الجمعة، 22 مارس 2019

استعارات

 هذا نص أحبه، وجدته منذ ثلاثة أعوام تقريبًا على الإنترنت، مقرونًا باسم كاتبه لوكاس ريجاتزي. للأسف، لم أجد لهذا الشخص أي وجود على الإنترنت، لا نصوص أخرى، ولا أي كتب قام بتأليفها، لذلك أعتقد أنه هاو مغمور لسوء الحظ. لكن النص بديع، وأردت أن أترجمه -وأنا لست خبيرة في الترجمة الأدبية إطلاقًا- لأشاركه معكم.

اللوحة: الأرملة، للروسي فيدوتوف



"أنت لست بخير وأنا أخيرًا لست مضطرًا 
لادّعاء الاهتمام بمأساتك المستمرة،

ولكن،

أنا مستعد للسطو على البنك الذي أوهمك
بأن المال أهم من الكلمات، ومستعد لأن
أمزق ثقبًا بطبقة الأوزون إن كان هذا سيمنحك يومًا آخر بدون مطر.
سأرافقك مشيًا إلى المستشفى،
سأجلس في الغرفة البيضاء التي تفوح برائحة مطهر اليدين و القفازات الطبية، منتظرًا نتائج فحص الرنين المغناطيسي الذي يحاول
تحديد موقع المرض الذي أرهق عقلك من أمره عسرًا، وأنا
أريد أن أنظم لك قصيدة كل يوم حتى تتكسر يدي
وأؤكد لك أنك ستجد مكانك،
كل ما في الأمر هو فقط
أن العالم لديه طريقة غريبة
في إخفاء المناطق الخصبة بما فيه الكفاية
ليضرب جسدًا كجسدك بجذوره

و

أنا أفتقدك كالسهم حينما يخطئ الهدف على لوحة التصويب،
أو كتذكرة قطار تصرخ 4:30 في الساعة 4:47، أنا
أردت أن أخبرك أن عيد ميلادي في يوم الخميس
وكنت أريدك أن 
تظهر شجاعتك أمامي كهدية، مرة واحدة أخيرة،
لأرى إن كنت ما زلت محتفظَا بها.

أرجو ألا تلتهمك أشباحنا حيًا.
إذا أردت رأيي، سأقول أن
حجم الكون هو في الحقيقة ضِعف ما نظن،
وأنت هو الشخص الوحيد الذي جعل تلك الفكرة
أقل تحطيمًا."




الجمعة، 1 مارس 2019

قراءات شهر المرأة



يحتفل العالم في مارس من كل عام بشهر المرأة (وتحديدًا اليوم العالمي للمرأة في الثامن من مارس). لهذه المناسبة، قررت أن تكون قراءاتي في هذا الشهر كله لكاتبات نساء! 🎉

سأبدأ قراءات هذا الشهر برواية “أرواح تتآلف” للكاتبة جميلة العلايلي، من سلسلة رائدات الرواية العربية الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب. في الحقيقة، اكتشفت هذه السلسلة حديثًا (معرض كتاب 2019)، وأسعدني اقتناء هذا الكتاب كثيرًا. أليس تصميم الغلاف رقيقًا؟

جميلة العلايلي هي شاعرة وروائية مصرية من شعراء مدرسة أبولو. ولدت في 1907 ورحلت عن عالمنا في 1991. من أشعارها:

أنا الأبية لا أبغي مهادنة.. إن الصراحة أقوالي وأفعالي
القول أجمله ما كان أصدقه.. وما أردت به تبديل أعمالي

الثلاثاء، 26 فبراير 2019

الكتاب المرافق: ماذا حدث للمصريين؟ للدكتور جلال أمين



الدكتور جلال أمين - رحمه الله - هو واحد من المفكرين المعاصرين المفضلين لدي. قرأت له “خرافة التقدم والتخلف” عندما كنت في الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة فقط، وأدهشتني قدرته على تبسيط القضايا الاجتماعية والاقتصادية لغير المختصين وحتى صغار السن.

الكتاب ممتع وسلس، وإن كنت أرى أنه يلزمه بعض الترتيب.

الاثنين، 4 فبراير 2019

مشتريات معرض القاهرة للكتاب 2019.. ونصائح

زرت معرض القاهرة الدولي للكتاب منذ أسبوع في زيارة سريعة، غير مخطط لها مع أصدقاء العمل. استمرت زيارتي ساعتين فقط على الأرجح، ولكنني راضية كل الرضا بما اشتريته: 

المؤتمر الأخير لمارك بروسون، سلسلة الجوائز من الهيئة المصرية العامة للكتاب. 


