الأحد، 10 نوفمبر 2019

خطاب قائد قبيلة من الهنود الحمر لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية


كنت أتناقش مع زميلة لي قضت الست سنوات الأخيرة في الولايات المتحدة. بدافع فضولي عن السكان الأصليين لأمريكا الشمالية، "الهنود الحمر"، سألتها عن أوضاعهم هناك، فقرأت عليّ هذا الخطاب التاريخي للقائد سياتل. 

القائد سياتل هو رئيس قبيلة من الهنود الحمر عاشت على جزيرة بوجيت. كان سياتل قائدًا شجاعًا، واحتفظ بعلاقات طيبة مع السكان البيض للولايات المتحدة. النص التالي هو خطاب من المعتقد أن القائد سياتل قدمه في ديسمبر 1854. مع ذلك، وجب التنبيه أن هناك الكثير من الجدل حول هذا الخطاب؛ حيث أنه طُبع لأول مرة وانتشر في سبعينات القرن الماضي. لذلك، يرجح الكثير من المؤرخين أن الخطاب هو من نسج خيال أحد المدافعين عن القضايا البيئية. على كل حال، وجدته جميلًا ومؤثرًا، فقررت أن أنقله لكم:

"يرسل لنا الرئيس من واشنطن مُعلنًا رغبته في شراء أرضنا. لكن كيف يمكنك بيع أو شراء السماء؟ أو الأرض؟ تلك الفكرة غريبة بالنسبة لنا. إذا كنا نحن لا نملك طراوة الهواء ولا بريق المياة؛ فكيف يمكنه شرائهما؟

بحيرة مورسكي أوكو، سلسلة جبال التاترا، على الحدود البولندية - السلوفاكية

إن كل جزء من الأرض مُقدس لشعبي. كل إبرة لامعة لأشجار الصنوبر، كل ساحل رملي، كل حبة من الندى في الغابات المظلمة، كل روضة زاهية، وكل حشرة طنانة. جميعم مقدسون في ذاكرة وتجارب شعبي.

نحن نعرف العصارة التي تجري في الأشجار كما نعرف الدم الذي يجري في عروقنا. نحن جزء من الأرض، وهي جزء منا. الزهور العطرة هي أخواتنا. الدب، الغزال، النسر العظيم، كل هؤلاء هم أخواتنا. القمم الصخرية، والمروج الندية، وحرارة جسد المهر الصغير، والإنسان: جميعهم ينتمون إلى نفس العائلة.

المياة اللامعة التي تجري في الجداول والأنهار ليست مجرد مياة، بل هي دماء أجدادنا. إن بعنا لكم أرضنا، يجب أن تتذكروا أنها مقدسة. كل انعكاس لامع في المياة العذبة للأنهار يحكي أحداثًا وذكريات من حياة شعبي. صوت خرير الماء هو صوت همس جدي.

الأنهار هي أخواتنا، وهي تطفئ ظمأنا. هي من تحمل قواربنا وتغذي أبنائنا. لذا، فعليكم أن تقدموا للأنهار نفس العطف الذي تقدمونه لأخواتكم. 

إن بعنا لكم أرضنا، تذكروا أن الهواء ثمين بالنسبة لنا، وأنه يشارك روحه مع كل صور الحياة التي يغذيها. الريح التي أعطت جدنا أول أنفاسه، هي نفسها التي استقبلت آخر تنهيداته. الريح كذلك هي من أعطى لأطفالنا روح الحياة. إن بعنا أرضنا، يجب أن تحفظوها حيث تكون مقدسة، فتظل مكانًا يلجأ له الإنسان ليستمتع بطعم الريح المحلاة بأزهار المروج.

هل ستعلموا لأبنائكم ما علمناه لأبنائنا؟ أن الأرض هي أمنا؟ ما يقع على الأرض يقع على جميع أبنائها. 

