الاثنين، 26 ديسمبر 2022

بيرتاون: مراجعة

 


الكتاب: Beartown
الكاتب: Fredrik Backman
لغة القراءة: الإنجليزية، مترجم عن السويدية
صيغة القراءة: كتاب ورقي
التقييم: 5 من 5

"لكل مدينة أسرارها"، هكذا تصف دار النشر الرواية بجملة واحدة أسفل الغلاف. وقفت مترددة أمام غلاف الرواية في متجر كبير ببراج، قبل أن أقرر أن أشتريها أخيرًا. فرغم أن فريدريك باكمان هو كاتبي المعاصر المفضل، إلا أنني لا أحب قراءة الروايات الممتدة عبر عدة أجزاء. ربما بسبب طبيعتي الملولة، أو ربما أنا أخشى التعلق بشخصيات الرواية كثيرًا، ولا أحبذ أن يبقيني المؤلف مترقبة جزءًا قادمًا قد يطول أو انتظاره. لكن، بما أن باكمان أعلن مؤخرًا عن صدور الجزء الأخير من ثلاثية بيرتاون؛ قررت أنه قد حان الوقت المناسب للبدء.

تدور أحداث بيرتاون في مدينة صغيرة بشمال السويد، يجمع سكانها الصمت والبرود - كما يشاع عن السويديين! - بالإضافة إلى حب لعبة الهوكي. لبيرتاون فريق هوكي شغوف، يمثل أسمى قيم المدينة: الولاء. أفراد الفريق يجمعهم الولاء لبعضهم البعض، وأفراد المدينة يجمعهم ولاء للفريق. 

ذات يوم، توضع المدينة كلها في اختبار أخلاقي صعب عندما يُتهم أحد أفراد الفريق، اللاعب المفضل لدى الجميع، بجريمة كبرى. تنقسم المدينة ما بين داعم ورافض لسلوك اللاعب، بين مصدق ومكذب للاتهامات الموجهة إليه، وتدور معارك صغرى كثيرة، نرى فيها كيف أن "الولاء للفريق" ليس السلوك الأصح دائمًا. 

شخصيات باكمان، كما هي عادته، شخصيات إنسانية في المقام الأول؛ بأخطائها وعيوبها ومميزاتها. من الصعب ألا تتعاطف مع كل الشخصيات، حتى أكثرهم دناوة. عليّ أن أوضح مع ذلك أن تلك النظرة ليست واقعية دائمًا، وهو شيء متكرر في روايات باكمان: الجميع لديهم جانب لطيف خفي، والخير ينتصر دائمًا على الشر. في حين أن الواقع ليس كذلك بالضرورة.

أعجبتني الرواية برغم أنني لم أهتم كثيرًا بتفاصيل لعبة الهوكي. برغم سرعة الأحداث، لم أبك ولم أضحك بصوت عال كما هو الحال مع تجربتي لأعمال الكاتب الأخرى. تبقى Anxious People روايتي المفضلة لباكمان، كتبت عنها مراجعة على المدونة منذ عامين تقريبًا. 

اقتباسات

"لا تثق بشخص ليس لديه شيء يحبه إلى درجة الجنون".

"الجميع يتمنى ألف أمنية قبل حدوث كارثة، وأمنية واحدة فقط بعدها".

"إن كنت صادقًا، قد يخدعك الناس. كن صادقًا على أي حال. إن كنت طيبًا، قد يتهمك الآخرون بالأنانية. كن طيبًا على أي حال. كل خير تفعله للآخرين اليوم قد ينسى غدًا. افعل خيرًا على أي حال".

"الدين هو ما بينك وبين الناس، شيء يخضع للتفاسير والنظريات والآراء. أما الإيمان فهو ما بينك وبين الله".

"الشيء الوحيد الذي تعطينا إياه الرياضة هو بضعة لحظات مميزة. لكن، ما هي الحياة أصلًا، إن لم تكن تلك اللحظات المميزة؟"

"الولاء كلمة صعبة الشرح. يرى الناس دائمًا أنها صفة حسنة، لأن أفضل الأشياء التي يفعلها الناس لبعضهم البعض تحدث بسبب الولاء. المشكلة هي أن بعض أسوأ الأشياء التي يرتكبها الناس تحدث بسبب نفس الصفة أيضًا".

"للإنسانية عيوب كثيرة، أسوأها الكبر".

"نحن نحب الفائزين، رغم أنهم نادرًا ما يكونون أشخاصًا محببين. هم دائمًا مهووسون، أنانيون، ولا يراعون للآخرين. لكن هذا لا يهم، نحن نسامحهم. نحن نحبهم بينما يفوزون".

"ليس هناك في الحياة ما هو أصعب من اعترافك لنفسك بأنك منافق".


الخميس، 15 ديسمبر 2022

رجاءات ديسمبر


أرجو ألا تلتهمك أشباح الماضي حيًا.

أرجو ألا تستيقظ مذعورًا من أن ماضيك يطاردك بعدما بنيت لنفسك بيتًا في مملكة بعيدة.

أرجو ألا تكره أكثر مما تحب،

أرجو ألا تكره على الإطلاق.

أرجو أن ترفع بصرك إلى السماء بعد يوم عصيب لتجد نجمك المفضل هناك، في مكانه المعتاد، مرحبًا بعودتك.

**

أرجو أن تقع في الحب، وألا يقتصر ذلك على المعنى الرومانسي لكلمة الحب؛

أرجو أن تقع في حب حياتك.

أرجو أن تعرف الحب الأفلاطوني، وأن تدرك بأنه ليس بالسطحية التي يدعيها كاتبو الروايات.

أرجو أن تنظر في عيني شخص تحبه ولا تجد سوى اللطف،

أرجو أن تلتقي أعينكما عبر غرفة مكتظة، وأن تتبادلا نظرات لا يفهمها غيركما،

أرجو أن تقول أعينكما: "أنا بخير، وأنت؟"، "أنا بخير أيضًا. ابق معي قليلًا".

