السبت، 5 فبراير 2022

ذاكرة



تعلمت اليوم أنه، وفقًا للأبحاث، عندما تلتقط صورة لمكان ما لتحفظ ذكراه فإن عقلك في تلك اللحظة ينتبه للمؤثرات البصرية، ويخفض انتباهه للحواس الأخرى كالسمع والشم. يمكنك اعتبارها ضريبة الاحتفاظ بالصورة؛ فأنت بانشغالك بالتقاط الصور تحرم نفسك من الاستمتاع بباقي المؤثرات الحاضرة في تلك اللحظة.

عندما أجد نفسي داخل لحظة أحب تخليدها للأبد فإن هاتفي هو آخر ما أفكر فيه. ساعتها أحب أن أتعمد ممارسة الوعي: أن أغمس حواسي كلها في التجربة. أحاول أن أترك ملاحظات في رأسي لكي أتذكر كل صوت ولقطة ورائحة. عندما أقلب في هاتفي لأستعيد ذكريات طيبة، لا أجد صورًا كثيرة لبورتو، مدينتي المفضلة في أوروبا. لكنني أتذكر تمامًا كيف كان الوقوف على ذلك الجسر، وأتذكر غروب الشمس فوق نهر دورو. أتذكر وجبة الأسماك التي تناولتها مع صديقتي في مطعم شعبي، وأتذكر وجه الكهل اللطيف الذي قدم لنا الطعام، وإنجليزيته الأنيقة.

ليس معي غير صورة واحدة ليوم عيد مولدي السادس والعشرين، هي المرفقة في التدوينة، لكني أتذكر طعم البيتزا، وشكّات العشب الأصفر الذي جلسنا عليه، تصلني عبر قماش فستاني الرقيق. أتذكر الأغاني الفرنسية الصاخبة وشلة المراهقين التي كانت على مقربة منا. أتذكر شكل السماء ولون الغروب، وأتذكر ضحكنا. 

ليس معي صور من مساء الثلاثين من أكتوبر الماضي لكنني أتذكر سطح فيلا التجمع، زجاجتي بيبسي، وbean bags. أتذكر صفو السماء على عكس ما اعتدت عليه في القاهرة، كنا حينها نرى النجوم. أتذكر ضحك وبكاء وبرد قاهري خفيف. أتذكر نعاسي الذي أقاومه لكي ألحق بطائرة الرابعة فجرًا. 

ليس معي صورًا كثيرة من جلساتي مع أصدقاء عمري لكني أتذكر الضحك والبكاء والقهوة الفرنسية التي ليس لها علاقة بفرنسا واللاتيه رديء الصنع ورائحة الشيشة بالنعناع ودخان الفيب بنكهة الكوكيز. أتمنى لو كانت هناك طريقة لتخزين الروائح والأصوات والجو على هواتفنا ذات السعة اللانهائية، لكن إلى أن يأتي ذلك الوقت سأكتفي بذاكرة مخي. 

الثلاثاء، 1 فبراير 2022

دائمًا نقابلهم مرتين

 


كان اليوم آخر يوم عمل لمسئولة الموارد البشرية لدى محل عملي، امرأة ألمانية أربعينية وواحدة من ألطف من قابلت على الإطلاق. بعد أن تمنيت لها حظًا طيبًا في وظيفتها الجديدة، أوقفتني لتخبرني بأن هناك قولًا مأثورًا بالألمانية يقول: دائمًا يتقابل الناس مرتين في الحياة. استوقفتني العبارة لأنني وجدتها جميلة حقًا، وبسيطة وبليغة بعض الشيئ، على عكس ما يشاع من كون اللغة الألمانية غير شاعرية.

أعتقد أن بإمكاننا النظر لهذا القول ثم الاختيار ما بين الأخذ بالمعنى الشاعري أو بالمعنى السيء (وأعتقد أن بإمكانكم تخمين أي المعنيين أقرب إلي). المعنى الشاعري يعطيك قليلًا من الطمأنينة والسلوى: قابلت أحدهم بالمصادفة ووددت أن تتقاطع سبلكما مرة أخرى؟ أو اضطررت لتوديع أحد المقربين لأن الحياة وقفت في الطريق بينكما؟ لا بأس، فالبشر يلتقون مرتين. أما المعنى السيء يحمل نغمة مهددة بعض الشيء: ماذا إن دُست على قدم أحدهم في المترو فأعطاك نظرة مهددة؟ من الأفضل أن تحذر، فالناس دائمًا ما يلتقون مرتين.

