الاثنين، 18 مايو 2020

بقايا القهوة: مراجعة

بقايا القهوة by Mario Benedetti

الكتاب: بقايا القهوة
الكاتب: ماريو بينيديتي
المترجم: محمد العشيري
اللغة: العربية، مترجم عن الإسبانية
الصيغة: كتاب إلكتروني/ كيندل
التقييم: 4/5

مرحبًا مرة أخرى. كنت قد نويت تخصيص شهر مايو لاستكشاف كتاب أمريكا اللاتينية، تلك القارة التي ما زالت مجهولة بالنسبة لي باستثناء بعض أعمال جابرييل جارسيا ماركيز تُعد على أصابع اليد الواحدة. ها قد مضى ما يزيد عن نصف الشهر، ويا للمفاجأة، لم أتمكن سوى من قراءة كتاب واحد فقط من قائمتي الأولية لخمس كتب! يمكنني أن أتحجج بالانشغال برمضان والمذاكرة، ولكن الحقيقة هي أنني كنت كسولة فحسب.

ماريو بينيديتي هو كاتب من الأوروجواي وواحد من عمالقة الأدب اللاتيني. هو في الأصل شاعر، ونشرت إحدى رواياته كاملة على شكل قصيدة (رواية شعرية). وفي رأيي، تظهر سمته الشعرية بوضوح في هذه الرواية أيضًا.

لا أعرف الكثير عن الأوروجواي. في الحقيقة، أعرف القليل جدًا من خلال عملي مع زميل أوروجواني: أعرف مثلًا أنهم يتكلمون الإسبانية بلهجة صعبة وسريعة الإيقاع، وأنهم يكرهون أن يقارنوا بأهل الأرجنتين، ويحبون مشروب المتة كما يحب المصريون أكل الفول والطعمية. لكل هذه الأسباب، كنت متحمسة لهذا الكتاب، ولم يخب ظني.

أعتقد أن أبسط وصف لهذه الرواية هي أنها حكاية عادية، لا يكاد يحدث فيها شيء على الإطلاق. لا يمكنني أن "أحرق" الرواية، ببساطة لأنها خالية من الأحداث. وهنا تكمن عبقرية بينيديتي: أن يخلق نصًا رقيقًا من الحياة اليومية، يمكن للقارئ أن يجد نفسه فيه بسهولة. 

وبالفعل، أظن أن "كلاوديو"، بطلنا، يمثلنا كلنا. كلاوديو هو الإنسان بشكل عام، بعلاقاته بمن حوله وبنفسه وبالأشياء. كل منا لديه لحظة حاسمة تغيرت فيها الحياة عما كانت من قبلها (لحظة وفاة أم كلاوديو في الرواية)، وكل منا لديه "ريتا" الخاصة به: شبح من الماضي، سراب يغريه بمطاردة لا طائل لها، يظهر له في أكثر لحظات حياته الحاسمة ليثير في نفسه الشك والحيرة. ويومًا ما، عندما يتغلب المرء على شبحه، تنتهي لعبة المطاردة، كما ينبغي لها أن تفعل.

في حالة كلاوديو، وفي رأيي الشخصي، كانت "ريتا" الخاصة به ترمز إلى الموت. أعتقد أن الكاتب قد نجح في توظيف ظهورها في نقاط مختلفة في الرواية بشكل بارع، فهي تظهر في مراحل نمو شخصية كلاوديو منذ الطفولة إلى الشباب. نرى كيف يتعامل معها في مختلف مراحل تطور شخصيته، فهو في البداية يسعى إليها، ثم يخشاها، ثم يتجنبها، ثم لا يبالي بها على الإطلاق، وهنا ينتصر.

كانت تلك أول تجربة لي مع بينيديتي، وأتمنى ألا تكون الأخيرة. أنصح بها بشدة لمن يريد قراءة خفيفة لاستكشاف أدب أمريكا اللاتينية المعاصر، وأشيد بالترجمة العذبة للمترجم محمد العشيري.


مقتبسات

"كان الحاضر يحتلني أكثر فأكثر. فالماضي سلسلة حواضر مختومة، والمستقبل سلسلة حواضر لم ترسل بعد، والتاريخ بأسره ما هو إلا حاضر يطول ويطول إلى ما لا نهاية. وكذلك تاريخي أنا أيضا."

الجمعة، 1 مايو 2020

كتاب المواصلات: مراجعة


الكتاب: كتاب المواصلات - حكايات شخصية لقتل الوقت
الكاتب: عمر طاهر
اللغة: العربية
الصيغة: كتاب صوتي على Storytel
التقييم: 3/5

مرحبًا وكل عام وأنتم بخير. استكمالًا لقراءات شهر إبريل، الذي خصصته للكتب المصرية المعاصرة (أنظر التدوينات السابقة)، اخترت كتابًا غير روائي هذه المرة. استمعت إلى الكتاب عبر منصة ستوري تيل Storytel وسأذكر رأيي في الآداء الصوتي سريعًا بعد مراجعتي للكتاب.

 قرأت مقالات عمر طاهر على صفحات الجرائد وأنا في الثانوية، ثم على صفحات الفيسبوك بعد ذلك. هو واحد من كتاب قلائل يشعرونك أن الدنيا لسة بخير. أرى أن عمر طاهر كاتب لا بأس به، لكنه إعلامي ممتاز. يكفيك أن تشاهد برنامجه التلفزيوني "وصفولي الصبر: عن الكتابة وأهلها"، لتدرك أننا بحاجة للمحتوى الذي يقدمه.

ربما لا يعجبني في عمر طاهر شيء واحد فقط: لعِبُه الدائم على وتر النوستالجيا، بالضبط مثل إعلانات كوكاكولا وفودافون في رمضان التي سئمنا تكرارها لنفس نغمة الحنين إلى الماضي في كل سنة. لا تزعجني النغمة بذاتها وإنما يزعجني تكرارها. أؤمن تمامًا بمقولة الراحل أحمد خالد توفيق: "للماضي ميزة واحدة: هي أنه صار ماضيًا، لهذا نشعر بالحنين له".

على أي حال، لندخل في تفاصيل الكتاب.