هذا هو ما نعرفه: الأرض لا تنتمي للإنسان؛ بل هو من ينتمي إليها. كل شيء متصل بالآخر، كالدم الذي نشترك فيه جميعًا. لم يحيك الإنسان نسيج الحياة، بل هو مجرد خيط رفيع فيه. أيا ما يفعله في النسيج، يقع عليه ذاته في نهاية الأمر. 
خريف وارسو


شيء واحد نعرفه: إلهنا هو أيضًا إلهكم. الأرض ثمينة لديه، وإيذاؤها يعني ازدراء خالقها. 

إن مصيركم لغز بالنسبة لنا. ماذا سيحدث عندما يُذبح كل الجاموس؟ عندما تُروّض كل الأحصن البرية؟ ماذا سيحدث عندما تزدحم الأركان السرية للغابة بروائح الناس؟ عندما يُحجب منظر التلال بأسلاك الهاتف؟ إلى أين ستذهب الأدغال؟ ستزول! إلى أين ستذهب النسور؟ سترحل! وماذا يعني عندما نودع المهر السريع ونبدأ ممارسة الصيد؟ سيعني ذلك نهاية العيش، وبداية محاولة النجاة.

عندما يرحل آخر رجل من الهنود الحمر مع زوال هذه الحياة، وعندما تصبح ذكراه محض ظل سحابة عابرة فوق المروج، هل ستبقى هذه الشواطئ والغابات؟ هل سيبقى أي جزء من روح شعبي؟

نحن نحب هذه الأرض كما يحب الرضيع نبض قلب أمه. لذلك، إن بعنا لكم أرضنا، أحبوها كما أحببناها. اعتنوا بها، كما اعتنينا. احفظوا في عقولكم ذكرى الأرض كما تسلمتوها. احفظوا الأرض من أجل كل أبنائها، وأحبوها، كما يحبنا الله.

بما أننا نحن جزء من الأرض، كذلك أنتم أيضًا. هذه الأرض غالية لدينا. هي أيضًا غالية لديكم.

هناك شيء واحد نعرفه: هناك إله واحد. لا إنسان - لا من الهنود الحمر ولا من البيض - يمكنه العيش وحيدًا. نحن كلنا أخوة في نهاية المطاف."

الاثنين، 30 سبتمبر 2019

وعندما أموت، ادفنوني في أوكرانيا الخضراء

مرحبًا مرة أخرى. في ختام محاضرة اللغة البولندية الأسبوع الماضي، أسمعتنا الأستاذة أغنية شعبية من التراث البولندي. الأغنية بالغة الرقة والجمال، أردت أن أنقلها لكم هنا.

في الحقيقة، مصدر الأغنية غير معلوم؛ فهي تتواجد في تراث بولندا، أوكرانيا، التشيك، سلوفاكيا، وبيلاروس. تحكي الأغنية عن جندي يودع حبيبته الأوكرانية، وكذلك أوكرانيا نفسها، للمرة الأخيرة، ويطلب أن يُدفن هناك عندما يموت.



يشاع أن الأغنية كتبت في منتصف القرن التاسع عشر، وقد اعتاد الجنود البولنديون أن يغنوها في الحرب البولندية - السوفييتية، وكذلك الحرب العالمية الثانية. إليكم كلمات الأغنية بالعربية:

هناك، من مكان ما أعلى المياة السوداء
يعتلي شاب من القوزاق جواده
بأسى، يودع فتاته
وبأسى أشد يودع أوكرانيا

مرحى، مرحى، مرحى يا صقور!
طيروا عاليًا عبر الجبال والغابات والأنهار والوديان
رني، رني، رني يا أجراسي الصغيرة
يا منحدري ويا عصفوري الصغير

هناك الكثير من الفتيات في العالم
لكن أفضلهن في أوكرانيا
هناك، تركت قلبي
مع فتاتي المحبوبة

مرحى، مرحى، مرحى يا صقور!
طيروا عاليًا عبر الجبال والغابات والأنهار والوديان
رني، رني، رني يا أجراسي الصغيرة
يا منحدري ويا عصفوري الصغير

حزن، حزن، حزن لتلك الفتاة
حزن لأوكرانيا الخضراء
حزن، حزن، القلب يبكي
لن أراها مرة أخرى