أرجو أن ترقص كالأحمق بعد منتصف الليل،

أرجو أن تظل مستيقظًا حتى الرابعة صباحًا لأن - أخيرًا - أصبح واقعك أسعد من أحلامك.

**

أرجو أن يشاهد صديقك المفضل مسلسلك التليفزيوني المفضل معك،

أرجو أن يوصلك إلى محطة القطار في حرارة 10 تحت الصفر،

أرجو أن تشربا كوب قهوة أخيرًا معًا، وأن تتعاهدا على زيارة قادمة.

**

أرجو أن تتجاذب أطراف الحديث مع المسافر المجاور لك على الطائرة،

أرجو أن يكون غريب الأطوار مثلك، وأرجو أن تقهقه معه بصوت عال يزعج كل الركاب.

أرجو ألا تنسى أن تأخذ رقم هاتفه.

أرجو أن تظلا أصدقاء للأبد.

**

أرجو أن تطلب المساعدة من الغرباء عندما تحتاجها.

أرجو أن تصادف عجوز بريطانية، تدعو لك بالشفاء عندما ترى قدمك المصابة.

أرجو أن تذهب حينها إلى غرفة الطوارئ، وأن يقول لك الطبيب ثلاث كلمات سحرية: "الأمر ليس خطيرًا".

أرجو أن تمزح مع الممرضة لأنها تشرب القهوة بنهم، مثلك.

أرجو أن يكون الطبيب ماهرًا،

أرجو أن ينصحك بالراحة التامة، وأن تنفذ نصيحته لأن، صدقني، ليست قدمك فقط تحتاج للراحة.

أرجو أن تعود للمنزل وتجد من يقوم بخدمتك في مرضك.

أرجو أن يكون لديك مكتبة بجوار سريرك.

أرجو أن تقرأ كثيرًا.

وأرجو أن تكتب.


الأحد، 13 نوفمبر 2022

جولة في مكتبات براج

 مرحبًا. الأسبوع الماضي قمت بزيارة سريعة إلى براج، عاصمة جمهورية التشيك المشهورة بمدينة المائة برج. المدينة نفسها ضخمة للغاية، ولم يكن لدي الوقت الكافي لاستكشاف جميع جوانبها وحواريها الضيقة، لكني تعمدت أن تكون زيارتي متركزة على أهم المعالم الثقافية وبالطبع المكتبات.

وصلت أولًا إلى محطة القطار الرئيسية في الثامنة صباحًا، بعد أن كنت قد أخذت قطار النوم من كراكوف البولندية. بعد ذلك توقفت سريعًا لأخذ القهوة والإفطار في ستاربكس (في هذه المدينة عدد لم أراه من قبل من فروع ستاربكس في أوروبا!). العملة الرسمية هي الكرونة التشيكية، وكل المحلات تقريبًا تقبل الدفع الإلكتروني بالفيزا، لذلك لم أحتاج إلى تحويل العملة خلال زيارتي القصيرة.

بعد ذلك بدأت رحلتي. أثناء اتجاهي إلى المدينة القديمة Old Town وجدت في طريقي متجر عملاق للكتب اسمه Luxor: Palace of Books. وجدت اسم المحل ذكيًا لأن كلمة الاقصر هي جمع "القصر"، وشعار المتجر يعني "قصر الكتب". بطبيعة الحال، توقفت لإلقاء نظرة على الكتب هناك ولم يخيب ظني. يستقبلك الموظفون بابتسامة وترحيب دافئ، ثم يعرضون عليك المساعدة إن أردت البحث عن كتاب معين. "قصر الكتب" يتكون من عدة طوابق وبه قسم لا بأس به من الكتب بالإنجليزية، والقليل أيضًا بالفرنسية والألمانية. 




بعد جولة ممتعة في قصر الكتب، اشتريت ثلاثة كتب، أحدهم بالطبع لفرانز كافكا، أشهر كتاب التشيك، وآخر لفريدريك باكمان كاتبي المفضل مؤخرًا، والآخر هو مجموعة قصائد مختارة عن الحب، أعجبني حجم الكتاب وتصميم الغلاف، فقررت أنه يصلح كديكور لطاولة القهوة في شقتي. كلفتني الكتب الثلاثة حوالي 25 يورو.


بعد ذلك انطلقت إلى وجهتي الرئيسية، وهي مكتبة الكليمنتيوم. بعمارة باروكية خلابة وعبير الكتب القديمة، تسحر المكتبة زوارها إلى الآن. كانت في الماضي مخصصة للرهبان، ثم فتحت للعامة، والآن ما زالت تخدم الطلاب والباحثين في براج. أخذنا جولة في المكتبة مع مرشدة سياحية لم تبدو متحمسة تمامًا لعملها، ولكنها كانت جيدة على أي حال.



 
اتجهتُ بعد ذلك إلى المدينة القديمة لتناول الغداء ومشاهدة المتاجر البوهيمية التي تشتهر بها المدينة.

بعد الغداء وجدت بالصدفة تمثالًا متحركًا لوجه فرانز كافكا 

وفي أثناء عودتي إلى محطة القطار مرة أخرى، وجدت متجرًا آخر للكتب اسمه Cafe Academia - Kavarna Academia . هذه المرة كان قديمًا وملحق به كافيتيريا يجلس بها الكثير من كبار السن المثقفون، وكان يبدو عليهم أنهم يتناولون شئونًا أدبية شديدة التعقيد!


في النهاية أخذت قطاري للعودة إلى ألمانيا، بعد أن تركت في براج انطباعًا إيجابيًا بكونها جنة لعشاق القراءة.