هذه هي مجموعة من المقالات عن مواضيع متنوعة. رغم ذلك، ليست جميعها "حكايات شخصية"، لذلك فإن العنوان الفرعي مضلل قليلًا. يحكي لنا طاهر عن مطربي الزمن الجميل، وهي ثيمة متكررة في أعماله وجزء من شخصيته بلا شك.  أحببت حديثه عن محمد فوزي، واكتشفت من خلاله عماد عبد الحليم وعمر فتحي: نجمان لم يكتب لهما القدر عمرًا فنيًا طويلًا، لكنهما تركا أثرًا لا ينكر في فترة الثمانينات المصرية.

هناك كذلك حكايات عن رحلاته، وعن صعوده العسير إلى عالم الصحافة، وعن أيام صباه. وكلما كان يتحدث عمر عن نفسه، وخاصة عن حبه للكتابة، كان يصيبني إحساس بالانزعاج. ربما لأنني بطبيعتي أنفر من هذا النمط من الشخصيات. أتعرف زميلك الذي لا يكف عن الحديث عن شغفه بشيء ما، ثم بعد أن تقترب منه، تُدرك أنه أقل الناس سعيًا وراء ذلك الشيء في الحقيقة؟ أظن أنها حقيقة كونية: أكثر الناس حديثًا عن الشغف هم أقلهم طلبًا له. وفي ذلك أذكر قول عمنا إبراهيم أصلان: “لا يجب أن تتحدث عن الحب بل عليك أن تتحدث بحب، فكل النصابين يجيدون أحاديث الهوى.. ولا يجب أن تتحدث عن العدل بل يجب عليك أن تتحدث بعدل لأنه لا يجيد الحديث عن العدل مثل الظالمين.”

في فصول أخرى، لم يعجبني رأي عمر في العلاقات على الإطلاق. فهو يرى مثلًا أنه لا بأس من أن يشكو لصديقه من زوجته، أو أن يشكو من الصديق للزوجة، فالشكوى علامة الحب. وأنا أرى ذلك محض هراء.

هناك نبرة متكررة أيضًا تتمثل في فكرة الحنين لأيام العزوبية، حيث لم يكن مسؤولًا عن شيء. أعرف أن كل من سبق له الزواج على وجه الأرض قد شعر بهذا الحنين بدرجة ما أو بأخرى، وأنا أتفهم هذا. ولكن هذه الفكرة تتكرر في الكتاب على نحو يشعرك بأنه نادم على تكوين أسرة، وهذا ما وجدته مزعجًا. تخيلوا لو أن امرأة كانت قد كتبت هذا الكتاب.. لا أظن أن المجتمع سيتقبل كثيرًا تكرارها التعبير عن حنينها لأيام الشقاوة. لكنه مع ذلك يبدي امتنانه لزوجته في أحد فصول الكتاب.. تبدو لي كامرأة صبورة عظيمة.

الآداء الصوتي

الآداء الصوتي للكتاب على منصة ستوري تيل جيد، لكنه "مصري" زيادة عن اللزوم. لا بأس في أن ينطق المؤدي الكلمات العامية كما هي باللهجة المصرية، لكن لماذا يُغير الكلمات الفصحى أيضًا لتنطق بلهجة؟ ولماذا ينطق الأرقام بالمصرية؟ هذا ما لم أفهمه ووجدته مشتتًا. 

استنتاجات

بدأت تجربتي لقراءة كتب المؤلفين المصريين المعاصرين بنية استكشاف مواهب لم أعرف بوجودها من قبل، أو أعرفهم ولكن لم تتسن لي فرصة قراءة كتبهم كاملة. عمر طاهر في رأيي هو كاتب موهوب، وأنا أنوي الاستمرار في قراءة مقالاته التي من السهل الوصول إليها على الفيسبوك، لكنني على الأرجح لن أقرأ له كتابًا كاملًا مرة أخرى.

منصة ستوري تيل كذلك متميزة، لكن لا أرى أنني سأستمر في استخدامها. من تجربتي حديثة العهد بالكتب الصوتية، أرى أنه من الأفضل لي قراءة الكتب بصيغتها المكتوبة، وحينها فقط أستطيع استيعاب الكلام وتحديد الفقرات التي تعجبني والخناق مع الكاتب بتعليقاتي في الهوامش. القراءة بالنسبة لي هي تجربة تفاعلية في المقام الأول، والكتب الصوتية تحرمني ذلك التفاعل. لكنها مع ذلك حل جيد لأشخاص كثيرين.. كانت تجربة جيدة ولكن مافيش نصيب.

الجمعة، 17 أبريل 2020

وردة للخونة: مراجعة


الكتاب: وردة للخونة
المؤلف: محمد عبد النبي
اللغة: العربية
الصيغة: كتاب إلكتروني عبر تطبيق رفوف
التقييم: 4/5

مرحبًا. انتهيت مؤخرًا من قراءة "وردة للخونة"، الكتاب الثاني من سلسلة قراءاتي للمؤلفات المصرية المعاصرة التي خصصت لها شهر إبريل.

لم أتعمّد اختيار هذا الكتاب تحديدًا. كنت أتصفح تطبيق رفوف (الذي أرشحه بشدة بالمناسبة)، فوجدت أنهم يوفرون بعض إصدارات دار الربيع العربي مجانًا لفترة محدودة دعمًا للقراءة في فترة الحجر المنزلي، فانتهزت الفرصة.

لم أقرأ لمحمد عبد النبي من قبل. كنت قد سمعت عن كتابه الآخر: "شبح أنطون تشيخوف"، من إصدار الهيئة المصرية العامة للكتاب. وبسبب هوسي المعهود بتشيخوف، علق عنوان الكتاب في ذهني. لكن لم تتسن لي فرصة شراء الكتاب قط. 

عن الكاتب


حسب ما وجدته على الإنترنت، محمد عبد النبي هو كاتب ومترجم مصري معاصر من مواليد 1977. تخرج في كلية اللغات والترجمة بجامعة الأزهر، ثم عمل في الترجمة والكتابة. حاز عبد النبي على عدة جوائز أدبية مرموقة، كما ترشحت رواياته لجائزة بوكر أكثر من مرة. يقدم عبد النبي ورشة عمل للكتابة الإبداعية اسمها "الحكاية وما فيها"، كما يتعاون مع مؤسسة هنداوي لنشر سلسلة مقالات أسبوعية عن الكتابة تحمل نفس العنوان. المقالات هنا.