مرحى، مرحى، مرحى يا صقور!
طيروا عاليًا عبر الجبال والغابات والأنهار والوديان
رني، رني، رني يا أجراسي الصغيرة
يا منحدري ويا عصفوري الصغير

خمر، خمر، أعطوني خمرًا
وعندما أموت ادفنوني
في أوكرانيا الخضراء
مع فتاتي العزيزة

مرحى، مرحى، مرحى يا صقور!
طيروا عاليًا عبر الجبال والغابات والأنهار والوديان
رني، رني، رني يا أجراسي الصغيرة
يا منحدري ويا عصفوري الصغير




السبت، 28 سبتمبر 2019

ما أتحدث عنه عندما أتحدث عن الجري

يقول هاروكي موراكامي أنه لم يُخطط قط ليصبح كاتبًا. كل ما حدث هو أنه كان يشاهد مباراة بيسبول ذات يوم، وفجأة اجتاحته رغبة عارمة في أن يكتب رواية. ذهب بعد المباراة لشراء أوراق للكتابة وقلم حبر؛ وعاد إلى منزله. أمضى الشهور القليلة التالية في كتابة روايته الأولى، ثم تغير كل شيء. في واحد من الكتب الأقرب لقلبي على الإطلاق، "ما أتحدث عنه عندما أتحدث عن الركض"، يقول موراكامي: "لم أبدأ في ممارسة الركض تلبيةً لطلب أحد. تمامًا كما لم أبدأ في كتابة الروايات تلبيةً لطلب أحد. في يوم من الأيام، قررت فجأة أنني أريد أن أكتب. وفي يوم من الأيام، قررت أن أجري. ببساطة لأنني أريد ذلك. لطالما فعلت أي شيء تمليه علي إرادتي في الحياة. قد يمنعني الناس، وقد يحاولون إقناعي بأنني على خطأ، لكنني لن أتغير." 




أعتقد أن هذا ما حدث معي بالضبط، لكن مع رياضة الركض، ليس مع الكتابة بالطبع. لم أكن شخصًا رياضيًا قط. في سنوات المراهقة، لعبتُ الهوكي وكرة السلة؛ لكن كانت تزعجني الطبيعة العنيفة لتلك الألعاب. كنت أجد المتعة في سرعة الحركة التي تتطلبها اللعبتان، لكن في نفس الوقت كنت أكره احتكاكي باللاعبين الآخرين؛ أكره انتزاع الكرة بالقوة من إحداهن أو أن أصطدم بها عمدًا فأطرحها أرضًا لأفوز. أعتقد أن الأمر لم يتماش مع طبيعتي فحسب؛ فتوقفت عن اللعب. كان ذلك منذ عشر سنوات تقريبًا. ثم جاءت لحظة كلحظة موراكامي. تمنيت ذات أمسية هادئة لو أنني خرجت من شقتي وانطلقت. لا يهم إلى أين أو أي مسار أتبع؛ كانت ساقاي تطوقان للانطلاق فحسب. في المساء التالي، ذهبت إلى متجر رياضي واشتريت بذلة رياضية وحذاء مخصص للجري. 


بعد ذلك بأسبوع، على كورنيش الإسكندرية في شمس الصيف الحارقة، أطلقت العنان لساقاي لأول مرة منذ سنوات. ركضت ما يقرب من ثلاثة كيلومترات في نصف ساعة تقريبًا. كان الألم في ساقاي لا يحتمل، واحمرّ وجهي بفعل الشمس كأنما أصبت بالحساسية. لا شك في أنني بدوت في حالة مزرية، لكن كنت أشعر كأنني أحلق. لم أفكر في أي شيء: لا في نفسي ولا في الأشخاص، ولا في المستقبل أو الماضي، ولا حتى في الأغنية التي أسمعها. كان عقلي كصفحة بيضاء. (علماء النفس يسمون هذه الحالة Psychological flow - عندما يكون الشخص منسجمًا تمام الانسجام في نشاطٍ يفعله لدرجة أنه يفقد إحساسه بأي شيء آخر، كأنما ينعزل عن العالم). كان يركض معي بالمصادفة شاب لطيف، نشأت بيننا صداقة صامتة غير مصرحة، فكان يسرع خطاه عندما أتخطاه ليستعيد الصدارة أحيانًا، وأحيانًا يعدو بخطوات أكثر بطءً عندما يسبقني، كأنما يحثني على المضي قدمًا. 
  