السبت، 5 نوفمبر 2022

إيفيلين هوجو وأزواجها السبع: مراجعة


الكتاب: The Seven Husbands of Evelyn Hugo
الكاتبة: تيلور جينكينز ريد
لغة القراءة: الإنجليزية
صيغة القراءة: كتاب إلكتروني
التقييم: 5/5

 مرحبًا. كنت قد كتبت مسبقًا عن تيلور جينكينز ريد وكتبها الممتعة (هنا). القراءة لـ"ريد" تذكرني بمشاهدة أفلام الـchick flicks المفضلة لدي في وقت الخريف. مثل مشاهدة You've Got Mail في أكتوبر، يمكنك أن تضمن أن رواياتها ستتركك بشعور جيد في النهاية.

 قرأت الشهر الماضي الكتاب الأشهر لها على الأرجح، وهو إيفيلين هوجو وأزواجها السبع. القصة بالطبع خيالية، وهي تتبع حياة امرأة من مشاهير هوليوود في الستينيات، ممثلة فاتنة بملامحها الغريبة غير المتناسقة التي لا تناسب أحدًا غيرها، بشعرها الأشقر وبشرتها الخمرية. إيفيلين ليست الأكثر موهبة في هوليوود، لكنها مجتهدة. منذ شبابها تجذب إيفيلين الانتباه بجمالها ولكن أيضًا بجرأتها، وبسعيها نحو ما تريد بلا تردد، بلا اعتبار لعواقب أفعالها. 

والأمر المميز في طباع إيفيلين هو عدم شعورها بالعار تجاه ذلك كله، وهذا بالضبط ما يجذب الناس إليها. إيفيلين لا تحاول أن تبرر أو تنافق أو تخدع. ستنال منك ما تريد، لأنك ستعطيه لها بمحض إرادتك. 

لماذا تزوجت إيفيلين من سبع رجال؟ ولماذا قررت بعد صمتها لسنين، أن توثق قصة حياتها في كتاب؟ لا أريد أن أحرق لكم القصة، لكن يتضح أن أسبابها كانت أكثر عمقًا من استغلال أولئك الرجال ماديًا أو معنويًا.

القصة ممتعة وإن كانت رتيبة نوعًا ما في البداية، على عكس ما تعودنا عليه من تيلور. نختبر معها الكثير من المشاعر، خاصة نحو النهاية، ويمكنني القول بثقة أنها أبكتني أكثر من مرة. عليّ أن أوضح أيضًا، عزيزي القارئ، أن الحبكة تتناول بعض المفاهيم المتعلقة بالمثلية والجنسانية، لذلك لا أرشح هذه الرواية لمن يتحسس من ذلك.

اقتباسات 

"لم أقل أنني سأعترف بذنوبي. إن ادعيت أن ما سأخبرك إياه هو ذنوب أمر مضلل وجارح. أنا لا أندم على ما فعلت، على الأقل لا أندم على الأشياء التي تتوقعينها، مهما كانت تلك الأشياء صعبة أو قاسية عند النظر إليها الآن".

"يظن الناس أن الحميمية تعني الجنس. لكن الحميمية تعني الحقيقة. عندما تدرك أن بإمكانك إخبار شخص ما بحقيقتك، عندما تستطيع إظهار نفسك له، عندما تقف أمامه عاريًا ويكون رده هو "أنت في أمان معي"، تلك هي الحميمية".

"لا تدعي أي شخص يشعرك بأنك عادية".

"لا تدرك كم كنت تركض بسرعة وكم كنت تجتهد وتعمل وكم أنت مجهد إلا عندما يقف أحدهم ورائك ويقول لك "لا بأس، يمكنك أن تقع الآن، سوف أمسكك".

"يمكنك أن تشعر بالأسف على ما فعلت وفي نفس الوقت لا تندم عليه".

"عندما تجد الفرصة لتغير حياتك، كن مستعدًا لفعل أي شيء على الإطلاق لينجح الأمر. العالم لا يعطيك شيئًا، بل أنت الذي تأخذ ما تريد. إن كان هناك شيئًا واحدًا تتعلمه مني، تعلم ذلك".

"ليس هناك ضحايا ولا منتصرون. كلنا نقع في المنتصف. من يصنف نفسه على أنه واحد من الاثنين لا يخدع نفسه فقط، ولكنه أيضًا يفتقد الابداع لدرجة مؤلمة".

"إن الافتخار بجمالك لعنة، لأنك بذلك تسمحين لنفسك بالإيمان بأن الشيء الوحيد الجدير بالملاحظة بشأنك هو شيء بتاريخ صلاحية محدود للغاية".

"أقسى ما يمكنك أن تفعله فيمن تحب هو أن تعطيه أقل القليل من الجيد ما يكفي ليبقى معك متحملًا الكثير والكثير من السيء".


الثلاثاء، 11 أكتوبر 2022

رقيق هو الليل: مراجعة

 

الكتاب: Tender is the Night - رقيق هو الليل
المؤلف: ف. سكوت فيتزجيرالد
لغة القراءة: الإنجليزية
صيغة القراءة: كتاب ورقي
التقييم: 4 من 5


بعد عطلة إجازة عيد الفصح قضيتها على ساحل الريفييرا الإيطالية، وجدت نفسي في متجر لبيع الكتب في محطة قطار ميلانو. وكما العادة، لم أستطع منع نفسي من دخول المتجر وقضاء دقائق الانتظار لقطاري بين رفوف الكتب. 

ولحسن حظي، وجدت لديهم مجموعة غير صغيرة من الكتب الإنجليزية بثمن بخس - أربعة يوروهات للكتاب، فكان من الطبيعي أن أتناول كتاب أو اثنين لتسليتي في رحلة قطاري الطويلة في العودة إلى ألمانيا. 

وقع نظري بادئ الأمر على هذا الكتاب: رقيق هو الليل، لأبي الرواية الأمريكية ف. سكوت فيتزجيرالد. لم أسمع يومًا بهذا العنوان من قبل، وفاجأني حجم الكتاب الكبير. ما أعرفه عن فيتزجيرالد هو أنه مؤلف الكلاسيكية الخالدة: جاتسبي العظيم - تحفة فنية في عمقها البليغ المختصر. 