الأحد، 30 يناير 2022

كي أعبر الشارع مطمئنة

لدي في حياتي ما يكفي من التجارب لأن أعرف أن الحب هو أصعب الاشياء على الإطلاق، ولا أعني هنا العلاقات العاطفية بالضرورة. أن تحب أحدهم لا يعني فقط أن تأمن بجانب من تحب، أو ألا تصبر على فراقه؛ فتلك الأشياء كلها تمر. المشقة تأتي عندما تقف مكتوف اليدين مشاهدًا سقوطهم في الهاوية. العجز هو أن تملك لا شيء غير المواساة. 

تقول أنيس نين إننا لا يمكننا إنقاذ من نحب. يمكننا فقط أن نحبهم. لا تعجبني سلبيتها، رغم أنها على الأرجح محقة. أنيس نين محقة دائمًا. أما رضوى عاشور فلها موقف أقل سلبية قليلًا؛ "لكل أولئك الذين أحبونا ولم نحبهم كما ينبغي، سلامًا طيبًا ووردة". لحسن الحظ، صادق مجبل يعبر في ديوانه البديع عن كل ما أعجز أنا عن التعبير عنه ببلاغة، فيصف كل غايتي في الحياة بقوله: "أريدك بخير كي أعبر الشارع مطمئنًا، وأدخل بيتي بفرح". وفي ظني، تلك هي أسمى صور الحب: أن تريدهم بخير، وحسب.

السبت، 29 يناير 2022

قبل أن تبرد القهوة: مراجعة

 

الكتاب: قبل أن تبرد القهوة
الكاتب: توشيكازو كاواجوشي
لغة القراءة: الإنجليزية، مترجم من اليابانية
صيغة القراءة: كتاب إلكتروني (كيندل)
التقييم: 4/5


أشعر أنني مدينة لنفسي (وللخمس أو ست أشخاص الذين يتابعون هذه المدونة لسبب لا أعلمه!) باعتذار، فأنا لم أحدث المدونة منذ فترة. لم أقم هذه المرة بعمل ملخص كتب العام الماضي كعادتي في بداية كل عام؛ يبدو أن 2022 قد بدأت معي بداية فوضوية بعض الشيء! 

على أي حال، وددت اليوم أن أتكلم عن آخر قراءات العام الماضي: كتاب ياباني غاية في اللطافة والرقة بعنوان: قبل أن تبرد القهوة. سمعت عن هذا الكتاب كثيرًا وأعجبني أن أحداثه تدور داخل مقهى. أحب جو المقاهي الصغيرة غير المتكلفة، وكلما وجدت نفسي في مدينة جديدة أحاول أن أزور عشوائيًا أحد المقاهي المحلية. أفتح حوارًا عشوائيًا مع الباريستا وأراقب أهل المدينة في حياتهم اليومية.

قهوتي من مقهى another milk، مدينة شتوتجارت، ديسمبر 2021

في "قبل أن تبرد القهوة"، تدور الأحداث في مقهى غير عادي؛ ففي ذلك المقهى يمكنك السفر عبر الزمن، ولكن بشروط معينة أهمها أن تعود إلى الحاضر قبل أن يبرد فنجان قهوتك، وبقاعدة عامة هي أنك لا يمكنك تغيير الحاضر بأي شكل من الأشكال. نتابع رواد المقهى، ونكتشف أن لكل واحد منهم أسبابه في السفر عبر الزمن، ونرى كيف تتضافر حياتهم جميعًا بسبب المقهى. 

هذه الرواية تجسيد حقيقي لكل ما هو ياباني: فنرى الواقعية السحرية التي اعتدنا اعتبار "هاروكي موراكامي" مرادفًا لها، ونرى أيضًا الغوص المألوف في مشاعر الشخصيات، لكننا أيضًا نرى رقة شديدة وتحفظ بالغ في التعاملات والحوارات بين الشخصيات، وأظنها انعكاس لطبيعة المجتمع الياباني ذاته.