الحديقة التي أمارس فيها الجري الآن


الآن، أركض لمدة ساعة تقريبًا مرة أو مرتين كل أسبوع، وأحقق مسافة تتراوح ما بين 4 إلى 7 كيلومترات. عادة ينضم إلى صديق أو اثنين، وأجد أن آدائي عندما أجري برفقة آخرين (خاصة إذا كانوا أكثر تمرسًا) يكون أفضل في معظم الوقت. منذ انتقلت إلى أوروبا أصبح الركض أكثر صعوبة، فالمناخ هنا بارد والتنفس السريع يصبح مؤلمًا في وجود الرياح، والمطر يسقط أغلب الأيام، مما يجعل الحياة مزعجة قليلًا. لا أعتقد أنني على استعداد لجري مسافة ماراثون عما قريب (مسافة الماراثون 42.195 كيلومتر)! لكن ربما أشارك في سباقات النصف-ماراثون. من يدري!

في الختام، ها هو واحد من اقتباساتي المفضلة من كتاب موراكامي، من ترجمتي الخاصة (أعتذر لبشاعة اللغة وضعف قدراتي التعبيرية). حقًا أنصح به للجميع، ليس فقط للمهتمين بالكتابة أو الجري. أتمنى أن تصدر ترجمة عربية عما قريب.

"أنظر إلى السماء، وأتساءل إن كنت سأختطف لمحة سريعة من العطف هناك، لكني لا أفعل. كل ما أراه هو سحب الصيف اللامبالية، تسير ببطء نحو المحيط الهادي. وليس لدى السحب ما تقوله لي. السحب دومًا كتومة هكذا. على الأرجح لا ينبغي أن أنظر إليهم. ما ينبغي أن أفعله هو أن أنظر في داخلي. كما يحدق المرء في بئر عميق. هل أرى عطفًا بداخل البئر؟ لا، كل ما أراه هو طبيعتي. طبيعتي المتفردة، العنيدة، غير المتعاونة، الأنانية أحيانًا التي ما تزال تشك في نفسها، التي تحاول في وقت الشدائد أن تجد شيئًا مضحكًا - أو نصف مضحك - في الموقف. حملت طبيعتي تلك معي كحقيبة سفر قديمة، في طريق طويل مغبر. لا أحملها معي لأنني أحبها؛ فالمحتويات ثقيلة جدًا والحقيبة تبدو قذرة، باهتة الألوان في بعض البقع. أحملها معي لأن لا يوجد شيء آخر من المفترض عليّ حمله. مع ذلك، أعتقد أنني تعلقت بها مع الزمن. كما هو متوقع."

الاثنين، 19 أغسطس 2019

توتر الكتب: لستُ وحدي!

هل سبق لكم تجربة الشعور بالتوتر عند النظر إلى الكتب التي لم تقرأوها بعد؟ في كل مرة أتجول في إحدى المكتبات أو محلات بيع الكتب، أشعر بشيئين متضادين: الأول هو شعور بالإحباط لأنه من المستحيل عمليًا أن أقرأ كل الكتب الجيدة في العالم. والثاني هو شعور بالراحة والاطمئنان؛ لأنني مهما اتسعت قائمة قراءاتي، لا تزال هناك كنوز لم أكتشفها بعد. هذا سبب كاف للعيش من أجله.

هذا فيلم وثائقي قصير شاهدته البارحة، ويمكنني اعتباره أفضل ما شاهدت منذ فترة. أدركت أنني زرت بالفعل مكتبتين من المذكورين في الفيديو كأجمل مكتبات العالم: مكتبة ليفراريا ليللو بمدينة بورتو، ومكتبة لير ديفاجار بلشبونة. أتشوق لزيارة الباقي. 

