‏إظهار الرسائل ذات التسميات ثرثرة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات ثرثرة. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، 11 أكتوبر 2021

تدوينات ‏صغيرة ‏#٩

تقول صديقتي إن الأشياء الجيدة تحدث هكذا، دون تخطيط، دون أكشن أو دراما.. مما سبب لي نوعًا من الاندهاش، فأنا أخطط دائما. 

علي التحضير لكلمة ألقيها للطلاب المهتمين ببرنامج الماجستير الخاص بي وأن أجيب عن أسئلتهم. علي كذلك أن أنهي العمل على ورقتي البحثية قبل نهاية الشهر.. وأنا التي ظننت أن بوسعي الحصول على اجازة!

أحيانا أنسى أن من حقي أن أتمهل قليلا وأن أخصص بضع دقائق في اليوم لنفسي، دون الشعور بالذنب.

السبت، 9 أكتوبر 2021

تدوينات صغيرة #8

 
  • صوت محمد فوزي مبهر رغم بساطته، أو ربما بسببها. ثمة دفء مألوف أشعر به في كل مرة أستمع إلى ألحانه الخالدة. محمد فوزي هو المحب المخلص، لا يكترث لاعتبارت الإيجو والتُقل والتمهل. "ليّ عشم وياك يا جميل إن بُحت بالسر تصونه". 
  • لي صديقة أستطيع أن أقول لها بكل جدية "أنا أحبك"، دون الشعور بالحرج، دون انتظار "وأنا أيضًا" في المقابل، ودون أن أضطر إلى التعبير عن هذا الحب عبر المزاح (عادة سيئة أحاول التخلص منها). 
  • هناك أغنية لفرقة The Script اسمها This = Love، يحاولون فيها تحدي الصورة النمطية للحب المكون من رجل وامرأة، فيذكروننا أن الحب هو أيضًا في علاقة الأم بأطفالها والأب ببيته والجندي بوطنه. ذكرتني الأغنية بحوار دار بيني وبين زميل لي في استراحة قهوة، كان قد يأس من رحلته الأكاديمية فسألني يومًا: لماذا نفعل ما نفعله هذا، وما الجدوى حقًا؟ فقلت دون تفكير: من أجل الحب، بالطبع. نحتمل كل هذا من أجل الحب. فاقتنع وذهب لاستكمال عمله في مختبره. 

الخميس، 7 أكتوبر 2021

تدوينات صغيرة #7

"وإن مت اليوم، أتمنى أن أبعث غدًا في صورة فنجان قهوتك الصباحية. بنفس القوة، وبنفس الأهمية." 

- تايلر نوت جريجسون

الثلاثاء، 5 أكتوبر 2021

تدوينات صغيرة #6

يقول باولو كويلو إنك إن أردت شيئًا بحق، فإن الكون كله يتآمر معك من أجل أن تناله. وأقول أنا إن المرء إن أراد شيئًا بحق، حرك جبالًا وفرّق بحورًا ليناله، وهنا يكمن الفرق بين شخص ينتظر من الكون أن يساعده، وآخر يصنع كونه الخاص.

السبت، 2 أكتوبر 2021

تدوينات صغيرة #4

بدأت رحلة البحث عن شقة. الناس هنا متحفظون قليلًا ومهذبون، كطبع الألمان عامة، لكنهم شديدي الطيبة والشهامة. تعلمت اليوم أن فكرة المجاملات لا توجد في العقلية الألمانية. لا يوجد لديهم ما نقول عليه "عزومة مراكبية"، لذا فإن عرض أحدهم مساعدة أو خدمة، فهو يعنيها حقًا. حتى عبارة "سررت بمعرفتك" التي نقولها عفويًا فور مقابلة أحدهم، لا يوجد لها مكافئ في اللغة؛ فهم يقولون "سررت بمعرفتك" عندما يعنون قولها لشخص مميز حقًا. تروق لي فكرة أن يقول الشخص ما يعنيه ويعني ما يقوله.

