الجمعة، 18 سبتمبر 2020

ماذا يقول غاندي؟ مراجعة

 

الكتاب: ماذا يقول غاندي؟ عن اللاعنف والمقاومة والشجاعة
المؤلف: نورمان فينكلستاين
الصيغة: كتاب إلكتروني - كيندل
لغة القراءة: العربية، مترجم عن الإنجليزية
التقييم: 3/5

مرحبًا. انتهى نادي القراءة من مناقشة كتاب "ماذا يقول غاندي؟" للأكاديمي الأمريكي نورمان فنكلستاين. من المثير للاهتمام القراءة عن المؤلف؛ فهو ابن لأحد الناجين من الهولوكوست، وهو في الوقت ذاته أحد أكبر المهاجمين والنقاد للسياسة الإسرائيلية. له كتاب في ذلك الشأن أتمنى قراءته قريبًا، بعنوان: "صناعة الهولوكوست : تأملات في استغلال المعاناة اليهودية". 

لنتحدث عن الكتاب. لقد ارتبطت صورة غاندي في أذهاننا بصورة الرجل الزاهد التقي، الذي نجح في نصرة الحق بدون رفع السلاح، مستخدمًا فقط قوة الإرادة. فهل كان الواقع بهذه الصورة الوردية حقًا؟ 

هل كان غاندي متناقضًا؟ 

لا تدع صورة الكاهن الزاهد تخدعك، فقد كان غاندي يكره الجُبن أكثر من العنف، وكان يرى أن من تحججون باللاعنف للفرار من معتدٍ بدلًا من مقاومته هم أحق البشر بالاحتقار ولا يستحقون الحياة. أي أن غاندي كان يؤمن بفلسفة اللاعنف، ولكنها تصلح فقط عندما يكون الرد العنيف خيارًا؛ أي عندما يكون المرء في موضع قوة. 

ولكنه بعد ذلك وأثناء الحرب العالمية الثانية، كان ينتقد المقاومة المسلحة للشعوب الأوروبية ضد الغزاة النازيين! بل وكان يعتقد أن الفعل المناسب هو أن تستسلم الشعوب لهتلر منعًا لسفك الدماء؛ فهو كان يرى أن سواء اختارت الشعوب منهج المقاومة المسلحة أو الاستسلام، فالنتيجة في الآخر واحدة؛ وهو تفكير ساذج. فوق ذلك كله، كان يطلب من اليهود المساقين لمذبحة الهولوكوست أن يساقوا للموت بابتسامة على وجوههم! فلو فعلوا ذلك لرق قلب هتلر وأتباعه لهذه الشجاعة أمام الموت.

نظرته للموت

في مواضع أخرى من الكتاب، يروي لنا فنكلستاين عن نظرة غاندي للموت؛ فهو يرى أن المرء لا ينبغي أن يحزن عندما يموت أحد الأحباب؛ فالموت والحياة هما وجهان لعملة واحدة، وهو الحقيقة المؤكدة الوحيدة في عالمنا، فالموت في النهاية ليس بالأمر الجلل. ولكن أليس ذلك تناقضًا أيضًا؟ فإذا كان الموت والحياة وجهان لعملة واحدة، كيف ممكن لموت أحدهم دفاعًا عن قضيته أن يحرك فينا ساكنًا؟ إن تسفيهه لهول الموت لا يخدم قضيته إطلاقًا.


سذاجة



كتب غاندي رسالة لهتلر يبدؤها بـ"صديقي العزيز"! كما كان يرى أن مشاعر الحب المشتركة لدى البشر جميعًا فهي موجودة في قلب هتلر أيضًا، ومن الممكن إيقاظها عن سباتها بالرفق. بالطبع هذا غير محتمل. 

وقد كتب أيضًا ردًا على المتشككين:
 "لو أن اليهود اعتمدوا اللاعنف الفاعل، أي الشعور بالعطف إزاء الألمان غير اليهود بصورة مقصودة، فلن يستطيعوا أن يلحقوا أي ضرر بالألمان، وأنا متأكد تمامًا، تأكدي من إملاء هذه السطور، أن يذوب أصلب قلب ألماني."