فكرة الكتاب بديعة والكتابة جيدة حقًا، لكن الأحداث تدور ببطء نوعًا ما، وأشعر أنه كان من الممكن استغلال الفكرة الشيقة في نمط حكي أفضل وأسرع. 

اقتباسات:

"يتدفق الماء من الأماكن المرتفعة إلى المنخفضة. تلك هي طبيعة الجاذبية. المشاعر أيضًا يبدو أنها تسير على قوانين الجاذبية. عندما تكون في حضرة شخص ما يربطك به علاقة قوية، شخص تأمن على مشاعرك معه، من الصعب أن تكذب وتمر الكذبة هكذا. دائمًا ما تريد الحقيقة أن تتدفق إلى الخارج".

"بعد أن وضعت القهوة أمامها، أغمضت عينيها، ثم أخذت نفسًا عميقًا. كانت تلك لحظتها السعيدة".


*الكتاب متوفر الآن بالعربية تحت نفس العنوان: قبل أن تبرد القهوة.

الخميس، 6 يناير 2022

تدوينات صغيرة #20


استيقاظ في منتصف الليل. قهوة سادة. رغبة غير مفسرة في تدخين علبة سجائر في ساعة واحدة، مع أنني لا أدخن. لي نظرية في انجذاب الأشخاص لتدخين السجائر؛ أسميها النظرية الشاعرية للدخان. في تمرينات التأمل يخبرك المعلم بأن تأخذ نفسًا عميقًا وتتخيله يمر في جسدك كله، يغسل أوردتك وشرايينك وأوعيتك الدموية، ثم تخرجه ببطء وتتخيل معه خروج كل الطاقة السلبية عبر أنفك. أعتقد أن الدخان بإمكانه محاكاة نفس الصورة الشاعرية. باستثناء أنه يترك أثره على رئتيك. وقد يسبب أيضًا إدمان النيكوتين. ورائحته منفرة. حسنًا، وصلت الفكرة، الصورة الشاعرية ليست دقيقة علميًا بالضبط. الشعراء ليسوا أذكى الناس كما نعرف جميعًا.

 نافذة متصفحي تحمل نتائج بحث "أعراض الجلطة الدماغية"، وأخرى تنصح "كيف تتعامل مع مرضى السكري - النوع الثاني". النتائج بالإنجليزية، بالطبع، عشان محدش يضحك علينا. 

إحساس بالذنب تجاه كل شيء، لو مرت نملة مكسورة الساق في شارعنا لشعرت بالمسئولية حيال عبورها الشارع. ربما لن ينتهي ذلك أبدًا، ربما ينتهي غدًا. "عش اللحظة"، يقولون لك في كورسات تعليم اليقظة mindfulness، وأقول أنا "عش خارج اللحظة". أستمتع بكوب من فرابتشينو بالكراميل، عالي السكريات، بينما ينهار العالم من حولي. أعتقد أن بإمكاني الآن تدريس كورسات الـmindfulness، المدعومة بنظريتي الشاعرية عن الدخان.

الجمعة، 24 ديسمبر 2021

إذن أنت تريد أن تتحدث عن العرق: مراجعة

 

الكتاب: إذن أنت تريد التحدث عن العرق
الكاتبة: إيجيوما أولو
اللغة: الإنجليزية
صيغة القراءة: كتاب صوتي
التقييم: 4/5

مرحبًا. منذ اندلاع حركة black lives matter المهتمة بقضايا الأقليات ذات البشرة السوداء في الولايات المتحدة، وأنا أريد أن أعرف المزيد عن مشكلة العنصرية في الغرب. في الغرب، عادة ما يكون موضوع العرق موضوعًا حساسًا، يتناوله البيض والسود على حد سواء بكثير من الحذر. 

