الخميس، 31 مارس 2022

نجم الشمال

فكرت اليوم في أن لكل منا قاعدة حياتية، "نجم الشمال" الذي يرشده ، مبدأ ومعتقد وقيمة تدور حياته حولها، سواء أدرك ذلك أم لا. وبالطبع، كما هو الحال مع المبادئ جميعًا، يأتي عليها وقت يجب أن تُختبر فيه. منذ بدأت تكوين ما يسمى بالوعي، وبالتحديد منذ بدأت قراءة الأدب الروسي، استوقفني "نجم الشمال" لبعض الكتاب الروس، أذكر منهم جوركي ودوستويفسكي وتشيخوف، في الإيمان بالخير في الإنسان، رغم ما قاسوه جميعًا من أهوال. كان جوركي مثلًا، الذي كانت نشأته في غاية القسوة، يؤمن بأن من يرتكبون الشرور هم جهلة وليسوا أشرارًا. منذ حينها جعلت مبدأي في الحياة هو الإيمان في الخير المتأصل بالبشر. ولا تضحك من سذاجتي عزيزي القارئ المخضرم المتمرس في أمور الحياة، أعرف أنه قد تبدو هذه النظرة ساذجة بل ومثيرة للضحك بالنظر لما يرتكبه الإنسان المعاصر في حق أخيه الإنسان، لكنني كنت في التاسعة عشر عندما احتضنت قناعاتي تلك. 

ثم حدث وتعرضت أنا نفسي للشك في هذا المبدأ منذ بضعة سنوات، حينما اختبرت "الشر" بمعناه الحقيقي لأول مرة، حين نظرت في عينيّ إنسان فرأيت قسوة لم أظنها ممكنة. كفرت حينها في مبدأي. أجبرني شكي هذا على مراجعة قناعاتي، وتوصلت إلى رؤية أكثر واقعية عمّا كنت أعتقده في بداية شبابي: الأصل في البشر هو الخير، ولكن الشر موجود، وحقيقي، وقد يكون مُتعمدًا لا ناشئًا عن جهل. وهذا هو الاختبار الذي يخضع له المبدأ هذا. ولكن الصعوبة كلها تكمن في استمرار الإيمان بالخير، رغم الإحباطات المتكررة، رغم الفشل، وضياع الأمل.

الخميس، 3 مارس 2022

مطار

 عم سامي رجل بسيط. يوصلني إلى المطار كل مرة ويسألني عن فرنسا وألمانيا وحال الناس هناك. "الناس هناك مثلما هم هنا يا عم سامي، لا جديد تحت الشمس"، أقول له كل مرة لكنه لا يصدقني.

عم سامي لم يركب الطائرة قط ويعتقد أنها في سعة اتوبيس سياحي فاخر. يعتقد عم سامي في أشياء عفى عليها الزمن، مثل أفضلية الذكر على الأنثى وأن فيروس الكورونا مُصنع في المعمل وأنه يرتكب إثماً عظيما كلما فاتته صلاة في المسجد. عم سامي رجل بسيط يؤمن بأشياء بسيطة، لكنه طيب، وأنا توقفت عن مجادلة الطيبين.

الثلاثاء، 22 فبراير 2022

صخب

 أعرفك، مثلي لا تحب الزحام. يوترك الصوت العالي والحركة المفاجئة وتكرار الكلام واللف والدوران. تجلس منكمشًا على ذاتك، كأنما تحتضن جسدك الذي أنهكه المرض. يتفوه أحدهم بنكتة سخيفة لكنها تضحكك، وتضحكني. علّني ورثت منك حب النكات السخيفة. أرمقك بنظرة في وسط الزحام فتبادلني إياها، بلغة لا يفهمها في الجمع غيرنا. ألاحظ كيف تصبح عيناك الرماديتان داكنتين عندما تحزن، نفس العينين اللتين تلمعان زرقة عندما تضحك. يزداد توترك بازدياد صخب الجمع، فتخرج مبتعدًا، تتناول سيجارة وينكسر قلبي مرة أخرى.