خاتمة

كان غاندي زعيمًا وطنيًا عظيمًا بلا شك، وقد حقق الكثير من الإنجازات خاصةً فيما يتعلق باستقلال الهند، ولكن، تستحق فلسفته النقد والحذر في التعامل معها، فالعالم ليس ورديًا تمامًا والأغنية القائلة all you need is love لا تنطبق على السياسة تحديدًا!

الأحد، 30 أغسطس 2020

قصة موت معلن: مراجعة

الكتاب: قصة موت معلن
الكتاب: جابرييل جارسيا ماركيز
المترجم: صالح علماني
لغة القراءة: العربية، مترجم عن الإسبانية
التقييم: 4/5

"ساعة القدر يعمى البصر"، قالتها صديقتي عندما أبديت لها إعجابي بقول ماركيز في الرواية:

 "القدر يجعلنا غير مرئيين".

قصة موت معلن هي رواية قصيرة لماركيز، نتبع فيها وقائع جريمة قتل حقيقية حدثت في الريف الكولومبي في خمسينات القرن الماضي. من كان يعرف أن جرائم الشرف يمكن أن تحدث في الجزء المقابل من العالم أيضًا؟ ولكن هذه المرة، الضحية هو الرجل، محور قصتنا: سانتياجو نصّار.

سانتياجو نصّار هو ابن لمهاجرين لبنانيين قدموا إلى أمريكا اللاتينية، واستقروا هناك. ذات يوم، في الصباح التالي لحفل زفاف أحد بنات القرية "أنخيلا فيكاريو" على أحد الأثرياء، يشيع في القرية خبر مضمونه إن شقيقا "أنخيلا" يخططان لقتل سانتياجو، لأنها وجدت ليلة زفافها غير عذراء، و"سانتياجو نصار" هو المتهم. سرعان ما تعرف القرية كلها نيّة الشقيقان، ما عدا سانتياجو نفسه.

"الشرف هو الحب، هكذا كنت أسمع أمي تقول".

تُروى الأحداث على لسان راوٍ مجهول، لعله الصديق الشخصي لجابرييل جارسيا ماركيز، الذي عاصر الأحداث وقت حدوثها. يروي لنا الأحداث بطريقة سرد تشبه استجواب الشهود: فالراوي المجهول يحاور أهل القرية الشهود على الجريمة؛ وهنا يمكنك أن ترى اختلاف روايات الشهود عن هذا اليوم المشئوم. بعض الشهود ذكروا أن اليوم كان مشمسًا، وآخرون ذكروا أنه كان ممطرًا كئيبًا. بعضهم كان يحاول التدخل لإنقاذ سانتياجو، وآخرون تركوا الأمور تجري كما خُطط لها.

ولماذا لم يُنقذ سانتياجو؟ كل لديه عُذره؛ ففي نفس يوم مقتله كان موكب المطران يمر في شوارع المدينة، والكل يسعى لينال بركته. 

لعل عبقرية ماركيز تتجلى هنا في أنه خلق رواية بوليسية الأجواء، شديدة التشويق، من حدث تم وانتهى وعٌرفت نهايته فعلًا، أي أن النهاية محروقة من قبل أن نفتح الكتاب أصلًا. نبدأ الرواية بيوم مقتل سانتياجو نصار، ونحن نعرف كيف سينتهي اليوم، ولكن مع ذلك لا تستطيع أن تمنع رغبتك في أن ينجو سانتياجو من الشقيقين، لآخر لحظة.

أنصح بالكتاب بشدة لمن يبحث عن مدخل مبسط إلى عالم ماركيز السحري.. وترجمة صالح علماني تزيده جمالًا، كما اعتدنا. 

الأحد، 2 أغسطس 2020

قنديل أم هاشم: مراجعة


الكتاب: قنديل أم هاشم
الكاتب: يحيى حقي
اللغة: العربية
صيغة القراءة: كتاب إلكتروني Kindle
التقييم: 4/5

مرحبًا. انتهى نادي القراءة من مناقشة كتاب "قنديل أم هاشم" الأسبوع الماضي. رائعة يحيى حقي الخالدة التي تحولت إلى عمل سينيمائي مشهور، لا تزال تستحق القراءة الآن، بعد أكثر من 80 سنة من تاريخ الطبعة الأولى.