إيجيوما أولو هي كاتبة وناشطة أمريكية في مجال الدفاع عن الأقليات العرقية. هذا الكتاب هو مجموعة من المقالات، تشرح فيها أولو بعض المفاهيم التي يغفل عنها الناس عند التحدث عن العرق والعنصرية. أسلوب كتابة أولو حاد، جريء، وغاضب في كثير من تلك المقالات، لكن هذا هو المطلوب تمامًا: أن يعِ المتلقي أن ليس من السهل الكتابة عن العنصرية بواسطة شخص يتعرض لها بشكل شبه يومي.

تابعت أحداث حملة black lives matter عند بداية اندلاعها في الولايات المتحدة، وعندها رأيت الكثير من "البيض" يقولون إنهم يحاولون أن يثقفوا أنفسهم فيم يتعلق بهذا الأمر. وقتها وجدت الأمر غريبًا وسألت نفسي: تثقف نفسك حيال ماذا؟ هل عليك أن تقرأ كتابًا لتدرك أنه من الخطأ استهداف الأقليات، أو الوصول إلى افتراضات عن الأشخاص بناء على لون بشرتهم؟ لكن، في الحقيقة، الإجابة هي نعم: ربما عليك أن تقرأ كتابًا أو اثنين بواسطة كتاب من أصحاب البشرة السوداء، وحينها فقط قد تتفهم أن أبعاد المشكلة تتخطى فكرة أن هناك أشخاص سيئون يحكمون على الناس من خلال لون بشرتهم.

أعجبني في الكتاب شرح أولو لمسألة التقاطعية intersectionality. التقاطعية تعني أن نأخذ في الاعتبار أن هويتنا لا تتشكل فقط ببعد واحد من أبعاد شخصياتنا، كاللون مثلا، بل تتشكل تجاربنا الشخصية من خلال تقاطع كثير من الأبعاد. على سبيل المثال، عندما تتعرض امرأة شرق أوسطية مسلمة للتميز في مجتمع غربي، عندها ينبغي أن نأخذ في الاعتبار ليس فقط كونها امرأة، ولا شرق أوسطية، ولا مسلمة؛ بل كل ما سبق. وقد تختلف تجربتها اختلافًا شديدًا مع رجل شرق أوسطي مسلم.

تعلمت أيضًا من هذا الكتاب أهمية الحديث عن الاستحواذ الثقافي cultural appropriation. تشير هذه الكلمة إلى استحواذ الثقافة السائدة على بعض العناصر من ثقافة مقهورة أو مهمشة. على سبيل المثال، وجدت اليوجا منذ آلاف السنين في شبه القارة الهندية، لكنها لم تصبح "تريند" إلا عندما طبقها الغرب كرياضة روحانية. ذكرني ذلك بتجربة لي في بولندا، حيث ذهبت مع جماعة من الأصدقاء العرب إلى مطعم يُقدم أكلات فلسطينية تقليدية، ثم ما لبثت أن اكتشفت أن المطعم في الواقع إسرائيلي، ويروّج الطعام والزي التقليدي الفلسطيني كتراث إسرائيلي. مثل هذه المحاولات منتشرة جدًا في أوروبا، فترى مثلًا مطاعم الفلافل (طبق رخيص للغاية ومشهورة في مصر والشام) يقدم هذا الطبق بواسطة أوروبيين يبيعونه لك مع تسميته vegan، فتدفع فيه أضعاف تكلفته الحقيقية. هذا ما يعنيه الاستحواذ الثقافي، وهو يختلف كل الاختلاف عن أن تطبخ السباجيتي بولونيز في مطبخك لأنك تحب الأكل الإيطالي، مثلًا. 

على كل حال، أنصح بهذا الكتاب لمن يريد أن يعرف كيف يصير إنسانًا أفضل. يمكن تطبيق المبادئ المذكورة هنا على الأقليات بشكل عام، حتى وإن لم يكونوا من أصحاب البشرة السمراء. 