تفاجئني دائمًا إصدارات سلسلة الجوائز. ورغم أنني لم أسمع عن مارك بروسون من قبل، إلا أن ملخص الكتاب أعجبني. 


المختار من شعر د. هـ. لورنس، من الهيئة المصرية العامة للكتاب


د. هـ. لورنس هو شاعر إنجليزي معروف، لطالما أردت قراءة قصائده. على الرغم من أنني لست من هواة الشعر المترجم أغلب الوقت، إلا أنني قررت إعطاء الكتاب فرصة - وبصراحة تصميم الغلاف جميل للغاية!


أيها الفحم يا سيدي (دفاتر فنسنت فان جوخ) لقاسم حداد، من الهيئة المصرية العامة للكتاب


أعلم أن فان جوخ أصبح “كليشيه” هذه الأيام، ولكن هذا لا يمحي حقيقة أنه فنان بارع بالغ الإحساس. أصدرت دار الكتب خان رسائله العام الماضي بسعرٍ عالِ مستفز تخطى الألف جنيه؛ فكان من المُريح رؤية مختارات من دفاتره تنشرها الهيئة المصرية بسعرٍ زهيد.


روائع المقال لهوستون بيترسون، من الهيئة المصرية العامة للكتاب - مكتبة الأسرة


اشتريت هذا الكتاب مسبقًا منذ عامين تقريبًا، ولكن فقدته عندما استعارته صديقة ولم ترجعه قط (هذه عادة بشعة!). أحب فن المقال وأقدر كثيرًا الكتب التي تصدر على شكل تجميعة مقالات. 


سهم الله لتشينوا أتشيبي، من المركز القومي للترجمة


تشينوا أتشيبي هو صاحب الملحمة الفذة: أشياء تتداعى، وهو أحد أبرز روائيي القارة السوداء. أحببت “أشياء تتداعى” كثيرًا، وأنا واثقة من أنني سأقع في حب أي شيء يخطه قلم هذا الرجل.


فلسفتي كيف تطورت لبرتراند رسل، من المركز القومي للترجمة


برتراند رسل فيلسوف مثير للاهتمام للغاية، وتعجبني بشكل خاص آراؤه عن العلم والتعلم. الكتاب يبدو ثقيلًا ويحتاج لذهن صاف، لذا قد أؤجل قراءته للأمسيات الهادئة. 


الكون والفساد لأرسطو طاليس، من المركز القومي للترجمة


كتاب فلسفي آخر، من ترجمة العظيم أحمد لطفي السيد. متحمسة للغاية لقراءته.

قصة الفيزياء لجورج جاموف، من المركز القومي للترجمة


كتاب ضخم، يبدو دسمًا، على الأرجح لن أقرأه دفعة واحدة بل أستخدمه كمرجع لاسترجاع معلوماتي في الفيزياء التي لطالما كانت مادتي المفضلة.


أرواح تتآلف لجميلة العلايلي، من الهيئة المصرية العامة للكتاب


لأول مرة أكتشف أن الهيئة تصدر سلسلة جديدة باسم “رائدات الرواية العربية”.. أرى أن فكرة إحياء الأدب النسائي العربي جيدة للغاية، فهو مهمل لدينا بشكل يكاد يكون مهينًا. غلاف الكتاب جميل، وهو أمر نادر الحدوث في إصدارات الهيئة.


كتاب الرسم والخط لجوزيه ساراماجو، سلسلة الجوائز من الهيئة المصرية العامة للكتاب


ساراماجو مجددًا، هذا البرتغالي العبقري الذي أحبه كثيرًا. لا يمكنني تجاهل أي شيء يكتبه هذا الرجل.

كان هذا كل شيء! عشرة كتب فقط هو ما استطاع ذراعاي حمله من المعرض وحصيلة تجول لمدة ساعتين. على أي حال، أنا فخورة للغاية بمشترياتي هذا العام، وسعيدة كل السعادة بإصدارات الهيئة والمركز القومي للترجمة التي تنافس بحق كبار دور النشر.

ينتهي المعرض غدًا الثلاثاء بإذن الله. إذا قررت الذهاب، تذكر أن تحضر معك بطاقة الجامعة إذا كنت طالبًا أو أكاديميًا؛ فالهيئة المصرية والمركز القومي للترجمة يقدمان خصمًا سخيًا لهذه الفئات.  