عن الكاتب


يحيى حقي هو واحد من كتابي المفضلين على الإطلاق. ليس فقط بفضل أسلوبه القصصي الشيق ولغته السلسة، ولكن أيضًا بسبب شخصيته اللطيفة الهينة، المقربة من النفس. 

ولد يحيى حقي في القاهرة لأسرة من أصول تركية، وهو الأمر الذي سبب له بعض المتاعب في رحلته ككاتب وصحافي - فالكثير كانوا يرونه بصفة "الخواجة" الدخيل على الهوية المصرية. درس المحاماة واشتغل ببعض الوظائف الإدارية في أقاليم مصر، وتزوج من فتاة من "المعادي" أحبها كثيرًا، أنجبت له ابنته السيدة نهى يحيى حقي، ثم توفيت زوجته بعد الولادة بشهر واحد، أي أقل من سنة من زواجهما. 

تأثر يحيى بوفاة زوجته تأثرًا شديدًا وظل عازفًا عن الزواج لمدة عشر سنوات، في خلالها قرر الالتحاق بالبعثة الدبلوماسية لمصر في الحجاز، ثم في إسطنبول وعواصم أوروبا. وفي باريس، التقى بفنانة تشكيلية وقررا الزواج. كانت الأعراف المصرية في ذلك الوقت تمنع زواج الدبلوماسيين المصريين من أجانب، فاضطر إلى التخلي عن منصبه الدبلوماسي للزواج من حبيبته الفرنسية، وعاد معها إلى مصر حيث ظلا معًا حتى وفاته. 

في مصر، اشتغل حقي بالصحافة وحصل على عدة جوائز أدبية. 

أجمع المعاصرون لحقي على أنه كان رقيقًا، شديد الحياء والخجل، خفيف الظل مع لمعة من الذكاء في عينيه. ألا يبدو شبيهًا بشخصية أنطون تشيخوف؟ هذا صحيح، وهو متأثر أدبيًا أيضًا بأسلوب ذلك الروسي العظيم.

الكتاب


تدور أحداث الكتاب في حي السيدة زينب (أم هاشم)، فنرى بطلنا "إسماعيل"، طالب من أسرة متواضعة الحال، تؤمن ببركة الست "أم هاشم" وزيت قنديلها في علاج الأمراض وفك الكرب. لا يتمكن إسماعيل من الالتحاق بكلية الطب في مصر، فتقرر أسرته أن ترسله لدراسة الطب في أوروبا، وتوصيه بالالتزام بدينه وعاداته الشرقية. وقبل السفر، تقرر الأسرة خطبة إسماعيل على ابنة عمه فاطمة، التي تعاني من مرض في عينيها وتتداوى بزيت قنديل أم هاشم. 

في انجلترا، يتعرف إسماعيل على فتاة انجليزية تعرفه على الفن والجمال والموسيقى والتحرر، وتسخر من عاداته الشرقية ومن رغبته في الزواج منها. وبسببها، ينسلخ إسماعيل تدريجيًا من هويته، وينفر من كل ما هو شرقي، فيؤمن بدين العلم والعلم وحده، ويصبح يومًا بعد يوم شبيهًا بالأوروبيين. أخيرًا، تمل الفتاة منه وتتركه لتنتقل إلى غيره.

يعود إسماعيل إلى مصر بعد سبع سنوات شخصًا آخر: طبيب عيون لامع، يلبس أفخم الملابس الأوروبية، ويطمح إلى تغيير الطب في مصر وإنقاذ المصريين من متاهات الجهل. يٌصدم أهله بالتغيير الذي طرأ عليه، فهو متعال عليهم يراهم مجرد حفنة من الجهلة. يتعرض إسماعيل لصدمة حضارية عندما يكتشف أن أهله لا يزالون يعالجون خطيبته "فاطمة" بزيت القنديل، فيثور عليهم ويقتحم المسجد لتحطيم القنديل، فينال "علقة محترمة" من أهل الحي. 

ما يزيد الطين بلة هو أنه يحاول علاج خطيبته بالطب الحديث متحديًا زيت القنديل، فتفقد بصرها تمامًا. يجد إسماعيل نفسه في حالة صدمة وتيه بعد الحادثة، وينعزل بعيدًا عن أهله، بعدما اكتشف أن علمه ونجاحه في أوروبا لا يضمن له القبول في الشارع المصري. وتدريجيًا وبمرور الوقت ومعاشرة أهل الحي، يتعلم إسماعيل أن يؤمن بالعلم والتراث معًا، فتشفى فاطمة بفضل علمه وزيت القنديل بنفس الوقت.