تعجبني المدينة، ويعجبني الطقس، رغم أنها تثلج في الشتاء كثيرًا وأنا أحب الشمس. لا بأس، سنجد حلًا.

في بالي أغنية فرج سليمان: "شويّ بتوجع برلين، حلوة ومليانة ناس.. بس بشتاق لأم صبري وبشتاقلك إنتي بالأساس". لكن الحياة تستمر. 

الجمعة، 1 أكتوبر 2021

تدوينات صغيرة #3

 


العاشرة مساءًا، قطار ميونخ. الكهل الجالس أمامي مضطرب، يبدو أنه قد نسي كمامته ويبحث عنها بقلق في جيوب حقيبته. ألاحظ قلقه فأعطيه كمامة من معي. يندهش قليلًا، ثم يبتسم ويأخذها. بعد قليل يقول لي إنه سوف يساعدني في حمل حقيبتي الثقيلة عندما نصل إلى المحطة. أدرك أنه ربما هكذا هي أوروبا - أو ألمانيا تحديدًا؛ الناس يرون أفعال المساعدة البسيطة كما يرون المعاملات التجارية.. خذ وهات. 

أصل إلى وجهتي في الواحدة صباحًا، أصعد درج خشبي إلى شقتي في العلية. النجوم هنا ساطعة ويبدو أنني سأحب هذه المدينة.

الأربعاء، 29 سبتمبر 2021

تدوينات صغيرة #2


  • الليلة هي ليلتي الأخيرة في فرنسا (كمقيمة). مشاعر متضاربة، ما بين الحزن على فراق كل ما بنيته خلال العامين الماضيين، الخوف من المستقبل، والحماسة لبدء موسم جديد، صفحة جديدة، في مكانٍ (يشاع عنه أنه) أفضل. يتزامن انتقالي مع بداية فصل الخريف؛ فصل التغيرات الكبيرة، للأفضل أو للأسوأ. لنرى.
  • لا شيء في العالم أكثر جاذبية من شخص يجعلك تضحك أثناء شجارك معه - حكمة ألفتها للتو.

الثلاثاء، 28 سبتمبر 2021

تحدي مائة يوم من التدوينات الصغيرة #1

يقول هاروكي موراكامي إن قراراته عفوية سريعة، فهو لم يخطط لأن يصبح كاتبًا، بل قرر يومًا أن يشتري مجموعة أوراق وأقلام للكتابة وشرع في كتابة أول قصصه القصيرة، ولم يتوقف منذ حينها. مثل موراكامي، أحيانًا أتخذ قرارات سريعة، فقط لأنني أشعر في تلك اللحظة برغبة عارمة في تنفيذ هذا الشيء أو ذاك. والتدوينات القصيرة (بنظام الخواطر أو اليوميات) واحدة منها.

أفكر الآن في عملي، في المخططات والتجارب وكتابة الأوراق البحثية التي لا تنتهي. من المحزن أنني أفكر دائمًا بالعمل، حتى بينما أستمتع بشهر من الإجازة. يدور في رأسي أنني ربما اخترت أسوأ مجال عمل على الإطلاق؛ فالأكاديميا غير مجدية ماديًا، شاقة نفسيًا، ومحطمة للمعنويات أحيانًا. قرأت يومًا إن المجال الأكاديمي هو المجال العملي الأكثر ضررًا بالصحة النفسية على الإطلاق..

لكن العمل في الأكاديميا، شأنه شأن كل الأفعال الغبية التي يرتكبها البشر بأنفسهم، فهم يرتكبونه باسم الحب. والحب هو العذر الأقوى على الإطلاق، كما نعرف جميعًا. 





الأحد، 13 يونيو 2021

إعادة اكتشاف الضحك



عينان بنيتان تحملان طيبة العالم

أعلق عينيّ بهما تعلق الغريق بقشة.

وابتسامة تدفئ برد ليال الشمال.