الاثنين، 14 فبراير 2022

حب

 "وإن مت الليلة، أتمنى أن أبعث غدًا في صورة قهوتك الصباحية. بنفس القوة، بنفس الأهمية". - تايلر نوت جريجسون

"عندما أكون معك، نسهر طوال الليل. عندما لا تكون هنا، لا أستطيع النوم. حمدًا لله على الأرقين! وعلى الفرق بينهما." - جلال الدين الرومي

"رغم كل الكتب التي قرأتها في عمرها بأكمله، كان أصعب شيء على الإطلاق هو إيجاد الكلمات المناسبة لقول "أحبك" للشخص الذي أمضت معه أسعد سنوات حياتها." - سارة نيشا آدامز

"أثار باراك فضولي. لم يكن مثل أي رجل واعدته من قبل، وذلك لأنه كان واثقًا من نفسه. كان يظهر المشاعر بأريحية. كان يخبرني بأنني جميلة. كان يشعرني بمشاعر جيدة. بالنسبة لي، كان مثل مخلوق خيالي، شخص غير عادي لدرجة شبه مستحيلة. لم يكن يتحدث عن الأشياء المادية، مثل شراء منزل أو سيارة أو حتى حذاء جديد. كان ينفق أمواله على الكتب، التي كانت بالنسبة له أغراض مقدسة، توفر لعقله الاستقرار والثبات." - ميشيل أوباما

"ضحكت وقلت: الحياة سهلة. ما عنيته هو: الحياة سهلة عندما تكون هنا، وعندما ترحل، ستعود صعبة مجددًا." - ميراندا جولاي

"أتعلم ما يسعدني؟ مكالمات الهاتف غير المتوقعة في وسع اليوم. أو أن تتذكر ما أعجبني في ذلك المطعم الذي زرناه يومًا. أو زهور نصف ذابلة تباع في السوبرماركت، تحضرها لي في وقت التخفيضات. أو رسالة صباحية تقول: استمتعي بيومك وحاولي ألا تحرقي المكان في أحد نوبات غضبك". - سامانتا إربي

"ما نحن عليه وما نصبح عليه يعتمد، بشكل جزئي، على من نحب." - توماس لويس

"الحب هو أن أريدك موجودًا." - فريدريك باكمان

"كلمة "أنا" ما تحلاش إلا بدفا الجماعة. زى لمّا تخبط على باب الحبايب ويسألوا "مين؟" تقول "أنا" ويعرفوك من حسك.." - فؤاد حداد


الأحد، 13 فبراير 2022

وبعد... مراجعة

الكتاب: Et après
الكاتب: جيوم ميسو
لغة القراءة: الفرنسية
صيغة القراءة: كتاب hardcover
التقييم: 3 من 5

انتهيت الشهر الماضي من قراءة "وبعد.."، أحد روايات الكاتب الفرنسي الشهير جدًا في العالم العربي، جيوم ميسو. 
اشتريت الرواية من مكتبتي المفضلة في باريس، Boulinier، الواقعة بالحي الأول. وجدت المكتبة بالصدفة، أثناء تجوالي في باريس بعد قضاء بعض المصالح الحكومية، فبقيت فيها ساعتين أو أكثر، مأخوذة تمامًا بالأسعار المخفضة للكتب المستعملة المعروضة؛ ما لم أراه في مكان آخر غير سور الأزبكية وشارع النبي دانيال! انتقيت الرواية وبضعة كتب أخرى، ولم أدفع يومها أكثر من يورو واحد للكتاب.



صور من زيارتي الأخيرة إلى بولينييه

عودة إلى الرواية: جيوم ميسو معروف برواياته المصنفة تحت تصنيف الأدب الرومانسي وقصص الحب، وهو تصنيف شعبيته كبيرة كما نعلم لكنه يشاع عنه قلة الجودة الأدبية في أغلب الأحيان. لم أقرأ لميسو من قبل، ولست خبيرة تمامًا بتصنيف الأدب الرومانسي، فبدأت الرواية دون الكثير من التوقعات المسبقة.

تدور معظم أحداث الرواية في مدينة نيويورك، وهي ثيمة متكررة في أعمال ميسو الذي عاش فترة في "التفاحة الكبيرة" فأغرم بها. بطل الرواية هو ناثان، محامٍ ناجح وثري، يعيش وحده بعدما انفصلت عنه زوجته. ناثان شخص عملي، يعيش حياة عملية، لا يفكر في الروحانيات والمشاعر وما إلى ذلك من الأشياء غير المادية. تتغير نظرته للحياة فجأة عندما يقابل طبيب عجوز، يخبره بأنه يمكنه التنبؤ بوفاة الناس، ويساعدهم على تصفية حساباتهم الدنيوية ليعبروا بسلام إلى الجانب الآخر. 