نقد


أحب هذا الكتاب كثيرًا، وتلك هي قراءتي الثانية له. لكن لا أحب النهاية على الإطلاق. أعتقد أن حقي وقع في خطأ جسيم، فهو في النهاية ينتصر للخرافات، وهذا ما أزعجني كثيرًا. أتفهم أنه يريد أن يقول إن العلم لا قيمة له دون الإيمان، ولكن كان عليه التفرقة بين الإيمان والخرافة. كنت أود لو أن حقي انتصر للعلم في النهاية.

ولكن على الجانب الإيجابي، أظن أن الفيلم قد أصلح هذا الخطأ. في الفيلم، يعالج "إسماعيل" خطيبته فاطمة بالطب الحديث سرًا، ويُقنعها بأنه يُقطر لها زيت القنديل في عينيها، بينما في الحقيقة هو يقطر لها الدواء. أي أنه وجد طريقًا لينفذ خطته لمداواة الناس بالعلم، ولكن دون المساس بمعتقداتهم. ليس هذا ما تخيلته بالضبط، فهذه سلبية لا أكثر، ولكن على أي حال أراها معالجة ذكية من صناع الفيلم. بشكل عام، الفيلم جيد جدًا وأنصح به بعد قراءة الرواية.


اقتباسات

"إن أخشى ما تخشاه هي: القيود. وأخشى ما يخشاه هو: الحرية."

"وكلما قوى حبه لمصر، زاد ضجره من المصريين. ولكنهم أهله وعشيرته، والذنب ليس ذنبهم. هم ضحية الجهل والفقر والمرض والظلم الطويل المزمن".



السبت، 25 يوليو 2020

الجورنيكا

مدريد، يوليو عام 2020، متحف الملكة صوفيا الوطني للفنون، السابعة والنصف مساءا. هناك طابور طويل لدخول المتحف، وشمس صيف مدريد الحارقة لا ترحم.

بعد أن نتخطى التفتيش الأمني، نمشي مسافة لا بأس بها لنصل في النهاية إلى قاعة فسيحة مطلية بالكامل باللون الأبيض، ويتوسطها أقوى ما رأيت من صور الفن على الإطلاق: لوحة الجورنيكا لبابلو بيكاسو. 



يقع الحشد كله في صمت مطبق من هول المنظر. خمسون زائر، ولا حركة، كأن على رؤوسهم الطير. كان المشهد مهولًا، لم أر في حياتي مثله. 

اختلف الناس في تعريف الفن. يرى البعض أن الفن هو كل جميل، كما تقول أم كلثوم القلب يعشق كل جميل. لكن بالنسبة لي الفن لا ينبغي أن يعشق في الأساس. أرى أن الفن هو كل ما له القدرة على أن يبث شعورًا ما، وإن كان ذلك الشعور سلبيًا. لوحة الجورنيكا ليست جميلة؛ في الواقع هي بشعة. لكن بمجرد رؤيتها، لا تنكر أنها تبعث إليك إحساسًا مقيتًا ببشاعة الحرب.

قصة اللوحة

الجورنيكا هي جدارية رسمها بيكاسو تخليدًا لقصف مدينة جورنيكا في شمال إسبانيا بإقليم الباسك. في عام 1937 أثناء الحرب الأهلية الإسبانية، قامت قوات سلاح الجو الألماني النازي بقصف المدينة مساندةً لقوات الفاشيين الإسبان بقيادة الجنرال فرانكو. كانت المدينة وقتها مأهولة بالأطفال والنساء لانشغال الرجال بالانضمام إلى قوات المقاومة الجمهورية في أماكن أخرى، وهذا ينعكس على عناصر اللوحة.


أصبحت الجورنيكا رمزًا لتجسيد بشاعة الحرب، وعُلقت نسخة منها في قاعة مؤتمرات الأمم المتحدة.