الأحد، 20 يناير 2019

زيارة سور الأزبكية - نصائح

تعلمون على الأغلب أن تجار سور الأزبكية يقيمون في هذه الفترة معرضًا للكتاب، موازيًا لمعرض القاهرة الدولي، احتجاجًا منهم على بعض الشروط التي تصعب مشاركتهم في دورة هذا العام. زرت معرض الأزبكية - الواقع عند محطة مترو العتبة - صباح الجمعة الماضي. إليكم بعض النصائح قبل الزيارة.


1. اختر وقتًا مناسبًا: كان اختياري لصباح الجمعة غير موفقًا، فكثير من المحلات كانت مغلقة قبل الصلاة ولم أجد  التنوع الذي كنت أرغبه. يستحسن أن تذهب في خلال الأسبوع بعيدًا عن عطلة نهاية الأسبوع لتجنب الزحام.

2. لا تدفع في كتاب أكثر مما يستحق: الأزبكية سوق للكتب المستعملة، فحتى إن كان الكتاب في حالة جيدة، ليس من المنطقي أن تدفع ما يقرب من ثمن النسخة الجديدة منه. هناك كتب كانت تباع ب20 جنيهًا، مثلًا، بينما يمكنك أن تشتريها جديدة من منافذ الهيئة العامة للكتاب بسعر أقل، خاصة إذا كنت طالبًا. 



كقاعدة، أفضل شراء النسخ الجديدة من كتب الهيئة العامة للكتاب وهيئة قصور الثقافة وأعداد عالم المعرفة الصادرة من المجلس الأعلى للفنون والثقافة بالكويت، وكلها موجودة بتخفيضات مناسبة في معرض الكتاب، أو في منافذ البيع الدائمة بدون تخفيض. 

3. ولكن لا تدفع في كتاب أقل مما يستحق: لا داعي للفصال إذا كنت ترى أن سعر الكتاب مناسب لك حقًا. تذكر أن باعة الأزبكية قد حرموا من المشاركة في أهم حدث لهم في العام، ولا أعتقد صراحةً أن معرضهم الموازي سيعوض الخسارة المادية. 

4. ابتعد عن الكتب المزورة: هذا رأي شخصي يمكنك تجاهله، ولكن شخصيًا قررت أن أتجنب النسخ المزورة من الكتب الحديثة قدر الإمكان. أعلم أنها تبدو مغرية في أغلفتها الجديدة البراقة وأسعارها الزهيدة، لكن عليّ أن أذكر نفسي دائمًا أن شراءها يؤذي الكاتب ودار النشر معًا. أفضل شراء أو استعارة نسخة قديمة أصلية وتجنب النسخ الجديدة المزورة.



5. المجلات القديمة كنز، انتبه لها: أنا عاشقة للمجلات القديمة أمثال مجلة المختار ولا أجدها في أي مكان سوى سور الأزبكية. اشتريت أربعة أعداد من المختار نشرت في الثمانينات، العدد بخمسة جنيهات فقط. قراءة المجلات القديمة لها متعة خاصة، وصفحات الإعلانات تبهجني دائمًا! 

هذا كل شيء! أسعدتني مشاركتكم لقراءات السنة الماضية عبر الرسائل الخاصة للمدونة، شكرًا! أتشوق لقراءة نصائحكم لمعارض الكتاب. 

السبت، 19 يناير 2019

الكتاب المرافق: الملف الشخصي لتوفيق الحكيم ورسائل خاصة جدًا، لإبراهيم عبد العزيز



كان توفيق الحكيم شخصية غريبة، نراه من خلال رسائله الشخصية أبًا حازمًا، قاسيًا أحيانًا على زوجته وأولاده، فقد ضحى بوقته معهم من أجل إبداعه الأدبي (وهي ليست صفقة رابحة في نظري)، لكن مع الوقت يتبين لنا أن وراء تلك القسوة إنسان حساس، نادم أشد الندم على انشغاله عن أسرته في وقت حاجتهم إليه، وحيد من دونهم.

الكتاب ليس تحفة أدبية، فرسائل الحكيم إلى أسرته والمقربين ليست بارعة الجمال، لكن هي على أي حال تعطينا نظرة جيدة على حياته الشخصية، نظرة لن يتمكن من نقلها لنا أبرع كتاب السيرة. ولهذا السبب يظل أدب الرسائل من أقرب صور الكتابة إلى قلبي..