الأربعاء، 22 ديسمبر 2021

وداعًا يا فيتامين: مراجعة

الكتاب: Goodbye, Vitamin
الكاتبة: Rachel Khong
اللغة: الإنجليزية
التقييم: 4/5

مرحبًا. منذ أن انتقلت إلى مدينتي الجديدة وبدأت وظيفتي التي تضرني إلى قضاء 40 دقيقة في المواصلات ذهابًا ومثلهن إيابًا، منذ ذلك الحين وأنا أخيرًا لدي الوقت الكافي لكي ألتهم كتبًا كانت مؤجلة على قائمتي منذ زمن. رواية "وداعًا يا فيتامين" كانت على قائمتي لسبب لا أتذكره الآن، لكني ما إن بدأتها حتى صرت أجد نفسي كل يوم متشوقة لركوب القطار لأتابع تطور الأحداث. 

بطلة الرواية، "روث"، هي امرأة اقتربت من الثلاثين. مازالت تعيش تخبط حياة العشرينات الذي نعرفه جميعًا: وظيفة غير مرضية، علاقات عاطفية فاشلة، وعلاقة متوترة بأبويها وصديقتها المفضلة. تبدأ الرواية بحدثين يهزان أي استقرار في حياتها هزًا شديدًا: ينفصل عنها خطيبها الذي كانت تربطها معه علاقة امتدت لسنوات طويلة، ويصاب والدها بالزهايمر. تضطر روث إلى ترك مدينتها ووظيفتها للانتقال للعيش مع والديها، بعد أن صارت أمها غير قادرة على العناية بالأب وحدها.

نعيش مع "روث" إعادة اكتشاف كيف يكون العيش مع الأبوين مرة أخرى. أعتقد أن كل من استقل للعيش بعيدًا عن أسرته لوقت من الزمن سيرى هذا الكتاب دقيقًا حقًا في وصف مشاعر العودة للمنزل، وكيف تتغير رؤيتنا لأبوينا عبر الزمن، من كائنات خارقة مثالية، إلى مسببات لقمع الحرية، وأخيرًا إلى بشر عاديين وغير عاديين في الوقت ذاته.. بكل ما يحملونه من عيوب وانتصارات ومزايا وندوب. 

تحاول روث بكل ما في وسعها أن تمنع سقوط والدها نحو هاوية الزهايمر. تعتني بحميته الغذائية وبصحته العقلية. وبعنايتها به، تعيد اكتشاف نفسها أيضًا، ومدينتها القديمة في نفس الوقت. 

الرواية دافئة وحميمية جدًا، مع لمسة من الدعابة الساخرة التي راقت لي كثيرًا. هناك روايات تحاول أكثر من اللازم أن تكون مضحكة، فينتهي بها الأمر سخيفة وغير مسلية. هنا جاءت النكات لطيفة وغير مصطنعة. أنصح به كقراءة سريعة خفيفة ومؤثرة في نفس الوقت. 

اقتباسات:
"أتعلم ما الأمر غير العادل في علاقتي بجويل؟ أنه أنا من قامت بإرخاء الغطاء عن قلبه، لكي تكشفه امرأة أخرى."

"منذ زمن طويل، توقفت عن التساؤل عن سبب كثرة الأشخاص المجانين. ما يدهشني الآن هو كثرة العقلاء."

"أعتقد أنه لا يهم من منا يتذكر أي شيء، المهم أن هناك أحد ما، يتذكر شيئًا ما."

"يا لنا من أوعية غير مثالية لحمل الحب، ويا لنا من أشخاص غير مثاليين لإعطاؤه. يدهشني أن السبب الذي نهتم من أجله بشأن أحدهم، ليس له أي علاقة بالشخص ذاته؛ بل له علاقة بمن نحن عليه بينما نكون مع ذلك الشخص، أي ما نشعر تجاهه."

"يخبرك عقلك بمن أو ماذا تحب، ثم تقع أنت في حبه، لكن أحيانًا لا يقول لك عقلك شيئًا: أحيانًا يتلاعب بك عقلك، وأحيانًا هو أسوأ ما يمكنك سماع كلامه على الإطلاق."

"تبدأ العلاقات بمشاركة الأشياء، وتنتهي العلاقات بعدم مشاركتها."