نضحك معًا،

في الشارع المعتم،

في الساعة المتأخرة،

فيخيل لي أننا وحدنا على هذه الأرض.

أو أننا أول من عرف الضحك.

أريد أن أسألك: كيف تظن كان شعور آدم وحواء،

حين اكتشفا الضحك لأول مرة؟

ثم أتراجع.

أحاول، بكل طاقتي، أن أحمل قلبك برفق.


الحياة تبدو سهلة.

لا، انتظر، ليست سهلة أبدًا. أنت تعرف ذلك جيدًا.

كلانا نعرفه.

لكن ما أعنيه هو، إنها سهلة.. معك.

وعندما نفترق، 

ستعود صعبة مرة أخرى.

الجمعة، 16 أبريل 2021

والجنة فرط حنان

هناك لحظة في حياة كل منا تقسم عندها حكايته إلى نصفين، "ما قبل" و "ما بعد" الحادث. في كثير من الأحيان، تكون تلك اللحظة مصحوبة بفقدان المرء لبرائته، وإدراكه أنه أصغر، وأضعف، بكثير مما اعتقد. الحادث هو ما يجعله يكفر بقول مكسيم جوركي بأن "الناس جهلة وليسوا أشرارًا"، ليدرك أن الشر موجود بالفعل، وتلك سنة الله في الأرض.

بالنسبة إلي، كانت تلك اللحظة عندما رأيت القسوة مجسدة في عينين بشريتين. في الإنجليزية تعبير يقول looked the devil in the eye، وهو كناية عن الشجاعة أمام موقف صعب. لكنني أحب أن أستخدمه كناية عن لحظة فقدان البراءة، وهي لحظة أبعد ما تكون عن الشجاعة.

قبل غروب الشمس فوق أحد تلال جنوب فرنسا

يقول فؤاد حداد، في سطرين من أجمل ما كتب:

 "الجحيم يساوي قسوة بني آدم، 

والجنة فرط حنان".

ولا أظن أن هناك من عبر عن الصراع بين الخير والشر في إيجاز أكثر رقة. 

أما عن الشجاعة الحقيقية، فهي أن تقرر أن تؤمن بالسطر الثاني، رغم أن قلبك ما زال ينزف كلما تذكرت السطر الأول.

الجمعة، 5 فبراير 2021

وفي عمق الشتاء البارد.. صيف لا يقهر

 مضى زمن طويل منذ آخر مرة استشعرت فيها دفء البشر تجاه من لا يعرفونهم. ربما وقت طويل أكثر من اللازم.

لا شيء يقرب البشر بعضهم ببعض كالسفر. (وربما لذلك السبب اخترت لنفسي، دون وعي مني، حياةً على ظهر حقيبة سفر؟ أكان ذلك لأنني أريد أن أقترب من البشر؟ هأنذا أحلل نفسيتي مرة أخرى..).



 في رحلتي السابقة من شمال فرنسا إلى جنوبها، تعثرت ببعض الأشخاص في غاية اللطف، جعلوا رحلة الـ12 ساعة تمضي بسرعة كبيرة. 

ابتداءًا من الرجل ضخم الهيئة الذي ساعدني في حمل حقيبتي الثقيلة عبر سلالم سكك القطار.

ثم السيدة اللطيفة التي صاحبتني في انتظار الباص. إنها تعيش بالقرب من ديزني لاند باريس، يا لحسن حظها!

ثم الشاب الذي ساعدني في حمل حقيبتي عبر إحدى حدائق باريس ليلًا بعدما رفضت مساعدته كثيرًا، فقال إنه يتفهم كون باريس مكانًا مخيفًا في المساء لفتاة بمفردها. وكان معه حق، فكنت خائفة منه بالفعل!

ثم السيدة التي كانت تحيك "الكروشيه" في مقعد خلفي في الباص، استضاء وجهها واحمر خجلًا لما قلت لها إن ما تصنعه جميل حقًا. 