الأحد، 13 يناير 2019

الكتاب المرافق: رواية بنات حواء الثلاث لأليف شافاك



هذا أول لقاء لي مع أليف شافاك. قرأت كثير من المراجعات لكتابها الأشهر: قواعد العشق الأربعون، وقررت أنها لا تناسب ذوقي. حسنًا، أدرك الآن أن هذا القرار كان خاطئًا! رشح لي صديق هذا الكتاب، وأنا الآن أجده مثيرًا للاهتمام للغاية. 

يزيد عدد صفحات الرواية عن ال600 صفحة، لكن الأحداث تنساب بسرعة والسرد يتميز بسلاسة تنسيك طولها. أظنني سأنهيها في خلال أسبوع. 

هناك شيء ما بخصوص الروايات التي تروى على لسان امرأة يسحرني تمامًا، فكأنني جالسة برفقة صديقة قديمة لا أمل من حكاياتها. أذكر من هذا النوع من الروايات:

جمعية غيرنزي للأدب وفطيرة قشر البطاطا لماري آن شافر
لائحة رغباتي لجريجوار ديلاكور
هكذا كانت الوحدة لخوان خوسيه مياس
ذهول ورعدة لأميلي نوتومب

السبت، 28 أبريل 2018

“ذهول ورعدة”: عن المرأة اليابانية

هذا نص من رواية "ذهول ورعدة" للكاتبة البلجيكية آميلي نوتومب، عن اضطهاد المرأة اليابانية. نوتومب تكتب بالفرنسية، وقد نشأت في آسيا في بداية حياتها. أعتقد أن النص مهم، وينطبق على أغلبنا نساء العالم العربي. لذا، أنقله لكم كما هو، بترجمة أبو بكر العيادي:

ليست كل اليابانيات جميلات، ولكن إذا قدر لإحداهن أن تكون جميلة، فما على الأخريات إلا أن يحسبن لها حسابًا.

كل جمال فاتن، ولكن الجمال الياباني أشد فتنة. أولًا، لأن ذلك البياض الزنبقي الناصع، وتينك العينين الحلوتين، وذلك الأنف ذا الجناحين الفريدين، وتلك الشفاة المرسومة بدقة، وتلك القسمات ذات الرقة المركبة، يجعلها تبز أكثر الوجوه اكتمالًا. ثانيًا، لأن أنماطه تصبغ عليه أسلوبها وتجعل منه لوحة فنية صعبة الإدراك. أخيرًا، وخصوصًا، لأن جمالا يصمد أمام هذا العدد من المشدّات الجسدية والذهنية، وهذا القدر من الإرغام والسحق والمحظورات العبثية والعقائد والخنق والتدمير والسادية والصمت المتواطئ والإهانات - جمال كهذا إذًا هو معجزة بطولية.

ليس لأن اليابانية ضحية، كلا، فمن بين نساء الأرض جميعًا هي ليست أدناهن مرتبة، لأن سلطانها هائل، وأنا أتحدث من موقع العارفة.

كلا، إذا كان للمرء أن يعجب باليابانية - وهو حتمًا سيعجب بها - فلأنها لا تنتحر. يقع التآمر على مثلها العليا منذ نعومة أظافرها، حيث يسكبون الجصّ في دماغها: “إذا بلغتِ الخامسة والعشرين ولم تتزوجي، سيكون لك أسباب وجيهة كي تخجلي من نفسك.”، “إذا ضحكتِ فلن تكوني مميزة”، “إذا عبر وجهك عن إحساسِ ما فأنتِ مبتذلة”، “إذا تحدثت عن وجود شعرة على جسدك فأنت مدنسة”، “إذا قبلك شاب على خدك في الطريق العام فأنت فاجرة”، “إذا استحليت أكلك فأنت خنزيرة”، “إذا استطبت النوم فأنت بقرة”، إلخ. قد تكون تلك التعاليم غير ذات قيمة لولا أنها تصيب الذهن.



لأن ما يهال على رأس اليابانية عبر هذه العقائد التافهة في النهاية هو ألا تعقدي الأمل على ما هو جميل. لا تأملي المتعة؛ لأن متعتك تدمرك، لا تأملي الحب، لأن ذلك لا يستحق جهدك، فالذين سيحبونك سيحبون السراب الذي من حولك وليس ما أنت عليه. لا تأملي أن تجيئك الحياة بأي شيء، لأن كل عام يمر يأخذ منك بعض الشيء. لا تأملي أي شيء حتى ما كان بسيطًا كالاطمئنان، فليس لك أي مبرر كي تكوني مطمئنة.