قمت ببعض القراءة الجانبية عن القصة ذاتها، فوجدت أنها آخر رواياته، ويشاع عنها أيضًا أنها روايته الذاتية (أي رواية تقترب في أحداثها وشخوصها من كونها سيرة ذاتية للكاتب). 

تتبع الرواية حياة ديك دايفر، طبيب نفسي شاب وناجح يعشق الحياة، متزوج من نيكول، امرأة ثرية، جميلة، ومريضته سابقًا. (وهنا أول إسقاط على حياة فيتزجيرالد ذاته، فهو كان قد كتب الرواية أثناء احتجاز زوجته زيلدا فيتزجيرالد في المستشفى العقلية بعد معاناتها مع الفصام). على الخارج، يبدو زواج ديك ونيكول ناجحًا، ويجتذب حولهما الكثير من الأصدقاء خلال ترحالهما في أوروبا. من هؤلاء الأصدقاء روزماري، مراهقة أمريكية على وشك أن تصبح نجمة هوليوود. تفتتن روزماري بديك، وبنيكول، ونرى تحول العلاقة بين روزماري وديك تدريجيًا من إعجاب مراهقة بشاب متزوج، إلى علاقة افتتان متبادل. 

تتشعب خيوط القصة في سرد سلس رائع كما عودنا فيتزجيرالد، ونرى كيف تتحول حيوات الأبطال مع مرور الزمن. تتضح أيضًا مع الوقت دوافع ديك في الزواج من نيكول، ونرى كيف تجلب لهما تلك الزيجة الكثير من الألم. 

هنا يذكرني الكتاب بمقولة سمعتها مرارًا في العالم الأكاديمي وأجزم بأنها صحيحة تمامًا: "اختيارك للشخص الذي تتزوجه يحتم مدى نجاح حياتك العملية". نرى سقوط ديك دايفر في بئر الإرهاق وإدمان الكحول تدريجيًا مع انهيار زواجه من نيكول، الذي لم يكن مقامًا على أساس صحي من البداية.  

لن أقوم بحرق القصة، ولكن بشكل عام استمتعت كثيرًا بالرواية، وبقلم فيتزجيرالد البديع. أعتقد أنها من أجمل ما قرأت منذ فترة: الوصف الدقيق لحالة الوقوع في الحب، سرد الشخصيات وتعاملاتها وحواراتها، كل ذلك كان متعة كبيرة أشعرتني بالامتنان لفيتزجيرالد كثيرًا. 

اقتباسات:

"أنت أول فتاة أراها منذ زمن وهي تبدو مثل شيء يزهر".

"إذا كنتي واقعة في الحب فمن المفترض أن تكوني سعيدة. من المفترض أن تضحكي".

"لاحقًا، تذكرت أحداث تلك الظهيرة بكونها سعيدة. كانت واحدة من تلك الأوقات غير الحافلة بالأحداث، التي تبدو كأن دورها هو فقط ربط سعادة الماضي بسعادة المستقبل، إلى أن يدرك المرء أنها هي السعادة نفسها".

 "عندما رأته وجهًا إلى وجه التقت أعينهما كأجنحة العصافير. وبعد ذلك أصبح كل شيء على ما يرام، كل شيء رائع، وأدركت أنه على وشك الوقوع في حبها. شعرت بالسعادة الجامحة، شعرت بدفء انفعال عواطفها يدفئ جسدها. اندفعت فيها ثقة واضحة وباردة، وغنت في روحها".

"كانا ما يزالان في أسعد مراحل الحب. كانت تملأهما تهيؤات جامحة عن بعضهما البعض، خيالات هائلة، فقد بدا أن اتحاد النفس بنفس الآخر يقع في مستوى لا تقرب إليه أي صلة إنسانية أخرى".

"عادة يلعب الرجل دور الطفل التائه في حضور امرأة، لكنه لا يستطيع فعل ذلك أبدًا إذا كان يشعر بالفعل كطفل تائه".

"في ضوء مصابيح شوارع زيورخ كان يفكر في أنه يريد أن يكون صالحًا، يريد أن يكون طيبًا، ويريد أن يكون شجاعًا وحكيمًا، لكن كل هذا كان صعبًا جدًا. كان يريد أن يكون محبوبًا أيضًا، إن كان هناك متسع لذلك".

"سئمت من جهلي بكل شيء ومن تذكيري طوال الوقت بذلك".

"يجب أن تلمس الحياة لكي تولد منها".

"يقول المرء إن الجراح تلتئم، في محاولة لتشبيه جراحنا النفسية بجراح البشرة، ولكن لا يوجد شيء كهذا في حياة المرء. توجد جراح مفتوحة، أحيانًا تتقلص إلى حجم وخزة الدبوس، لكنها تظل جراحًا. لعل علامات المعاناة أكثر شبهًا بفقدان اصبع، أو فقدان البصر في إحدى العينين. قد لا نفتقدهم طوال الوقت، لكن حينما نشعر بغيابهم، لا يمكننا أن نفعل أي شيء حيال ذلك الأمر".

الأربعاء، 20 يوليو 2022

سفينة نيرودا: بتلة بحر طويلة

 

الكتاب: سفينة نيرودا A Long Petal of the Sea
الكاتبة: إيزابيل آيندي
لغة القراءة: الإنجليزية
صيغة القراءة: كتاب ورقي
التقييم: 5 نجوم

منذ أولى قراءاتي لإيزابيل العام الماضي، في كتاب بعنوان روح امرأة The Soul of a Woman، وجدت نفسي مسحورة بشخصيتها الجريئة، بقلمها الذي لا يعرف الخوف من أحكام الناس وتعليقات النقاد. إيزابيل تكتب لأنها تريد أن تكتب، لأن لديها ما يُقال. هي لا تكترث كثيرًا برأيك في حدتها، بل ربما يصيبها بعض الرضا إن تمكنت من استفزازك قليلًا.