قد تكون الصفة المنتشرة عن الفرنسيين هي أنهم متكبرون ولا يقدمون المساعدة، لكنني على استعداد للجدال ضد هذه الفكرة.

هناك ألفة غريبة تجمع أشخاصًا لا يشتركون في شيء غير جلوسهم معًا في باص متجه إلى مدينة واحدة. مدينة جنوبية يتحدث أهلها بلكنة مضحكة في نظر باقي أهل فرنسا، ويجلسون كل يوم على ضفاف النهر وقت الغروب. مدينة تحبها الشمس كثيرًا، حتى في الشتاء. مدينة تشعرني أن مقولة ألبير كامو الشهيرة: "وفي عمق الشتاء البارد، اكتشفت أن في داخلي صيف لا يقهر"، قد كُتبت من أجلها.

في السفر، ننسى من نحن في الحقيقة. ننسى من أين أتينا ومم نخاف؛ ننسى أننا نخاف المشي في الحدائق ليلًا وأننا نستحي من طلب المساعدة ومن اختلاق حديث عابر مع الغرباء. وننسى أننا وحدنا. 

"يقول مسافر في الباص: كل شيء يعجبني، حتى مسافة الثمانمائة كيلومتر!"، عذرا درويش..


الجمعة، 25 ديسمبر 2020

لماذا عليك أن تقرأ لإبراهيم أصلان

 من يعرفني جيدًا يعرف حبي لأدباء الستينات المصريين، وعلى رأسهم عمنا، عم الكل، إبراهيم أصلان. ورغم أن الكثير من أبناء جيلنا الآن يجهلونه للأسف، إلا أن للرجل أفضالًا عظيمة على القصة القصيرة والرواية المصرية. من العجيب أن نر أغلب الشباب يعرفون فيلم "الكيت كات" لمحمود عبد العزيز بينما يجهلون العقل العبقري صاحب الرواية الأصلية!

محمود عبد العزيز (الشيخ حسني) في فيلم الكيت كات

ولد أصلان في أحد قرى طنطا، لكنه عاش في القاهرة أغلب حياته، تحديدًا في امبابة والكيت كات، ومن هذه الأماكن استلهم أبرز أعماله، منها رواية "مالك الحزين" التي تحولت فيما بعد إلى فيلم "الكيت كات" الشهير. 

عمل أصلان كبوسطجي قبل احترافه للكتابة، ومن المثير للاهتمام أنه قد قابل الكثير من مشاهير الأدب والكتابة في المجتمع المصري أثناء عمله كموظف بسيط في البوسطة، قبل أن يشتهر ككاتب. 

عاش أصلان حياة بسيطة، حياة مصرية بامتياز. لم يكن أصلان قط ذلك الكاتب المتأنق ذو البذلة المهندمة والنظارة الشمسية السميكة والبايب الفاخر، بل كان دائمًا قريبًا من الشارع، يعيش فيه ويكتب عنه. في مؤلفاته دفء عجيب، وعندما أصفه بـ"عمنا" فذلك لأنني أشعر أمام كتاباته كأنني في حديث سمر مع عمي. فهو بسيط، دافئ، "مصري"، ولا يخلو من عمق.

يقول نجله إن أصلان أراد أن يصبح كاتبًا عندما قرأ قصة "موت موظف" لتشيخوف. أتدرون الآن لم أحب تشيخوف كثيرًا؟ 

وقيل عنه أيضًا: "كان بيكتب بالأستيكة مش بالقلم، من كتر ما بيمسح". في كتاباته نرى عبقرية الإيجاز (أيضًا كتشيخوف)، فكل لفظة مختارة بعناية، لا تزيد ولا تقل عن الضروري للتعبير عن المعنى. 

هذا وثائقي قصير شاهدته منذ قريب عن إبراهيم أصلان، أنصح به بشدة.