رغم كل هذا، وبعد قرن من الزمان، لم يتغير شيء. لا تزال أحداث الجورنيكا تتكرر، ولكن في أماكن أخرى من العالم. يكفي هنا أن نتأمل، فكم من "جورنيكا" تحدث الآن ولا يحفل بها أحد؟ أنظر حولك.


"إياك أن تظن أن الحرب، مهما كانت ضرورية أو مبررة، ليست جريمة". - إرنست هيمنجواي

السبت، 18 يوليو 2020

رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك: مراجعة



الكتاب: رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك
الكاتب: الأمير محمد علي
اللغة: العربية
صيغة القراءة: Kindle
التقييم: 3/5

منذ شهر تقريبًا، بدأت ناد افتراضي للقراءة مع بعض الأصدقاء، في محاولة لإيجاد مساحة للقراءة الجماعية والنقاش في أمور أدبية (وهو أمر افتقدته كثيرًا منذ مغادرتي لمصر، وزاد سوءًا مع تفشي الوباء). وقع اختيارنا الأول على كتاب "رحلة الصيف"، للأمير محمد علي. والأمير محمد علي هو شقيق الخديو عباس الثاني، ولد في القاهرة ودرس فيها، ثم تعلم في أوروبا وعرف بحبه للسفر والترحال. له قصر في المنيل وآخر في زيزينيا، الإسكندرية.

الكتاب من إصدار مؤسسة هنداوي، وفي مجمله يقع في 67 صفحة، يمكن الانتهاء منه في جلستين أو ثلاثة. ورغم ضجري بكتب أدب الرحلات أحيانًا؛ إلا أنه أعجبني في المطلق. يأخذنا محمد علي في رحلة عبر مدن البوسنة والهرسك: سراييفو، هيشا، ياسي، وبنيالوقا.

لعل أول ما لفت نظري  - وآخرين في نادي القراءة - هو جمال اللغة وإتقان البلاغة. يظهر من كتابات محمد علي أنه ذو قلم ممتاز، لغته "رافعيّة" راقية، تفشي بما حظى به من تعليم راق. لكنه أيضًا خفيف الظل، مرح، كما يظهر تأثره بالقرآن الكريم في بعض استشهاداته.

مع ذلك، فالكتاب لا يخلو من عيوب. أول ما لاحظته هو سوء ترتيب المواضيع، فهو يقفز في حديثه من بلد لآخر ثم يعود للبلد الأول مرة أخرى، وهو ما استغربته لأني ظننت الكتاب قد كتب على هيئة يوميات.

 نتعرف في الكتاب على بعض صفات أهل البوسنة والهرسك، فهم يمجدون الأمراء والنبلاء، يمتازون بالشجاعة، ثيابهم تشبه ملابس القوزاق في ذلك العصر، وهم مثلنا يعتمدون على الإكراميات "عشان يمشوا حالهم"!



مع ذلك وددت لو استطرد الكاتب في سرد عادات وتقاليد الشعب. 

أما عن شخص محمد علي، فقد اتفقنا أثناء مناقشة الكتاب على أن كتاباته توحي بكونه شخصًا كثير الأحكام على الناس، متعال قليلًا، ربما بحكم منصبه. كان من المستفز أن نقرأ عن أحكامه على المستوى الثقافي للأفراد الذين يقابلهم من خلال مظهرهم الخارجي، وجدت ذلك شديد السطحية.

لكنه مع ذلك يذكر له أنه شديد الدفاع عن قضايا المسلمين، فكان كلما سمع أحدًا من البوسنيين يسيء إلى المسلمين أو العرب كان ينقض عليه هجومًا. ولا يسعني الآن إلا التساؤل: أين نحن من هذا؟ رأيت الكثير من المصريين والعرب في الخارج يحاولون التشبه بالغرب بأي طريقة، لدرجة انسلاخهم من هويتهم العربية تمامًا، كأنها شيء جالب للعار. على أي حال، هذا موضوع آخر.

الملخص: كانت تجربة جيدة زادت من فضولي لاستكشاف هذا الجزء من العالم، خصوصًا بالنظر إلى تزامنها مع ذكرى مذبحة سربرنيتشا، واحدة من أسوأ الإبادات الجماعية التي شهدتها القارة الأوروبية. 

الكتاب القادم في نادي القراءة: قنديل أم هاشم، للكاتب يحيى حقي.