علقي أملك على العمل. حظوظك ضعيفة في الارتقاء نظرًا لجنسك، فلتعلقي أملك إذًا على خدمة شركتك. سوف يكسبك العمل مالًا لن تفرحي به كثيرًا، ولكن قد يصلح عند الزواج مثلًا - لن تكوني من الغباء كي تتوقعي رجلًا ما يريدك لذاتك.

عدا ذلك، يمكن أن تأملي العيش حتى سن الشيخوخة، رغم أن ذلك لا قيمة له على الإطلاق، وعدم ارتكاب ما يخل بالشرف الذي يعتبر غاية في حد ذاته. هنا تنتهي قائمة آمالك المشروعة.

وهنا تبدأ نظرية واجباتك العقيمة التي لا تنتهي. عليك أن تكوني منزهة عن المآخذ، لسبب بسيط وهو أنه الحد الأدنى. أن تكوني خالية من العيوب لن يفيدك في شيء سوى أنك فوق الشبهات، وهو في حد ذاته ليس مفخرة أو حتى متعة.

لن أستطيع أبدًا تعداد واجباتك، فما من دقيقة في حياتك إلا وهي خاضعة لواحد منها. مثلًا، حتى وأنت تختلين بنفسك في المرحاض لقضاء حاجة بسيطة هي تخفيف مثانتك، فأنت مطالبة بالحرص على ألا يسمع شخص ما خرير جدولك. عليك إذا أن تسحبي طرادة الماء باستمرار.

أذكر هذه الفرضية كي تفهمي ما يلي: إذا كانت حتى المجالات الحميمية البسيطة خاضعة لتوصيات، فما بالك بالقواعد القسرية الجسيمة التي سوف ترضخ الفترات الأساسية من حياتك.

تشعرين بالجوع؟ كلي بمقدار ضئيل، لكي تظلي رقيقة العود، فجمالك لن يحقق لك أية متعة حسية. المدائح الوحيدة التي قد تتلقينها لن تصدر إلا عن الغربيين، وكلنا نعرف أنهم يفتقدون الذوق الرفيع. إعجابك بحسنك أمام المرآة ينبغي أن يتم في إطار الخوف لا في إطار اللذة، فلن تجني من جمالك غير الرعب من فقده. إذا كنت فتاة جميلة فلن تكوني شيئًا يذكر، وإن لم تكوني كذلك فأنت أقل من لا شيء.

واجبك أن تتزوجي، وحبذا قبل بلوغك سن الخامسة والعشرين، فهو تاريخ انتهاء صلاحيتك. زوجك لن يحبك إلا إذا كان أبله، ولا سعادة لامرأة في أن يحبها رجل أبله. على أية حال، أن يحبك أو لا يحبك، فلن تشهدي منه ذلك. في الثانية بعد منتصف الليل، يلتحق بك رجل مجهد، سكران في الغالب، ليتهالك على السرير، ويغادره في السادسة صباحًا دون أن يقول لك كلمة.

من واجبك أن تنجبي أطفالًا تعاملينهم كأرباب حتى سن الثالثة، فهو العمر الذي تطردينهم فيه من الجنة بشكل قاطع، لتسجيلهم في الخدمة العسكرية التي تدوم من سن الثالثة حتى الثالثة عشرة ثم من سن الخامسة والعشرين حتى مماتهم. أنت مضطرة أن تلدي كائنات ستكون تعسة بشكل رهيب لا سيما أنها لقنت خلال أعوامها الأولى مبدأ السعادة.

هذا فظيع في رأيك؟ لست أول من خامر ذهنه هذا الرأي. أخواتك يفكرن فيه منذ 1960 - وها أنت ترين أنه لم يأت بنتيجة. تمرد عدد منهن وقد تتمردين أنت أيضًا أثناء الفترة الحرة الوحيدة في حياتك، أي ما بين الثامنة عشرة والخامسة والعشرين. ولكنك حينما تبلغين هذه السن، ستكتشفين أنك لم تتزوجي، وسينتابك الخجل. ستتركين لباسك الغريب وترتدين بذلة نسوية نظيفة وجوربين بيضاوين وخفين بشعين، وتخضعين شعرك البهي الأملس لتسريحة بائسة، وتشعرين بالارتياح إذا رضي بك رجل ما، زوجًا كان أم رب عمل.


