في العادة، لا أقرأ كتبًا ذات عناوين رنانة كهذه، خاصة فيما يتعلق بالقضية النسوية؛ فأنا أحرص على اختيار الكتب التي تنصف القضية. لكنني كنت أشعر بالملل على متن الباص العمومي، فوجدتني أتصفح تطبيق "رفوف"، الذي أرشحه بشدة بالمناسبة، فإذا بي أنهي نصف الكتاب في أول جلسة.
لم أقرأ من قبل لسلامة موسى، وإن كنت سمعت من قبل عن أفكاره التقدمية، ولذلك فقد كانت تجربة مثيرة للاهتمام. هذا الكتاب هو مجموعة من المقالات نشرت في أوائل القرن العشرين، وهي الفترة التي بدأت فيها حركة النسوية في مصر.
وعليّ هنا أن أوضح شيئًا هامًا: أنا أؤمن بالفعل بالقضية النسوية، وأعتقد أن مجتمعاتنا العربية جميعًا في حاجة إلى ثورة تنوير حقيقية فيما يتعلق بقضية المرأة (يكفي دليلًا على هذا أن بعض الناس يرون كلمة "فيمينست" الآن مسبة!). ولكن، لدي مشاكل مع الحجج التي يطرحها سلامة في هذا الكتاب، وإن كنت أتفق مع أغلب أفكاره.
في المقالات، يدافع سلامة عن فكرة المساواة بين الرجل والمرأة، لكن ليس انطلاقًا من مبدأ المساواة ذاته وإنما بسبب اقتصادي ومادي بحت! فهو يكرر في أكثر من موضع أنه من العبث أن يضيع نصف حجم القوى العاملة في البلد لأن المرأة لا تعمل. وهي وجهة نظر تحترم، بالطبع، لكنها في رأيي ليست خلاصة المشكلة؛ فقضية المرأة لا تختزل أبدًا في حق العمل، ونحن لا نريد الدفاع عن حق المرأة في العمل انطلاقًا فقط من الفائدة التي تعود على المجتمع من عملها!
وبالحديث عن حق العمل فإننا أيضًا يجب أن ندافع عن حق اختيار طبيعة هذا العمل؛ فسلامة يرى أن المرأة لا حاجة لها لأن تتفرغ لرعاية المنزل، لأن في عصره أصبحت أعمال المنزل بسيطة وهينة بفضل التكنولوجيا! ومن هنا يمكنني الحكم بضمير مستريح بأن سلامة موسى لم يقم قط بأعمال منزلية؛ لم يقم بالطبيخ والغسيل وتنظيف المنزل والعناية بالأطفال وأبي الأطفال! فحتى بعد قرن كامل من كتابة كلماته، ومع كل التقدم التكنولوجي في منازلنا، لا يمكن أن يجزم أحدنا بأن العناية بالمنزل وبالأطفال أمر هين.
من المهم أن ندعم حق المرأة في العمل والمساواة في الأجور، ومن المهم أيضًا أن ندعم المرأة حين تقرر وتختار طوعًا أن تتفرغ للعناية بالمنزل والأطفال. عكس ما يعتقده الجميع، كون المرأة ربة منزل هو أيضًا صورة من صور العمل.
والأمر الآخر الذي أزعجني في هذا الكتاب هو اللهجة المنبهرة بالحضارة الغربية أشد الانبهار! حتى في أتفه مواضع المقارنة. فهو مثلًا يقارن الرقص الشرقي بالغربي؛ ويحكم على الشرقي بأنه رقص منحط وهو محض حركات لاستعراض الجسد، بينما الغربي هو رقص راق لا يثير الشهوات. الباليه والفالس فن راق، بينما الرقص الشرقي منحط. وهي بالطبع مقارنة ساذجة! فرغم أنني أقر بأن الرقص الشرقي قد اعتراه استعراض الأجساد حديثًا، فإن ذلك ليس خطأ الرقص بذاته كفن، وإنما خطأ من استخدموه كاستعراض جنسي في الأفلام والأغاني. ولست بحاجة لأن أقول أن بعض الرقص الغربي المستحدث لا يخلو من انحطاط.
لكن بشكل عام، وإنصافًا للكتاب، فإنه كانت هناك كثير من الأمور الإيجابية والآراء التقدمية التي احترمتها كثيرًا. أعتقد أن سلامة موسى لو كان بيننا الآن لأطلقوا عليه لقب "فيمينست" (وكأنها مذمة!)، ثم لهاجموه هجومًا شنيعًا.
أعجبني في الكتاب أيضًا مناهضة سلامة موسى للفصل بين البنين والبنات في التعليم الأساسي والجامعي، وطالما استغربت أنا كذلك هذا الفصل، فكيف للشاب أو الفتاة أن ينظر للجنس الآخر على أنه شخص عادي مثله تمامًا، بينما يتعلم منذ نعومة أظافره أن اجتماع الذكور والإناث في مكان واحد ممنوع!
اقتباسات
"والرجل لا يتخصص للزواج، وكذلك المرأة يجب ألا تتخصص للزواج. ذلك لأن حياتنا، نحن الرجال والنساء، أغلى من هذا وأرحب من أن يحتويها هذا التخصص."
"إن الرجال يتهمونك بأنك غير ذكية، غير شجاعة، غير سخية، غير بصيرة، لم تتفوقي في الاختراع أو الاكتشاف، ولم تبرزي في العلوم أو الفنون. وكل هذه التهم صحيحة. ولكنها صحيحة لأنك تمضين حياتك محبوسة بين أربعة جدران في البيت. ولو قدر لنا نحن الرجال أن نحبس كذلك لكنا في هذه الحال التي تتهمين أنت بها".
"الرجل الفارغ الثري، أي المعطل الثري، هو أسوأ الطرز الاجتماعية للإنسان. وقد كان الإقطاعيون على هذا الحال في بلادنا. وكان فسادهم يتجاوزهم إلى فساد من يحيطون بهم. وكانوا يفسدون لأنهم معطلون فقدوا الكرامة الذاتية بسبب التعطل. ولو أنك فاجأت واحدًا منهم وهو قاعد في استرخاء الكسل، لوجدت أفكاره وخواطره التي تشغله إما إجرامية أو مؤذية."
"الطلاق وتعدد الزوجات هما كارثة المجتمع المصري. إذ ليس لنا عائلة لوجودهما. والعائلة هي الأساس الذي تبنى عليه المجتمعات."
"ويجب ألا يفصل الجنسان مدة التعليم. وليست المدرسة، وليست الجامعة، مكانًا للتعليم فقط، وإنما هما مكان للتربية أيضًا. والتلميذ والطالب يتعلمان من المدرس أو الأستاذ، لكنهما لا يتربيان بالدرس أو المحاضرة. وإنما يحصلان على التربية من الزمالة بين الجنسين. ذلك أن الزمالة هي الاجتماع والحديث والعمل المشترك والمناقشة المثيرة. وكل هذا تربية للأخلاق وتكبير للشخصية."