رواية سفينة نيرودا هي أول تجاربي الروائية مع إيزابيل، وكما توقعت، لم تخيب ظني أبدًا. تدور الرواية حول أسرة إسبانية تضطر إلى اللجوء في تشيلي (الموطن الأصلي لإيزابيل) إبان الحرب الأهلية الإسبانية في ثلاثينات القرن الماضي. الشخصان الرئيسيان هم روزر، عازفة بيانو فُقد حبيبها في الحرب وتركها في أواخر شهور الحمل بابنهما، وفيكتور، طبيب بارع وأخو الجندي المفقود. 

لكي يتمكن فيكتور وروزر من النجاة على متن السفينة المتجهة إلى القارة الأمريكية الجنوبية، ومن ثم بناء حياتهما من الصفر، يضطران إلى الزواج لتسهيل إجراءات الهجرة والمعيشة. يبدأ زواجهما كعلاقة أخوة، تمامًا كما كانت قبل اختفاء الأخ المقاتل، ثم تتطور إلى صداقة ثم إلى حب أسري، يجمعهما الحاجة للاعتناء بالطفل، والأمل الأبدي في العودة إلى إسبانيا.

سلسلة من الهجرات والمطاردات تتحملها تلك الأسرة غير التقليدية، لتصل أخيرًا إلى بر الأمان. هناك شعور بالدفء يغمرني عند تذكر علاقة روزر وفيكتور، وكيف يمكن للحب - حتى وإن كان أخويًا، غير شهواني - أن يعبر بالمرء محيطات. أبكتني الرواية كثيرًا، وأضحكتني أيضًا بحس الدعابة المعتاد لإيزابيل. ملحمة حقيقية أظنها سوف تظل على لائحة الكلاسيكيات المعاصرة لعدة سنوات من الآن.


اقتباسات (مترجمة من الإنجليزية بواسطتي):

"لقد وقعت في حب فكرة الحب، والرومانسية، وماضي حبيبها البطل، كما كانت تسميه. عاشت في عرض أوبرا يتحتم على نهايته أن تكون تراجيدية. كانت تعلم أن فيكتور يحبها - على الأقل يحبها بقدر ما يمكنه بقلبه الجريح، لكن من جانبها، كان الأمر كله مجرد طيش واندفاع، محض خيال، نزوة أخرى من نزواتها."

"من أي مادة غير قابلة للتدمير صنعت روزر؟ كيف كان محظوظًا بأن يمتلكها طيلة هذه السنوات؟ وكيف كان غبيًا لئلا يحبها من البداية كما يحبها الآن؟ لم يتصور أن في سنه هذه يمكنه أن يقع في الحب كمراهق، أو أن يشعر بالرغبة كالحرائق البرية. نظر إليها مبتهجًا، لأن خلف ستارة مظهر المرأة الناضجة تكمن فتاة بريئة، خجولة، تمامًا كما كانت في كاتالونيا ترعى الماعز فوق التلة. أراد أن يحميها ويعتني بها، رغم أنه كان يعرف أنها أقوى منه كلما تعرضا لأي صعاب."

"الإنتروبيا هي قانون الطبيعة الذي يسري على الكون، كل شيء يميل إلى الفوضى، إلى التفكك، إلى الشتات. يتوه الناس، انظر حولك لترى كم تشتتوا أثناء اللجوء، المشاعر تتبدد، والنسيان يتسلل إلى حيوات الناس كالضباب. يتطلب الأمر عزيمة بطولية فقط ليبقى كل شيء في مكانه. "تلك هي هواجس أي لاجئ"، قالت روزر. "لا، هي هواجس أي محب"، صححها فيكتور."

"في نظر فيكتور، لا بأس في ممارسة الرياضة، ولكن من على وجه الأرض يريد الجري دون أن يكون هناك من يطارده؟ أو أن يعبر قارات بواسطة دراجة؟"

" - اسمعي يا انجريد، إن أهم أحداث حياتنا، تلك التي تحدد مصيرنا، تكون غالبًا خارج نطاق تحكمنا. في حالتي، أرى مسار حياتي مرسومًا بسبب الحرب الأهلية الإسبانية في شبابي، ثم بعد ذلك بالانقلاب العسكري، ثم بمعسكرات الاعتقال والنفي. لم أختار أيًا من هذه المسارات، بل هي حدثت لي.

= ولكن هناك أشياء اخترتها بنفسك، كالطب مثلًا.

- هذا صحيح، وقد أعطاني ذلك قدرًا كبيرًا من الرضا. ولكن أتعلمين ما الذي أمتن له أكثر من غيره؟ الحب. هذا هو ما  أثر في أكثر من أي شيء آخر."

الاثنين، 13 يونيو 2022

قهوة لشخصين ونباتات للست

قهوة لشخصين، غرفة معيشتي يوم أحد مشمس في يونيو. لدي نظرية: الحياة تحدث في يونيو. وما قبله أو بعده هو محاولات للتفاوض، سبات في انتظار يونيو قادم. نبتاتي تبدو اليوم أكثر سعادة في جلستها المعتادة على شباكي، وأكثر اخضرارًا. ترى أهي الشمس؟ أم هو صوت أم كلثوم يصدح في مطبخي "حبيبي يسعد أوقاته"؟ 

الاثنين، 2 مايو 2022

مختارات من كتاب اللاطمأنينة

 هذه مقاطع من كتاب اللاطمأنينة للعزيز فيرناندو بيسوا. ترجمتها منذ ثلاثة أعوام من الإنجليزية، وأعيد نشرها الآن بعدما اكتشفت أني لم أرفعها على المدونة. علمًا بأن الكتاب منشور بالفعل بترجمة عربية احترافية، لكني أحببت أن أقدم ترجمتي الخاصة لمقاطعي المفضلة من الكتاب. قراءة ممتعة.