إذا صادف أن تزوجت عن حب - وهذا احتمال ضعيف - فسوف تكونين أكثر تعاسة؛ لأنك ستكتشفين بنفسك أن زوجك يتعذب. والأفضل ألا تحبيه، فذلك سوف يجعله لا يبالي كثيرًا عند سقوط مثله العليا، لأن زوجك لا يزال يحفظ بعضًا منها، فقد عاش على وهم امرأة تحبه، ثم يكتشف أنك لا تحبينه، إذ كيف تحبين رجلًا ولك كل هذا الجص الذي يجمد قلبك؟

لقد فرضوا عليك من القيود ما يجعلك عاجزة عن الحب. إذا أحببت رجلًا فذاك ناجم عن سوء تربية. ستتصنعين خلال الأيام الأولى من زواجك أمورًا كثيرة. ولا بد من الإقرار بألا وجود لامرأة تستطيع التصنع باقتدار مثلك.

واجبك أن تضحي من أجل غيرك، ولكن لا يذهب بك الظن أن تضحيتك ستجعل من افتديتهم سعداء، لأن ذلك سيجعلهم يخجلون منك. لا حظ لك إذًا أن تَسعدي أو تُسعدي.

وإذا صادف - لأمر خارق - أن أفلت مصيرك من تلك التوصيات فلا تستنتجي أنك انتصرت، بل أنت أخطأت. على أية حال، ستتحققين منه في أسرع وقت، لأن انتصارك لن يكون إلا مؤقتا. وإياك أن تستمتعي باللحظة: دعي خطأ التقدير هذا للغربيين. اللحظة لا تساوي شيئا، بل إن حياتك لا تساوي شيئا، فلا قيمة للزمن إذا كان دون عشرة آلاف سنة.

لا أحد يعتبرك دون الرجل مرتبة، إذا كان هذا يمكن أن يواسيك. أنت لامعة، هذا باد للعيان جميعًا، بمن فيهم أولئك الذين يعاملونك باحتقار. ولو أمعنّا النظر رغم ذلك، فهل تجدين فيه عزاء؟ إذا ما اعتبروك دونه، فهذا على الأقل سيجعل جحيمك مفهومًا، لأنك سوف تتمكنين من الخروج منه بإقامة الدليل على رجاحة عقلك، اعتمادًا على مبادئ المنطق. إلا أنهم يعلمون أنك مساوية للرجل إن لم تكوني متفوقة عليه: وعندئذ يغدو جحيمك عبثيًا، وهو ما يعني ألا سبيل لمغادرة ذلك الجحيم.

بل، ثمة سبيل، سبيل وحيد لك الحق فيه، إلا إذا كنت ارتكبت حماقة اعتناق الديانة المسيحية: لك الحق في الانتحار. في اليابان، نحن نعرف أنه عمل مشرف جدًا. ولكن لا تتخيلي أن الآخرة فردوس من تلك الفراديس البهيجة التي يصفها الغربيون الظرفاء، فلا وجود في الجهة الأخرى لشيء مدهش. في المقابل، فكري فيما يجعلك تقدمين عليه: ذكرك بعد الوفاة. إذا انتحرت فسوف يصبح عملًا متألقًا يفخر به أقاربك. سيكون لك مكان متميز في قبو المدفن العائلي، هناك حيث للإنسان أن يعلل النفس بأمل كبير.

لن تستطيعي الانتحار بطبيعة الحال، ولكنك ستضعفين، طال الزمان أم قصر، وتقعين في فضيحة ما: كأن تتخذي لك عشيقًا، أو تفرطي في الأكل، أو تصابي بالكسل - لست أدري - لقد لاحظت أن البشر بصفة عامة، والنساء بصفة خاصة، لا يستطيعون العيش طويلًا دون أن يقعوا في أحد الانحرافات المرتبطة باللذة الجسدية. ونحن لا نتوقى هذا الانحراف بدافع الطهرية، فنحن بعيدون كل البعد عن هذا الهوس الأمريكي.

في الحقيقة، ينبغي تجنب الشهوة الحسية، لأنها تجعلنا ننضح عرقًا، ولا شيء معيبًا أكثر من العرق. إذا أكلت طبق مكرونتك الساخنة في لقم كبيرة، إذا استسلمت لسعار الجنس، إذا قضيت شتاءك في النعاس قرب الموقد فسوف تعرقين، عندئذ لن يشك أحد في ابتذالك.

لا مجال للتردد بين الانتحار وسيلان العرق فبقدر ما تكون إراقة الدم باهرة، يكون سيلان العرق شيئا مقززًا. إذا انتحرت فلن تتفصدي عرقًا بتاتًا، وسوف ينتهي قلقك إلى الأبد.

لا أحسب أن مصير الياباني أكثر مدعاة للحسد، بل إن الواقع يثبت العكس. أما اليابانية فهي على الأقل تملك إمكانية مغادرة جحيم الشركة بالزواج. وعدم العمل في الشركة يبدو لي غاية في حد ذاتها.