الوثائقي مترجم بالعربية. مشاهدة ممتعة!



الاثنين، 12 أغسطس 2019

نصر لا لزوم له: أفضل عيدية!

هذا كتاب أهداه لي أصدقائي يوم ميلادي (يعرفونني جيدًا!) ويمكنني القول أنه أفضل ما قرأت منذ فترة.


نصر لا لزوم له هي واحدة من روايات تشيخوف التي لم تترجم للعربية من قبل على حد علمي. لأول مرة أقرأ لتشيخوف قصة لا تقع أحداثها في روسيا، بل في المجر. ألفها تشيخوف في الأساس بناءً على رهان؛ حيث يقال إنه راهن منتقديه بقدرته على كتابة رواية بأسلوب مافر إيوكاي، كاتب هنجاري شهير. 

كتابة تشيخوف مرحة في سخريتها اللطيفة كالعادة، لكن ما لفت نظري حقًا هو جمال قلم المُترجمة. منذ وقت طويل لم أقرأ رواية منقولة للعربية بمثل هذه السلاسة والخفة، لدرجة أنني راسلت دار النشر (الأهلية للنشر والتوزيع، المملكة الأردنية الهاشمية) لأشكرهم على الإصدار الممتاز. كل الأمنيات الطيبة للمترجمة هبة حمدان، التي سأتابع اسمها من الآن فصاعدًا. 

الأحد، 14 يوليو 2019

مراجعة رواية: القوزاق.. لليو تولستوي




عدد الصفحات: 255
النوع: رواية
لغة القراءة: العربية
لغة الأصل: الروسية
التقييم: 4/5


انتهيت للتو من قراءة “القوزاق”، واحدة من روايات تولستوي الأقل شهرة، والتي استلهمها من رحلاته إلى القوقاز على ضفة نهر تيريك.

يقال إن تولستوي كتبها في عشر سنوات واضعًا لها عشر نهايات مختلفة. بعد أن قرأت الرواية شعرت أن تردده هذا مبرر؛ فالرواية تطرح أسئلة فلسفية كبيرة يصعب الإجابة عنها؛ حتى إن كان لك عقل كعقل تولستوي.

أولنين هو شاب ضائع من موسكو، التحق بالجيش الروسي وقرر الذهاب إلى القوقاز لينال المجد العسكري والشهرة. لكن سرعان ما يلين طبع أولنين متأثرًا بجمال الطبيعة هناك، وبساطة عيش القوزاق ويسر حياتهم. يود أولنين لو استطاع أن يترك أمجاد موسكو، ويقطع علاقاته بمعارفه النبلاء؛ ليتحول إلى رجلٍ بسيط من أهل القوزاق، يصطاد الحيوانات البرية ويقوم بحملات سطو على أهل القرى المعادية، ويتزوج من امرأة جميلة من القوزاق. لكن الأمر ليس بهذه السهولة.



الزي التقليدي لقوزاق نهر التيريك: الرجال في قبعات مرتفعة ويحملون سيوفًا، والنساء تلبس ثياب بألوان زاهية فوقها رداء آخر، وخمار فوق رأسها تسدله في وجود الرجال الغرباء. (الفنان غير معروف).

لا تتغير طموحات أولنين فقط، بل أيضًا فلسفته في الحياة. يدرك أولنين فجأة أن السعادة ليست في تحقيق رغبات المرء والسعي وراء نزواته، بل في حب الأخرين والتضحية من أجلهم، ومن خلال هذا فقط يدرك المرء السعادة. يعمل أولنين جاهدًا ليلتزم بفلسفته الجديدة، لكن بالطبع الكلام أسهل من الفعل، وبالطبع يتضمن الأمر امرأة. فماذا يحدث لفلسفته النبيلة عندما يقع في الحب؟


امرأة من قوزاق نهر التيريك. (الفنان غير معروف). 