عن الكتاب

الكتاب هو مجموعة من القصص القصيرة كُتبت في مطلع الألفية الجديدة أو قبلها بقليل. يغلب على القصص لغة رقيقة وسرد سلس ومشوق. يُجيد عبد النبي العثور على معنى في خضم مواقف يومية عادية، مما يجعله كاتبًا "تشيخوفيًا" بامتياز. مع ذلك، وجدت بعض القصص مُسرفة قليلًا في رمزيتها. القصص المتضمنة هنا متباينة في الجودة، لكن ما يمكن استنتاجه هو أن محمد عبد النبي هو كاتب ذو شخصية مميزة تظهر في كتاباته، وقلم مبدع. 

في رأيي الخاص، أقوى عناصر الكتاب هنا هو اللغة. لم أستمتع بالحبكات وأحداث القصص بقدر استمتاعي ببراعة تلاعب الكاتب بالألفاظ والمحسنات المختلفة، دون الإسراف، وهذا ما حاولت التقاطه في الاقتباسات المختارة هنا في نهاية هذه التدوينة. 

كانت من أقوى قصص المجموعة قصة بعنوان "كلبة سوداء تعاني الجرب والغرام". كيف استطاع عبد النبي أن يبني قصة بديعة كهذه حول كلبة؟! يخبرك هذا بمدى موهبة الرجل. استمع إلى القصة بصيغة صوتية من هنا. 

بما أن القصص كتبت منذ عقدين من الزمان، يثير فضولي الآن أن أعرف كيف تطورت كتابات عبد النبي، وأتحمس لقراءة رواياته الأحدث قريبًا. وبما أن الكاتب الجيد هو بالضرورة مترجمٌ ممتاز، على الأقل في نظري، فأنا أتطلع أيضًا لقراءة ترجماته لأعمال عالمية، مثل "قلق السعي إلى المكانة"، الذي حظى بمراجعات إيجابية كثيرة مؤخرًا.

اقتباسات


"لا تضحك على نفسك فتقول إن عدم التفات سعدية لك يمنحك شيئًا من الرضا، إنه رضا المقتول عندما يُطعن بعد موته مزيدًا من الطعنات، لقد مات وشبع موتًا، فهي ليست سوى كل من لم يشعروا بك، كل من مررت بين أيديهم كأنك روح بلا وزن: لا طعم، لا لون، لا رائحة. ربما ما يميزه عنك هو أنه لا يحب أو يكره بين الأوراق فحسب، مثلما تكتب أنت كل لحظات الحب التي لم تعشها، ترسم كل الوجوه الحلوة التي لم تقترب منك، تنتقم - في الحكايات المحبوكة - ممن زرعوا فيك الخوف من العالم وعدم الثقة في مشاعر البشر".

"أنتِ جميلة وأنا أريدكِ ولم يلقّني أحد همساتي هذه. فلم أعد الببغاء البائس، يتلاعب به بحارة من كل البلاد وبكل اللغات. الببغاء لو يقع في خيبة الحب مرة يكف عن الكلام ويكتب قصيدته هو."

"نحن أحرار فقط في اختيار نوع السجن. يأتي لكل دوره ليختار زنزانته المزينة ليقول: أكون ديمقراطيًا - محافظًا - تنويريًا - ماركسيًا - فوضويًا - مجاهدًا في الله - مُحبًا للناس - مجنونًا بالعلم. يأتي لكل دوره ليكون بوقًا - شمعةً - سيفًا - نارًا - وردةً - يمامةً - كتابًا مفتوحًا. يا خيبة الطيور، السجن أكبر من العالم."

الأحد، 12 أبريل 2020

أرز باللبن لشخصين: مراجعة


الكتاب: أرز باللبن لشخصين
اللغة: العربية
الكاتبة: رحاب بسام
الصيغة: كتاب إلكتروني. تمت القراءة على كيندل
التقييم: 2/5

مرحبًا. قرأت هذا الكتاب بناء على اقتراح أحد المتابعين، بعدما أعلنت نيتي لتخصيص شهر إبريل لاستكشاف كتاب مصريين معاصرين لم أقرأ لهم من قبل. شدّني اسم الكتاب، وبعد قليل عرفت بأنه واحد من إصدارات دار الشروق للمدونات المتميزة. إذا فهو سلسلة تدوينات خفيفة لطيفة. بدا ذلك لي مثيرًا للاهتمام؛ فطالما كان لدي فضول بفضاء التدوين الإلكتروني المصري، قبل وبعد الثورة (صدر الكتاب في 2008). 

عن الكاتبة

رحاب بسّام هي مدونة وكاتبة شابة، خريجة كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية. باستثناء كتابها المذكور هنا، يبدو أن نشاطها الأدبي يتركز على ترجمة كتب الأطفال، وهو مجهود أقدره كثيرًا. أعتقد أن حان الوقت للاهتمام بأدب الأطفال في مصر، وسواء كانت المجهودات موجهة نحو التأليف أو الترجمة؛ فنحن بحاجة لكليهما.

بعد جولة سريعة في مدونتها، حواديت، يمكنك أن ترى أسلوب رحاب: دافئ، قريب من القلب، بهيج. هي نوع الكتابات التي تحب أن تقرأها في ليلة ممطرة بينما تجلس في سريرك محاطًا ببطانية دافئة، ممسكًا مشروبك الساخن المفضل. 

للأسف، يبدو أنها لم تعد نشطة على المدونة منذ 2015، مما أحبطني قليلًا. 

محتوى الكتاب

الكتاب هو مجموعة من التدوينات المميزة من مدونة رحاب، جمعتها دار الشروق مشكورةً في كتاب واحد. تكتب رحاب عن كل شيء ولا شيء تحديدًا: عن قطها، طفولتها، عن الحب والفراق وما بينهما، عن وصفتها السرية لعمل "أرز باللبن لشخصين"، عن قراءاتها، وعن المجتمع المصري؛ بكل ما يحمل من تناقضات.

بعض التدوينات أضحكتني، والبعض الآخر أعاد إلي غصة في حلقي. اللغة سلسة وسليمة في نفس الوقت، لكن لا أعرف لماذا كنت أشعر دائمًا بأن هناك شيء ناقص، كصور أدبية أكثر أناقة أو أسلوب حكي أكثر تشويقًا. لكن لعل المشكلة فيّ أنا وكان ينبغي عليّ خفض سقف توقعاتي؛ فهي مجرد تدوينات في نهاية المطاف. (لا تتوقع أن يضيف لك الكتاب معلومة جديدة، ولا أن يفتح البوابات لفيض من المشاعر أيضًا). الكتاب بشكل عام لا بأس به، وربما سبب تقييمي المنخفض له هو أنني على الأرجح لن أتذكره بعد شهر أو اثنين.