"أنا لا أتذمر بشأن العالم. لا أحتج على الكون. أنا لست متشائمًا. أنا أعاني وأشكو، لكني لا أعرف إن كانت المعاناة هي القاعدة العامة، لا أعرف إن كانت المعاناة سلوك بشري. لِم عليّ أن أهتم بمعرفة ذلك؟" 

"لقد طالبت الحياة بأقل القليل، ومع ذلك حُرمت منه. طالبت بحقلٍ قريب، بشعاعٍ من الشمس، بقليل من الهدوء مصحوبًا بكسرة خبز، بألا يقهرني إدراكي بالوجود، بألا أحتاج شيئًا من الآخرين، وألا يحتاج مني الآخرون شيئًا. حرمت من كل هذا، بالضبط كما يُحرم الشحاذ من عملات الفضة: ليس لأن المارة قساة القلوب، ولكن لأنهم لا يرغبون في فك أزرار معاطفهم."

"إن الشخص الحساس صادق الفكر، إن كان قلقًا بشأن تفشي الشر والظلم في العالم حقًا، سوف يبدأ حملته ضدهما عن طريق القضاء عليهما من أقرب مصدر لهما: من نفسه. وتلك المهمة ستستغرق منه عمره كاملًا."

"البعض يقول أن الحياة بدون أمل مستحيلة، والآخرون يقولون أن الأمل يجعلها فارغة. بالنسبة لي، بما أنني توقفت عن الأمل وعن اليأس، الحياة ببساطة هي صورة خارجية تحتويني، أشاهدها كمسرحية عديمة الحبكة، غرضها فقط تسلية الناظرين. الحياة بالنسبة لي هي رقصة غير منظمة، هي صوت حفحفة أوراق الأشجار في الريح، هي سُحب يمر خلالها ضوء الشمس فيتغير لونه، هي شوارع عتيقة تتفرع في كل اتجاه عبر المدينة."

 "قد نكون على علمٍ بأن العمل الذي نؤجل إكماله دومًا هو سيء. لكن الأسوأ منه هو العمل الذي لا نشرع فيه أبدًا. العمل المكتمل هو على الأقل قد اكتمل. قد يكون رديئًا، لكنه موجود، مثل النبتة البائسة المزروعة في الإصيص الوحيد لجارتي القعيدة. تلك النبتة هي كل سعادتها، وأحيانًا هي كل سعادتي أيضًا. إن ما أكتبه، على كل ما فيه من سوء، قد يوفر لروحٍ جريحة أو حزينة بضعة لحظات من التشاغل عما هو أسوأ. هذا يكفيني، أو ربما لا يكفيني، ولكنه يؤدي غرضًا، وهكذا هو الأمر مع كل نواح الحياة."

"أرى الحياة كفندق على الطريق، وأنا مضطر للبقاء فيه إلى أن تصل العربة القادمة من الهاوية. لا أعرف إلى أين ستأخذني العربة؛ لأنني لا أعرف شيئًا. يمكنني أن أعتبر الفندق سجنًا؛ لأنني مجبرٌ على الانتظار فيه، أو يمكنني أن أعتبره ملتقًا اجتماعيًا؛ لأنني أقابل الآخرين هنا. ولكنني لست جزوعًا ولا اجتماعيًا. أترك أولئك الذين يريدون أن يختلوا بأنفسهم في حجراتهم مستلقين على أسرتهم حيث ينتظرون في أرق، وأترك أولئك الذين يدردشون في الصالات حيث تتردد أصواتهم وأغانيهم لتصل إلى مسمعي هنا في الخارج. أما أنا، فأقف على عتبة الباب، أُمَتّع بصري وسمعي بألوان وأصوات الطبيعة، وأغني بعذوبة - في سري فحسب - أغانٍ رقيقة ألحنها أثناء الانتظار.
يحل الليل علينا جميعًا، وتصل العربة. أستمتع بالنسيم الذي يُمنَح لي والروح التي مُنِحت إياها للاستمتاع به، وأكف عن التساؤل والسعي. إن كان ما أكتبه في سجل المسافرين سوف يقرؤه أحدهم في المستقبل ويستمتع به، فلا بأس. وإن لم يقرأه أحدهم، أو لم يستمتع به، فلا بأس أيضًا."

 "أحمل إدراكي بهزيمتي كمن يحمل راية نصر."

" لم أطمح قط لأن أكون أكثر من شخص حالم. لم أعر انتباهًا لمن حدثوني عن الحياة. لطالما شعرت بالانتماء إلى مكان لا أتواجد فيه وإلى حالة لم أكن عليها. كل ما هو ليس لي، مهما كان حقيرًا، يحمل نوعًا من الشاعرية بالنسبة لي.
الشيء الوحيد الذي أحببته هو اللاشيء على الإطلاق. الشيء الوحيد الذي رغبت فيه هو ما استحال عليّ حتى مجرد تخيله. كل ما طلبته من الحياة هو أن تستمر، لكن دون أن أشعر بها. كل ما طلبته من الحُب هو ألا يكف عن كونه حلمًا بعيدًا."

