الكتاب: لائحة رغباتي
الكاتب: جريجوار دولاكور
لغة القراءة: الفرنسية
صيغة القراءة: كتاب ورقي
التقييم: 4/5
مرحبًا ورمضان كريم. انتهيت الشهر الماضي من قراءة "لائحة رغباتي"، للفرنسي الحبيب جريجوار دولاكور. كانت هذه قراءتي الثانية للرواية، هذه المرة بلغتها الأم، بعد أن كانت المرة الأولى منذ ثلاث أو أربع سنوات بالعربية.
ينتمي جريجوار دولاكور إلى نوع فريد من الروائيين المعاصرين، فرواياته سريعة الإيقاع، page-turners كما يطلق عليها، ولكنها بعيدة كل البعد عن التفاهة والابتذال. قصصه خفيفة الظل مع جرعة لا يستهان بها من التراجيديا أيضًا. بالنسبة لي، هو نسخة أكثر سوداوية قليلًا من فريدريك باكمان، الذي تحدثت عنه كثيرًا على المدونة (وخارجها.. لا أستطيع التوقف عن ترشيحه لكل من أقابل، على الرجل أن يعطيني نسبة من المبيعات). يكسر دولاكور قلبي في منتصف كل رواية، ثم يصلحه مجددًا في نهايتها.
تدور أحداث الرواية في بلدة فرنسية صغيرة لا يحدث فيها أي شيء. بطلتنا هي "جوسيلين"، امرأة أربعينية عادية، تدير متجرًا للأقمشة وأدوات الخياطة، وتعتني بأبيها الذي يعان من مرض شيخوخة يجعل ذاكرته تدوم لست دقائق. جوسيلين متزوجة ولديها ابن وابنة ناضحين يعيشان بعيدًا عن المنزل. حياة جوسيلين مع زوجها عادية أيضًا، مرا معًا بعدة تحديات من أصعب ما يكون، لكنهما نجحا في الاستمرار معًا بفضل التغافل أو الحظ أو بحكم العادة. وذات يوم، تفوز جوسيلين بالياناصيب بعد أن أقنعتها صديقاتها بشراء تذكرة على سبيل المزاح. تتغير حياة جوسيلين تمامًا، فالمال يعقد كل شيء.
إن سألتك عزيزي القارئ الحكيم، ماذا ستفعل لو فزت بعشرين مليون يورو في الياناصيب؟ أعتقد أن الإجابة على هذا السؤال أعقد مما نظن، فأنا مثلًا لا أعرف ماذا سأفعل بهم. شخصيًا، "لائحة رغباتي" لا تتضمن عددًا كبيرًا من الأشياء التي تُشترى بمال. ربما شقة صغيرة على البحر ستكون لطيفة لكني لا أحتاج عشرين مليون يورو لتحقيق ذلك، ثم أنني لن أجد الوقت الكافي للاعتناء بها. وربما سيارة جيدة أيضًا، لكني أكره السيارات. وكل الكتب التي أريدها، بالإصدارات الخاصة، لكنها أيضًا لا تتطلب عشرين مليون يورو. ثم أنني سأصاب بالذعر لأن منظر الكتب غير المقروءة يوترني. أرجو أن تكون لائحتك هكذا أيضًا. وهكذا هي لائحة جوسيلين: كل ما يرغب المرء في شراؤه حقًا لا يحتاج إلى هذا المبلغ الخيالي من المال. وإن حصل عليه، فماذا بعد؟ المتعة - في رأيي - ليست في الحصول على منزل الأحلام في غمضة عين، بل في ادخار المال شهرًا بعد شهر لشراؤه بعد بضع سنين.
ربما تبدو فكرة "الفلوس مش كل حاجة" ساذجة لك بعض الشيء عزيزي القارئ الواقعي، لكن أعطني فرصة: ليس الأمر متعلقًا بالمال فقط، إنه أسلوب حياتنا كله. هناك خطب ما حدث لمنحنى تطور البشر على مدار القرون فجعل أعظم أحلامنا سيارة فيراري، أو حذاء جديد من أغلى الماركات، أو إقامة في فندق خمس نجوم يبدو كل المقيمين فيه كأسماك التونة المرصوصة في ثلاجات السوبرماركت، بلا شعور، بلا دفء وبلا حياة.
أعجبتني الرواية بكل بساطتها ورسالتها الكليشيهية. أعجبتني لغة دولاكور وصوره البديعة، وربما أبكتني جوسيلين مرة أو اثنين لكنها أضحكتني طويلًا. أتطلع لقراءة أعمال دولاكور الأحدث، الأقل شهرة: "يومًا ما سيأتي اللون البرتقالي"، و"أول شيء تراه".
الرواية متوفرة في المكتبات بالترجمة العربية.
اقتباسات
"تقابلنا لأول مرة في المتجر، حيث أرسلته أمه لشراء ثلاثين سنتيمترًا من دانتيل مدينة فالنسيان، دانتيل بانحناءات من خيط طويل منسوج بلا انقطاع، شديد الرقة، بنقشات بألوان مط.. كان تحفة فنية. "بل هي أنت التحفة الفنية"، هكذا قال لي، فاحمرت وجناتي ودق قلبي. ثم ابتسم. يعرف الرجال الكوارث التي يلحقونها بقلوب الفتيات، ونحن المسكينات نحوم ونحوم ونسقط في الفخ، سعيدات لأن أحدهم أخيرًا قد قرر أن ينصبه لنا".
"أظن أن كل شيء يتحرك بسرعة. نتحدث بسرعة، نفكر بسرعة (إن فكرنا!)، نرسل رسائل إلكترونية، رسائل نصية دون إعادة قراءتها، نفقد أناقة الخط المكتوب، نفقد الذوق والأدب، وإحساسنا بالأشياء. لقد رأيت أطفالًا على فيسبوك ينشرون صورًا لهم وهم يتقيأون. لا، أنا لست ضد التقدم، أنا فقط أخشى أنه سوف يعزلنا عن بعضنا البعض".
"هناك أحزان ثقيلة للغاية لدرجة أن المرء يضطر للسماح لها بالرحيل".
"أنا ابنتك يا أبي. أنا ابنتك الوحيدة. طفلتك الوحيدة. نشأت في انتظارك لحين عودتك من العمل أثناء مشاهدة أمي وهي ترسم العالم. كبرت في خوف من أن ألا أكون جميلة في عينيك، ألا أكون ساحرة كأمي، ألا أكون ذكية مثلك. حلمت بأن أرسم وأصمم الفساتين، أن أجعل كل النساء جميلات. حلمت بفارس على حصان أبيض، بقصة حب مطلقة، حلمت بالبراءة، بالفردوس المفقود، بالبحيرات، حلمت بأن لدي جناحين، حلمت بأن يحبني أحدهم لما أنا عليه، لا على سبيل الشفقة".