اقتباسات

"لأنها تخاف المرتفعات، لم تثق أبداً في قمة السعادة، ولا قمة التعاسة.
تجلس دائماً على المرجيحة المعلقة بين القمتين.
فكل سعادة تحمل نذر تعاستها، وكل تعاسة تحمل بشائر سعادتها.
في السعادة، تتذكر الغائبين، وتتساءل عن دوام تلك السعادة.
في التعاسة، يخرج لها القط مبتسماً فجأة من وراء الستائر، أو تأتي قهوتها مضبوطة.
مِن على المرجيحة وصلت إلى الحكمة: كل شيء نسبيّ، والحياة مراحل."
"أن تنسى هو أن تُسأل عن "الأخبار" فلا يؤلمك شيء وأنت تقول "تمام..  كله تمام"، وتنتقل بالحوار لأشياء أخرى ملموسة أكثر، لتتكلم عنها بصدق واستغراق وبدون أي تظاهر بالاهتمام.
أن تنسى هو أن تكتشف الصمت، بعد صخب كل تلك الأفكار وكل ذلك الكلام الذي تتمنى أن تقوله. أن تختزن الحكايات، وعندما يحين وقت قصها تشعر بأنك فقدت الرغبة في الكلام، وتقتنع بأن الآن ليس الوقت المناسب."

الخميس، 9 أبريل 2020

ما أعرفه على وجه اليقين: مراجعة



الكتاب: What I Know for Sure
اللغة: الإنجليزية
المؤلفة: أوبرا وينفري
الصيغة: كتاب صوتي
التقييم: 3/5

انتهيت للتو من قراءة كتاب أوبرا وينفري الشهير: ما أعرفه على وجه اليقين. لديّ الكثير لأقوله حول هذا الكتاب، لذا دعنا نقسم هذه المراجعة إلى أجزاء.

تجربتي مع الكتاب

عادةً ما أتردد أمام اختيار الكتب التي تندرج تحت تصنيف التنمية الذاتية - self help لأسباب كثيرة: أولًا، معظم تلك الكتب تخبرك بما تعرفه بالفعل. "ثق بنفسك، اسع وراء حلمك، أنت تستحق الأفضل"، حقًا، أنا لا أطيق سماع تلك العبارات. ثانيًا، أغلب مؤلفي كتب التنمية الذاتية لم ينجحوا في شيء.. سوى بيع كتب التنمية الذاتية للحالمين الغلابة! 

لتلك الأسباب وغيرها أتردد دائمًا قبل اختيار الكتب من هذه النوعية، إلا إن كُتبت من منظور علمي خالص، كالكتاب الرائع: التفكير السريع والبطيء لدانيل كانمان، الذي قرأته منذ عامين وما زلت أتذكر محتواه جيدًا (وهذا يعني أنه كان كتابًا عبقريًا). اقرأ مراجعتي له باللغة الإنجليزية هنا.

إذا لماذا اخترت ذلك الكتاب؟ هل أستمتع بتعذيب نفسي؟ ليس بالضبط.. لطالما كنت معجبة بأوبرا وينفري وسمعت كثيرًا عن قصة صعودها إلى الشهرة والنجاح بعد تحديات عصيبة. بالإضافة إلى ذلك، الكتاب بصيغته الصوتية يستغرق ثلاث ساعات فقط، وترويه أوبرا نفسها؛ ما يجعله مناسبًا لتمشيتي اليومية في حرم الجامعة، فقررت أن أعطيه فرصة.

زهور حرم الجامعة تتفتح. أجد التناقض بين الأصفر والأزرق مريحًا للعين.

محتوى الكتاب

يشير عنوان هذا الكتاب إلى قصة طريفة: انتهت أوبرا من تصوير مقابلة شخصية مع أحد المشاهير ذات يوم، وفي آخر المقابلة وجه لها سؤالًا غير متوقع: ما الذي تعرفينه على وجه اليقين؟ تسمرت أوبرا في مكانها، وظلت شهورًا أو ربما سنين تفكر في إجابة على هذا السؤال. وأظن أنه سؤال يجدر بنا جميعًا أن نواجهه بطريقة ما أو بأخرى. فما الذي تعرفه أنت على وجه اليقين؟

ثم تستطرد أوبرا في سرد ما تعرفه على وجه اليقين، وتخبرنا بأراءها عن الصداقة، السعادة، الحب، القراءة، والامتنان للخالق. بالرغم من ذلك، ليس الكتاب مجرد ثرثرة عن مفاهيم مجردة فقط. تنجح أوبرا في دعم رسالتها بمواقف من حياتها، ما جعل صوتها أكثر قوة وتأثيرًا. 

مرت أوبرا بأهوال "تهد جبال" في حياتها. بداية من يوم مولدها؛ فقد ولدت نتيجة لعلاقة عابرة، ولم تعرف أباها الحقيقي. ثم تعرضت لاعتداء جنسي نتج عنه حمل وإجهاض في الرابعة عشرة من العمر فقط. بعد ذلك، تنقلت من وظيفة لأخرى لتدعم عائلتها، إلى أن وجدت نفسها أخيرًا مذيعة في قطاع الراديو، ثم مقدمة برامج في التليفزيون. بعد ذلك، مرت في عشريناتها بعلاقات مؤذية، وصداقات مزيفة، وقرارات وظيفية ثقيلة. بالإضافة لهذا كله، نعلم جميعًا ما عانته مع فقدان الوزن. لم تكن رحلتها سهلة تمامًا.

تخبرنا أوبرا في هذا الكتاب رسالة تتماشى مع رسالة هاروكي موراكامي في كتابي المفضل على الإطلاق: ما أتحدث عنه عندما أتحدث عن الجري:

"الألم لا مفر منه، لكن المعاناة شيء اختياري."
هي الرسالة التي طالما سمعناها: لن تستطيع تجنب المآسي في حياتك على أي حال، لكن بيدك تغيير نظرتك لمأساتك.