تُختبر مبادئ أولنين الجديدة عندما يجد نفسه في مفترق طرق، ما بين التضحية لأجل سعادة الآخرين، أو السعي وراء سعادته هو مهما كلفه الثمن. هذا الصراع يبدأ في النصف الأخير من الرواية، لذلك قد يرى القارئ أن الجزء الأول رتيب بعض الشيء. عليّ أن أعترف أن لغة تولستوي في وصف الطبيعة والحيوانات قد أصابتني ببعض الملل في البداية.

لاحظت أن بطل الرواية، أولنين، يشبه تولستوي نفسه في شبابه. لقد كان تولستوي أيضًا واحدًا من نبلاء الروس ونشأ في ثراء ووضع اجتماعي متميز. كذلك كان تولستوي طائشًا بعض الشيء في شبابه، يجري وراء نزواته بلا اكتراث للعواقب. لكنه، مثل بطلنا، كان ذا حسٍ رهيف جعله فيما بعد تولستوي الذي نعرفه، الزاهد المتعبد في شيخوخته.

وأخيرًا، سررت كثيرًا بترجمة الدكتور سامي الدروبي، عملاق نقل الأدب الروسي للعربية. لا تسعفني الكلمات للتعبير عن امتناني لهذا الرجل! 


السبت، 13 يوليو 2019

مراجعة كتاب “وطن محمول”.. لجيني إيربينبيك

عدد الصفحات: 286
النوع: رواية
لغة القراءة: الإنجليزية
لغة الأصل: الألمانية
التقييم: 4/5

ريتشارد هو أستاذ متقاعد للكلاسيكيات وجد حياته خاوية بعد تقاعده ووفاة زوجته. باستثناء بعض الأصدقاء القدامى الذين يزورهم من حين للآخر، ريتشارد معزول تمامًا عن العالم الخارجي.

يمر ريتشارد بأحد شوارع برلين ذات يوم فيرى وقفة احتجاجية لبعض طالبي اللجوء الأفارقة. سرعان ما ينجذب ريتشارد لدراسة حياتهم، مدفوعًا أول الأمر بفضوله الأكاديمي، ثم بعد ذلك بعاطفته. يتعرف ريتشارد على إفريقي يريد أن يتعلم عزف البيانو، وآخر يقرأ لدانتي، وآخر صوته جميل، وآخر يريد أن يصبح مهندسًا، وآخر فقد ابناءه في ليبيا، وآخر لا يعرف إن كانت عائلته على قيد الحياة، وغيرهم.

"أين يذهب المرء عندما لا يعرف أي مكان يذهب إليه؟"

من خلال أحداث الرواية يطرح ريتشارد العديد من الأسئلة المتعلقة ليس فقط بأزمة اللاجئين، بل أيضًا بحياته هو ذاته، كشخص نشأ في برلين الشرقية. 

الرواية جريئة في طرحها لأزمة اللاجئين من وجهة نظر أوروبية؛ ولا تجد الكاتبة حرجًا في مهاجمة الإعلام الألماني والسياسة والبيروقراطية في أوروبا.

"الأفارقة لا يعرفون من هو هتلر، لكنهم إن تمكنوا من النجاة في ألمانيا المعاصرة، يمكننا أن نعتبر أن هتلر خسر الحرب حقًا"

بشكل عام، استمتعت بالرواية كثيرًا وإن كانت أحداثها متوقعة. أعتقد أنها كان من الممكن أن تصبح أفضل لو اهتمت الكاتبة بحبكة أكثر تشويقًا ونهاية ذات معنى أقوى.

الجمعة، 5 يوليو 2019

حوار بين مكسيم جوركي وجَده

هذا حوار مثير للاهتمام بين مكسيم جوركي الطفل، وجده لأمه. لفت انتباهي أثناء قراءتي للجزء الأول من سيرة جوركي بعنوان “طفولة”. تجدون النص بالإنجليزية بالأسفل. اقرأوا معي:

- “من الأفضل؟ الروس أم الفرنسيون؟”

-- “من يعرف؟ لم أر الفرنسيين في وطنهم قط. كل الكائنات بخير في أوطانها؛ حتى الجرذان تكون بخير في محاجرها.”