لن أحرق الرواية بسرد المزيد من التفاصيل، فالحبكة جيدة والأحداث سريعة فعلًا، فلن أفسدها عليكم. بيت القصيد هو أن الرواية تتحدث عن الموت، الحتمية الوحيدة التي تحكم وجودنا، والتي، بقدرة آدمية غريبة، نتجاهل وجودها تمامًا في وسط أحداث حياتنا اليومية. 

علي الاعتراف بإعجابي بالحبكة، لم أتوقع النهاية إطلاقًا، مع أني عادةً ما أكون جيدة في توقع النهايات في مثل تلك الروايات. أحببت أسلوب السرد السريع، لكن كثير من أحداث الرواية والحوار كانت "كليشيه" أكثر من اللازم، ما أحبطني قليلًا. 

اقتباسات

"بلا شك، هناك تشابه بين الحب والكراهية. يمكننا حتى القول بأن الحب ما هو إلا جنون الكراهية".

السبت، 5 فبراير 2022

ذاكرة



تعلمت اليوم أنه، وفقًا للأبحاث، عندما تلتقط صورة لمكان ما لتحفظ ذكراه فإن عقلك في تلك اللحظة ينتبه للمؤثرات البصرية، ويخفض انتباهه للحواس الأخرى كالسمع والشم. يمكنك اعتبارها ضريبة الاحتفاظ بالصورة؛ فأنت بانشغالك بالتقاط الصور تحرم نفسك من الاستمتاع بباقي المؤثرات الحاضرة في تلك اللحظة.

عندما أجد نفسي داخل لحظة أحب تخليدها للأبد فإن هاتفي هو آخر ما أفكر فيه. ساعتها أحب أن أتعمد ممارسة الوعي: أن أغمس حواسي كلها في التجربة. أحاول أن أترك ملاحظات في رأسي لكي أتذكر كل صوت ولقطة ورائحة. عندما أقلب في هاتفي لأستعيد ذكريات طيبة، لا أجد صورًا كثيرة لبورتو، مدينتي المفضلة في أوروبا. لكنني أتذكر تمامًا كيف كان الوقوف على ذلك الجسر، وأتذكر غروب الشمس فوق نهر دورو. أتذكر وجبة الأسماك التي تناولتها مع صديقتي في مطعم شعبي، وأتذكر وجه الكهل اللطيف الذي قدم لنا الطعام، وإنجليزيته الأنيقة.

ليس معي غير صورة واحدة ليوم عيد مولدي السادس والعشرين، هي المرفقة في التدوينة، لكني أتذكر طعم البيتزا، وشكّات العشب الأصفر الذي جلسنا عليه، تصلني عبر قماش فستاني الرقيق. أتذكر الأغاني الفرنسية الصاخبة وشلة المراهقين التي كانت على مقربة منا. أتذكر شكل السماء ولون الغروب، وأتذكر ضحكنا. 

ليس معي صور من مساء الثلاثين من أكتوبر الماضي لكنني أتذكر سطح فيلا التجمع، زجاجتي بيبسي، وbean bags. أتذكر صفو السماء على عكس ما اعتدت عليه في القاهرة، كنا حينها نرى النجوم. أتذكر ضحك وبكاء وبرد قاهري خفيف. أتذكر نعاسي الذي أقاومه لكي ألحق بطائرة الرابعة فجرًا. 

ليس معي صورًا كثيرة من جلساتي مع أصدقاء عمري لكني أتذكر الضحك والبكاء والقهوة الفرنسية التي ليس لها علاقة بفرنسا واللاتيه رديء الصنع ورائحة الشيشة بالنعناع ودخان الفيب بنكهة الكوكيز. أتمنى لو كانت هناك طريقة لتخزين الروائح والأصوات والجو على هواتفنا ذات السعة اللانهائية، لكن إلى أن يأتي ذلك الوقت سأكتفي بذاكرة مخي. 