رسالة نسوية

ربما تُعتبر أوبرا أيقونة للمرأة الناجحة. في كتابها رسالة نسوية - وإن كانت غير صريحة - لتمكين النساء. هذا اقتباس مباشر من الكتاب:

"عندما كنا فتيات، تعلمنا أن نتفادى المديح. تعلمنا أن نعتذر عن إنجازاتنا. نحاول أن نكون على نفس مستوى عائلاتنا وأصدقائنا عن طريق التقليل من شأن ذكائنا. نرضى بكراسي الركاب بينما نطوق للإمساك بعجلة القيادة. وعندما أصبحنا ناضجات، بدلًا من أن نمتلئ بالشغف والأهداف التي تمكنا من تقديم أفضل ما عندنا للعالم، نفرغ نفسنا في محاولة لإسكات الناقدين. والحقيقة هي أن المشككين في حياتك لن يرضوا أبدًا، سواء اختبأتي أو تألقتي. سيشعرون دومًا بالتهديد."
Photo Credit: Victoria Smith


وهو شيء كنت أفكر فيه مؤخرًا. في علم النفس، هناك ظاهرة تُدعى متلازمة المُدّعي Impostor Syndrome. الأشخاص الذين يعانون من هذه المتلازمة هم عادةً ناجحون في مجالاتهم، لكنهم كثيري الشك في قدراتهم رغم وجود دليل قاطع على مهارتهم. هم يرون أن نجاحهم هو نتيجة لضربة حظ، أو لتمكنهم من خداع الناس بادعاء أنهم أكثر ذكاءًا مما هم عليه في الواقع. (هل يبدو هذا مألوفًا؟..). 

يُعتقد أن الظاهرة تؤثر في النساء بنسبة أكبر من الرجال (مرجع). وهذا في رأيي يرجع إلى السبب الذي ذكرته أوبرا في الاقتباس السابق: منذ الصغر، تتعلم النساء أن يقللن من شأن نجاحهن. لأن المرأة عندما تفتخر بإنجازاتها تُدعى مغرورة، بينما الرجل يُدعى واثقًا من نفسه. 

ختام

وأخيرًا، فالكتاب كان جيدًا لكن يعيبه التكرار في بعض المواضع. كنت أحيانًا أفقد تركيزي مع أوبرا لأنها تعيد تكرار نفس الكلام المرسل مرة وراء الأخرى. ربما هذا شيء طبيعي في مثل تلك الكتب، وهذا سبب آخر لتجنبي لها. 
الكتاب متوفر بالعربية أيضًا، من إصدارات مكتبة جرير. 


الجمعة، 3 أبريل 2020

مراجعة كتاب: In Praise of Difficult Women

الكتاب: In Praise of Difficult Women
الكاتبة: كارين كاربو
اللغة: الإنجليزية
الهيئة: كتاب صوتي
التقييم: 2/5

مرحبًا مرة أخرى. يبدو أن أيام العزل المنزلي هذه ستعيد معدل قراءتي للانتظام مرة أخرى! على الأقل هذا هو الجانب المشرق لهذا الوضع الاستثنائي..

انتهيت للتو من السماع إلى كتاب بعنوان: في مديح المرأة الصعبة: دروس حياتية من 29 بطلة تجرأن على كسر القواعد.
لفت العنوان انتباهي على موقع Audible، وكنت لا أشعر بالرغبة في قراءة كتاب ورقي في ذلك الوقت، فقررت أن أجرب حظي مع الكتب الصوتية مرة أخرى -- فقد كنت معادية لهذا النمط من القراءة من قبل.
بوجه عام، لم تكن التجربة سيئة. باستثناء عدم قدرتي على تظليل الفقرات التي تهمني، لم أواجه مشاكل في السماع عمومًا؛ والآن بدأت الاستماع إلى لكتاب آخر. 

أما عن الكتاب نفسه.. حسنًا، كان مخيبًا للآمال.
يتضمن الكتاب 29 فصلًا، كل منهم هو نبذة عن حياة امرأة تصفها الكاتبة بالصعبة. ظننت أن تعريف المرأة الصعبة يتضمن الإصرار، التحدي للممارسات الذكورية للمجتمع، أو الشجاعة في وجه الظلم المتعمد الذي تتعرض له النساء في كل مكان، لكن، يالسذاجتي، كان تعريف الكاتبة مختلفًا. المرأة الصعبة في نظرها هي كل من تفعل ما يحلو لها، مهما كان أنانيًا، متسلطًا، أو غير أخلاقي. هي المرأة التي لا يحبها الجميع، ولا يزعجها ذلك كثيرًا.

لا أريد أن أظلم الكاتبة هنا؛ فقد استمتعت بالفعل ببعض الفصول. على سبيل المثال، وجدت الفصول التي تحكي فيها عن أنجيلا ميركل، هيلاري كلينتون، أميليا آيرهارت، وفريدا كالو، كلها ملهمة بشدة. تعرفت على إيفا بيرون، السيدة الأولى للأرجنتين ووجدت قصتها أيضًا لطيفة. تلك الأمثلة من النساء كلهن مؤثرات، قويات، ويتماشين مع تعريفي لكلمة المرأة "الصعبة".

لكن في بعض الفصول، بدا أن "الصعوبة" التي تتحلى بها بعض النساء تأتي من كونهن مدللات، ثريات، ومشهورات. في أحد الفصول، تبدي الكاتبة إعجابها بممثلة شهيرة استمرت في الزواج من رجل تلو الآخر، إلى أن استقرت أخيرًا مع الرجل الذي أهداها أغلى المجوهرات! وعندما مات زوجها، تسببت في انهيار زواج أعز صديقاتها لتحظى بزوجها! لا أعلم ماذا تظن عزيزي القارئ لكن أنا شخصيًا أجدها دنيئة وليست صعبة. 

في فصل آخر تبدي إعجابها بمطربة اشتهرت بالصراخ في وجه طاقمها، وأخرى تطالب بمبالغ ضخمة في حفلاتها. يزعجني خلط الكاتبة بين القوة والنرجسية: شعور الفرد بالاستحقاق لمعاملة خاصة. ربما كان الأمر بسبب مرجعية الكاتبة الأمريكية (الثقافة الأمريكية في رأيي هي ثقافة مشجعة على النرجسية في الأساس). 

من السلبيات الأخرى لهذا الكتاب هو تناوله للكثير من قصص مشاهير هوليوود من الممثلات والمطربات. حسنًا، ربما هذه ليست مشكلة الكاتبة، لكن أنا شخصيًا لست مهتمة إطلاقًا بحياة مشاهير عالم الترفيه، وكنت أفضل لو كان الكتاب أكثر احتواءا وتنوعًا. بذكر التنوع، كل النساء المذكورات في الكتاب تقريبًا هن أميريكيات أو أوروبيات متحدثات بالانجليزية، ما عدا اثنتنان من أمريكا اللاتينية. إن عدم ذكر أي نساء من ثقافات أخرى شيء محير.