غير أن الياباني ليس مختنقًا، إذ لم يدمر فيه كل أثر للمثل العليا منذ صغر سنه، فهو يتمتع بأكثر حقوق الإنسان جوهرية: حقه في أن يحلم ويأمل. وهو لا يمنع نفسه من ممارسته، حيث يتخيل عوالم وهمية يكون فيها سيدًا حر الإرادة.

في حين أن اليابانية لا تتمتع بهذا الحق إلا إذا كانت حسنة التربية - وهي حال أغلبهن. لقد سلبت منها تلك الملكة الجوهرية. ولهذا أعرب عن إعجابي العميق بكل يابانية لم تقدم على الانتحار، فبقاؤها على قيد الحياة يعد فعل مقاومة يتسم بشجاعة مترفعة وجليلة في الوقت نفسه.
________________


السبت، 7 أكتوبر 2017

هل تستطيع الإنساليات الفهم أو الإحساس؟ “مستقبل العقل”

هذا مقطتف من كتاب “مستقبل العقل: الاجتهاد العلمي لفهم العقل وتطويره وتقويته”، تأليف ميشيو كاكو، وترجمة سعد الدين خرفان. كان الكتاب من أهم ما قرأت هذه السنة، وأنصح به لكل مهتم بعلوم الأعصاب والتكنولوجيا وعلم النفس كذلك.




عبر قرون، قدم عدد كبير من النظريات بشأن ما إذا كان في إمكان الآلة التفكير أو الشعور. فلسفتي الخاصة تدعى “البنائية"؛ أي بدلا من مناقشة هذا السؤال إلى ما لا نهاية وبلا فائدة، علينا تكريس طاقتنا لخلق إنسالي لمعرفة إلى أي مدى يمكننا الوصول. وإلا فسوف ننتهي في نقاشات فلسفية لا نهاية لها ولا حل. ميزة العلم هي أنه بعد قول وفعل كل شيء، يمكن للمرء أن يجري تجارب لحل مشكلة ما بصورة قاطعة.

لذا من أجل حل مسألة فيما إذا كان الإنسالي يستطيع التفكير، قد يكون القرار النهائي هو بناء واحد منها. حاجج البعض أن الآلات لن تتمكن على الإطلاق من التفكير كالبشر. كانت أقوى حجة لديهم هي أنه على الرغم من أن الإنسالي يمكنه معالجة الحقائق أسرع من الإنسان، لكنه "لا يفهم” ما يقوم به. وعلى الرغم من أنه يستطيع معالجة حواس (كاللون والصوت) أفضل من الإنسان، فإنه لا يستطيع أن “يحس” أو “يختبر” بشكل حقيقي فحوى هذه الأحاسيس.

على سبيل المثال، قسم الفيلسوف ديفيد تشالمرز مسائل الذكاء الصنعي إلى صنفين، المسائل السهلة والمسائل الصعبة. بالنسبة إليه فإن المسائل السهلة هي تصنيع آلات يمكنها تقليد قدرات البشر أكثر فأكثر، كلعب الشطرنج وجمع الأعداد والتعرف على نماذج معينة… إلخ. أما المسائل الصعبة فتشمل صنع آلات يمكنها أن تفهم المشاعر والإحساسات الموضوعية.

وكما أن تعليم معنى اللون الأحمر لشخص أعمى مستحيل، لن يستطيع إنسالي على الإطلاق أن يختبر الإحساس باللون الأحمر كما يقولون. أو يمكن للحاسوب أن يترجم كلامت صينية إلى الإنجليزية بطلاقة كبيرة، لكنه لن يستطيع مطلقا فهم ما يقوم بترجمته. بهذه الصورة، تشبه الإنساليات مسجلات شريطية أو آلات جمع حسابية قادرة على تذكر معلومات ومعالجتها بدقة هائلة، لكن من دون فهم على الإطلاق.

يجب أخذ هذه الحجج بجدية، لكن هناك أيضا طريقة أخرى للنظر إلى الخبرة الموضوعية. في المستقبل، من المحتمل جدا أن تستطيع آلة معالجة الإحساس باللون الأحمر مثلا أفضل بكثير من أي إنسان. ستستطيع وصف المواصفات الفيزيائية للون الأحمر، وحتى أن تستخدمه شعريا في جملة أفضل من الإنسان. ولكن هل “يشعر” الإنسالي باللون الأحمر؟ تصبح المسألة بلا قيمة بما أن الكلمة “يشعر” ليست مُعرفة جيدا. في مرحلة ما ربما يتجاوز وصف إنسالي للون الأحمر وصف البشر له، وربما سيسأل: هل يفهم البشر حقا اللون الأحمر؟ ربما لا يستطيع البشر أن يفهموا حقا اللون الأحمر بالتفاصيل والتعقيدات كلها التي يمكن لإنسالي معرفتها.