الأربعاء، 15 ديسمبر 2021

تدوينات صغيرة #19

قد تكون أغنية "على حسب وداد" أشهر أغاني حليم وأنجحها، لكني دائمًا أتوقف عندها مندهشة من عبقرية مزج التضادين: اللحن شديد البهجة، ولكن الكلمات في المجمل حزينة حقًا: "رح آقول للزين سلامات .. ضيعت عليه العمر يابويا.. واهي دنيا بتلعب بينا.. إلخ". لكن سرعان ما أفهم لماذا يناسبها اللحن البهيج: دائمًا ترتسم ابتسامة بلهاء على وجهي عند سماع البيت الأخير: "ونغني أغاني جديدة، مليانة حكاوي سعيدة، وهنغزل ثوب الفرحة يابويا، وأقول يا حبيبي سلامات"، فأفهم ما كان يدور في ذهن بليغ، البليغ حقًا.

الأربعاء، 24 نوفمبر 2021

تدوينات صغيرة #17

 اليوم لاحظت أشياء كثيرة لأول مرة. 

لاحظت كم هو جميل منظر الجليد فوق فروع الأشجار العارية. خط أبيض لامع يتماشى جيدًا مع اللون البني الداكن لفروع الشجر.

لاحظت كم تبدو السماء صافية بعد انتهاء هطول الثلج. كأنها تتنفس لأول مرة، حمل وانزاح. 

السبت، 6 نوفمبر 2021

كل شيء عن الحب: مراجعة

الكتاب: كل شيء عن الحب: رؤى جديدة
الكاتبة: بيل هوكس
لغة القراءة: الإنجليزية
صيغة القراءة: كتاب إلكتروني - كيندل
التقييم: 3 نجوم من 5

مرحبًا. انتهيت الاسبوع الماضي من قراءة كتاب بعنوان: كل شيء عن الحب من تأليف المفكرة والأستاذة الأمريكية بيل هوكس. لا أتذكر من رشح لي هذا الكتاب تحديدًا، لكنني سعيدة بقراءته. لا يمكنني القول إنه عمل كلاسيكي خالد، فقد وجدت كثير من أفكار هوكس متكررة نوعًا ما وليست بالعمق الذي تدعيه.

تدافع هوكس في هذا الكتاب عن مفهوم الحب، الذي تشوه كثيرًا في ثقافتنا المعاصرة بسبب النزعة الرومانسية romanticism التي ترى هوكس أنها قد خربت مفهوم الحب في العلاقات العاطفية. هذا الجدل قائم منذ فترة بالفعل، وقد تناوله آلان دو بوتون في عدة محاضرات رائعة مسجلة على يوتيوب. 


بالإضافة إلى ذلك، أحببت تعريف هوكس للحب على أنه فعل، لا مجرد اسم، كما تناولت الجانب اللغوي من تعبيرنا عن الحب بشكل ممتاز، وأننا يجب أن نتعامل مع الحب باعتباره قرارٍ واع، لا شعور عابر، واتضحت في تلك النقاشات اللغوية فعلًا قوتها كأكاديمية.

ربما ما أزعجني قليلًا في هذا الكتاب هو التكرار غير المبرر لبعض الأفكار، هناك إطناب لا داع له في بعض الفقرات جعلها رتيبة نوعًا ما. هناك أيضًا نبرة خطابية في أسلوب الكتابة نفسه، أعني أن الكاتبة تستخدم عبارات رنانة للتعبير عن جمل ليست عميقة بالضرورة، كأنها تريد أن تلقي خطابًا قويًا أمام جمع، فخرج النص براقًا يمكن استخراج عدة اقتباسات منه، لكن ليس عميقًا كفاية لتذكر تلك الاقتباسات. كنت أتمنى لو اقترب هذا الكتاب أكثر من تصنيف الفكر والفلسفة، لكني وجدته يميل نحو التنمية الذاتية. وهو ليس شيئًا سيئًا بالضرورة، لكنه فقط خيب توقعاتي.

الاقتباسات

"لكن غياب الحب هو بالضبط ما جعلني أدرك كم هو مهم".

"كان من الصعب عليّ أن أؤمن بما يعدني به الحب بينما أرى حولي هيمنة القوة أو سيطرة الخوف على رغبة المرء في الحب."