في سياق متصل، أحيانًا تركز الكاتبة على الحياة العاطفية للنساء، بطريقة توحي لك أحيانًا أن المرأة تستمد قوتها من تعدد نزواتها الغرامية. لست بحاجة لأن أقول إن هذا، ببساطة، ليس صحيحًا.

نقدي لهذا الكتاب لا يعني عدم تقديري لكل النساء المذكورات فيه - بالعكس، فإنني أعتقد أن كل أولئك النساء قد عشن حيوات ملهمة وذات أثر. فقط اعتراضي على معايير الكاتبة لاختيار لحظات معينة من حياتهن.

وأخيرًا أترككم مع مقولة أوسكار وايلد: "إن كل امرأة هي بالضرورة ثائرة". 

السبت، 14 مارس 2020

أول أيام العزل الصحي الاختياري: رسالة إلى العام 2100

ربما لا يقرأ هذه المدونة الكثيرون، ولهذا فأنا لا أكتب لأي جمهور، مما يجعل مهمة الكتابة سهلة قليلًا. حسنًا، ربما يختلف الوضع اليوم: سأتخيل أن أحدهم في العام 2100 يقرأ هذه التدوينة.. هذا بالطبع إن قُدر للبشرية أن تصمد لهذا الوقت.

عزيزي القارئ المستقبلي في العام 2100، أهلًا بك. ربما عليّ التعريف بنفسي، فعلى الأرجح قد متُ منذ سنوات دون أن تسمع عني. أنا طالبة في العشرينات من العمر، مصرية عربية مسلمة. أدرس الآن في بلد بغرب أوروبا، وتحيط بي أجواء تشبه الروايات الديستوبية.

بعد أن أصبحت أوروبا مركزًا لوباء كوفيد-19، الناتج عن فيروس كورونا، أعلن رئيس الجمهورية في محل إقامتي إلغاء المدارس والجامعات إلى أجلٍ غير مسمى، كما نصح بالابتعاد عن أماكن التجمعات والحد من السفر لغير الضرورة. بالطبع، تأثر الجميع بالقرار، فأنا مثلًا اضررت لإلغاء بعض الخطط التي تتضمن سفرًا لمراكز الخطر الحالية.. مما كلفني مبلغًا لا بأس به من المال. أوه، على فكرة، أتمنى أن يكون السفر في العام 2100 قد أصبح أكثر مرونة وأقل تكلفة!

نبذة من خططي الملغاة. (كما ترى، عزيزي المستقبلي، في العام 2020 لا نزال نستخدم الأجندات الورقية لتخطيط يومنا)

اليوم، الرابع عشر من مارس 2020، نبدأ أول أيام العزل الصحي الاختياري، كما يُطلق عليه. ابتعت البارحة ما يكفيني من أساسيات الغذاء لمدة أسبوعين تقريبًا، استعدادًا لفترة غير معلومة من المكوث في المنزل. البروفيسور المسؤول عن دراستي هنا يقول إنه لا يعرف كيف يتصرف (لأول مرة أسمعه يعترف بقلة حيلته)، والناس هنا حذرة، لكنها ليست مصابة بالذعر (بعد).

عزيزي القارئ، في العام 2020 يخرج الناس لممارسة أعمالهم خمس مرات في الأسبوع على الأقل، ثم يخصصون عطلة نهاية الأسبوع للترفيه. لست معتادة على البقاء في حجرتي طوال اليوم، ولكن سأحاول أن أستغل هذه الفرصة للقيام بأنشطة طالما كنت أؤجلها بحجة الدراسة؛ كقراءة الكتب على قائمتي والتواصل مع بعض الأصدقاء القدامى، والكتابة لأشخاص أتخيلهم في المستقبل، مثلك أنت.

لعلك تسأل إن كنتُ قلقة، والإجابة هي نعم ولا. أنا أثق في رحمة الله أولًا وفي قدرة العلم على إيجاد العلاج ثانيًا. إنها مسألة وقت فحسب. ولكني قلقة بشكل أساسي على أهلي في مصر، فبالرغم من أن أوروبا هي مركز الوباء الحالي إلا أن الوضع في مصر قد يكون أسوأ. ربما يكون هناك تعتيم مُتعمد من المسؤلين في مصر، وربما هم  بالفعل يجهلون حجم المشكلة. لا نعرف بعد. بالمناسبة، كيف حال مصر في ثمانين سنة من الآن؟

عزيزي القارئ، كنت أتحدث مع صديقاتي هنا وقلت لهن أني كنت أود لو قضيت فترة العزل هذه مع أسرتي في بيتي بمصر، فردت علي إحداهن بأننا بالفعل كالأسرة هاهنا، وأظن أنها على حق. أنا بالفعل ممتنة لأسرتي الصغيرة هنا في أوروبا، ولم أكن لأصمد كل هذه الأحداث بدونهم. 

عزيزي القارئ، لا أريد أن أكون دراماتيكية، لكن الأوضاع الحالية تجبر المرء على التأمل. إن كان لديك فضولًا حول حياة شابة عشرينية في العام 2020، أريدك أن تعرف أنني في الربع قرن الأول من حياتي قد عشت حياةً حافلة، كما تتخيل، لكنها كانت جيدة حقًا. في العشر سنوات الماضية، تابعت ثورات الربيع العربي، رأيت النجوم من فوق جبل سانت كاثرين، زرت بيت الله الحرام وصليتُ في الروضة الشريفة، مات طائري الأليف المفضل، تخرجت في الجامعة، صنعت أصدقاءًا أصبحوا لي كالأخوة، انتقلت للعيش في قارة أخرى، عملت تحت إشراف مستشارة في وكالة ناسا، صافحت فائزًا بجائزة نوبل، استمعت إلى معزوفة لشوبان في محل ميلاده، جلست في غرفة تغيير ملابس أفضل فريق لكرة القدم في العالم، وفزت بمسابقة طبخ.

ولم تكن تلك حياة سيئة على الإطلاق.


الأحد، 8 مارس 2020

اليوم العالمي للمرأة: مشاهد من أفلام أحبها!