- “هل الروس بخير؟”

-- “ليسوا كلهم كذلك، لكن عندما يكون الرجل منا جيدًا فإنه بخير للغاية. بعضهم شديدو الغباء، كالشكائر تحمل أي شيء يُعبأ بداخلها. يوجد حولنا الكثير من القشور الفارغة. في أول وهلة يبدون كبشر عاديين، لكن إذا أمعنت النظر وجدت الدود قد أكل البذرة من الداخل، فلم يتبق إلا القشرة. ما نحتاج إليه هو بعض التعلم، علينا شحذ ذكائنا، لكن ليس لدينا ما نشحذه به..”

- “هل الروس أقوياء؟”

-- “بعضهم أقوياء، لكن ليست القوة ما تُحتسب، بل المهارة؛ لأن حتى أقوى الرجال لا يزال أضعف من فرس”. 

A dialogue between young Maxim Gorky and his grandfather to his mother. Quoted from Gorky’s “Childhood”:

- “Who’s better - Russians or Frenchmen?”

-- “Who can tell? I never saw Frenchmen in their own country. Even a rat’s all right in its own hole.”

- “Are Russians all right?”

-- “Can’t say that about all of them, but once a gentleman’s good, he’s very good. Some are the veriest fools - like sacks - hold whatever you stuff them with. Too many empty shells among us - at first glance looks like a human being, but on looking a little closer you see the worms have eaten out all the kernel - nothing left but a shell. What we need is some learning; need to sharpen our wits, but there’s nothing to sharpen them on..”

- “Are Russians strong?”

-- “Some are, but it’s not strength that counts, it’s skill; the strongest man is weaker than a horse.”


اللوحة بعنوان “جد وحفيد” للفنانة الروسية نادزهدا فوروبيوفا، 1945- 2011


الخميس، 20 يونيو 2019

الكتب المرافقة هذه الأيام

مرحبًا! مضى وقت طويل منذ تحدثت عن الكتاب المرافق.. هذه الفترة يبدو أن حياتي “مكركبة” لدرجة أنني أقرأ ثلاثة كتب في وقت واحد. أظنني بحاجة إلى بعض النظام! أستعرض معكم سريعًا بعض الكتب التي رافقتني في الأيام القليلة الماضية.

ليس لدى الكولونيل من يكاتبه

أنتهيت مؤخرا من أول قراءاتي لجابرييل جارسيا ماركيز، وأحببتها كثيرا كما توقعت. “ليس لدى الكولونيل من يكاتبه” هي قصة - أو نوفيلا- بالغة الرقة، يغلب عليها طابع حزين خافت. هي عن خطورة الأمل وانتظار ما قد لا يأتي أبدا. هي عن الخط الرفيع الفاصل بين التمسك بالحلم والعيش في الوهم. تذكرني بقصيدة فاروق جويدة التي يقول فيها: “لا تنتظر أحدا، فلن يأتي أحد”. 

ترجمة الدكتور صالح علماني كما اعتدناها، بليغة خفيفة على العقل واللسان. عليّ أن أبدي إعجابي بإصدارات سلسلة “الروائع” من دار أخبار اليوم؛ فالقطع الصغير مناسب للحمل في السفر ولطيف الشكل أيضا! أتطلع لقراءة “الحب في زمن الكوليرا"، الجالسة على رف مكتبتي منذ زمن، عما قريب.


Go, Went, Gone by Jenny Erpenbeck

"يذهب، ذهب، ذاهب"، أو كما تسمى في نسختها العربية "وطن محمول"، هي رواية ألمانية منقولة للإنجليزية، تحكي عن بروفيسور ألماني متقاعد يصادق مجموعة من اللاجئين الأفارقة. بمجرد قراءتي لوصف الرواية تحمست لقراءتها كثيرًا؛ لفضولي بمعرفة كيف ينظر الألمان - والأوروبيون عامة - إلى أزمة اللاجئين الحالية. 
انتهيت من نصفها تقريبًا حتى الآن، وأقتبست لكم منها بعض السطور في التدوينات السابقة. أعتقد أنها تعجبني، لكن ما زال ينقصها شيء ما ليجعلها عملًا أدبيًا كاملًا. ربما يأتي هذا الشيء في النصف الأخير من الرواية.