"الرجال يضعون النظريات حول الحب، بينما النساء هم غالبًا من يمارسنه. أغلب الرجال يشعرون أنهم يتلقون الحب ولذلك يعلمون شعور أن يكون المرء محبوبًا، بينما النساء غالبًا تعيش في حالة توق، رغبة في الحب لا تٌلبى".

"في كتاب عالم النفس سكوت بيك بعنوان (الطريق الأقل ازدحامًا)، يعرف الحب بأنه الرغبة في تنمية وإشباع حاجة المرء، أو حاجة الآخر، للنمو الروحاني. يستسرد قائلًا: الحب هو ما يفعله الحب. الحب هو فعل إرادي، أي أنه نية وفعل في نفس الوقت. النية تعني أنه يتضمن القدرة على الاختيار. لسنا مضطرين أن نحب، بل نحن نختار أن نحب".

"لكي نحب حقًا علينا أن نمزج معًا عدة مكونات: الاهتمام، العطف، التقدير، الاحترام، الالتزام، والثقة، بالإضافة إلى التواصل الصريح الشفاف".

"عندما نفهم أن الحب هو الرغبة في إشباع وتغذية نمونا الروحاني ونمو الطرف الآخر، يتجلى واضحًا لنا أنه لا يمكن أن ندعي الحب ما دمنا جارحين أو مسيئين. لا يمكن أن يتعايش الحب والإساءة معًا".

"من الخرافات الاجتماعية التي علينا أن نمحوها لكي نصبح مجتمعًا محبًا هي تلك الخرافة التي تعلم الآباء أن الإساءة والإهمال يمكن أن يتعايشا جنبًا إلى جنب مع الحب. الإساءة والإهمال هما عكس الحب. الاهتمام وتأكيد الثقة، وهما عكس الإساءة والمهانة، هما الداعمان الأساسيان للحب. لا يمكن لأي شخص أن يدعي أنه محب عندما يتصرف بإساءة. ومع ذلك، يقوم الآباء بذلك طول الوقت في ثقافتنا. الأطفال يُقال لهم أنهم يتلقون الحب رغم أنهم يساء إليهم".

"في أحد الفصول المعنونة: كيف يمكننا أن نحظى بعلاقات أفصل مع النساء في حياتنا؟ يقول المؤلف ستولينبرج: إن العدالة الموجودة في الحب بين الرجل والمرأة لا قيمة لها عندما تكون الرجولة أهم في نظر الرجل. عندما يحب الرجل رجولته أكثر مما يحب العدل في العلاقة، يمكننا أن نتوقع عواقب هذا السلوك في كل علاقاته مع النساء."

"أن تعيش بقيم الحب يعني أن نتعلم أن نقدر قيمة الإخلاص والالتزام بالروابط في حياتنا، أكثر مما نقدر قيم الممتلكات المادية".

"إن الاعتقاد السائد بأن الالتزام بسلوك أخلاقي في الحياة يسلب منها المتعة هو  اعتقاد خاطئ. في الحقيقة، العيش بسلوك أخلاقي يضمن لنا أن العلاقات في حياتنا، بما في ذلك تعاملاتنا مع الغرباء، تغذي نمونا الروحاني. إن التصرف بطريقة غير أخلاقية، بدون اعتبارات لتبعيات أفعلنا، يشبه تمامًا أن نأكل أطنانًا من الوجبات السريعة. قد يكون طعمها جيدًا، لكن في النهاية يظل الجسم دون غذاء حقيقي، في حالة مستمرة من النقص والتوق".

"في الثقافة البطريركية، يميل الرجال إلى اعتبار الحب كشيء عليهم أن يستقبلوه دون بذل مجهود. عادة لا يريد الرجال بذل الشغل الذي يتطلبه الحب".

"في كثير من الأحيان، تظن النساء أنه من علامات الالتزام والتعبير عن الحب هي أن تحتمل القسوة والشر، أن تسامح وتنسى الإساءة.  لكن في الواقع، عندما نحب بشكل صحيح، نعلم جيدًا أن رد الفعل الصحيّ السليم ضد القسوة والإساءة هو أن نبعد أنفسنا عن مصدر الأذى".