مرحبًا مرة أخرى. يحتفل العالم اليوم، الثامن من مارس، بعيد المرأة، وتختلف مظاهر الاحتفال من بلد للآخر.. هنا في محل اقامتي مثلًا دُعيت للمشاركة في تظاهرات مناهضة للعنف ضد المرأة، وفي بلدان أخرى يُخصص يوم التاسع من مارس إجازة رسمية لكل النساء العاملات. 

أحب الأفلام التي تتناول قضية المرأة. من أفلامي المفضلة في هذا النوع هي التي تتناول حياة المرأة الطموح الذكية، التي يحاول المجتمع أن يفرض عليها قالبًا لا يناسبها. وسواء كنتِ امرأة أو كنت رجلًا، هذه مجموعة من أفلامي المفضلة التي أعتقد أن على الجميع مشاهدتها.

1. An Education

شاهدت هذا الفيلم لأول مرة عندما كنت في الثانوية، أي في نفس عمر البطلة، وشاهدته مرة أخرى السنة الماضية كامرأة ناضجة (تقريبًا؟)، وفي كل مرة ينجح في تثبيت رسالة قوية: على الفتاة أن تكون لنفسها كل شيء. لن يأت فارس على حصان أبيض ليحقق أحلامها ويمنحها سعادة أبدية.
 في هذا الفيلم، تقع البطلة (كاري موليجان) في حب الرجل الخطأ. وكما هو متوقع في مثل هذه الحالات، بالطبع، تنقلب حياتها رأسًا على عقب؛ فبعد أن كانت طالبة مجتهدة تحلم بالالتحاق بأكسفورد، تتحول إلى متمردة ترغب في الاحتفال والرقص والسفر فحسب. هذه واحدة من الحوارات العبقرية في الفيلم، حيث تواجه ناظرة المدرسة بتمردها على النظام الأكاديمي وعلى الحياة التقليدية بشكل عام: 


2. The Intern

في إطار كوميدي لطيف، أقل دراماتيكية من الفيلم السابق، تلعب (آن هاثاواي) دور مديرة ناجحة لشركة ناشئة، وأم وزوجة مُحبة. توظف الشركة رجلًا متقاعدًا (روبرت دي نيرو)، فتنشأ صداقة لطيفة بين المديرة والموظف الجديد. الرسالة النسوية هنا تتجلى في هذا المشهد: تكتشف آن أن زوجها يخونها. وكعادة النساء في حالات الخيانة، تبدأ في إلقاء اللوم على نفسها، فتظن أن نجاحها المهني قد أدى للجوء زوجها للخيانة في سبيل إثبات رجولته. تفكر آن في التخلي عن نجاحها المهني في سبيل إصلاح الخطأ الذي ارتكبه زوجها، وهنا يمنحها (دي نيرو) رسالة ينبغي على كل امرأة أن تسمعها.


3. Mona Lisa Smile

لا يمكن أن نتحدث عن الأفلام النسوية بدون أن نذكر رائعة (جوليا روبرتس). في هذا الفيلم، تلعب جوليا دور أستاذة لتاريخ الفنون، تقبل وظيفة في كلية مرموقة للفتيات. تحاول جوليا أن تلهم طالباتها بأن يكون لهن طموح لخوض حياة استثنائية، بدلًا من الاكتفاء بخدمة زوج وتربية أبناء. (عليّ أن أوضح هنا: شخصيًا، لا أجد مشكلة في كون طموح بعض النساء ينحصر في الجانب العائلي والشخصي، طالما كان ذلك الطموح نابعًا من رغبتها هي. ولكني مع ذلك أعترض على رؤية المجتمع للمرأة ذات الطموح العملي كمتمردة على منظومة الزواج والتقاليد الأسرية). بالإضافة إلى ذلك، يتناول الفيلم أيضًا ديناميكية العلاقات بين الفتيات واختلاف وجهات نظرهن في هذا السن.
في هذا المشهد، نرى كيف تكون أكبر عدو للمرأة هي امرأة أخرى. من أعظم لقطات الفيلم عندما تواجه الأستاذة طالباتها، أذكى طالبات البلد، الذين لم يتقبلن رسالتها بشكل جيد:



4. الباب المفتوح

الباب المفتوح هو فيلم مصري مبني على رواية رائعة للكاتبة لطيفة الزيات. لما شفت هذا الفيلم لأول مرة وقرأت الرواية، أدهشتني كمية الأفكار التقدمية التي ناقشها في تلك الفترة من تاريخ مصر. الفيلم والرواية يطرحان قضية تمكين المرأة وتحرير الأمة في نفس الوقت، كم تمنيت لو كنت قد عاصرت تلك الفترة!
من أروع مشاهد الفيلم والرواية هو ذلك الخطاب الذي أرسله حسين لليلي من الخارج، ليؤكد لها إيمانه بها، وأن حبه لها لا يعني فقدانها لحريتها. هذا أيضًا من الأفلام التي على كل فتاة مشاهدتها.


لقراءة الخطاب نصًا: اضغط هنا.

أتمنى لكم يومًا سعيدًا ومشاهدة ممتعة!

الأربعاء، 19 فبراير 2020

عالم جديد شجاع

"ما فائدة الحقيقة أو الجمال أو المعرفة عندما تنهمر قنابل الجمرة الخبيثة فوق رأسك؟"، يتساءل ألدوس هكسلي في روايته الديستوبية الشهيرة عالم جديد شجاع.



يمر بذهني نفس التساؤل وأتذكر أحداث الرواية بينما أقف في المطر، مطأطأة الرأس، منتظرة زميلتي بينما تشتري طلباتها من السوبرماركت. السماء تمطر بعنف اليوم ومزاجي معتل، تمامًا كالطقس أو ربما بسببه. حذائي مبتل وفقدت أحساسي بأطراف أصابع قدميّ. كان يومًا طويلًا فحسب، وكنت أشتاق للشمس. شمس مصر تحديدًا، وكأنما لا توجد الشمس في غيرها.
ثم أتذكر أيضًا، بدون سبب واضح، مقولة بطل الرواية في نهايتها: "أنا لا أريد الراحة. أريد أن أعرف الله. أريد الشِعر، أريد الخطر الحقيقي، أريد الحرية، أريد الخير، أريد الخطيئة. أنا أطالب بحقي في أن أكون تعيسًا". 

