السبت، 18 يوليو 2020

رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك: مراجعة



الكتاب: رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك
الكاتب: الأمير محمد علي
اللغة: العربية
صيغة القراءة: Kindle
التقييم: 3/5

منذ شهر تقريبًا، بدأت ناد افتراضي للقراءة مع بعض الأصدقاء، في محاولة لإيجاد مساحة للقراءة الجماعية والنقاش في أمور أدبية (وهو أمر افتقدته كثيرًا منذ مغادرتي لمصر، وزاد سوءًا مع تفشي الوباء). وقع اختيارنا الأول على كتاب "رحلة الصيف"، للأمير محمد علي. والأمير محمد علي هو شقيق الخديو عباس الثاني، ولد في القاهرة ودرس فيها، ثم تعلم في أوروبا وعرف بحبه للسفر والترحال. له قصر في المنيل وآخر في زيزينيا، الإسكندرية.

الكتاب من إصدار مؤسسة هنداوي، وفي مجمله يقع في 67 صفحة، يمكن الانتهاء منه في جلستين أو ثلاثة. ورغم ضجري بكتب أدب الرحلات أحيانًا؛ إلا أنه أعجبني في المطلق. يأخذنا محمد علي في رحلة عبر مدن البوسنة والهرسك: سراييفو، هيشا، ياسي، وبنيالوقا.

لعل أول ما لفت نظري  - وآخرين في نادي القراءة - هو جمال اللغة وإتقان البلاغة. يظهر من كتابات محمد علي أنه ذو قلم ممتاز، لغته "رافعيّة" راقية، تفشي بما حظى به من تعليم راق. لكنه أيضًا خفيف الظل، مرح، كما يظهر تأثره بالقرآن الكريم في بعض استشهاداته.

مع ذلك، فالكتاب لا يخلو من عيوب. أول ما لاحظته هو سوء ترتيب المواضيع، فهو يقفز في حديثه من بلد لآخر ثم يعود للبلد الأول مرة أخرى، وهو ما استغربته لأني ظننت الكتاب قد كتب على هيئة يوميات.

 نتعرف في الكتاب على بعض صفات أهل البوسنة والهرسك، فهم يمجدون الأمراء والنبلاء، يمتازون بالشجاعة، ثيابهم تشبه ملابس القوزاق في ذلك العصر، وهم مثلنا يعتمدون على الإكراميات "عشان يمشوا حالهم"!



مع ذلك وددت لو استطرد الكاتب في سرد عادات وتقاليد الشعب. 

أما عن شخص محمد علي، فقد اتفقنا أثناء مناقشة الكتاب على أن كتاباته توحي بكونه شخصًا كثير الأحكام على الناس، متعال قليلًا، ربما بحكم منصبه. كان من المستفز أن نقرأ عن أحكامه على المستوى الثقافي للأفراد الذين يقابلهم من خلال مظهرهم الخارجي، وجدت ذلك شديد السطحية.

لكنه مع ذلك يذكر له أنه شديد الدفاع عن قضايا المسلمين، فكان كلما سمع أحدًا من البوسنيين يسيء إلى المسلمين أو العرب كان ينقض عليه هجومًا. ولا يسعني الآن إلا التساؤل: أين نحن من هذا؟ رأيت الكثير من المصريين والعرب في الخارج يحاولون التشبه بالغرب بأي طريقة، لدرجة انسلاخهم من هويتهم العربية تمامًا، كأنها شيء جالب للعار. على أي حال، هذا موضوع آخر.

الملخص: كانت تجربة جيدة زادت من فضولي لاستكشاف هذا الجزء من العالم، خصوصًا بالنظر إلى تزامنها مع ذكرى مذبحة سربرنيتشا، واحدة من أسوأ الإبادات الجماعية التي شهدتها القارة الأوروبية. 

الكتاب القادم في نادي القراءة: قنديل أم هاشم، للكاتب يحيى حقي.

الجمعة، 10 يوليو 2020

لدي حبيبان: باريس ووطني

ليلة صيفية في باريس، حقيبة مليئة عن آخرها بالملابس والهدايا التذكارية للعائلة، وتذكرة وحيدة إلى القاهرة. أتمشى مع زميلة لي في المدينة التي سحرت الملايين، وأشكر الله لأنه سخر لي فرصة العيش على بعد بضعة ساعات من عاصمة النور، التي لا زلت أكتشفها مرة بعد الأخرى. 




نجلس في مطعم باريسي يقدم البيتزا الإيطالية بأيدي طهاة مغاربة. صديقتي حادة الطباع قليلًا؛ فسرعان ما تتشاجر مع النادلة لأنها لم توصِ على الزيتون كما اتفقتا. يتجادلان بالفرنسية رغم أن العربية هي اللغة الأم لكليهما. وكأي صديقة جيدة، أحاول أن أساند صديقتي في هذه المعركة المهمة. أضحك في سري قليلًا، وأهنئ نفسي على شجاري الأول باللغة الفرنسية. ولا يسعني إلا الإعجاب بصديقتي ومطالبتها بحقها في زيتون أكثر. أتسائل كم مرة رغبتُ أنا فيما هو أكثر، أفضل، أصدق، فلم أطالب به خجلًا وجبنًا. لا يضيع حق وراءه مطالب.

بعد العشاء نتمشى قرب Shakespeare and Co. وكنيسة نوتر دام. لا تفهم صديقتي الباريسية سر احتفاء السياح بمقهى شكسبير آند كو. قد يكون معها حق، لكن أنا معجبة تمامًا بالفكرة. 

أتفهم تمامًا لماذا وقعت جوزفين بيكر في حب باريس حتى أنشدتها تحفتها الخالدة J'ai deux amours. لدي حبيبان: باريس ووطني. 