القوزاق، لليو تولستوي

بدأتها مؤخرًا وأظنها ستعجبني رغم البداية الرتيبة قليلًا. استلهم ليو تولستوي أحداث هذه الرواية من فترة خدمته مع الجيش الروسي التي قضاها في القوقاز.. كتب الرواية في عشر سنين، ويقال أنه وضع لها عشر نهايات مختلفة! تأثر تولستوي كثيرًا بالطبيعة الساحرة هناك وبطباع القوزاق البسيطة. ترجمة سامي الدروبي رائعة كالعادة.

الأربعاء، 5 يونيو 2019

قراءات رمضان

أهلا يا أصدقاء! عدت أخيرًا بعد إجازة رمضان. أتمنى لكم عيدًا مباركًا :)

نشاط القراءة الخاص بي في رمضان عادةً ما يكون ضعيفًا. قرأت حوالي ثلاثة كتب واستمعت إلى تمثيلية إذاعية مقتبسة عن كتاب. إليكم كتب الشهر:

1. كتاب اللاطمأنينة، فيرناندو بيسوا



قررت منذ رحلتي إلى البرتغال الصيف الماضي أن أقرأ لبيسوا في أقرب وقت ممكن. هذا هو الأديب المفضل لدى البرتغاليين، والآن أرى سبب حبهم له. هناك مقولة طريفة تقول إن أعظم أربعة شعراء في تاريخ البرتغال المعاصر هم فيرناندو بيسوا؛ ذلك لأنه كان يكتب بأربع شخصيات مختلفة الأمزجة والصفاتـ، فكأنه أربعة شعراء في الوقت نفسه.

وجدت هذا الكتاب بنسخته الإنجليزية في مكتبة الجامعة حيث أعمل، واستعرته على الفور. بحثت عن الترجمة العربية على الإنترنت فوجدت نسخة من إصدار المركز القومي للترجمة ولم تعجبني على الإطلاق؛ فقررت أن أترجم بعض الفقرات التي أعجبتني واقتبستها لكم على تمبلر we-shall-find-peace.tumblr.com

الكتاب عبارة عن مجموعة خواطر لشخصية بيسوا الغريبة. يذكرني قليلًا ببطل رواية دوستويفسكي (مذكرات قبو). كلاهما مختلف منعزل، ولكن بيسوا أكثر لطفًا وأقل حدة وسخطًا على العالم. أحببته.

2. نقطة النور، لبهاء طاهر



كتب بهاء طاهر واحدا من أقرب الكتب إلى قلبي: “لم أعرف أن الطواويس تطير” فتحمست كثيرًا لقراءة نقطة النور لكثرة ما سمعت عنها من إشادة. الرواية جيدة لكن ليست عظيمة بشكل استثنائي. أحببت الأبطال بتخبطهم وخطاياهم، وأظن أنه يمكن تحويلها إلى فيلم جيد. 

3. عشرة أدباء يتحدثون، لفؤاد دوارة




هذا الكتاب فاجأني لجمال ما فيه من حوارات مع كبار كتاب مصر. أحب دائمًا الاستماع لصوت الأديب خارج نطاق أدبه، لذلك أميل إلى أدب الرسائل والسيرة الذاتية، وحديثًا أثار فؤاد دوارة اهتمامي بالأدب الصحافي أو أدب المحاورات، إن صح التعبير.
لم أنته من الكتاب بعد.

4. ثمثيلية إذاعية: قالت ضحى، لبهاء طاهر


هذه التمثيلية مقتبسة من رواية لبهاء طاهر بنفس الاسم. استمعت إليها أثناء واحدة من رحلاتي الطويلة بالباص وأعجبني الآداء الصوتي كثيرًا. مدة التسجيل ساعتان ونصف تقريبًا.