ثم تقترب مني عجوز لطيفة بابتسامة تذكرني بجدتي - رحمها الله. لا يبدو أنها تجد مظهر حجابي غريبًا على نقيض أهل البلد هنا، فتشير لي أن أقترب. أحاول أن أقول لها إني لا أتكلم البولندية؛ لكن سرعان ما أفهم ما تريد أن تقوله على أي حال: تريدني أساعدها في وضع "تربون" خفيف على شعرها الفضي؛ في محاولة لحماية تصفيفة شعرها من المطر. هذا أيضًا يذكرني باهتمام جدتي بأناقتها. أستغرب طلبها لوهلة، لكن بعد أن أقترب منها، أرى كيف ترتعش يداها. كانت المسكينة تكافح لتغطية رأسها: مُهمة أنفذها أنا في بضع ثوان. بعد أن أساعدها في المهمة، تبتسم لي تلك الابتسامة التي تذكرني بجدتي مرة أخرى، وفجأة يصبح الجو أكثر دفءًا، ولا يزعجني المطر كثيرًا.

ربما لا نفع من الحقيقة والجمال والمعرفة بينما ينهار العالم من حولنا. ربما لا ضرورة في مطالبة المرء بحقه في التعاسة. ربما كل ما يسعنا تقديمه لبعضنا البعض هو بعض التعزية، ليصبح فناؤنا حدثًا أقل ديستوبيّة.

كتب في وارسو، أكتوبر 2019.

الاثنين، 3 فبراير 2020

ربما عليك التحدث إلى شخص ما

الكتاب: Maybe You Should Talk to Someone 
المؤلفة: لوري جوتليب
اللغة: الانجليزية
التقييم: 5/5


قال عالم النفس السويسري كارل يونج: "الناس على استعدادٍ لفعل أي شيء على الإطلاق، مهما كان سخيفًا؛ لتجنُب مواجهة أنفسهم". ومن هنا يمكنني القول أن هذا الكتاب هو سلسلة مواجهات للنفس. لم أتوقع أن يعجبني لهذا الحد (بصراحة، توقعت أن أجد سخافات التنمية الذاتية التي يحبها بعض الأطباء النفسيين)، وبالطبع سعيدة لقراءته في وقت حاجتي له.  



لوري جوتليب هي طبيبة نفسية في الأربعينيات. ينقلب عالمها رأسًا على عقب بعد ما تركها حبيبها فجأة وبدون مقدمات، فبدلًا من التخطيط لحفل زفاف معًا، عليها الآن التخطيط لمستقبل مجهول وحدها. بعدما فشلت في تخطي الأمر كتجربة عاطفية غير موفقة فحسب، تجد جوتليب نفسها في حاجة إلى التحدث إلى شخص ما، وهذا يعني شخصًا محترفًا. فماذا يحدث عندما تذهب طبيبة نفسية لتلقي العلاج النفسي؟

"لا يمكننا التغير بدون تذوق مرارة الفقد، ولهذا يقول الكثير أنهم يريدون أن يتغيروا، لكن مع ذلك يظلون كما هم".

من خلال فصول الكتاب، لا نتابع فقط تطور علاج لوري، بل نرى أيضًا لمحات من حياة مرضاها. هناك شخص مصاب باضطراب الشخصية النرجسية، وأخرى حديثة الزواج تحارب سرطانًا مميتًا، وشابة عشرينية تائهة بين الكحول والرجال السيئين، وعجوز سبعينية تبحث عن الحب وأحيانًا تهرب منه (وتريد الانتحار أيضًا بالمرة). يا لها من مجموعة! يمكن القول أن قصة لوري نفسها هي أقل تلك القصص إثارة للاهتمام!


"من الأشياء التي لا يحب الناس التفكير فيها هي أن المرء يمكن أن يفعل كل شيء على وجه الصواب: في الحياة أو في العلاج، ومع ذلك تجري الأمور بشكل سيء. وعندما يحدث ذلك، يمكنك فقط التحكم في رد فعلك تجاه هذا الموقف، بطريقتك أنت، لا بالطريقة التي يظن الناس أنها الصواب."

عبر فصول الكتاب، نشاهد تطور الشخصيات الأساسية. يصبح الرجل النرجسي أكثر تعاطفًا مع أحبائه ومع لوري نفسها، وتنكشف جوانب من شخصيته وماضيه شيئًا فشيئًا لنرى أن شخصيته المتغطرسة هي غطاء لماضِ قاس.

تصوري لشكل الشخصية. لا أعرف لماذا أراه في ذهني رجلًا أصلع من أصول روسية!

بالمثل، تتعامل مريضة السرطان مع مرضها بشكل أكثر وعيًا. هناك كلمة في اللغة الانجليزية احترت طويلًا في ترجمتها: grace، القادمة من اللاتينية gratus (قد تترجم إلى الفضيلة أو الشرف أو السمو عن كل ما هو دنيء، لكن ما زلت لا أرى هذه الترجمات كافية). يمكن القول أن المريضة هذه هي تجسيد لمفهوم الـgrace، وبالنسبة لي كانت هي الشخصية الأكثر عمقًا في الكتاب. 

"عندما ينهار الحاضر، ينهار معه المستقبل الذي ربطناه بالحاضر. وانهيار المستقبل هو أعظم النهايات المفاجئة جميعًا. لكن إذا قضينا حاضرنا في محاولة إصلاح الماضي أو التحكم في المستقبل، سنظل عالقين في مكاننا، في ندم أبدي".

أما الشابة العشرينية، فتتعلم مواجهة نفسها بمشكلتها مع الكحول، كما تتعلم سبب انجذابها لرجال غير مناسبين.

"تعاطف الأحمق هو تجنب مناقشة الأمور مع الآخر من أجل مراعاة مشاعره، مع أن الأمور بالفعل تحتاج للمناقشة، وهنا يصبح تعاطفك مضرًا أكثر من صراحتك".

أما العجوز السبعينية، فتتعلم أخيرًا أن تسامح نفسها على ما صدر منها من أخطاء في الماضي، وأن تفتح أبواب قلبها - مرة أخرى وللأبد - للحب، بكل صوره. 

تقول العجوز السبعينية في الكتاب: "It ain't over till it's over."، وهو ما يذكرني باقتباس لتشيخوف (بالطبع. ذاك الروسي الوسيم مرة أخرى!) من رواية رجل مجهول:
 "سوف نحيا! الشمس لا تشرق في اليوم مرتين، والحياة لا تعطى مرتين.. فلتتشبث بقوة ببقايا حياتك ولتنقذها!"
الموسيقى المصاحبة:

كتب في برشلونة، إسبانيا. فبراير 2020