أحببت أن أتحدث عن أصلان اليوم لأنني قرأت "خلوة الغلبان" مجددًا هذا الأسبوع. خلوة الغلبان هي مجموعة مقالات، هي أقرب للذكريات والسيرة، كتبها أصلان بلغة سهلة عذبة كعادته، وبشعور من الحنين إلى الماضي لا تملك تجاهه إلا أن تبتسم.. رحمة الله عليك يا طيب.


اقتباساتي المفضلة لإبراهيم أصلان:

"لا يجب أن تتحدث عن الحب بل عليك أن تتحدث بحب، فكل النصابين يجيدون أحاديث الهوى... ولا يجب أن تتحدث عن العدل بل يجب عليك أن تتحدث بعدل لأنه لا يجيد الحديث عن العدل مثل الظالمين."

"كان حريصا على أن يختلي بي لكي يخبرني بأن على الواحد أن يعيش ويراقب ما شاء، شرط أن يحرص على بقاء مسافة بينه وبين الواقع، مسافة يأمن معها أن لا ينكسر قلبه. وأنا لا أنسى هذه الوصية لأنها، شأنها شأن الوصايا التي لا تنسى، قيلت في وقتها تماما، لم يقلل من قيمتها أن القلب انكسر فعلا."


السبت، 25 يوليو 2020

الجورنيكا

مدريد، يوليو عام 2020، متحف الملكة صوفيا الوطني للفنون، السابعة والنصف مساءا. هناك طابور طويل لدخول المتحف، وشمس صيف مدريد الحارقة لا ترحم.

بعد أن نتخطى التفتيش الأمني، نمشي مسافة لا بأس بها لنصل في النهاية إلى قاعة فسيحة مطلية بالكامل باللون الأبيض، ويتوسطها أقوى ما رأيت من صور الفن على الإطلاق: لوحة الجورنيكا لبابلو بيكاسو. 



يقع الحشد كله في صمت مطبق من هول المنظر. خمسون زائر، ولا حركة، كأن على رؤوسهم الطير. كان المشهد مهولًا، لم أر في حياتي مثله. 

اختلف الناس في تعريف الفن. يرى البعض أن الفن هو كل جميل، كما تقول أم كلثوم القلب يعشق كل جميل. لكن بالنسبة لي الفن لا ينبغي أن يعشق في الأساس. أرى أن الفن هو كل ما له القدرة على أن يبث شعورًا ما، وإن كان ذلك الشعور سلبيًا. لوحة الجورنيكا ليست جميلة؛ في الواقع هي بشعة. لكن بمجرد رؤيتها، لا تنكر أنها تبعث إليك إحساسًا مقيتًا ببشاعة الحرب.

قصة اللوحة

الجورنيكا هي جدارية رسمها بيكاسو تخليدًا لقصف مدينة جورنيكا في شمال إسبانيا بإقليم الباسك. في عام 1937 أثناء الحرب الأهلية الإسبانية، قامت قوات سلاح الجو الألماني النازي بقصف المدينة مساندةً لقوات الفاشيين الإسبان بقيادة الجنرال فرانكو. كانت المدينة وقتها مأهولة بالأطفال والنساء لانشغال الرجال بالانضمام إلى قوات المقاومة الجمهورية في أماكن أخرى، وهذا ينعكس على عناصر اللوحة.


أصبحت الجورنيكا رمزًا لتجسيد بشاعة الحرب، وعُلقت نسخة منها في قاعة مؤتمرات الأمم المتحدة.

رغم كل هذا، وبعد قرن من الزمان، لم يتغير شيء. لا تزال أحداث الجورنيكا تتكرر، ولكن في أماكن أخرى من العالم. يكفي هنا أن نتأمل، فكم من "جورنيكا" تحدث الآن ولا يحفل بها أحد؟ أنظر حولك.


"إياك أن تظن أن الحرب، مهما كانت ضرورية أو مبررة، ليست جريمة". - إرنست هيمنجواي

الجمعة، 10 يوليو 2020

لدي حبيبان: باريس ووطني

ليلة صيفية في باريس، حقيبة مليئة عن آخرها بالملابس والهدايا التذكارية للعائلة، وتذكرة وحيدة إلى القاهرة. أتمشى مع زميلة لي في المدينة التي سحرت الملايين، وأشكر الله لأنه سخر لي فرصة العيش على بعد بضعة ساعات من عاصمة النور، التي لا زلت أكتشفها مرة بعد الأخرى. 