"يكفينا غموض الكون لأن نفكر فيه؛ لأن رغبتنا في أن نفهمه تنتقص من آدميتنا، بما أنه من الطبيعة الإنسانية أن ندرك استحالة فهمه.
الإيمان يُقدم إليّ كعُلبة محكمة الغلق على طبقٍ غريب الشكل، والمفترض أن أتقبله كما هو دون أن أفتح العلبة. والعلم يُقدم إليّ كسكين على طبق، لأقطع به طيات كتاب صفحاته بيضاء فارغة. والشك يُقدم إليّ كترابٍ داخل صندوق. لكن لِم يعطونني صندوقًا كل ما يحويه هو التراب؟"

"بعض الناس يحكمون العالم، والبعض الآخر هم العالم. هناك فرق كمي لا كيفي ما بين مليونير أمريكي، أو قيصر، أو نابليون، أو لينين، بينهم وبين القائد الاشتراكي لمدينة صغيرة. وأسفل هؤلاء نقع نحن، غير الملحوظين: الكاتب المسرحي المتهور ويليام شكسبير، المُدرس جون ميلتون، المتسول دانتي آليجييري، فتى التوصيل الذي قام بمشاوير لي في الأمس، الحلاق الذي يخبرني بالنكات، والنادل الذي أظهر لي مودته بتمنيه الخير لي، بعد أن لاحظ أنني شربت نصف زجاجة النبيذ فقط."

" للأسف، أو ربما لحسن الحظ، أدرك أن لي قلبًا قاحلًا. الكلمات تثير اهتمامي أكثر من النحيب الحقيقي لروح إنسان.
لكن أحيانًا أكون مختلفًا. أحيانًا أبكي دموعًا دافئة كأولئك الذين حرموا من أمهاتهم منذ الولادة، والعيون التي تلتهب بدموعها الميتة تحرق قلبي من داخله."

" لندعي أننا أساطير، مهما كان زعمنا خاطئًا، إلى أن نتوقف عن معرفة من نكون. لأننا، في واقع الأمر، أساطير زائفة، ليست لدينا أدنى فكرة عما نكونه في الحقيقة. الطريقة الوحيدة لنكون في وفاقٍ مع الحياة هي أن نختلف مع ذواتنا. السخافة صفة مقدسة.
لنضع النظريات، لنجتهد بصبرٍ وبصدق، لنتصرف عكس ما تمليه علينا نظرياتنا، لنتصرف ونبرر تصرفاتنا بنظريات جديدة تدينها. لنشق طريقًا في الحياة فنمشي فورًا في الطريق المخالف. لنعتنق وضعيات وإيماءات دالة على شيء لسنا عليه ولا نتمنى أن نصبحه، ولا حتى نتمنى أن يعاملنا الناس وفقًا له.

لنشتري الكتب ثم لا نقرؤها، لنذهب إلى الحفلات بغير اكتراث لسماع الموسيقى أو رؤية الحاضرين، لنذهب للتمشية لمسافات طويلة لأننا سئمنا المشي، ولنمضي أيامًا طويلة في الريف لمجرد أنه يصيبنا بالملل."

"روحي نافذة الصبر مع ذاتها، كطفلٍ مزعج يزداد هياجه يومًا بعد يوم ولا يتغير. كل شيء يثير اهتمامي، ولكن لا شيء يستحوذني. أنتبه لكل شيء، بينما أحلم طول الوقت. ألاحظ أدق تعابير وجه من أتحدث إليه، أسجل كل تغير في نبرة نطقه لكلماته، لكنني أسمع دون أن أستمع؛ فأنا أفكر في شيء آخر."

الأحد، 24 أبريل 2022

لماذا يجب عليك أن تقرأ عزازيل: مراجعة بدون حرق، وخواطر

 

الكتاب: عزازيل
الكاتب: يوسف زيدان
لغة القراءة: العربية
صيغة القراءة: كتاب ورقي
التقييم: 4/5

مرحبًا مرة أخرى. في فبراير الماضي انتهيت من قراءة رواية عزازيل ليوسف زيدان. استغرقت بعض الوقت لأستجمع أفكاري حول الرواية وأضعها في صورة تدوينة مترابطة، فها نحن ذا. 
يوسف زيدان هو كاتب مصري مثير للجدل. لم أكن قد قرأت له من قبل، وكنت على دراية بالانتقادات الموجهة إليه، بالادعاءات التي وجهت لكتاباته بوصفها شديدة الإباحية أو حتى مزدرءة للأديان. قررت أن أحكم بنفسي، فاشتريت عزازيل من معرض الكتاب السنوي بمدينة بورسعيد، وقرأت الكتاب في طبعته ذات الحجم المصغر من دار الشروق.

تدور أحداث عزازيل على لسان هيبا، راهب مصري في القرن الخامس الميلادي، يترك قريته في صعيد مصر ويذهب طالبًا للعلم في الإسكندرية، ثم الشام والقدس وغيرها من المناطق. حدثان يتركان جرحًا لا ينسى في حياة هيبا: الأول هو مقتل والده الوثني على يد متطرفين في قريته، والثاني هو مقتل هيباتيا، عالمة الرياضيات السكندرية، على يد متطرفي المسيحية في الإسكندرية. نرى إذن أن ثيمة الصراع الموحدة في الرواية - وفي حياة هيبا - هي الصراع المذهبي والتطرف الديني.

لغة يوسف زيدان جميلة، عذبة، مليئة بالجماليات البديعة. أحببت كثيرًا الصلوات ونصوص المناجاة المتضمنة في النص، وأبكاني تصويره لمشهد قتل هيباتيا. أما عن حكمي فيما يخص أسباب إثارته للجدل، فأنا لم تزعجني كثيرًا المشاهد الجنسية في الرواية - وهي كثيرة -، بصراحة توقعت ما هو أسوأ! المشاهد لم تكن فجة كثيرًا. ربما مطوّلة أكثر من اللازم فقط. على ذكر ذلك، قرأت ذات مرة أن تهمة "خدش الحياء العام" لا تنطبق على الأدب، ببساطة لأن القراءة هي فعل فردي بامتياز، والقارئ ليس بينه وبين نفسه حياء ليخدش. لا أذكر أين قرأت ذلك، ولكني أتفق.