"لن يسود الحب في أي علاقة طالما يريد أحد الطرفين، أكان الرجل أو المرأة، أن يمسك بزمام الأمور، أن يحافظ على السيطرة".

"إن اختيار أن نكون صرحاء هو أول خطوة في  عملية الحب. لا يوجد ممارس للحب يمكنه أن يخدع. في اللحظة التي يٌتخذ فيها القرار لأن نكون صرحاء، تصبح الخطوة التالية هي التواصل".

"ربما كنا سنعيش في عالم أكثر قسوة وعنفًا لو لم تكن النساء تقوم بدور تعليم الرجال الذين فقدوا تواصلهم مع أنفسهم كيف يحبون مرة ثانية. هذا العمل المبني على الحب يكون بلا جدوى فقط إذا رفض الرجال تلك اليقظة والنمو. في تلك الحالة، يكون من ضمن أفعال حب الذات التي على النساء فعلها هي أن تترك العلاقة وتمضي قدمًا بحياتها."

"إذا سألني أحدهم: ما هو السبب الأكثر شهرة وتكرارًا لفشل العلاقات؟ لأجبت بأنها الأنانية. نحن نعيش في عصر من النرجسية، وكثير من الناس لم يتعلموا، أو نسوا، كيف يستمعون لحاجات الآخرين. الحقيقة هي التالي: إذا أردت أن تغير شيئًا واحدًا فقط يمكنه أن يحسن علاقتك في يوم وليلة - حرفيًا - فذلك الشيء هو أن تضع مصلحة شريكك جنبًا إلى جنب مع مصلحتك الشخصية، على نفس المستوى".
 
"إن العطاء بكرم في العلاقات العاطفية، وفي العلاقات الأخرى كلها، يعني أن نٌميز متى يحتاج الشخص الآخر إلى اهتمامنا. الاهتمام هو من أهم مواردنا".

"أن تحب أحدهم ليس فقط شعورًا قويًا، بل هو قرار، هو حكم، هو وعد. لو أحببنا بناءًا على المشاعر فقط، لن يكون هناك أي أساس لنبني عليه وعدًا بأن نحب الآخر للأبد. إن المشاعر تذهب وتأتي طول الوقت".

"كم ستكون الأمور مختلفة إن بدلًا من "أظن أنني واقع في الحب"، قلنا "لقد تواصلت مع شخص بطريقة تجعلني أظن أنني في طريقي لمعرفة الحب". أو بدلًا من "أنا واقع في الحب" قلنا "أنا أحب"  أو "أنا سوف أحب".

"أغلب الوقت، نظن أن الحب يعني أن نتقبل الشخص الآخر كما هو. ولكن كم منا لم يتعلم بالطريقة الصعبة أننا لا نستطيع أن نغير أحدهم، ولا أن نضعهم في قالب لنصنع منهم المحب المثالي الذي نريدهم أن يكونوا عليه. لكن عندما نلتزم بالحب الحقيقي، نلتزم أيضًا بالرغبة في التغير، بأن يمارس علينا شريكنا بعض التعديلات (بطريقة محبة)، لنصبح أشخاصًا أكثر اكتمالًا".

"الحب الحقيقي لا يقيد بشروط، لكن لكي ينمو حقًا فإنه بحاجة إلى الالتزام المستمر بالجهد البناء والتغيير".

"لا يستطيع الجميع تحمل ثقل الحب الحقيقي. القلوب الجريحة تهرب من الحب لأنها لا تريد بذل الجهد اللازم للتعافي ولاستمرار وتغذية الحب. كثير من الرجال تحديدًا يهربون من الحب الحقيقي ويلجأون إلى علاقات يكونون فيها بخلاء عاطفيًا لكن مع ذلك يتلقون الحب من الطرف الآخر. في النهاية، هم يختارون السيطرة بدلًا من الحب. لكي نعرف الحب الحقيقي ونحافظ عليه، علينا أن نكون على استعداد للتخلي عن رغبتنا في السيطرة".
 
لشراء الكتاب من أمازون (رابط إعلاني):
All About Love: New Visions (Love Song to the Nation)