الثلاثاء، 1 فبراير 2022

دائمًا نقابلهم مرتين

 


كان اليوم آخر يوم عمل لمسئولة الموارد البشرية لدى محل عملي، امرأة ألمانية أربعينية وواحدة من ألطف من قابلت على الإطلاق. بعد أن تمنيت لها حظًا طيبًا في وظيفتها الجديدة، أوقفتني لتخبرني بأن هناك قولًا مأثورًا بالألمانية يقول: دائمًا يتقابل الناس مرتين في الحياة. استوقفتني العبارة لأنني وجدتها جميلة حقًا، وبسيطة وبليغة بعض الشيئ، على عكس ما يشاع من كون اللغة الألمانية غير شاعرية.

أعتقد أن بإمكاننا النظر لهذا القول ثم الاختيار ما بين الأخذ بالمعنى الشاعري أو بالمعنى السيء (وأعتقد أن بإمكانكم تخمين أي المعنيين أقرب إلي). المعنى الشاعري يعطيك قليلًا من الطمأنينة والسلوى: قابلت أحدهم بالمصادفة ووددت أن تتقاطع سبلكما مرة أخرى؟ أو اضطررت لتوديع أحد المقربين لأن الحياة وقفت في الطريق بينكما؟ لا بأس، فالبشر يلتقون مرتين. أما المعنى السيء يحمل نغمة مهددة بعض الشيء: ماذا إن دُست على قدم أحدهم في المترو فأعطاك نظرة مهددة؟ من الأفضل أن تحذر، فالناس دائمًا ما يلتقون مرتين.

الأحد، 30 يناير 2022

كي أعبر الشارع مطمئنة

لدي في حياتي ما يكفي من التجارب لأن أعرف أن الحب هو أصعب الاشياء على الإطلاق، ولا أعني هنا العلاقات العاطفية بالضرورة. أن تحب أحدهم لا يعني فقط أن تأمن بجانب من تحب، أو ألا تصبر على فراقه؛ فتلك الأشياء كلها تمر. المشقة تأتي عندما تقف مكتوف اليدين مشاهدًا سقوطهم في الهاوية. العجز هو أن تملك لا شيء غير المواساة. 

تقول أنيس نين إننا لا يمكننا إنقاذ من نحب. يمكننا فقط أن نحبهم. لا تعجبني سلبيتها، رغم أنها على الأرجح محقة. أنيس نين محقة دائمًا. أما رضوى عاشور فلها موقف أقل سلبية قليلًا؛ "لكل أولئك الذين أحبونا ولم نحبهم كما ينبغي، سلامًا طيبًا ووردة". لحسن الحظ، صادق مجبل يعبر في ديوانه البديع عن كل ما أعجز أنا عن التعبير عنه ببلاغة، فيصف كل غايتي في الحياة بقوله: "أريدك بخير كي أعبر الشارع مطمئنًا، وأدخل بيتي بفرح". وفي ظني، تلك هي أسمى صور الحب: أن تريدهم بخير، وحسب.

السبت، 29 يناير 2022

قبل أن تبرد القهوة: مراجعة

 

الكتاب: قبل أن تبرد القهوة
الكاتب: توشيكازو كاواجوشي
لغة القراءة: الإنجليزية، مترجم من اليابانية
صيغة القراءة: كتاب إلكتروني (كيندل)
التقييم: 4/5


أشعر أنني مدينة لنفسي (وللخمس أو ست أشخاص الذين يتابعون هذه المدونة لسبب لا أعلمه!) باعتذار، فأنا لم أحدث المدونة منذ فترة. لم أقم هذه المرة بعمل ملخص كتب العام الماضي كعادتي في بداية كل عام؛ يبدو أن 2022 قد بدأت معي بداية فوضوية بعض الشيء! 

على أي حال، وددت اليوم أن أتكلم عن آخر قراءات العام الماضي: كتاب ياباني غاية في اللطافة والرقة بعنوان: قبل أن تبرد القهوة. سمعت عن هذا الكتاب كثيرًا وأعجبني أن أحداثه تدور داخل مقهى. أحب جو المقاهي الصغيرة غير المتكلفة، وكلما وجدت نفسي في مدينة جديدة أحاول أن أزور عشوائيًا أحد المقاهي المحلية. أفتح حوارًا عشوائيًا مع الباريستا وأراقب أهل المدينة في حياتهم اليومية.