قال عامل التربية سكينر مرة “المشكلة الحقيقية ليست فيما إذا كانت الآلات تفكر، لكن فيما إذا كان البشر يفكرون”.

بالمثل، إنها مسألة وقت فقط قبل أن يستطيع الإنسالي أن يعرف الكلمات الصينية ويستخدمها في سياقها أفضل بكثير من أي إنسان. عند تلك المرحلة يصبح من غير المهم معرفة ما إذا كان الإنسالي “يفهم” اللغة الصينية. من الناحية العملية، سوف يعرف الحاسوب اللغة الصينية أفضل من أي إنسان. بعبارات أخرى فالكلمة “فهم”  ليست محددة جيدا.

يوما ما، مع تفوق الإنساليات علينا في التحكم بتلك الكلمات والأحاسيس، سيصبح من غير المهم ما إذا كانت الإنساليات “تفهم” أو “تحس” بها. لن تكون هناك أي أهمية لهذا السؤال.

وكما قال الرياضي جون فون نيومان “في الرياضيات، أنت لا تفهم الأشياء. إنك تتعودها فقط”. لذا فالمشكلة لا تقع في الآلة بل في طبيعة اللغة البشرية، حيث تعني الكلمات غير المحددة أشياء مختلفة لأشخاص مختلفين. سئل فيزيائي الكم الشهير نيلز بوهر مرة كيف يمكن للمرء أن يفهم المسائل المعقدة العميقة لنظرية الكم. الجواب كما قال يقع في كيف تحدد معنى كلمة “يفهم”.

كتب الدكتور دانييل دينيت، وهو فيلسوف في جامعة تافت، ما يلي: “ليس فيٍ الإمكان إيجاد اختبار موضوعي للتمييز بين إنسالي ذكي وشخص واع. الآن لديك خيار: يمكنك إما التشبث بالمسألة الصعبة، وإما يمكنك هز رأسك بتعجب وطرحها جانبا. استسلم فقط”.

بعبارات أخرى، ليس هناك ما يسمى “مسألة صعبة”. بالنسبة إلى الفلسفة البنائية، ليست المسألة في النقاش حول ما إذا كانت آلة تستطيع الإحساس باللون الأحمر، لكن في بناء الآلة. بهذه الصورة، هناك استمرار لمستويات وصف الكلمة “فهم” و"شعور". هذا يعني أنه ربما من الممكن إعطاء قيم رقمية لدرجة الفهم والشعور. من جهة، لدينا الإنساليات الخرقاء الموجودة اليوم، والتي يمكنها أن تتلاعب ببعض الرموز لكن ليس أكثر من ذلك. ومن جهة أخرى لدينا بشر يفخرون بالشعور الموضوعي. لكن مع مرور الزمن ستستطيع الإنساليات في النهاية أن تصف الأحاسيس أفضل منا على أي مستوى. وعندها سيكون من الواضح أن الإنساليات تفهم.

كانت هذه هي الفلسفة وراء اختبار تورنغ الشهير لألان تورنغ. لقد تنبأ بأن آلة ستبنى يوما ما يمكنها الإجابة عن أي سؤال، بحيث لا يمكن تمييزها عن الإنسان. قال: “يستحق حاسوب ما أن يدعى ذكيا لو استطاع خداع إنسان للاعتقاد بأنه إنسان”.

عبر الفيزيائي وحامل جائزة نوبل فرانسيس كريك عن ذلك بشكل أفضل. في القرن الأخير، كما لاحظ، دارت مناقشات حامية بين علماء الأحياء حول السؤال “ما الحياة؟”. وبفهمنا للدنا اليوم يدرك العلماء أن السؤال غير محدد تماما. هناك اختلافات وطبقات وتعقيدات عديدة لذلك السؤال البسيط. لذا فالسؤال “ما الحياة” قد تلاشى ببساطة. ربما سينطبق الشيء نفسه في النهاية على الشعور والفهم. 

من كتاب “مستقبل العقل: الاجتهاد العلمي لفهم العقل وتطويره وتقويته”، تأليف ميشيو كاكو، ترجمة سعد الدين خرفان.