مأخذي الوحيد على تقديم الشخصيات النسائية في الرواية هو أنها قدمت بصورة حسية، وكنت أتمنى لو قدمت بصورة متكاملة. المرأة الوحيدة التي تذكر في الرواية بصفاتها العقلية وليس فقط الجسدية هي هيباتيا. ما عداها من نساء في حياة هيبا كانوا قد كتبوا في صورة حسية شديدة الجنسنة hypersexualized. هذه الظاهرة منتشرة في الأدب المكتوب بأقلام الرجال، حيث تصور الشخصيات النسائية عادةً في قالب جنسي بحت. أوكتافيا مثلًا، شعرتُ بأن دورها في الرواية يتمثل في إغراء هيبا فحسب. لا بأس لدي في المشاهد الشاعرية، وتصويرها كامرأة جميلة فعلًا، ولكني تمنيت لو أن الكاتب أعطى اهتمامًا أكبر بقصتها وتاريخها. كذلك الأمر مع مرتا.

وأخيرًا، لم عليك أن تقرأ الرواية؟ لأننا نعيش الآن عصر تطرف ديني لا يقل خطورة عمّا عاصره بطل الرواية في القرن الخامس. أقرأ الأخبار وتريندات المواقع الاجتماعية كل يوم فيخيفني ما وصلنا إليه من هوس بالدين، أو بصورة معينة منه. أرى نبرة كراهية في حديث الناس عن الأقليات الدينية، ويكسر قلبي أن تكفير الآخر قد صار أمرًا هينًا. أرى شخصًا يسمي نفسه داعية، له الكثير من المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو لا يتبع في "دعواه" المزعومة غير أسلوب البلطجة وازدراء الآخر والتطاول على النساء. أرى مدافعين عن التعدي على حريات الأشخاص المفطرين في رمضان، بعذر أو بغير. أرى هوس بمظاهر الدين الخارجية، وترك تام للجوهر. أرى كل ذلك وأتسائل متى وصلنا إلى هذا الحد؟ إن مصر التي أتذكرها منذ عشر سنين لم تكن هكذا. 
في هذا الصدد قرأت منذ قريب كتاب "محنة الدين والدنيا في مصر"، للمفكر الراحل جلال أمين. في الفصول الأولى للكتاب يستنتج جلال أمين أن ما نراه الآن هو نتيجة لتحول في رؤية المصريين للدين، فبعدما كان جزءًا مهما من الحياة، أصبح الحياة نفسها. ربما أتحدث عنه في تدوينة منفصلة قريبًا.

اقتباسات

"شعرت بقلبي يسيل كماء بين ضلوعي، ثم يصير هواءً".

"كان هذا هو الدرس الأول الذي تعلمته في هذا الدير، وأفادني كثيرًا على نحو خفي. لا ينبغي أن أن نخجل من أمر فرض علينا، مهما كان، ما دمنا لم نقترفه. ساعدني ذلك، كثيرًا، على نسيان ما فعلته بي أمي زمن طفولتي، وعلى تناسي ما فعلتُه، وما لم أفعله، بسبب خوفي وقلة استطاعتي".

"كان يجب علي أن أتكلم بأي شيء، لكن الحروف فرت من طرف لساني. كنت أقول في نفسي، إن جمالها ظالم لمن يعرفه، ظالم لأنه أعمق من أن يحتمل، وأبعد من أن ينال".

"أنا لا أعرف الكثير عنها.. لم أرها من الداخل، ولم أر أي شيء من داخله، أنا أطوف دومًا بظاهر الأشياء ولا أغوص فيها. بل أراني أخشى الغوص في باطني، لكي أعرف حقيقة ذاتي الملتبسة".

السبت، 9 أبريل 2022

ثلاثة أسئلة - كيتلين سيهل



تقول لي أمي:
لما أجد شخصًا يعجبني، 
عليّ أن أسأله ثلاثة أسئلة:
1. ماذا يُخيفك؟
2. هل تحب الكلاب؟
3. ماذا تفعل عندما تمطر؟
تقول لي إن من بين هذه الأسئلة، الأول هو الأهم.
"على المرء أن يخاف من شيء ما. كلنا نخاف. ومن لا يخاف من أي شيء، 
لا يؤمن بأي شيء أيضًا."

قابلتك يوم أحد،
بعد الصلاة في الكنيسة،
ومن نظرة واحدة غادر قلبي جوفي.
في موعدنا الثاني،
سألتك: ماذا يخيفك؟
قلت لي: العناكب، غالبًا. والوحدة. والأطفال الصغار، في السن التي
يتعلمون فيها دفع بعضهم البعض أثناء اللعب. والفضاء الخارجي، نعم، الفضاء اللعين!
سألتك إن كنت تحب الكلاب.
"لديّ ثلاثة".
سألتك ماذا تفعل عندما تمطر السماء.
"أنام غالبًا. وأحيانًا أجلس بقرب النافذة وأراقب سباق قطرات المطر.
أشيّد خيمة بلاستيكية في حديقتي الخلفية لتحتمي بها الحيوانات الضالة وأترك لهم الطعام ومرقدًا مناسبًا للنوم."

ابتسم لي كأنما يعرف،
كأنما أخبرته أمه أيضًا بنفس الشيء.

"ماذا عنك؟"
أنا؟
أنا أخاف من كل شيء.
من ثقب الأوزون،
من جارتي التي لا تبتسم لكلبها قط،
وأخاف بشكل خاص من كل الأسرار التي تحاول الحكومة إخفاؤها عنا.
أحب الكلاب كثيرًا، لا تتصور إلى أي حد.
أنام عندما تُمطر.
أريد أن أقول للجميع أني أحبهم.
أريد أن أعثر على كل الحيوانات الضالة وآخذهم معي للمنزل.
أريد أن أستيقظ تائهة في شعرك،
وأن أصنع لك قهوة رديئة في الصباح،
وأقبّل عنقك،
وأرسمنا في صورة خربشات سخيفة. 
وأريد ألا أسأل أي أحد الأسئلة الثلاثة مجددًا.

- كيتلين سيهل