قلم ممتاز، لغته "رافعيّة" راقية، تفشي بما حظى به من تعليم راق. لكنه أيضًا خفيف الظل، مرح، كما يظهر تأثره بالقرآن الكريم في بعض استشهاداته.

مع ذلك، فالكتاب لا يخلو من عيوب. أول ما لاحظته هو سوء ترتيب المواضيع، فهو يقفز في حديثه من بلد لآخر ثم يعود للبلد الأول مرة أخرى، وهو ما استغربته لأني ظننت الكتاب قد كتب على هيئة يوميات.

 نتعرف في الكتاب على بعض صفات أهل البوسنة والهرسك، فهم يمجدون الأمراء والنبلاء، يمتازون بالشجاعة، ثيابهم تشبه ملابس القوزاق في ذلك العصر، وهم مثلنا يعتمدون على الإكراميات "عشان يمشوا حالهم"!



مع ذلك وددت لو استطرد الكاتب في سرد عادات وتقاليد الشعب. 

أما عن شخص محمد علي، فقد اتفقنا أثناء مناقشة الكتاب على أن كتاباته توحي بكونه شخصًا كثير الأحكام على الناس، متعال قليلًا، ربما بحكم منصبه. كان من المستفز أن نقرأ عن أحكامه على المستوى الثقافي للأفراد الذين يقابلهم من خلال مظهرهم الخارجي، وجدت ذلك شديد السطحية.

لكنه مع ذلك يذكر له أنه شديد الدفاع عن قضايا المسلمين، فكان كلما سمع أحدًا من البوسنيين يسيء إلى المسلمين أو العرب كان ينقض عليه هجومًا. ولا يسعني الآن إلا التساؤل: أين نحن من هذا؟ رأيت الكثير من المصريين والعرب في الخارج يحاولون التشبه بالغرب بأي طريقة، لدرجة انسلاخهم من هويتهم العربية تمامًا، كأنها شيء جالب للعار. على أي حال، هذا موضوع آخر.

الملخص: كانت تجربة جيدة زادت من فضولي لاستكشاف هذا الجزء من العالم، خصوصًا بالنظر إلى تزامنها مع ذكرى مذبحة سربرنيتشا، واحدة من أسوأ الإبادات الجماعية التي شهدتها القارة الأوروبية. 

الكتاب القادم في نادي القراءة: قنديل أم هاشم، للكاتب يحيى حقي.