قهوتي من مقهى another milk، مدينة شتوتجارت، ديسمبر 2021

في "قبل أن تبرد القهوة"، تدور الأحداث في مقهى غير عادي؛ ففي ذلك المقهى يمكنك السفر عبر الزمن، ولكن بشروط معينة أهمها أن تعود إلى الحاضر قبل أن يبرد فنجان قهوتك، وبقاعدة عامة هي أنك لا يمكنك تغيير الحاضر بأي شكل من الأشكال. نتابع رواد المقهى، ونكتشف أن لكل واحد منهم أسبابه في السفر عبر الزمن، ونرى كيف تتضافر حياتهم جميعًا بسبب المقهى. 

هذه الرواية تجسيد حقيقي لكل ما هو ياباني: فنرى الواقعية السحرية التي اعتدنا اعتبار "هاروكي موراكامي" مرادفًا لها، ونرى أيضًا الغوص المألوف في مشاعر الشخصيات، لكننا أيضًا نرى رقة شديدة وتحفظ بالغ في التعاملات والحوارات بين الشخصيات، وأظنها انعكاس لطبيعة المجتمع الياباني ذاته.

فكرة الكتاب بديعة والكتابة جيدة حقًا، لكن الأحداث تدور ببطء نوعًا ما، وأشعر أنه كان من الممكن استغلال الفكرة الشيقة في نمط حكي أفضل وأسرع. 

اقتباسات:

"يتدفق الماء من الأماكن المرتفعة إلى المنخفضة. تلك هي طبيعة الجاذبية. المشاعر أيضًا يبدو أنها تسير على قوانين الجاذبية. عندما تكون في حضرة شخص ما يربطك به علاقة قوية، شخص تأمن على مشاعرك معه، من الصعب أن تكذب وتمر الكذبة هكذا. دائمًا ما تريد الحقيقة أن تتدفق إلى الخارج".

"بعد أن وضعت القهوة أمامها، أغمضت عينيها، ثم أخذت نفسًا عميقًا. كانت تلك لحظتها السعيدة".


*الكتاب متوفر الآن بالعربية تحت نفس العنوان: قبل أن تبرد القهوة.

الخميس، 6 يناير 2022

تدوينات صغيرة #20


استيقاظ في منتصف الليل. قهوة سادة. رغبة غير مفسرة في تدخين علبة سجائر في ساعة واحدة، مع أنني لا أدخن. لي نظرية في انجذاب الأشخاص لتدخين السجائر؛ أسميها النظرية الشاعرية للدخان. في تمرينات التأمل يخبرك المعلم بأن تأخذ نفسًا عميقًا وتتخيله يمر في جسدك كله، يغسل أوردتك وشرايينك وأوعيتك الدموية، ثم تخرجه ببطء وتتخيل معه خروج كل الطاقة السلبية عبر أنفك. أعتقد أن الدخان بإمكانه محاكاة نفس الصورة الشاعرية. باستثناء أنه يترك أثره على رئتيك. وقد يسبب أيضًا إدمان النيكوتين. ورائحته منفرة. حسنًا، وصلت الفكرة، الصورة الشاعرية ليست دقيقة علميًا بالضبط. الشعراء ليسوا أذكى الناس كما نعرف جميعًا.

 نافذة متصفحي تحمل نتائج بحث "أعراض الجلطة الدماغية"، وأخرى تنصح "كيف تتعامل مع مرضى السكري - النوع الثاني". النتائج بالإنجليزية، بالطبع، عشان محدش يضحك علينا. 

إحساس بالذنب تجاه كل شيء، لو مرت نملة مكسورة الساق في شارعنا لشعرت بالمسئولية حيال عبورها الشارع. ربما لن ينتهي ذلك أبدًا، ربما ينتهي غدًا. "عش اللحظة"، يقولون لك في كورسات تعليم اليقظة mindfulness، وأقول أنا "عش خارج اللحظة". أستمتع بكوب من فرابتشينو بالكراميل، عالي السكريات، بينما ينهار العالم من حولي. أعتقد أن بإمكاني الآن تدريس كورسات الـmindfulness، المدعومة بنظريتي الشاعرية عن الدخان.