نجلس في مطعم باريسي يقدم البيتزا الإيطالية بأيدي طهاة مغاربة. صديقتي حادة الطباع قليلًا؛ فسرعان ما تتشاجر مع النادلة لأنها لم توصِ على الزيتون كما اتفقتا. يتجادلان بالفرنسية رغم أن العربية هي اللغة الأم لكليهما. وكأي صديقة جيدة، أحاول أن أساند صديقتي في هذه المعركة المهمة. أضحك في سري قليلًا، وأهنئ نفسي على شجاري الأول باللغة الفرنسية. ولا يسعني إلا الإعجاب بصديقتي ومطالبتها بحقها في زيتون أكثر. أتسائل كم مرة رغبتُ أنا فيما هو أكثر، أفضل، أصدق، فلم أطالب به خجلًا وجبنًا. لا يضيع حق وراءه مطالب.

بعد العشاء نتمشى قرب Shakespeare and Co. وكنيسة نوتر دام. لا تفهم صديقتي الباريسية سر احتفاء السياح بمقهى شكسبير آند كو. قد يكون معها حق، لكن أنا معجبة تمامًا بالفكرة. 

أتفهم تمامًا لماذا وقعت جوزفين بيكر في حب باريس حتى أنشدتها تحفتها الخالدة J'ai deux amours. لدي حبيبان: باريس ووطني. 



أستمر في المشي مع الصديقة حتى أصل إلى فندقي قرب منتصف الليل. أودعها ثم أدخل الفندق لأتجاذب أطراف الحديث مع الموظف الخمسيني اللطيف في الريسبشن. يحضر لي كوبًا من الشاي المساعد على الاسترخاء، رغم تعليمات الفندق بمنع تقديم المشروبات للضيوف كإجراء احترازي ضد الفيروس. نتحدث بالفرنسية قليلًا ثم أكتشف إنه إسباني من جاليثيا، فأخبره بأنني زرت هذا المكان منذ ثلاث سنوات. أحدثه بإسبانية ركيكة، وبعد قليل أكتشف أيضًا أنه يعرف بعض الكلمات العربية. يا له من عالم صغير! 

أصعد إلى غرفتي لأنهي كوب الشاي. أستسلم لنوم عميق لأستعد لرحلتي غدًا، حاملة في قلبي الكثير من الامتنان لباريس على ليلة لا تنسى.

السبت، 14 مارس 2020

أول أيام العزل الصحي الاختياري: رسالة إلى العام 2100

ربما لا يقرأ هذه المدونة الكثيرون، ولهذا فأنا لا أكتب لأي جمهور، مما يجعل مهمة الكتابة سهلة قليلًا. حسنًا، ربما يختلف الوضع اليوم: سأتخيل أن أحدهم في العام 2100 يقرأ هذه التدوينة.. هذا بالطبع إن قُدر للبشرية أن تصمد لهذا الوقت.

عزيزي القارئ المستقبلي في العام 2100، أهلًا بك. ربما عليّ التعريف بنفسي، فعلى الأرجح قد متُ منذ سنوات دون أن تسمع عني. أنا طالبة في العشرينات من العمر، مصرية عربية مسلمة. أدرس الآن في بلد بغرب أوروبا، وتحيط بي أجواء تشبه الروايات الديستوبية.

بعد أن أصبحت أوروبا مركزًا لوباء كوفيد-19، الناتج عن فيروس كورونا، أعلن رئيس الجمهورية في محل إقامتي إلغاء المدارس والجامعات إلى أجلٍ غير مسمى، كما نصح بالابتعاد عن أماكن التجمعات والحد من السفر لغير الضرورة. بالطبع، تأثر الجميع بالقرار، فأنا مثلًا اضررت لإلغاء بعض الخطط التي تتضمن سفرًا لمراكز الخطر الحالية.. مما كلفني مبلغًا لا بأس به من المال. أوه، على فكرة، أتمنى أن يكون السفر في العام 2100 قد أصبح أكثر مرونة وأقل تكلفة!