أستمر في المشي مع الصديقة حتى أصل إلى فندقي قرب منتصف الليل. أودعها ثم أدخل الفندق لأتجاذب أطراف الحديث مع الموظف الخمسيني اللطيف في الريسبشن. يحضر لي كوبًا من الشاي المساعد على الاسترخاء، رغم تعليمات الفندق بمنع تقديم المشروبات للضيوف كإجراء احترازي ضد الفيروس. نتحدث بالفرنسية قليلًا ثم أكتشف إنه إسباني من جاليثيا، فأخبره بأنني زرت هذا المكان منذ ثلاث سنوات. أحدثه بإسبانية ركيكة، وبعد قليل أكتشف أيضًا أنه يعرف بعض الكلمات العربية. يا له من عالم صغير! 

أصعد إلى غرفتي لأنهي كوب الشاي. أستسلم لنوم عميق لأستعد لرحلتي غدًا، حاملة في قلبي الكثير من الامتنان لباريس على ليلة لا تنسى.

الجمعة، 26 يونيو 2020

أخف من الهواء: مراجعة




الكتاب: أخف من الهواء
المؤلف: فيديريكو جانمير
لغة القراءة: العربية، مترجم من الإسبانية
صيغة القراءة: كيندل
التقييم: 4/5

انتهيت للتو من ثاني قراءات أدب أمريكا اللاتينية، هذه المرة برواية خفيفة من 176 صفحة فقط. 

فيديريكو جانمير هو كاتب أرجنتيني معاصر، ولد في 1957، وشغل منصب أستاذ الآداب في جامعة بوينوس آيرس. صدر له عدة روايات، أشهرها "أخف من الهواء"، ولكن يبدو أنها لم تترجم إلى الإنجليزية بعد!

لا أستطيع تحديد مشاعري حول هذه الرواية، لكن يمكنني القول أنها فاجأتني. الفكرة نفسها جديدة؛ فلدينا لص عمره أربعة عشر عامًا يحاول السطو على منزل عجوز وحيدة في الثلاثة والتسعين. ما الذي يمكن أن ينتج من هذا اللقاء الغريب؟ ليس خير على كل حال. 

أسلوب السرد في الرواية يعتمد على حوار العجوز والصبي، ولكننا نقرأ ما تقوله العجوز فقط، فهو حوار من طرف واحد. ربما هناك بعض الرمزية وراء هذا الأسلوب؛ فلعل الكاتب أراد أن ينقل لنا أن هناك طرفين لأي حكاية، وحكايتنا هذه من طرف واحد مما يزيد من فرص سوء التفاهم. وربما أراد أن يرمز إلى أن الكبار لا يستمعون إلى الصغار على أي حال. أو ربما أنا فقط أبالغ في تحليل الأمور! لكن ما أنا على يقين منه هو أن الأسلوب الذي اعتمده الكاتب هنا لم يكن سهلًا، وقد أجاد استخدامه بصورة ملفتة.

لنعد إلى الحبكة: تفشل محاولة الصبي للسطو على المنزل، وتنجح العجوز في حبسه في حمامها الذي لا يحتوي على نوافذ. تعد العجوز أن تطلق سراح الفتى بشرط واحد: أن تقص عليه حكاية أمها، فهي لم تقصصها على أحد. ولكن تتعقد علاقة الاثنين في أثناء ذلك، ونكتشف ديناميكية مثيرة للاهتمام بينهما مع مرور الوقت. 

تناقش الرواية كذلك قضايا ثقيلة. تخيل أن تتعلم عن نظرة الرجال والنساء للحب على حد سواء، من منظور مراهق وعجوز تسعينية! بالإضافة إلى أسئلة من الصعب الإجابة عليها: فهل يحق لك مثلًا مساعدة شخص يرفض مساعدة نفسه؟ هل يحق لأي إنسان التدخل في اختيارات الآخر إن كان يراها كارثية؟ قد يفني المرء عمره محاولًا إنقاذ أحدهم من حماقاته. وأيضًا، هل تختلف الإجابة على هذه الأسئلة كلها في حالة كون ذلك الشخص قاصرًا؟ 

لا تقدم الرواية حلولًا لكل هذه التساؤلات، بل هي فقط تُسلط الضوء عليها، وهذا يكفي وكتر خير الدنيا. فكما قال تشيخوف: دور الأديب هو أن يطرح أسئلة، لا أن يجيب عليها. 

الرواية مُحملة بالكثير من العواطف القوية، وإن كانت فكرتها بسيطة. لهذا أقول إنها صادمة بل وقاسية قليلًا. أحببت النهاية غير المتوقعة، واضطراب مشاعري تجاه العجوز في النهاية. 

اقتباسات


"تجريد أحدهم من كل شيء، أو افتراض أن أحدهم قد جرد من كل ما يملكه ليس أمرًا جيدًا، فبوجه عام كلما نجحنا في هذا، أو افترضناه، فإن الشيء الوحيد الذي نحققه على المدى الطويل هو نقيض ما كنا نصبو إليه، وهو أن ذلك الآخر سيبدأ في الدفاع عن نفسه، والخطر كل الخطر أن يبدأ أحد في الدفاع عن نفسه".

"الحرية يا بني ترتبط تماما بمفهوم الملكية. يشعر المرء بحريته إذ يمتلك، حينما يمتلك ما رغب فيه عمره كله، من كل قلبه، سواء كان هذا الشيء روحيا أو ماديا. للفلاسفة أن يقولوا ما يريدون عن الحرية، لكن الحقيقة الوحيدة هي أنها امتلاكنا لشيء رائع أو حلم عظيم، وما دون هذا ليس إلا كلام فارغ وحماقات."