نبذة من خططي الملغاة. (كما ترى، عزيزي المستقبلي، في العام 2020 لا نزال نستخدم الأجندات الورقية لتخطيط يومنا)

اليوم، الرابع عشر من مارس 2020، نبدأ أول أيام العزل الصحي الاختياري، كما يُطلق عليه. ابتعت البارحة ما يكفيني من أساسيات الغذاء لمدة أسبوعين تقريبًا، استعدادًا لفترة غير معلومة من المكوث في المنزل. البروفيسور المسؤول عن دراستي هنا يقول إنه لا يعرف كيف يتصرف (لأول مرة أسمعه يعترف بقلة حيلته)، والناس هنا حذرة، لكنها ليست مصابة بالذعر (بعد).

عزيزي القارئ، في العام 2020 يخرج الناس لممارسة أعمالهم خمس مرات في الأسبوع على الأقل، ثم يخصصون عطلة نهاية الأسبوع للترفيه. لست معتادة على البقاء في حجرتي طوال اليوم، ولكن سأحاول أن أستغل هذه الفرصة للقيام بأنشطة طالما كنت أؤجلها بحجة الدراسة؛ كقراءة الكتب على قائمتي والتواصل مع بعض الأصدقاء القدامى، والكتابة لأشخاص أتخيلهم في المستقبل، مثلك أنت.

لعلك تسأل إن كنتُ قلقة، والإجابة هي نعم ولا. أنا أثق في رحمة الله أولًا وفي قدرة العلم على إيجاد العلاج ثانيًا. إنها مسألة وقت فحسب. ولكني قلقة بشكل أساسي على أهلي في مصر، فبالرغم من أن أوروبا هي مركز الوباء الحالي إلا أن الوضع في مصر قد يكون أسوأ. ربما يكون هناك تعتيم مُتعمد من المسؤلين في مصر، وربما هم  بالفعل يجهلون حجم المشكلة. لا نعرف بعد. بالمناسبة، كيف حال مصر في ثمانين سنة من الآن؟

عزيزي القارئ، كنت أتحدث مع صديقاتي هنا وقلت لهن أني كنت أود لو قضيت فترة العزل هذه مع أسرتي في بيتي بمصر، فردت علي إحداهن بأننا بالفعل كالأسرة هاهنا، وأظن أنها على حق. أنا بالفعل ممتنة لأسرتي الصغيرة هنا في أوروبا، ولم أكن لأصمد كل هذه الأحداث بدونهم. 

عزيزي القارئ، لا أريد أن أكون دراماتيكية، لكن الأوضاع الحالية تجبر المرء على التأمل. إن كان لديك فضولًا حول حياة شابة عشرينية في العام 2020، أريدك أن تعرف أنني في الربع قرن الأول من حياتي قد عشت حياةً حافلة، كما تتخيل، لكنها كانت جيدة حقًا. في العشر سنوات الماضية، تابعت ثورات الربيع العربي، رأيت النجوم من فوق جبل سانت كاثرين، زرت بيت الله الحرام وصليتُ في الروضة الشريفة، مات طائري الأليف المفضل، تخرجت في الجامعة، صنعت أصدقاءًا أصبحوا لي كالأخوة، انتقلت للعيش في قارة أخرى، عملت تحت إشراف مستشارة في وكالة ناسا، صافحت فائزًا بجائزة نوبل، استمعت إلى معزوفة لشوبان في محل ميلاده، جلست في غرفة تغيير ملابس أفضل فريق لكرة القدم في العالم، وفزت بمسابقة طبخ.

ولم تكن تلك حياة سيئة على الإطلاق.